[حقيقة الحقائق]
(و معلوم ثان)و هو الحقيقة الكلية التي هي للحق و للعالم لا تتصف بالوجود و لا بالعدم و لا بالحدوث و لا بالقدم هي في القديم إذا وصف بها قديمة و في المحدث إذا وصف بها محدثة لا تعلم المعلومات قديمها و حديثها حتى تعلم هذه الحقيقة و لا توجد هذه الحقيقة حتى توجد الأشياء الموصوفة بها فإن وجد شيء عن غير عدم متقدم كوجود الحق و صفاته قيل فيها موجود قديم لإنصاف الحق بها و إن وجد شيء عن عدم كوجود ما سوى اللّٰه و هو المحدث الموجود بغيره قيل فيها محدثة و هي في كل موجود بحقيقتها فإنها لا تقبل التجزي فما فيها كل و لا بعض و لا يتوصل إلى معرفتها مجردة عن الصورة بدليل و لا ببرهان فمن هذه الحقيقة وجد العالم بوساطة الحق تعالى و ليست بموجودة فيكون الحق قد أوجدنا من موجود قديم فيثبت لنا القدم و كذلك لتعلم أيضا أن هذه الحقيقة لا تتصف بالتقدم على العالم و لا العالم بالتأخر عنها و لكنها أصل الموجودات عموما و هي أصل الجوهر و فلك الحياة و الحق المخلوق به و غير ذلك و هي الفلك المحيط المعقول فإن قلت إنها العالم صدقت أو إنها ليست العالم صدقت أو إنها الحق أو ليست الحق صدقت تقبل هذا كله و تتعدد بتعدد أشخاص العالم و تتنزه بتنزيه الحق و إن أردت مثالها حتى يقرب إلى فهمك فانظر في العودية في الخشبة و الكرسي و المحبرة و المنبر و التابوت و كذلك التربيع و أمثاله في الأشكال في كل مربع مثلا من بيت و تابوت و ورقة و التربيع و العودية بحقيقتها في كل شخص من هذه الأشخاص و كذلك الألوان بياض الثوب و الجوهر و الكاغذ و الدقيق و الدهان من غير أن تتصف البياضية المعقولة في الثوب بأنها جزء منها فيه بل حقيقتها ظهرت في الثوب ظهورها في الكاغذ و كذلك العلم و القدرة و الإرادة و السمع و البصر و جميع الأشياء كلها فقد بينت لك هذا المعلوم و قد بسطنا القول فيه كثيرا في كتابنا الموسوم بإنشاء الجداول و الدوائر(و معلوم ثالث)و هو العالم كله الأملاك و الأفلاك و ما تحويه من العوالم و الهواء و الأرض و ما فيهما من العالم و هو الملك الأكبر(و معلوم رابع)و هو الإنسان الخليفة الذي جعله اللّٰه في هذا العالم المقهور تحت تسخيره قال تعالى ﴿وَ سَخَّرَ لَكُمْ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ﴾ [الجاثية:13]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية