﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشٰاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ [البقرة:269] لا يقال فيه قليل ثم قال ﴿وَ مٰا يَذَّكَّرُ إِلاّٰ أُولُوا الْأَلْبٰابِ﴾ [البقرة:269] و اللب نور في العقل كالدهن في اللوز و الزيتون و التذكر لا يكون إلا عن علم منسي فتنبه لما حررناه في هذه الآيات تسعد إن شاء اللّٰه تعالى و بعد أن أبنت لك عن مرتبة هذا العلم من هذا المنزل فلنبين أصل هذا العلم و مادة بقائه و حجاب مادته و بما ذا يوصل إلى ذلك بتأييد اللّٰه و توفيقه
[العلوم الإلهي الذي ينتهى إليه العارفون]
فاعلم إن أصل هذا العلم الإلهي هو المقام الذي ينتهي إليه العارفون و هو أن لا مقام كما وقعت به الإشارة بقوله تعالى ﴿يٰا أَهْلَ يَثْرِبَ لاٰ مُقٰامَ لَكُمْ﴾ [الأحزاب:13] و هذا المقام لا يتقيد بصفة أصلا و قد نبه عليه أبو يزيد البسطامي رحمه اللّٰه لما قيل له كيف أصبحت فقال لا صباح لي و لا مساء إنما الصباح و المساء لمن تقيد بالصفة و أنا لا صفة لي فالصباح للشروق و المساء للغروب و الشروق للظهور و عالم الملك و الشهادة و الغروب للستر و عالم الغيب و الملكوت فالعارف في هذا المقام كالزيتونة المباركة التي لا هي شرقية و لا غربية فلا يحكم على هذا المقام وصف و لا يتقيد به و هو حظه من ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] و ﴿سُبْحٰانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّٰا يَصِفُونَ﴾ [الصافات:180] فالمقام الذي بهذه المثابة هو أصل هذا العلم و بين هذا الأصل و هذا العلم مراتب فالأصل هو الثبات على التنزيه عن قبول الوصف و الميل إلى حال دون حال ثم ينتج هذا الثبات صورة يتصف بها العارف لها ظاهر و لها باطن فالباطن منها لا يصل إليه إلا بعد المجاهدة البدنية و الرياضة النفسية فإذا وصل إلى سر هذا الباطن و هو علم خاص هو لهذا العلم المطلوب كالدهن للسراج و العلم كالسراج فلا يظهر لهذا العلم ثمرة إلا في العلماء به كما لا يظهر للدهن حكم إلا في السراج القائم بالفتيلة و هنا يقع له اكتساب الأوصاف التي نزهنا الأصل عنها في ذلك المقام و في هذا المقام نصفه بها من أجلنا لا من أجله فهذا الوصف للآثار لا له كان اللّٰه و لا شيء معه و سيأتي الكلام على هذا الأصل في الباب الخمسين و ثلاثمائة من هذا الكتاب و مما يتضمنه هذا المنزل علم خلق الأجسام الطبيعية و أن أصلها من النور و لذلك إذا عرف الإنسان كيف يصفي جميع الأجسام الكثيفة الظلمانية أبرزها شفافة للنورية التي هي أصلها مثل الزجاج إذا خلص من كدورة رملة يعود شفافا و جلى الأحجار من هذا الباب و معادن البلور و المها و إنما كان ذلك لأن أصل الموجودات كلها ﴿اَللّٰهُ﴾ [الفاتحة:1] من اسمه
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية