و أما النور الذي عن يسارك فهو نور الوقاية و الجنة من الشبه المضلة المؤثرة في النفوس الجهالات و الالتباس و التشكيك الذي يخطر للناظر الباحث في الاعتقاد في اللّٰه و فيما أخبر به عن نفسه و هو على نوعين نور إيمان و نور دليل و نور الدليل على نوعين نور نظر فكري و نور نظر كشفي فيعلم الأمر على ما هو عليه في نفسه فهذا فائدة النور الذي يأتي عن الشمال و أما النور الذي خلفنا فهو النور الذي ﴿يَسْعىٰ﴾ [القصص:20] بين يدي من يقتدي بنا و يتبعنا على مدرجتنا فهو لهم من بين أيديهم و هو لنا من خلفنا فيتبعنا على بصيرة من أجل ذلك النور الذي يخرجهم عن التقليد قال ﴿أَدْعُوا إِلَى اللّٰهِ عَلىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي﴾ فهو بالنور الذي بين يديه يدعو على بصيرة و الداعي المتبع له يدعو بالنور الذي خلفه ليكون هذا المتبع أيضا على بصيرة فيما يدعو إليه مثل من اتبعه و بذلك النور يرى من خلفه مثل ما يرى من بين يديه و هذا مقام نلته سنة ثلاث و تسعين و خمسمائة بمدينة فاس في صلاة العصر و أنا أصلي بجماعة بالمسجد الأزهر بجانب عين الجبل فرأيته نورا يكاد يكون أكشف من الذي بين يدي غير أني لما رأيته زال عني حكم الخلف و ما رأيت لي ظهرا و لا قفا و لم أفرق في تلك الرؤية بين جهاتي بل كنت مثل الأكرة لا أعقل لنفسي جهة إلا بالفرض لا بالوجود و كان الأمر كما شاهدته مع أنه كان قد تقدم لي قبل ذلك كشف الأشياء في عرض حائط قبلتي و هذا كشف لا يشبه هذا الكشف و أما النور الذي من فوقي فهو تنزل نور إلهي قدسي بعلم غريب لم يتقدمه خبر و لا يعطيه نظر و هذا النور هو الذي يعطي من العلم بالله ما ترده الأدلة العقلية إذا لم يكن لها إيمان فإن كان لها إيمان نوراني قبلته بتأويل لتجمع بين الأمرين و أما النور الذي من تحتنا فهو النور الذي يكون تحت حكمنا و تصريفنا لا يقترن معه فينا أمر إلهي نقف عنده فلا نصرفه إلا فيه و أما الأنوار التي نسعى بها فهي أنوار المعية من جانب الحق في قوله
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية