و أن النبوة قد انقطعت و الرسالة إنما يريد بهما التشريع فلما كانت النبوة أشرف مرتبة و أكملها ينتهي إليها من اصطفاه اللّٰه من عباده علمنا إن التشريع في النبوة أمر عارض بكون عيسى عليه السلام ينزل فينا حكما من غير تشريع و هو نبي بلا شك فخفيت مرتبة النبوة في الخلق بانقطاع التشريع و معلوم أن آل إبراهيم من النبيين و الرسل الذين كانوا بعده مثل إسحاق و يعقوب و يوسف و من انتسل منهم من الأنبياء و الرسل بالشرائع الظاهرة الدالة على إن لهم مرتبة النبوة عند اللّٰه أراد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم أن يلحق أمته و هم آله العلماء الصالحون منهم بمرتبة النبوة عند اللّٰه و إن لم يشرعوا و لكن أبقى لهم من شرعه ضربا من التشريع «فقال قولوا اللهم صل على محمد و على آل محمد أي صل عليه من حيث ما له آل كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم» أي من حيث إنك أعطيت آل إبراهيم النبوة تشريفا لإبراهيم فظهرت نبوتهم بالتشريع و قد قضيت إن لا شرع بعدي فصل علي و على آلي بأن تجعل لهم مرتبة النبوة عندك و إن لم يشرعوا فكان من كمال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إن ألحق آله بالأنبياء في المرتبة و زاد على إبراهيم بأن شرعه لا ينسخ و بعض شرع إبراهيم و من بعده نسخت الشرائع بعضها بعضا و ما علمنا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم الصلاة عليه على هذه الصورة إلا بوحي من اللّٰه و بما أراه اللّٰه و أن الدعوة في ذلك مجابة فقطعنا أن في هذه الأمة من لحقت درجته درجة الأنبياء في النبوة عند اللّٰه لا في التشريع و لهذا بين رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و أكد بقوله فلا رسول بعدي و لا نبي فأكد بالرسالة من أجل التشريع فأكرم اللّٰه رسوله صلى اللّٰه عليه و سلم بأن جعل آله شهداء على أمم الأنبياء كما جعل الأنبياء شهداء على أممهم ثم إنه خص هذه الأمة أعني علماءها بأن شرع لهم الاجتهاد في الأحكام و قرر حكم ما أداه إليه اجتهادهم و تعبدهم به و تعبد من قلدهم به كما كان حكم الشرائع للأنبياء و مقلديهم و لم يكن مثل هذا لأمة نبي ما لم يكن نبي بوحي منزل فجعل اللّٰه وحي علماء هذه الأمة في اجتهادهم كما قال لنبيه صلى اللّٰه عليه و سلم ﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّٰاسِ بِمٰا أَرٰاكَ اللّٰهُ﴾ [النساء:105] فالمجتهد ما حكم إلا بما أراه اللّٰه في اجتهاده فهذه نفحات من نفحات التشريع ما هو عين التشريع فلآل محمد صلى اللّٰه عليه و سلم و هم المؤمنون من أمته العلماء مرتبة النبوة عند اللّٰه تظهر في الآخرة و ما لها حكم في الدنيا إلا هذا القدر من الاجتهاد المشروع لهم فلم يجتهدوا في الدين و الأحكام إلا بأمر مشروع من عند اللّٰه فإن اتفق أن يكون أحد من أهل البيت بهذه المثابة من العلم و الاجتهاد و لهم هذه المرتبة كالحسن و الحسين و جعفر و غيرهم من أهل البيت فقد جمعوا بين الأهل و الآل فلا تتخيل أن آل محمد صلى اللّٰه عليه و سلم هم أهل بيته خاصة ليس هذا عند العرب و قد قال تعالى ﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ﴾ [غافر:46]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية