﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرٰابٍ﴾ [آل عمران:59] و كان الدم من الهواء و هو قوله ﴿مَسْنُونٍ﴾ [الحجر:26] و كان البلغم من الماء الذي عجن به التراب فصار طينا ثم أحدث فيه القوة الجاذبة التي بها يجذب الحيوان الأغذية ثم القوة الماسكة و بها يمسك ما يتغذى به الحيوان ثم القوة الهاضمة و بها يهضم الغذاء ثم القوة الدافعة و بها يدفع الفضلات عن نفسه من عرق و بخار و رياح و براز و أمثال ذلك و أما سريان الأبخرة و تقسيم الدم في العروق من الكبد و ما يخلصه كل جزء من الحيوان فبالقوة الجاذبة لا الدافعة فحظ القوة الدافعة ما نخرجه كما قلنا من الفضلات لا غير ثم أحدث فيه القوة الغاذية و المنمية و الحاسية و الخيالية و الوهمية و الحافظة و الذاكرة و هذا كله في الإنسان بما هو حيوان لا بما هو إنسان فقط غير أن هذه القوي الأربعة قوة الخيال و الوهم و الحفظ و الذكر هي في الإنسان أقوى منها في الحيوان ثم خص آدم الذي هو الإنسان بالقوة المصورة و المفكرة و العاقلة فتميز عن الحيوان و جعل هذه القوي كلها في هذا الجسم آلات للنفس الناطقة لتصل بذلك إلى جميع منافعها المحسوسة و المعنوية ثم أنشأه خلقا آخر و هو الإنسانية فجعله دراكا بهذه القوي حيا عالما قادرا مريدا متكلما سميعا بصيرا على حد معلوم معتاد في اكتسابه ﴿فَتَبٰارَكَ اللّٰهُ أَحْسَنُ الْخٰالِقِينَ﴾ [المؤمنون:14] ثم إنه سبحانه ما سمي نفسه باسم من الأسماء إلا و جعل للإنسان من التخلق بذلك الاسم حظا منه يظهر به في العالم على قدر ما يليق به و لذلك تأول بعضهم
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية