و كانت بيني و بين الكعبة في زمان مجاورتي بها مراسلة و توسلات و معاتبة دائمة و قد ذكرت بعض ما كان بيني و بينها من المخاطبات في جزء سميناه تاج الرسائل و منهاج الوسائل يحتوي فيما أظن على سبع رسائل أو ثمان من أجل السبعة الأشواط لكل شوط رسالة مني إلى الصفة الإلهية التي تجلت لي في ذلك الشوط و لكن ما عملت تلك الرسائل و لا خاطبتها بها إلا لسبب حادث و ذلك أني كنت أفضل عليها نشأتي و اجعل مكانتها في مجلى الحقائق دون مكانتي و اذكرها من حيث ما هي نشأة جمادية في أول درجة من المولدات و أعرض عما خصها اللّٰه به من علو الدرجات و ذلك لارقى همتها و لا تحجب بطواف الرسل و الأكابر بذاتها و تقبيل حجرها فإني على بينة من ترقي العالم علوه و سفله مع الأنفاس لاستحالة ثبوت الأعيان على حالة واحدة فإن الأصل الذي يرجع إليه جميع الموجودات و هو اللّٰه وصف نفسه إنه ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن:29] فمن المحال أن يبقى شيء في العالم على حالة واحدة زمانين فتختلف الأحوال عليه لاختلاف التجليات بالشئون الإلهية و كان ذلك مني في حقها لغلبة حال غلب علي فلا شك أن الحق أراد أن ينبهني على ما أنا فيه من سكر الحال فأقامني من مضجعي في ليلة باردة مقمرة فيها رش مطر فتوضأت و خرجت إلى الطواف بانزعاج شديد و ليس في الطواف أحد سوى شخص واحد فيما أظن انتهى الجزء السادس و الستون (بسم اللّٰه الرحمن الرحيم)
(وصل)فيما جرى من الكعبة في حقي في تلك الليلة
و ذلك أني لما نزلت قبلت الحجر و شرعت في الطواف فلما كنت في مقابلة الميزاب من وراء الحجر نظرت إلى الكعبة فرأيتها فيما تخيل لي قد شمرت أذيالها و استعدت مرتفعة عن قواعدها و في نفسها إذا وصلت بالطوال إلى الركن الشامي إن تدفعني بنفسها و ترمي بي عن الطواف بها و هي تتوعدني بكلام أسمعه بإذني فجزعت جزعا شديدا و أظهر اللّٰه لي منها حرجا و غيظا بحيث لم أقدر على إن أبرح من موضعي ذلك و تسترت بالحجر ليقع الضرب منها عليه جعلته كالمجن الحائل بيني و بينها و أسمعها و اللّٰه و هي تقول لي تقدم حتى ترى ما أصنع بك كم تضع من قدري و ترفع من قدر بنى آدم و تفضل العارفين علي و عزة من له العزة لا تركتك تطوف بي فرجعت مع نفسي و علمت إن اللّٰه يريد تأديبي فشكرت اللّٰه على ذلك و زال جزعي الذي كنت أجده و هي و اللّٰه فيما يخيل لي قد ارتفعت عن الأرض بقواعدها مشمرة الأذيال كما يتشمر الإنسان إذا أراد أن يثب من مكانه يجمع عليه ثيابه هكذا خيلت لي قد جمعت ستورها عليها لتثب علي و هي في صورة جارية لم أر صورة أحسن منها و لا يتخيل أحسن منها فارتجلت أبياتا في الحال أخاطبها بها و أستنزلها عن ذلك الحرج الذي عاينته منها فما زلت أثنى عليها في تلك الأبيات و هي تتسع و تنزل بقواعدها على مكانها و تظهر السرور بما أسمعها إلى أن عادت إلى حالها كما كانت و أمنتني و أشارت إلي بالطواف
[أمانة ابن عربى التي أودعها عند الكعبة]
فرميت بنفسي على المستجار و ما في مفصل إلا و هو يضطرب من قوة الحال إلى أن سرى عني و صالحتها و أودعتها شهادة التوحيد عند تقبيل الحجر فخرجت الشهادة عند تلفظي بها و أنا أنظر إليها بعيني في صورة سلك و انفتح في الحجر الأسود مثل الطاق حتى نظرت إلى قعر طول الحجر فرأيته نحو ذراع فسألت عنه بعد ذلك من رآه من المجاورين حين احترق البيت فعمل بالفضة و أصلح شأنه فقال لي رأيته كما ذكرت في طول الذراع و رأيت الشهادة قد صارت مثل الكبة و استقرت في قعر الحجر و انطبق الحجر عليها و انسد ذلك الطاق و أنا أنظر إليه فقالت لي هذه أمانة عندي أرفعها لك إلى يوم القيامة أشهد لك بها عند اللّٰه هذا قول الحجر لي و أنا أسمع فشكرت اللّٰه ثم شكرتها على ذلك و من ذلك الوقت وقع الصلح بيني و بينها و خاطبتها بتلك الرسائل السبعة فزادت بي فرحا و ابتهاجا حتى جاءتني منها بشرى على لسان رجل صالح من أهل الكشف ما عنده خبر بما كان بيني و بينها مما ذكرته فقال لي رأيت البارحة فيما يرى النائم هذه الكعبة و هي تقول لي يا عبد الواحد سبحان اللّٰه ما في هذا الحرم من يطوف بي إلا فلان و سمتك لي باسمك ما أدري أين مضى الناس ثم أقمت لي في النوم و أنت طائف بها وحدك لم أرى معك في الطواف أحدا قال الرائي فقالت لي انظر إليه هل ترى بي طائفا آخر لا و اللّٰه و لا أراه أنا فشكرت اللّٰه على هذه البشرى من مثل ذلك الرجل و تذكرت قول رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم في الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو ترى له
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية