«وذكر اسم ربه» مكبرا «فصلَّى» الصلوات الخمس وذلك من أمور الآخرة وكفار مكة مُعرضون عنها.
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (17)
فتتعلق بها الهمة ، فإن الماضي والحال قد حصلا ، والمستقبل آت فلا بد منه ، فتعلق الهمة به أولى ، فإنه إذا ورد عن همة متعلّقة به كان لها لا عليها ، لحسن الظن بالآتي ، وهذه فائدة من حافظ عليها حاز كل نعيم .
[ سورة الأعلى (87) : الآيات 18 إلى 19 ]
إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (18) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (19)
(88) سورة الغاشية مكيّة
------------
(17) الفتوحات ج 3 /
405
يقول تعالى : ( قد أفلح من تزكى ) أي : طهر نفسه من الأخلاق الرذيلة ، وتابع ما أنزل الله على رسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، ( وذكر اسم ربه فصلى ) أي : أقام الصلاة في أوقاتها ; ابتغاء رضوان الله وطاعة لأمر الله وامتثالا لشرع الله . وقد قال الحافظ أبو بكر البزار :
حدثنا عباد بن أحمد العرزمي ، حدثنا عمي محمد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عطاء بن السائب ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( قد أفلح من تزكى ) قال : " من شهد أن لا إله إلا الله ، وخلع الأنداد ، وشهد أني رسول الله " ، ( وذكر اسم ربه فصلى ) قال : " هي الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها " .
ثم قال لا يروى عن جابر إلا من هذا الوجه .
وكذا قال ابن عباس : إن المراد بذلك الصلوات الخمس . واختاره ابن جرير .
وقال ابن جرير : حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي حدثنا مروان بن معاوية ، عن أبي خلدة قال : دخلت على أبي العالية فقال لي : إذا غدوت غدا إلى العيد فمر بي . قال : فمررت به فقال : هل طعمت شيئا ؟ قلت : نعم . قال : أفضت على نفسك من الماء ؟ قلت : نعم . قال : فأخبرني ما فعلت بزكاتك ؟ قلت : وكأنك قلت : قد وجهتها ؟ قال : إنما أردتك لهذا . ثم قرأ : ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) وقال : إن أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها ومن سقاية الماء .
قلت : وكذلك روينا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه كان يأمر الناس بإخراج صدقة الفطر ، ويتلو هذه الآية ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى )
وقال أبو الأحوص : إذا أتى أحدكم سائل وهو يريد الصلاة ، فليقدم بين يدي صلاته زكاته ، فإن الله يقول : ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى )
وقال قتادة في هذه الآية ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) زكى ماله وأرضى خالقه .
فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى {قد أفلح} أي قد صادف البقاء في الجنة؛ أي من تطهر من الشرك بإيمان؛ قاله ابن عباس وعطاء وعكرمة. وقال الحسن والربيع : من كان عمله زاكيا ناميا. وقال معمر عن قتادة {تزكى} قال بعمل صالح. وعنه وعن عطاء وأبي عالية : نزلت في صدقة الفطر. وعن ابن سيرين {قد أفلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلى} قال : خرج فصلى بعدما أدى. وقال عكرمة : كان الرجل يقول أقدم زكاتي بين يدي صلاتي. فقال سفيان : قال اللّه تعالى {قد أفلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلى}. وروي عن أبي سعيد الخدري وابن عمر : أن ذلك في صدقة الفطر، وصلاة العيد. وكذلك قال أبو العالية، وقال : إن أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها، ومن سقاية الماء. وروى كثير بن عبدالله عن أبيه عن جده، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله تعالى {قد أفلح من تزكى} قال : [أخرج زكاة الفطر]، {وذكر اسم ربه فصلى} قال : [صلاة العيد]. وقال ابن عباس والضحاك {وذكر اسم ربه} في طريق المصلى {فصلى} صلاة العيد. وقيل : المراد بالآية زكاة الأموال كلها؛ قال أبو الأحوص وعطاء. وروى ابن جريج قال : قلت لعطاء {قد أفلح من تزكى} للفطر؟ قال : هي للصدقات كلها. وقيل : هي زكاة الأعمال، لا زكاة الأموال، أي تطهر في أعماله من الرياء والتقصير؛ لأن الأكثر أن يقال في المال : زكى، لا تزكى. وروى جابر بن عبدالله قال : قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : [{قد أفلح من تزكى} أي من شهد أن لا إله إلا اللّه، وخلع الأنداد، وشهد أني رسول اللّه]. وعن ابن عباس {تزكى} قال : لا إله إلا اللّه. وروى عنه عطاء قال : نزلت في عثمان بن عفان رضي اللّه عنه. قال : كان بالمدينة منافق كانت له نخلة بالمدينة، مائلة في دار رجل من الأنصار، إذا هبت الرياح أسقطت البسر والرطب إلى دار الأنصاري، فيأكل هو وعياله، فخاصمه المنافق؛ فشكا ذلك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأرسل إلى المنافق وهو لا يعلم نفاقه، فقال : [إن أخاك الأنصاري ذكر أن بسرك ورطبك يقع إلى منزل، فيأكل هو وعياله، فهل لك أن أعطيك نخلة في الجنة بدلها]؟ فقال : أبيع عاجلا بآجل لا أفعل. فذكروا أن عثمان بن عفان أعطاه حائطا من نخل بدل نخلته؛ ففيه نزلت {قد أفلح من تزكى}. ونزلت في المنافق {ويتجنبها الأشقى}. وذكر الضحاك أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه. ثانيا: وقد ذكرنا القول في زكاة الفطر في سورة البقرة مستوفى. وقد تقدم أن هذه السورة مكية؛ في قول الجمهور، ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر. القشيري : ولا يبعد أن يكون أثنى على من يمتثل أمره في صدقة الفطر وصلاة العيد، فيما يأمر به في المستقبل. الثالثة: قوله تعالى {وذكر اسم ربه فصلى} أي ذكر ربه. وروى عطاء عن ابن عباس قال : يريد ذكر معاده وموقفه بين يدي اللّه جل ثناؤه، فعبده وصلى له. وقيل : ذكر اسم ربه بالتكبير في أول الصلاة، لأنها لا تنعقد إلا بذكره؛ وهو قوله : اللّه أكبر : وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح، وعلى أنها ليست من الصلاة؛ لأن الصلاة معطوفة عليها. وفيه حجة لمن قال : إن الافتتاح جائز بكل اسم من أسماء اللّه عز وجل. وهذه مسألة خلافية بين الفقهاء. وقد مضى القول في هذا في أول سورة [البقرة] . وقيل : هي تكبيرات العيد. قال الضحاك {وذكر اسم ربه} في طريق المصلى {فصلى}؛ أي صلاة العيد. وقيل {وذكر اسم ربه} وهو أن يذكره بقلبه عند صلاته، فيخاف عقابه، ويرجو ثوابه؛ ليكون استيفاؤه لها، وخشوعه فيها، بحسب خوفه ورجائه. وقيل : هو أن يفتتح أول كل سورة ببسم اللّه الرحمن الرحيم. {فصلى} أي فصلى وذكر. ولا فرق بين أن تقول : أكرمتني فزرتني، وبين أن تقول : زرتني فأكرمتني. قال ابن عباس : هذا في الصلاة المفروضة، وهي الصلوات الخمس. وقيل : الدعاء؛ أي دعاء اللّه بحوائج الدنيا والآخرة. وقيل : صلاة العيد؛ قال أبو سعيد الخدري وابن عمر وغيرهما. وقد تقدم. وقيل : هو أن يتطوع بصلاة بعد زكاته؛ قال أبو الأحوص، وهو مقتضى قول عطاء. وروي عن عبدالله قال : من أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فلا صلاة له.
قد فاز مَن طهر نفسه من الأخلاق السيئة، وذكر الله، فوحَّده ودعاه وعمل بما يرضيه، وأقام الصلاة في أوقاتها؛ ابتغاء رضوان الله وامتثالا لشرعه.
{ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } أي: اتصف بذكر الله، وانصبغ به قلبه، فأوجب له ذلك العمل بما يرضي الله، خصوصًا الصلاة، التي هي ميزان الإيمان، فهذا معنى الآية الكريمة، وأما من فسر قوله { تزكى } بمعني أخرج زكاة الفطر، وذكر اسم ربه فصلى، أنه صلاة العيد، فإنه وإن كان داخلًا في اللفظ وبعض جزئياته، فليس هو المعنى وحده.
( وذكر اسم ربه فصلى ) قال خرج إلى العيد فصلى ، فكان ابن مسعود يقول : رحم الله امرءا تصدق ثم صلى ، ثم يقرأ هذه الآية . وروى نافع : كان ابن عمر إذا صلى الغداة - يعني من يوم العيد - قال : يا نافع أخرجت الصدقة ؟ فإن قلت : نعم ، مضى إلى المصلى ، وإن قلت : لا قال : فالآن فأخرج ، فإنما نزلت هذه الآية في هذا قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى وهو قول أبي العالية وابن سيرين .
وقال بعضهم : لا أدري ما وجه هذا التأويل ؟ لأن هذه السورة مكية ، ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر .
[ قال الشيخ الإمام محيي السنة رحمه الله ] يجوز أن يكون النزول سابقا على الحكم كما قال : " وأنت حل بهذا البلد " فالسورة مكية ، وظهر أثر الحل يوم الفتح حتى قال عليه الصلاة والسلام : " أحلت لي ساعة من نهار " وكذلك نزل بمكة : " سيهزم الجمع ويولون الدبر " ( القمر - 45 ) قال عمر بن الخطاب : كنت لا أدري أي جمع يهزم ، فلما كان يوم بدر رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يثب ، في الدرع ويقول : سيهزم الجمع ويولون الدبر "
وذكر اسم ربه فصلى " أي : وذكر ربه فصلى ، قيل : الذكر : تكبيرات العيد ، والصلاة : صلاة العيد ، وقيل : الصلاة هاهنا الدعاء .
(وَذَكَرَ) ماض فاعله مستتر (اسْمَ رَبِّهِ) مفعول به مضاف إلى ربه والجملة معطوفة على ما قبلها (فَصَلَّى) الفاء حرف عطف وصلى معطوف على ذكر.
Traslation and Transliteration:
Wathakara isma rabbihi fasalla
And remembereth the name of his Lord, so prayeth,
Ve Rabbinin adını anıp da namaz kılan.
et se rappelle le nom de son Seigneur, puis célèbre la Salât.
und des Namens seines HERRN gedachte, dann das rituelle Gebet verrichtete.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الأعلى (Al-A'la - The Most High) |
ترتيبها |
87 |
عدد آياتها |
19 |
عدد كلماتها |
72 |
عدد حروفها |
293 |
معنى اسمها |
(الْأَعْلَى): مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ اللهَ عَالٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَمُنَـزَّهٌ عَنِ السُّفُولِ بِكُلِّ مَعْنَى |
سبب تسميتها |
لِافْتِتَاحِهَا بِتَعْظِيمِ الْخَالِقِ بِاسْمِهِ (الْأَعْلَى) ﷻ قَبْلَ الْبَدْءِ بِمَوضُوعَاتِ السُّورَةِ الدَّالَّةِ عَلَيهِ |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الْأَعْلَى)، وَتُسَمَّى سُورَةَ: ﴿سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى﴾ |
مقاصدها |
تَنْزِيهُ اللهِ تَعَالَى عَنْ كُلِّ عَيبٍ وَنَقْصٍ، وَتَعْظِيمُهُ فِي النُّفُوسِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آيَاتِهَا |
فضلها |
(الْأَعْلَى) مِنَ المُسَبِّحَاتِ، أَتَى رَجُلٌ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُوْلَ اللهِ، فَقَالَ: «اقْرَأْ ثَلاثًا مِنَ المُسَبِّحَاتِ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد).
تُسَنُّ قِرَاءَتُهَا فِي صَلاَةِ العِيدَيْنِ والجُمُعَة، فَعَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِــ﴿سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى﴾ و ﴿هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ﴾. (رَوَاهُ مُسْلِم).
أَوْصَى بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي إِمَامَةِ المُصَلِّينَ، فَقَدْ أَمَرَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ رضي الله عنه إِذَا أَمَّ النَّاسَ أَنْ يُخَفِّفَ وَيَقْرَأَ عَلَيهِمْ بِسُوَرِ: (الشَّمْسِ، وَالأَعْلَى، وَالْعَلَقِ، وَالْلَّيلِ). (رَوَاهُ مُسْلِم) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ سُوْرَةِ (الأَعْلَى) لِمَا قَبْلَهَا مِنْ سُوْرَةِ (الطَارِقِ):لَمَّا أَقْسَمَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِنَجْمِ (الطَّارِقِ) فِي السَّمَاءِ، نَاسَبَ افْتِتَاحَ (الْأَعْلَى) بِالتَّسْبِيحِ تَعْظِيمًا لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا خَلَقَ |