فما جاء باسم الملك فإن أسماء الإضافة لا تكون إلا بالمضاف فكل سلطان لا ينظر في أحوال رعيته و لا يمشي بالعدل فيهم و لا يعاملهم بالإحسان الذي يليق بهم فقد عزل نفسه في نفس الأمر و يقول الفقهاء إن الحاكم إذا فسق أو جار فقد انعزل شرعا و لكن عندنا انعزل شرعا فيما فسق فيه خاصة لأنه ما حكم بما شرع له أن يحكم به فقد أثبتهم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم ولاة مع جورهم فقال عليه السلام فينا و فيهم فإن عدلوا فلكم و لهم و إن جاروا فلكم و عليهم و نهى أن نخرج يدا من طاعة و ما خص بذلك واليا من وال فلذلك زدنا في عزله شرعا إنما ذلك فيما فسق فيه فالملك مأمور أن يحفظ نفسه من الخروج مما حد له من الأحكام في رعاياه و في نفسه فإنه وال على نفسه كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته فالإنسان راع على نفسه فما زاد و لذلك قال صلى اللّٰه عليه و سلم إن لنفسك عليك حقا و لعينك عليك حقا الحديث فمن لم يف لمن بايعه بما بايعه عليه فقد عزل نفسه و ليس بملك و إن كان حاكما فما كل حاكم يكون سلطانا فإن السلطان من تكون له الحجة لا عليه و لهذا جعل اللّٰه الأفلاك تدور علينا كل يوم دورة لتنظر الولاة ما تدعو حاجة الخلق إليهم فيسدون الخلل و ينفذون أحكام اللّٰه تعالى من كونه مريدا في خلقه لا من كونه آمرا فينفذون أحكامه التي أمرهم سبحانه أن ينفذوها فيهم و هو القضاء و القدر في أزمان مختلفة فكل شيء بقضاء و قدر حتى العجز و الكيس و كل صغير و كبير مستطر في اللوح المحفوظ فما فيه إلا ما يقع و لا ينفذ هؤلاء الولاة في العالم إلا ما فيه و اللّٰه على كل شيء رقيب و مع هذا كله فإن اللّٰه له مع كل واحد من المملكة أمر خاص في نفسه يعلمه الولاة و الحجاب و النقباء فهم لا يفقدون مشاهدة ذلك الوجه ذلك ليعلموا أن اللّٰه ﴿قَدْ أَحٰاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ [الطلاق:12] و أنه رقيب على كل نفس بما كسبت و ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ [فصلت:54]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية