و ذكر الفتح بالعذاب هذا حتى لا يفرح العاقل بالفتح عند فتح الباب حتى يرى ما يفتح له قال بعضهم عند الموت هذا باب كنت أقرعه منذ كذا و كذا سنة هو ذا يفتح لي و لا أدري بما ذا قالت عاد ﴿هٰذٰا عٰارِضٌ مُمْطِرُنٰا﴾ [الأحقاف:24] حجبتهم العادة قيل لهم ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهٰا عَذٰابٌ أَلِيمٌ﴾ [الأحقاف:24] فلا تغتر بالفتح إذا لم تدر ما ثمة ﴿وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [ طه:114]
[الفتح الإلهي]
و لما كان الفتح الإلهي على نوعين في العالم فتح عن قرع و فتح ابتداء لا عن قرع فأما فتح القرع فيعلم أهل اللّٰه بما ذا يفتح فإن القرع هو دليلهم على ما يفتح به و ليس مطلوب القوم بالفتوح هذا النوع و إنما مطلوبهم بالفتوح ما يكون ابتداء من غير تعمل لذلك و إن كان يطلبه العمل من العبد الذي هو عليه بحكم التضمن و لكن ما يخطر للعبد العامل ذلك جملة واحدة فيكون الفتح في حقه إذا ورد ابتداء و إذا ورد الفتح على اختلاف ضروبه كما قررناه تعين على هذا العبد إقامة الوزن بالقسط كما أمره اللّٰه في قوله ﴿وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ﴾ [الرحمن:9] فيقيم الوزن هذا العبد بين حاله الذي هو عليه و بين الفتح فإن كان الفتح مناسبا للحال فهو نتيجة حاله فيقيم عند ذلك وزنا آخر و هو أن ينظر في مقدار الفتح و قوة الحال فإن ساواه فهو نتيجة بلا شك فليحذر هذا العبد مكر اللّٰه في هذا الفتح فإنه نتيجة في غير موطنها فربما عجلت له عطيته و انقلب إلى الدار الآخرة صفر اليدين فإن كان الفتح مما يعطي أدبا و ترقيا فليس بمكر بل هو عناية من اللّٰه تعالى بهذا العبد حيث زاده فتحا يؤديه إلى زيادة خير عند اللّٰه تعالى و إن أقام الوزن بين مقدار الفتح و قوة الحال و رأى الفتح فوق الحال فينزل منه مقدار قوة الحال و ما زاد فذلك هو الفتوح الذي ذكرته الطائفة هذا أصل ينبغي أن بعلم و يتحقق و له شواهد يعلمها الذائق له و إن لم يدخل الفتح في ميزان الحال جملة واحدة و بقي حاله موفورا عليه كان ذلك الفتح هو الفتح المطلوب عند القوم و بعد أن تقرر هذا فلنذكر كل نوع من أنواع الفتوح أما الفتوح في العبارة فإنه لا يكون إلا للمحمدي الكامل من الرجال و لو كان وارثا لأي نبي كان و أقوى مقام صاحب هذا الفتح الصدق في جميع أقواله و حركاته و سكونه إلى أن يبلغ به الصدق أن يعرف صاحبه و جليسه ما في باطنه من حركة ظاهرة لا يمكن لصاحب هذا الفتح أن يصور كلاما في نفسه و يرتبه بفكره ثم ينطق به بعد ذلك بل زمان نطقه زمان تصوره لذلك اللفظ الذي يعبر به عما في نفسه زمان قيام ذلك المعنى في نفسه و صورته و ليس لغير صاحب هذا الفتح هذا الوصف و يكون التنزل على صاحب هذا الفتح من المرتبة التي نزل فيها القرآن خاصة من كونه قرآنا لا من كونه فرقانا و لا من كونه كلام اللّٰه فإن كلام اللّٰه لا يزال ينزل على قلوب أولياء اللّٰه تلاوة فينظر الولي ما تلي عليه مثل ما ينظر النبي فيما أنزل عليه فيعلم ما أريد به في تلك التلاوة كما يعلم النبي ما أنزل عليه فيحكم بحسب ما يقتضيه الأمر هكذا هو الشأن و لهذا التنزل في قلب الولي حلاوة نذكرها في النوع الثاني من الفتح فلا تقع التلاوة لصاحب هذا الفتح إلا من كون المتلو قرآنا لا غير فيفتح اللّٰه له في العبارة فيعرب بقلمه أو بلفظه عما في نفسه بحيث أن يوضح المقصود عند السامع إذا كان السامع ممن ألقى السمع و من علامة صاحب هذا الفتح عند نفسه استصحاب الخشوع و توالي الاقشعرار عليه في جسده بحيث أن يحس بأجزائه قد تفرقت فإن لم يجد ذلك في نفسه فيعلم أنه ليس ذلك الرجل المطلوب و لا هو صاحب هذا الفتح و هذا فتح ما رأيت له في عمري فيمن لقيته من رجال اللّٰه أثرا في أحد و قد يكون في الزمان رجال لهم هذا الفتح و لم ألقهم غير أني منهم بلا شك عندي و لا ريب فلله الحمد على ذلك و سيرد في فصل المنازل في منزل القرآن فرقان ما بين أسمائه فإنه القرآن و الفرقان و النور و الهدى و غير ذلك من الأسماء الموضوعة له و مهما تصور المتكلم المعبر عما في نفسه ما يتكلم به قبل العبارة و يرتب التعبير عن الأمر في نفسه و يحسنه و يتمعنه بحيث أن يحسن عند كل من يسمع تلك العبارة فليس هو بصاحب فتح فإنه من شأن الفتوح أن يفجأ و يأتي بغتة من غير شعور هكذا كل فتوح يكون في هذا الطريق ثم إنه من حقيقة صاحب هذا الفتح شهود ما يعبر عنه و شهود من يسمع منه و بما يسمع منه فيعطيه من العبارة ما يليق بذلك السمع الخاص فإن لم يكن بهذا الوصف فليس هو بصاحب فتح في العبارة و هذا معنى قولنا إن سببه الإخلاص النوع الثاني من الفتوح الذي هو فتح الحلاوة في الباطن و هو سبب جذب الحق بإعطافه فهذه الحلاوة و إن كانت معنوية فإن أثرها عند صاحبها يحس به كما يحس ببرد الماء البارد و صورة الإحساس بها كصورة الإحساس بكل محسوس و طريقها في الحس من الدماغ ينزل إلى محل الطعم فيجدها ذوقا فيجد عند حصول هذا الذوق استرخاء في الأعضاء و المفاصل و خدرا في الجوارح لقوة اللذة و استفراغا لطاقته و من أصحاب هذا الفتح من تدوم معه هذه الحلاوة ساعة و يوما و أكثر من ذلك ليس لبقائها زمان مخصوص فإنه اختلف علينا بقاؤها فوقتا نزلت علينا في قضية فدامت معنا ساعة ثم ارتفعت ثم نزلت في واقعة أخرى فدامت أياما ليلا و نهارا و حينئذ ارتفعت فإذا ارتفعت زال ذلك الخدر من الجوارح و هذه الحلاوة لا يمكن أن يشبهها لذة من اللذات المحسوسة لأنها غريبة لكونها معنوية في غير مادة محسوسة فما تشبه حلاوة العسل و لا حلاوة الجماع و لا حلاوة شيء محسوس كما أنها أيضا لا تشبه حلاوة حصول العلوم المعشوقة للطالب بل هي أعلى و أجل و أثرها في الحس أعظم من أثر الحلاوة المركبة في المواد المحسوسة كحلاوة كل حلو و تميزها عن لذات المعاني إنما هو بما لها من الأثر في الحس فافهم ذلك و لما سماني الحق عبدا بأسمائه و فتح لي في هذه الحلاوة ما رأيت أشد أثرا منها في الاسم العزيز فلما ناداني بيا عبد العزيز و معنى ذلك أن يقام الإنسان عبدا في كل اسم إلهي ليحصل الفرقان بين الحقائق لتحصيل العلوم الإلهية وجدت لهذا النداء من الحلاوة ما لم أجد لغيره من الأسماء و نظرت في سبب ذلك فوجدت إن مقام العزة يقتضي أن يكون الأمر كذلك و هذه الحلاوة و إن تميزت عن حلاوة المحسوسات و المعاني فهي متنوعة في نفسها فحلاوة أمر ما منها خلاف حلاوة أمر آخر يجد الذائق الفرق بينهما كحلاوة السكر يجد الإنسان الفرق بينها و بين حلاوة العسل و إن اشتركا في الحلاوة و كذلك الأمر هنا و لا تحصل هذه الحلاوة لا حد
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية