الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة النساء: [الآية 101]

سورة النساء
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى ٱلْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا۟ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱلْكَٰفِرِينَ كَانُوا۟ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴿101﴾

تفسير الجلالين:

«وإذا ضربتم» سافرتم «في الأرض فليس عليكم جُناح» في «أن تَقصروا من الصلاة» بأن تردُّوها من أربع إلى اثنتين «إن خفتم أن يفتنكم» أي ينالكم بمكروه «الذين كفروا» بيان للواقع إذ ذاك فلا مفهوم له وبينت السنة أن المراد بالسفر الطويل وهو أربع برد وهي مرحلتان ويؤخذ من قوله تعالى: (فليس عيكم جُناح) أنه رخصة لا واجب وعليه الشافعي «إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا» بيّني العداوة.

تفسير الشيخ محي الدين:

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)

البرهان قوي السلطان ، ولما أزال الحق بالقرآن شبه الضلالات وظلمة الشكوك وأوضح به المشكلات سماه نورا ، وكل ما جاء في معرض الدلالة فهو من كونه نورا ، لأن النور هو المنفر الظلم ، والقرآن ضياء لأن الضياء يكشف ، فكل ما أظهره القرآن فهو من أثر ضيائه ، فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم ، وفيه ما ليس فيها . فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم ؛ فعلوم الأنبياء والملائكة وكل لسان علم فإن القرآن يتضمنه ويوضحه لأهل القرآن بما هو ضياء ، فهو نور من حيث ذاته لأنه لا يدرك لعزته ، وهو ضياء لما يدرك به ولما يدرك منه . فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل .

------------

(174) الفتوحات ج 4 / 352 - إيجاز البيان - الفتوحات ج 3 / 94 - ج 2 / 107

تفسير ابن كثير:

يقول تعالى : ( وإذا ضربتم في الأرض ) أي : سافرتم في البلاد ، كما قال تعالى : ( علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله [ وآخرون يقاتلون في سبيل الله ] ) الآية [ المزمل : 20 ] .

وقوله : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) أي : تخففوا فيها ، إما من كميتها بأن تجعل الرباعية ثنائية ، كما فهمه الجمهور من هذه الآية ، واستدلوا بها على قصر الصلاة في السفر ، على اختلافهم في ذلك : فمن قائل لا بد أن يكون سفر طاعة ، من جهاد ، أو حج ، أو عمرة ، أو طلب علم ، أو زيارة ، وغير ذلك ، كما هو مروي عن ابن عمر وعطاء ، ويحكى عن مالك في رواية عنه نحوه ، لظاهر قوله : ( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا )

ومن قائل لا يشترط سفر القربة ، بل لا بد أن يكون مباحا ، لقوله : ( فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم [ فإن الله غفور رحيم ] ) [ المائدة : 3 ] أباح له تناول الميتة مع اضطراره إلا بشرط ألا يكون عاصيا بسفره . وهذا قول الشافعي وأحمد وغيرهما من الأئمة .

وقد قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم قال : جاء رجل فقال : يا رسول الله ، إني رجل تاجر ، أختلف إلى البحرين " فأمره أن يصلي ركعتين " وهذا مرسل .

ومن قائل : يكفي مطلق السفر ، سواء كان مباحا أو محظورا ، حتى لو خرج لقطع الطريق وإخافة السبيل ، ترخص ، لوجود مطلق السفر . وهذا قول أبي حنيفة ، رحمه الله ، والثوري وداود ، لعموم الآية وخالفهم الجمهور . وأما قوله : ( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) فقد يكون هذا خرج مخرج الغالب حال نزول هذه الآية ، فإن في مبدأ الإسلام بعد الهجرة كان غالب أسفارهم مخوفة ، بل ما كانوا ينهضون إلا إلى غزو عام ، أو في سرية خاصة ، وسائر الأحياء حرب الإسلام وأهله ، والمنطوق إذا خرج مخرج الغالب أو على حادثة فلا مفهوم له ، كقوله ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ) [ النور : 33 ] ، وكقوله : ( وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم ) الآية [ النساء : 23 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن إدريس ، حدثنا ابن جريج ، عن ابن أبي عمار ، عن عبد الله بن بابيه ، عن يعلى بن أمية قال : سألت عمر بن الخطاب قلت : ( ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) وقد أمن الله الناس ؟ فقال لي عمر : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : " صدقة تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته " .

وهكذا رواه مسلم وأهل السنن ، من حديث ابن جريج ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار ، به . وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وقال علي بن المديني : هذا حديث صحيح من حديث عمر ، ولا يحفظ إلا من هذا الوجه ، ورجاله معروفون وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا مالك بن مغول ، عن أبي حنظلة الحذاء قال : سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال : ركعتان . فقلت : أين قوله تعالى : ( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) ونحن آمنون ؟ فقال : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال ابن مردويه : حدثنا عبد الله بن محمد بن عيسى ، حدثنا علي بن محمد بن سعيد ، حدثنا منجاب ، حدثنا شريك ، عن قيس بن وهب ، عن أبي الوداك : سألت ابن عمر عن ركعتين في السفر ؟ فقال : هي رخصة ، نزلت من السماء ، فإن شئتم فردوها .

وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا ابن عون ، عن ابن سيرين ، عن ابن عباس قال : صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ، ونحن آمنون ، لا نخاف بينهما ، ركعتين ركعتين .

وكذا رواه النسائي ، عن محمد بن عبد الأعلى ، عن خالد الحذاء عن عبد الله بن عون ، به قال أبو عمر بن عبد البر : وهكذا رواه أيوب ، ، ويزيد بن إبراهيم التستري ، عن محمد بن سيرين ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .

قلت : وهكذا رواه الترمذي والنسائي جميعا ، عن قتيبة ، عن هشيم ، عن منصور بن زاذان ، عن محمد بن سيرين ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكة ، لا يخاف إلا رب العالمين ، فصلى ركعتين ، ثم قال الترمذي : صحيح .

وقال البخاري : حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا يحيى بن أبي إسحاق قال : سمعت أنسا يقول : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة ، فكان يصلي ركعتين ركعتين ، حتى رجعنا إلى المدينة . قلت : أقمتم بمكة شيئا ؟ قال : أقمنا بها عشرا .

وهكذا أخرجه بقية الجماعة من طرق عن يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي ، به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن وهب الخزاعي قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر بمنى - أكثر ما كان الناس وآمنه - ركعتين .

ورواه الجماعة سوى ابن ماجه من طرق ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عنه ، به ولفظ البخاري : حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، أنبأنا أبو إسحاق ، سمعت حارثة بن وهب قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن ما كان بمنى ركعتين .

وقال البخاري : حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، حدثنا عبيد الله ، أخبرنا نافع ، عن عبد الله بن عمر قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ، وأبي بكر وعمر ، ومع عثمان صدرا من إمارته ، ثم أتمها .

وكذا رواه مسلم من حديث يحيى بن سعيد القطان [ الأنصاري ] به .

وقال البخاري : حدثنا قتيبة ، حدثنا عبد الواحد ، عن الأعمش ، حدثنا إبراهيم ، سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول : صلى بنا عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، بمنى أربع ركعات ، فقيل في ذلك لعبد الله بن مسعود فاسترجع ، ثم قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين ، وصليت مع أبي بكر بمنى ركعتين ، وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين ، فليت حظي مع أربع ركعات ركعتان متقبلتان .

ورواه البخاري أيضا من حديث الثوري ، عن الأعمش ، به . وأخرجه مسلم من طرق ، عنه . منها عن قتيبة كما تقدم .

فهذه الأحاديث دالة صريحا على أن القصر ليس من شرطه وجود الخوف ; ولهذا قال من قال من العلماء : إن المراد من القصر هاهنا إنما هو قصر الكيفية لا الكمية . وهو قول مجاهد ، والضحاك ، والسدي كما سيأتي بيانه ، واعتضدوا أيضا بما رواه الإمام مالك ، عن صالح بن كيسان ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في السفر والحضر ، فأقرت صلاة السفر ; وزيد في صلاة الحضر .

وقد روى هذا الحديث البخاري عن عبد الله بن يوسف التنيسي ، ومسلم عن يحيى بن يحيى ، وأبو داود عن القعنبي ، والنسائي عن قتيبة ، أربعتهم عن مالك ، به .

قالوا : فإذا كان أصل الصلاة في السفر هي الثنتين ، فكيف يكون المراد بالقصر هاهنا قصر الكمية ; لأن ما هو الأصل لا يقال فيه : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) ؟

وأصرح من ذلك دلالة على هذا ، ما رواه الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان - وعبد الرحمن حدثنا سفيان - عن زبيد اليامي ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عمر ، رضي الله عنه ، قال : صلاة السفر ركعتان ، وصلاة الأضحى ركعتان ، وصلاة الفطر ركعتان ، وصلاة الجمعة ركعتان ، تمام غير قصر ، على لسان محمد صلى الله عليه وسلم .

وهكذا رواه النسائي وابن ماجه ، وابن حبان في صحيحه ، من طرق عن زبيد اليامي به .

وهذا إسناد على شرط مسلم . وقد حكم مسلم في مقدمة كتابه بسماع ابن أبي ليلى ، عن عمر . وقد جاء مصرحا به في هذا الحديث وفي غيره ، وهو الصواب إن شاء الله . وإن كان يحيى بن معين ، وأبو حاتم ، والنسائي قد قالوا : إنه لم يسمع منه . وعلى هذا أيضا ، فقد وقع في بعض طرق أبي يعلى الموصلي ، من طريق الثوري ، عن زبيد ، عن عبد الرحمن [ بن أبي ليلى ] عن الثقة ، عن عمر فذكره ، وعند ابن ماجه من طريق يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد ، عن زبيد ، عن عبد الرحمن ، عن كعب بن عجرة ، عن عمر ، به . ، فالله أعلم .

وقد روى مسلم في صحيحه ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري - زاد مسلم والنسائي : وأيوب بن عائد - كلاهما عن بكير بن الأخنس ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عباس قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة ، [ هكذا رواه وكيع وروح بن عبادة عن أسامة بن زيد الليثي : حدثني الحسن بن مسلم بن يساف عن طاوس عن ابن عباس قال : فرض الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين ] فكما يصلى في الحضر قبلها وبعدها ، فكذلك يصلى في السفر .

ورواه ابن ماجه من حديث أسامة بن زيد ، عن طاوس نفسه .

فهذا ثابت عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ولا ينافي ما تقدم عن عائشة لأنها أخبرت أن أصل الصلاة ركعتان ، ولكن زيد في صلاة الحضر ، فلما استقر ذلك صح أن يقال : إن فرض صلاة الحضر أربع ، كما قاله ابن عباس ، والله أعلم . لكن اتفق حديث ابن عباس وعائشة على أن صلاة السفر ركعتان ، وأنها تامة غير مقصورة ، كما هو مصرح به في حديث عمر ، رضي الله عنه ، وإذا كان كذلك ، فيكون المراد بقوله تعالى : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) قصر الكيفية كما في صلاة الخوف ; ولهذا قال : ( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا [ إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ] ) .

ولهذا قال بعدها : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة [ فلتقم طائفة منهم معك ] ) الآية فبين المقصود من القصر هاهنا وذكر صفته وكيفيته ; ولهذا لما عقد البخاري

" كتاب صلاة الخوف " صدره بقوله تعالى : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) إلى قوله : ( إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا )

وهكذا قال جويبر ، عن الضحاك في قوله : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) قال : ذاك عند القتال ، يصلي الرجل الراكب تكبيرتين حيث كان وجهه .

وقال أسباط ، عن السدي في قوله : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم ) الآية : إن الصلاة إذا صليت ركعتين في السفر فهي تمام ، التقصير لا يحل ، إلا أن تخاف من الذين كفروا أن يفتنوك عن الصلاة ، فالتقصير ركعة .

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعسفان والمشركون بضجنان ، فتوافقوا ، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الظهر أربع ركعات ، بركوعهم وسجودهم وقيامهم معا جميعا ، فهم بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم .

روى ذلك ابن أبي حاتم . ورواه ابن جرير ، عن مجاهد والسدي ، وعن جابر وابن عمر ، واختار ذلك أيضا ، فإنه قال بعد ما حكاه من الأقوال في ذلك : وهو الصواب . وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا ابن أبي فديك ، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب ، عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد : أنه قال لعبد الله بن عمر : إنا نجد في كتاب الله قصر صلاة الخوف ، ولا نجد قصر صلاة المسافر ؟ فقال عبد الله : إنا وجدنا نبينا صلى الله عليه وسلم يعمل عملا عملنا به .

فقد سمى صلاة الخوف مقصورة ، وحمل الآية عليها ، لا على قصر صلاة المسافر ، وأقره ابن عمر على ذلك ، واحتج على قصر الصلاة في السفر بفعل الشارع لا بنص القرآن .

وأصرح من هذا ما رواه ابن جرير أيضا : حدثني أحمد بن الوليد القرشي ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن سماك الحنفي : سألت ابن عمر عن صلاة السفر ، فقال : ركعتان تمام غير قصر ، إنما القصر صلاة المخافة . فقلت : وما صلاة المخافة ؟ فقال : يصلي الإمام بطائفة ركعة ، ثم يجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء ، ويجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء ، فيصلي بهم ركعة ، فيكون للإمام ركعتان ، ولكل طائفة ركعة ركعة .


تفسير الطبري :

فيه عشرة مسائل: الأولى: قوله تعالى: {ضربتم} سافرتم، وقد تقدم. واختلف العلماء في حكم القصر في السفر؛ فروي عن جماعة أنه فرض. وهو قول عمر بن عبد العزيز والكوفيين والقاضي إسماعيل وحماد بن أبي سليمان؛ واحتجوا بحديث عائشة رضي الله عنها (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين) الحديث، ولا حجة فيه لمخالفتها له؛ فإنه كانت تتم في السفر وذلك يوهنه. وإجماع فقهاء الأمصار على أنه ليس بأصل يعتبر في صلاة المسافر خلف المقيم؛ وقد قال غيرها من الصحابة كعمر وابن عباس وجبير بن مطعم : (إن الصلاة فرضت في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة ) رواه مسلم عن ابن عباس. ثم إن حديث عائشة قد رواه ابن عجلان عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة قالت : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ركعتين ركعتين. وقال فيه الأوزاعي عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت : فرض الله الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ركعتين؛ الحديث، وهذا اضطراب. ثم إن قولها : (فرضت الصلاة ) ليس على ظاهره؛ فقد خرج عنه صلاة المغرب والصبح؛ فإن المغرب ما زيد فيها ولا نقص منها. وكذلك الصبح، وهذا كله يضعف متنه لا سنده. وحكى ابن الجهم أن أشهب روى عن مالك أن القصر فرض، ومشهور مذهبه وجل أصحابه وأكثر العلماء من السلف والخلف أن القصر سنة، وهو قول الشافعي، وهو الصحيح على ما يأتي بيانه إن شاء الله. ومذهب عامة البغداديين من المالكيين أن الفرض التخيير؛ وهو قول أصحاب الشافعي. ثم اختلفوا في أيهما أفضل؛ فقال بعضهم : القصر أفضل؛ وهو قول الأبهري وغيره. وقيل : إن الإتمام أفضل؛ وحكي عن الشافعي. وحكى أبو سعيد الفروي المالكي أن الصحيح على ما يأتي مذهب مالك التخيير للمسافر في الإتمام والقصر. قلت : وهو الذي يظهر من قوله سبحانه وتعالى: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} إلا أن مالكا رحمه الله يستحب له القصر، وكذلك يرى عليه الإعادة في الوقت إن أتم. وحكى أبو مصعب في "مختصره" عن مالك وأهل المدينة قال : القصر في السفر للرجال والنساء سنة. قال أبو عمر : وحسبك بهذا في مذهب مالك، مع أنه لم يختلف قوله : أن من أتم في السفر يعيد ما دام في الوقت؛ وذلك استحباب عند من فهم، لا إيجاب. وقال الشافعي : القصر في غير الخوف بالسنة، وأما في الخوف مع السفر فبالقرآن والسنة؛ ومن صلى أربعا فلا شيء عليه، ولا أحب لأحد أن يتم في السفر رغبة عن السنة. وقال أبو بكر الأثرم : قلت لأحمد بن حنبل للرجل أن يصلي في السفر أربعا ؟ قال : لا، ما يعجبني، السنة ركعتان. وفي موطأ مالك عن ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد، أنه سأل عبد الله بن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر ؟ فقال عبد الله بن عمر : يا ابن أخي إن الله تبارك وتعالى بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا، فإنا نفعل كما رأيناه يفعل. ففي هذا الخبر قصر الصلاة في السفر من غير خوف سنة لا فريضة؛ لأنها لا ذكر لها في القرآن، وإنما القصر المذكور في القرآن إذا كان سفرا وخوفا واجتمعا؛ فلم يبح القصر في كتابه إلا مع هذين الشرطين. ومثله في القرآن: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح} [النساء : 25] الآية، وقد تقدم. ثم قال تعالى: {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة} [النساء : 103] أي فأتموها؛ وقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أربع إلى اثنتين إلا المغرب في أسفاره كلها آمنا لا يخاف إلا الله تعالى؛ فكان ذلك سنة مسنونة منه صلى الله عليه وسلم، زيادة في أحكام الله تعالى كسائر ما سنة وبينه، مما ليس له في القرآن ذكر. وقوله: (كما رأيناه يفعل) مع حديث عمر حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القصر في السفر من غير خوف؛ فقال : (تلك صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته ) يدل على أن الله تعالى قد يبيح الشيء في كتابه بشرط ثم يبيح ذلك الشيء على لسان نبيه من غير ذلك الشرط. وسأل حنظلة ابن عمر عن صلاة السفر فقال : ركعتان. قلت : فأين قوله تعالى: {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} ونحن آمنون؛ قال : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا ابن عمر قد أطلق عليها سنة؛ وكذلك قال ابن عباس. فأين المذهب عنهما ؟ قال أبو عمر : ولم يقم مالك إسناد هذا الحديث؛ لأنه لم يسم الرجل الذي سأل ابن عمر، وأسقط من الإسناد رجلا، والرجل الذي لم يسمه هو أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، والله أعلم. الثانية: واختلف العلماء في حد المسافة التي تقصر فيها الصلاة؛ فقال داود : تقصر في كل سفر طويل أو قصير، ولو كان ثلاثة أميال من حيث تؤتى الجمعة؛ متمسكا بما رواه مسلم عن يحيى بن يزيد الهنائي قال : سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ - شعبة الشاك - صلى ركعتين. وهذا لا حجة فيه؛ لأنه مشكوك فيه، وعلى تقدير أحدهما فلعله حد المسافة التي بدأ منها القصر، وكان سفرا طويلا زائدا على ذلك، والله أعلم. قال ابن العربي : وقد تلاعب قوم بالدين فقالوا : إن من خرج من البلد إلى ظاهره قصر وأكل، وقائل هذا أعجمي لا يعرف السفر عند العرب أو مستخف بالدين، ولولا أن العلماء ذكروه لها رضيت أن ألمحه بمؤخر عيني، ولا أفكر فيه بفضول قلبي. ولم يذكر حد السفر الذي يقع به القصر لا في القرآن ولا في السنة، وإنما كان كذلك لأنها كانت لفظة عربية مستقر علمها عند العرب الذين - خاطبهم الله تعالى بالقرآن؛ فنحن نعلم قطعا أن من برز عن الدور لبعض الأمور أنه لا يكون مسافرا لغة ولا شرعا، وإن مشى مسافرا ثلاثة أيام فإنه مسافر قطعا. كما أنا نحكم على أن من مشى يوما وليلة كان مسافرا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم منها ) وهذا هو الصحيح، لأنه وسط بين الحالين وعليه عول مالك، ولكنه لم يجد هذا الحديث متفقا عليه، وروي مرة (يوما وليلة ) ومرة (ثلاثة أيام ) فجاء إلى عبد الله بن عمر فعول على فعله، فإنه كان يقصر الصلاة إلى رئم، وهي أربعة برد؛ لأن ابن عمر كان كثير الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. قال غيره : وكافة العلماء على أن القصر إنما شرع تخفيفا، وإنما يكون في السفر الطويل الذي تلحق به المشقة غالبا، فراعى مالك والشافعي وأصحابهما والليث والأوزاعي وفقهاء أصحاب الحديث أحمد وإسحاق وغيرهما يوما تاما. وقول مالك يوما وليلة راجع إلى اليوم التام، لأنه لم يرد بقول : مسيرة يوم وليلة أن يسير النهار كله والليل كله، وإنما أراد أن يسير سيرا يبيت فيه بعيدا عن أهله ولا يمكنه الرجوع إليهم. وفي البخاري : وكان ابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران في أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخا، وهذا مذهب مالك. وقال الشافعي والطبري : ستة وأربعون ميلا. وعن مالك في العتبية فيمن خرج إلى ضيعته على خمسة وأربعين ميلا قال : يقصر، وهو أمر متقارب. وعن مالك في الكتب المنثورة : أنه يقصر في ستة وثلاثين ميلا، وهي تقرب من يوم وليلة. وقال يحيى بن عمر : يعيد أبدا. ابن عبد الحكم : في الوقت !. وقال الكوفيون : لا يقصر في أقل من مسيرة ثلاثة أيام؛ وهو قول عثمان وابن مسعود وحذيفة. وفي صحيح البخاري عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم ). قال أبو حنيفة : ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل ومشي الأقدام. وقال الحسن والزهري : تقصر الصلاة في مسيرة يومين؛ وروي هذا القول عن مالك، ورواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا تسافر المرأة مسيرة ليلتين إلا مع زوج أو ذي محرم ). وقصر ابن عمر في ثلاثين ميلا، وأنس في خمسة عشر ميلا. وقال الأوزاعي : عامة العلماء في القصر على اليوم التام، وبه نأخذ. قال أبو عمر : اضطربت الآثار المرفوعة في هذا الباب كما ترى في ألفاظها؛ ومجملها عندي - والله أعلم - أنها خرجت على أجوبة السائلين، فحدث كل واحد بمعنى ما سمع، كأنه قيل له صلى في وقت ما : هل تسافر المرأة مسيرة يوم بغير محرم ؟ فقال : لا. وقيل له في وقت آخر : هل تسافر المرأة يومين بغير محرم ؟ فقال : لا. وقال له آخر : هل تسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام بغير محرم ؟ فقال : لا. وكذلك معنى الليلة والبريد على ما روي، فأدى كل واحد ما سمع على المعنى، والله أعلم. ويجمع معاني الآثار في هذا الباب - وإن اختلفت ظواهرها - الحظر على المرأة أن تسافر سفرا يخاف عليها فيه الفتنة بغير محرم، قصيرا كان أو طويلا. والله أعلم. الثالثة: واختلفوا في نوع السفر الذي تقصر فيه الصلاة، فأجمع الناس على الجهاد والحج والعمرة وما ضارعها من صلة رحم وإحياء نفس. واختلفوا فيما سوى ذلك، فالجمهور على جواز القصر في السفر المباح كالتجارة ونحوها. وروي عن ابن مسعود أنه قال : لا تقصر الصلاة إلا في حج أو جهاد. وقال عطاء : لا تقصر إلا في سفر طاعة وسبيل من سبل الخير. وروي عنه أيضا : تقصر في كل السفر المباح مثل قول الجمهور. وقال مالك : إن خرج للصيد لا لمعاشه ولكن متنزها، أو خرج لمشاهدة بلدة متنزها ومتلذذا يقصر. والجمهور من العلماء على أنه لا قصر في سفر المعصية؛ كالباغي وقاطع الطريق وما في معناهما. وروي عن أبي حنيفة والأوزاعي إباحة القصر في جميع ذلك، وروي عن مالك. وقد تقدم في "البقرة" واختلفوا عن أحمد، فمرة قال بقول الجمهور، ومرة قال : لا يقصر إلا في حج أو عمرة. والصحيح ما قال الجمهور، لأن القصر إنما شرع تخفيفا عن المسافر للمشقات اللاحقة فيه، ومعونته على ما هو بصدده مما يجوز، وكل الأسفار في ذلك سواء؛ لقوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح }أي إثم {أن تقصروا من الصلاة} فعم. وقال عليه السلام (خير عباد الله الذين إذا سافروا قصروا وأفطروا ). وقال الشعبي : إن الله يحب أن يعمل برخصه كما يحب أن يعمل بعزائمه. وأما سفر المعصية فلا يجوز القصر فيه؛ لأن ذلك يكون عونا له على معصية الله. والله تعالى يقول: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة : 2] الرابعة: واختلفوا متى يقصر، فالجمهور على أن المسافر لا يقصر حتى يخرج من بيوت القرية، وحينئذ هو ضارب في الأرض، وهو قول مالك في المدونة. ولم يحد مالك في القرب حدا. وروي عنه إذا كانت قرية تجمع أهلها فلا يقصر أهلها حتى يجاوزوها بثلاثة أميال، وإلى ذلك في الرجوع. وإن كانت لا تجمع أهلها قصروا إذا جاوزوا بساتينها. وروي عن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا فصلى بهم ركعتين في منزله، وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب ابن مسعود، وبه قال عطاء بن أبي رباح وسليمان بن موسى. قلت : ويكون معنى الآية على هذا: {وإذا ضربتم في الأرض} أي إذا عزمتم على الضرب في الأرض. والله أعلم. وروي عن مجاهد أنه قال : لا يقصر المسافر يومه الأول حتى الليل. وهذا شاذ؛ وقد ثبت من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين. أخرجه الأئمة، وبين ذي الحليفة والمدينة نحو من ستة أميال أو سبعة. الخامسة : وعلى المسافر أن ينوي القصر من حين الإحرام؛ فإن افتتح الصلاة بنية القصر ثم عزم على المقام في أثناء صلاته جعلها نافلة، وإن كان ذلك بعد أن صلى منها ركعة أضاف إليها أخرى وسلم، ثم صلى صلاة مقيم. قال الزهري وابن الجلاب : هذا - والله أعلم - استحباب ولو بنى على صلاته وأتمها أجزأته صلاته. قال أبو عمر : هو عندي كما قالا؛ لأنها ظهر، سفرية كانت أو حضرية وكذلك سائر الصلوات الخمس. السادسة: واختلف العلماء من هذا الباب في مدة الإقامة التي إذا نواها المسافر أتم؛ فقال مالك والشافعي والليث بن سعد والطبري وأبو ثور : إذا نوى الإقامة أربعة أيام أتم؛ وروي عن سعيد بن المسيب. وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري : إذا نوى إقامة خمس عشرة ليلة أتم، وإن كان أقل قصر. وهو قول ابن عمر وابن عباس ولا مخالف لهما من الصحابة فيما ذكر الطحاوي، وروي عن سعيد أيضا. وقال أحمد : إذا جمع المسافر مقام إحدى وعشرين صلاة مكتوبة قصر، وإن زاد على ذلك أتم، وبه قال داود. والصحيح ما قاله مالك؛ لحديث ابن الحضرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام ثم يصدر. أخرجه الطحاوي وابن ماجة وغيرهما. ومعلوم أن الهجرة إذ كانت مفروضة قبل الفتح كان المقام بمكة لا يجوز؛ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجر ثلاثة أيام لتقضية حوائجه وتهيئة أسبابه، ولم يحكم لها بحكم المقام ولا في حيز الإقامة، وأبقى عليه فيها حكم المسافر، ومنعه من مقام الرابع، فحكم له بحكم الحاضر القاطن؛ فكان ذلك أصلا معتمدا عليه. ومثله ما فعله عمر رضي الله عنه حين أجلى اليهود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فجعل لهم مقام ثلاثة أيام في قضاء أمورهم. قال ابن العربي : وسمعت بعض أحبار المالكية يقول : إنما كانت الثلاثة الأيام خارجة عن حكم الإقامة؛ لأن الله تعالى أرجأ فيها من أنزل به العذاب وتيقن الخروج عن الدنيا؛ فقال تعالى: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب} [هود : 65]. وفي المسألة قول غير هذه الأقوال، وهو أن المسافر يقصر أبدا حتى يرجع إلى وطنه، أو ينزل وطنا له. روي عن أنس أنه أقام سنتين بنيسابور يقصر الصلاة. وقال أبو مجلز : قلت لابن عمر : إني آتي المدينة فأقيم بها السبعة أشهر والثمانية طالبا حاجة؛ فقال : صل ركعتين. وقال أبو إسحاق السبيعي : أقمنا بسجستان ومعنا رجال من أصحاب ابن مسعود سنتين نصلي ركعتين. وأقام ابن عمر بأذربيجان يصلي ركعتين ركعتين؛ وكان الثلج حال بينهم وبين القفول : قال أبو عمر : محمل هذه الأحاديث عندنا على أن لا نية لواحد من هؤلاء المقيمين هذه المدة؛ وإنما مثل ذلك أن يقول : أخرج اليوم، أخرج غدا؛ وإذا كان هكذا فلا عزيمة ههنا على الإقامة. السابعة: روى مسلم عن عروة عن عائشة قالت : فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين، ثم أتمها في الحضر، وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى. قال الزهري : فقلت لعروة ما بال عائشة تتم في السفر ؟ قال : إنها تأولت ما تأول عثمان. وهذا جواب ليس بمستوعب. وقد اختلف الناس في تأويل إتمام عثمان وعائشة رضي الله عنهما على أقوال : فقال معمر عن الزهري : إن عثمان رضي الله عنه إنما صلى بمنى أربعا لأنه أجمع على الإقامة بعد الحج. وروى مغيرة عن إبراهيم أن عثمان صلى أربعا لأنه اتخذها وطنا. وقال يونس عن الزهري قال : لما اتخذ عثمان الأموال بالطائف وأراد أن يقيم بها صلى أربعا. قال : ثم أخذ به الأئمة بعده. وقال أيوب عن الزهري، إن عثمان بن عفان أتم الصلاة بمنى من أجل الأعراب؛ لأنهم كثروا عامئذ فصلى بالناس أربعا ليعلمهم أن الصلاة أربع. ذكر هذه الأقوال كلها أبو داود في مصنفه في كتاب المناسك في باب الصلاة بمنى. وذكر أبو عمر في (التمهيد ) قال ابن جريج : وبلغني إنما أوفاها عثمان أربعا بمنى، من أجل أن أعرابيا ناداه في مسجد الخيف بمنى فقال : يا أمير المؤمنين، ما زلت أصليها ركعتين منذ رأيتك عام الأول؛ فخشي عثمان أن يظن جهال الناس أنما الصلاة ركعتان. قال ابن جريج : وإنما أوفاها بمنى فقط. قال أبو عمر : وأما التأويلات في إتمام عائشة فليس منها شيء يروى عنها، وإنما هي ظنون وتأويلات لا يصحبها دليل. وأضعف ما قيل في ذلك : إنها أم المؤمنين، وإن الناس حيث كانوا هم بنوها، وكان منازلهم منازلها، وهل كانت أم المؤمنين إلا أنها زوج النبي أبي المؤمنين صلى الله عليه وسلم وهو الذي سن القصر في أسفاره وفي غزواته وحجه وعمره. وفي قراءة أبي بن كعب ومصحفه "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم". وقال مجاهد في قوله تعالى: {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم } [هود : 78] قال : لم يكن بناته ولكن كن نساء أمته، وكل نبي فهو أبو أمته. قلت : وقد اعترض على هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشرعا، وليست هي كذلك فانفصلا. وأضعف من هذا قول من قال : إنها حيث أتمت لم تكن في سفر جائز؛ وهذا باطل قطعا، فإنها كانت أخوف لله وأتقى من أن تخرج في سفر لا يرضاه. وهذا التأويل عليها من أكاذيب الشيعة المبتدعة وتشنيعاتهم؛ سبحانك هذا بهتان عظيم ! وإنما خرجت رضي الله عنها مجتهدة محتسبة تريد أن تطفئ نار الفتنة، إذ هي أحق أن يستحيا منها فخرجت الأمور عن الضبط. وسيأتي بيان هذا المعنى إن شاء الله تعالى. وقيل : إنها أتمت لأنها لم تكن ترى القصر إلا في الحج والعمرة والغزوة. وهذا باطل؛ لأن ذلك لم ينقل عنها ولا عرف من مذهبها، ثم هي قد أتمت في سفرها إلى علي. وأحسن ما قيل في قصرها وإتمامها أنها أخذت برخصة الله؛ لتري الناس، أن الإتمام ليس فيه حرج وإن كان غيره أفضل. وقد قال عطاء : القصر سنة ورخصة، وهو الراوي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام وأفطر وأتم الصلاة وقصر في السفر، رواه طلحة بن عمر. وعنه قال : كل ذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، صام وأفطر وقصر الصلاة وأتم. وروى النسائي بإسناد صحيح أن عائشة اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت : يا رسول الله، بأبي أنت وأمي ! قصرت وأتممت وأفطرت وصمت ؟ فقال : (أحسنت يا عائشة ) وما عاب علي. كذا هو مقيد بفتح التاء الأولى وضم الثانية في الكلمتين. وروى الدارقطني عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم؛ قال إسناده صحيح. الثامنة: قوله تعالى: {أن تقصروا من الصلاة } "أن" في موضع نصب، أي في أن تقصروا. قال أبو عبيد : فيها ثلاث لغات : قصرت الصلاة وقصرتها وأقصرتها. واختلف العلماء في تأويله، فذهب جماعة من العلماء إلى أنه القصر إلى اثنتين من أربع في الخوف وغيره؛ لحديث يعلي بن أمية على ما يأتي. وقال آخرون : إنما هو قصر الركعتين إلى ركعة، والركعتان في السفر إنما هي تمام، كما قال عمر رضي الله عنه : تمام غير قصر، وقصرها أن تصير ركعة. قال السدي : إذا صليت في السفر ركعتين فهو تمام، والقصر لا يحل إلا أن تخاف، فهذه الآية مبيحة أن تصلي كل طائفة ركعة لا تزيد عليها شيئا، ويكون للإمام ركعتان. وروي نحوه عن ابن عمر وجابر بن عبد الله وكعب، وفعله حذيفة بطبرستان وقد سأله الأمير سعيد بن العاص عن ذلك. وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك في غزوة ذي قرد ركعة لكل طائفة ولم يقضوا. وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك بأصحابه يوم محارب خصفة وبني ثعلبة. وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كذلك بين ضجنان وعسفان. قلت : في صحيح مسلم عن ابن عباس قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة. وهذا يؤيد هذا القول ويعضده، إلا أن القاضي أبا بكر بن العربي ذكر في كتابه المسمى (بالقبس) : قال علماؤنا رحمة الله عليهم هذا الحديث مردود بالإجماع. قلت : وهذا لا يصح، وقد ذكر هو وغيره الخلاف والنزاع فلم يصح ما ادعوه من الإجماع وبالله التوفيق. وحكى أبو بكر الرازي الحنفي في (أحكام القرآن ) أن المراد بالقصر ههنا القصر في صفة الصلاة بترك الركوع والسجود إلى الإيماء، وبترك القيام إلى الركوع. وقال آخرون : هذه الآية مبيحة للقصر من حدود الصلاة وهيئتها عند المسايفة واشتعال الحرب، فأبيح لمن هذه حاله أن يصلي إيماء برأسه، ويصلي ركعة واحدة حيث توجه، إلى تكبيرة؛ على ما تقدم في "البقرة". ورجح الطبري هذا القول وقال : إنه يعادل قوله تعالى: {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة} [النساء : 103] أي بحدودها وهيئتها الكاملة. قلت : هذه الأقوال الثلاثة في المعنى متقاربة، وهي مبنية على أن فرض المسافر القصر، وإن الصلاة في حقه ما نزلت إلا ركعتين، فلا قصر. ولا يقال في العزيمة لا جناح، ولا يقال فيما شرع ركعتين إنه قصر، كما لا يقال في صلاة الصبح ذلك. وذكر الله تعالى القصر بشرطين والذي يعتبر فيه الشرطان صلاة الخوف؛ هذا ما ذكره أبو بكر الرازي في (أحكام القرآن ) واحتج به، ورد عليه بحديث يعلى بن أمية على ما يأتي آنفا إن شاء الله تعالى. التاسعة: قوله تعالى: {إن خفتم} خرج الكلام على الغالب، إذ كان الغالب على المسلمين الخوف في الأسفار؛ ولهذا قال يعلى بن أمية قلت لعمر : ما لنا نقصر وقد أمنا. قال عمر : عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ). قلت : وقد استدل أصحاب الشافعي وغيرهم على الحنفية بحديث يعلى بن أمية هذا فقالوا : إن قوله" (ما لنا نقصر وقد أمنا) دليل قاطع على أن مفهوم الآية القصر في الركعات. قال الكيا الطبري : ولم يذكر أصحاب أبي حنيفة على هذا تأويلا يساوي الذكر؛ ثم إن صلاة الخوف لا يعتبر فيها الشرطان؛ فإنه لو لم يضرب في الأرض ولم يوجد السفر بل جاءنا الكفار وغزونا في بلادنا فتجوز صلاة الخوف؛ فلا يعتبر وجود الشرطين على ما قال. وفي قراءة أبي "أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا " بسقوط "إن خفتم". والمعنى على قراءته : كراهية أن يفتنكم الذين كفروا. وثبت في مصحف عثمان رضي الله عنه "إن خفتم". وذهب جماعة إلى أن هذه الآية إنما هي مبيحة للقصر في السفر للخائف من العدو؛ فمن كان آمنا فلا قصر له. روي عن عائشة رضى الله عنها أنها كانت تقول في السفر : أتموا صلاتكم؛ فقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر، فقالت : إنه كان في حرب وكان يخاف، وهل أنتم تخافون ؟. وقال عطاء : كان يتم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وسعد بن أبي وقاص وأتم عثمان، ولكن ذلك معلل بعلل تقدم بعضها. وذهب جماعة إلى أن الله تعالى لم يبح القصر في كتابه إلا بشرطين : السفر والخوف، وفي غير الخوف بالسنة، منهم الشافعي وقد تقدم. وذهب آخرون إلى أن قوله تعالى: {إن خفتم} ليس متصلا بما قبل، وإن الكلام تم عند قوله: {من الصلاة} ثم افتتح فقال: {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} فأقم لهم يا محمد صلاة الخوف. وقوله: {إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا} كلام معترض، قاله الجرجاني وذكره المهدوي وغيرهما. ورد هذا القول القشيري والقاضي أبو بكر بن العربي. قال القشيري أبو نصر : وفي الحمل على هذا تكلف شديد، وإن أطنب الرجل - يريد الجرجاني - في التقدير وضرب الأمثلة. وقال ابن العربي : وهذا كله لم يفتقر إليه عمر ولا ابنه ولا يعلي بن أمية معهما. قلت : قد جاء حديث بما قاله الجرجاني ذكره القاضي أبو الوليد بن رشد في مقدماته، وابن عطية أيضا في تفسيره عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي ؟ فأنزل الله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليم جناح أن تقصروا من الصلاة} ثم انقطع الكلام، فلما كان بعد ذلك بحول غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر، فقال المشركون : لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم ؟ فقال قائل منهم : إن لهم أخرى في أثرها فأنزل الله تعالى بين الصلاتين {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} إلى آخر صلاة الخوف. فإن صح هذا الخبر فليس لأحد معه مقال، ويكون فيه دليل على القصر في غير الخوف بالقرآن. وقد روى عن ابن عباس أيضا مثله، قال : إن قوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} نزلت في الصلاة في السفر، ثم نزل {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} في الخوف بعدها بعام. فالآية على هذا تضمنت قضيتين وحكمين. فقوله: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} يعني به في السفر؛ وتم الكلام، ثم ابتدأ فريضة أخرى فقدم الشرط؛ والتقدير : إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة. والواو زائدة، والجواب {فلتقم طائفة منهم معك}. وقوله: {إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا }اعتراض. وذهب قوم إلى أن ذكر الخوف منسوخ بالسنة، وهو حديث عمر إذ روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : (هذه صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ). قال النحاس : من جعل قصر النبي صلى الله عليه وسلم في غير خوف وفعله في ذلك ناسخا للآية فقد غلط؛ لأنه ليس في الآية منع للقصر في الأمن، وإنما فيها إباحة القصر في الخوف فقط. العاشرة: قوله تعالى: {أن يفتنكم الذين كفروا} قال الفراء : أهل الحجاز يقولون فتنت الرجل. وربيعة وقيس وأسد وجميع أهل نجد يقولون أفتنت الرجل. وفرق الخليل وسيبويه بينهما فقالا : فتنته جعلت فيه فتنة مثل أكحلته، وافتنته جعلته مفتتنا. وزعم الأصمعي أنه لا يعرف أفتنته. {إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا} "عدوا" ههنا بمعنى أعداء. والله أعلم.

التفسير الميسّر:

وإذا سافرتم -أيها المؤمنون- في أرض الله، فلا حرج ولا إثم عليكم في قصر الصلاة إن خفتم من عدوان الكفار عليكم في حال صلاتكم، وكانت غالب أسفار المسلمين في بدء الإسلام مخوفة، والقصر رخصة في السفر حال الأمن أو الخوف. إن الكافرين مجاهرون لكم بعداوتهم، فاحذروهم.

تفسير السعدي

تفسير الآيتين 101 و102 :ـ هاتان الآيتان أصل في رخصة القصر، وصلاة الخوف، يقول تعالى: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ } أي: في السفر، وظاهر الآية [أنه] يقتضي الترخص في أي سفر كان ولو كان سفر معصية، كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وخالف في ذلك الجمهور، وهم الأئمة الثلاثة وغيرهم، فلم يجوزوا الترخص في سفر المعصية، تخصيصا للآية بالمعنى والمناسبة، فإن الرخصة سهولة من الله لعباده إذا سافروا أن يقصروا ويفطروا، والعاصي بسفره لا يناسب حاله التخفيف. وقوله: { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ } أي: لا حرج ولا إثم عليكم في ذلك، ولا ينافي ذلك كون القصر هو الأفضل، لأن نفي الحرج إزالة لبعض الوهم الواقع في كثير من النفوس، بل ولا ينافي الوجوب كما تقدم ذلك في سورة البقرة في قوله: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } إلى آخر الآية. وإزالة الوهم في هذا الموضع ظاهرة، لأن الصلاة قد تقرر عند المسلمين وجوبها على هذه الصفة التامة، ولا يزيل هذا عن نفوس أكثرهم إلا بذكر ما ينافيه. ويدل على أفضلية القصر على الإتمام أمران: أحدهما: ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم على القصر في جميع أسفاره. والثاني: أن هذا من باب التوسعة والترخيص والرحمة بالعباد، والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته. وقوله: { أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ } ولم يقل أن تقصروا الصلاة فيه فائدتان: إحداهما: أنه لو قال أن تقصروا الصلاة لكان القصر غير منضبط بحد من الحدود، فربما ظن أنه لو قصر معظم الصلاة وجعلها ركعة واحدة لأجزأ، فإتيانه بقوله: { مِنَ الصَّلَاةِ } ليدل ذلك على أن القصر محدود مضبوط، مرجوع فيه إلى ما تقرر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. الثانية: أن { من } تفيد التبعيض ليعلم بذلك أن القصر لبعض الصلوات المفروضات لا جميعها، فإن الفجر والمغرب لا يقصران وإنما الذي يقصر الصلاة الرباعية من أربع إلى ركعتين. فإذا تقرر أن القصر في السفر رخصة، فاعلم أن المفسرين قد اختلفوا في هذا القيد، وهو قوله: { إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } الذي يدل ظاهره أن القصر لا يجوز إلا بوجود الأمرين كليهما، السفر مع الخوف. ويرجع حاصل اختلافهم إلى أنه هل المراد بقوله: { أَنْ تَقْصُرُوا } قصر العدد فقط؟ أو قصر العدد والصفة؟ فالإشكال إنما يكون على الوجه الأول. وقد أشكل هذا على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حتى سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لنا نقصر الصلاة وقد أمِنَّا؟ أي: والله يقول: { إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" أو كما قال. فعلى هذا يكون هذا القيد أتى به نظرا لغالب الحال التي كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليها، فإن غالب أسفاره أسفار جهاد. وفيه فائدة أخرى وهي بيان الحكمة والمصلحة في مشروعية رخصة القصر، فبيَّن في هذه الآية أنهى ما يتصور من المشقة المناسبة للرخصة، وهي اجتماع السفر والخوف، ولا يستلزم ذلك أن لا يقصر مع السفر وحده، الذي هو مظنة المشقة. وأما على الوجه الثاني، وهو أن المراد بالقصر: قصر العدد والصفة فإن القيد على بابه، فإذا وجد السفر والخوف، جاز قصر العدد، وقصر الصفة، وإذا وجد السفر وحده جاز قصر العدد فقط، أو الخوف وحده جاز قصر الصفة. ولذلك أتى بصفة صلاة الخوف بعدها بقوله: { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ } أي: صليت بهم صلاة تقيمها وتتم ما يجب فيها ويلزم، فعلمهم ما ينبغي لك ولهم فعله. ثم فسَّر ذلك بقوله: { فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ } أي: وطائفة قائمة بإزاء العدو كما يدل على ذلك ما يأتي: { فَإِذَا سَجَدُوا } أي: الذين معك أي: أكملوا صلاتهم وعبر عن الصلاة بالسجود ليدل على فضل السجود، وأنه ركن من أركانها، بل هو أعظم أركانها. { فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا } وهم الطائفة الذين قاموا إزاء العدو { فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ } ودل ذلك على أن الإمام يبقى بعد انصراف الطائفة الأولى منتظرا للطائفة الثانية، فإذا حضروا صلى بهم ما بقي من صلاته ثم جلس ينتظرهم حتى يكملوا صلاتهم، ثم يسلم بهم وهذا أحد الوجوه في صلاة الخوف. فإنها صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة كلها جائزة، وهذه الآية تدل على أن صلاة الجماعة فرض عين من وجهين: أحدهما: أن الله تعالى أمر بها في هذه الحالة الشديدة، وقت اشتداد الخوف من الأعداء وحذر مهاجمتهم، فإذا أوجبها في هذه الحالة الشديدة فإيجابها في حالة الطمأنينة والأمن من باب أَوْلَى وأحرى. والثاني: أن المصلين صلاة الخوف يتركون فيها كثيرا من الشروط واللوازم، ويعفى فيها عن كثير من الأفعال المبطلة في غيرها، وما ذاك إلا لتأكد وجوب الجماعة، لأنه لا تعارض بين واجب ومستحب، فلولا وجوب الجماعة لم تترك هذه الأمور اللازمة لأجلها. وتدل الآية الكريمة على أن الأولى والأفضل أن يصلوا بإمام واحد. ولو تضمن ذلك الإخلال بشيء لا يخل به لو صلوها بعدة أئمة، وذلك لأجل اجتماع كلمة المسلمين واتفاقهم وعدم تفرق كلمتهم، وليكون ذلك أوقع هيبة في قلوب أعدائهم، وأمر تعالى بأخذ السلاح والحذر في صلاة الخوف، وهذا وإن كان فيه حركة واشتغال عن بعض أحوال الصلاة فإن فيه مصلحة راجحة وهو الجمع بين الصلاة والجهاد، والحذر من الأعداء الحريصين غاية الحرص على الإيقاع بالمسلمين والميل عليهم وعلى أمتعتهم، ولهذا قال تعالى: { وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً } ثم إن الله عذر من له عذر من مرض أو مطر أن يضع سلاحه، ولكن مع أخذ الحذر فقال: { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } ومن العذاب المهين ما أمر الله به حزبه المؤمنين وأنصار دينه الموحدين من قتلهم وقتالهم حيثما ثقفوهم، ويأخذوهم ويحصروهم، ويقعدوا لهم كل مرصد، ويحذروهم في جميع الأحوال، ولا يغفلوا عنهم، خشية أن ينال الكفار بعض مطلوبهم فيهم. فلله أعظم حمد وثناء على ما مَنَّ به على المؤمنين، وأيَّدَهم بمعونته وتعاليمه التي لو سلكوها على وجه الكمال لم تهزم لهم راية، ولم يظهر عليهم عدو في وقت من الأوقات. وفي قوله: { فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ } يدل على أن هذه الطائفة تكمل جميع صلاتها قبل ذهابهم إلى موضع الحارسين. وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يثبت منتظرا للطائفة الأخرى قبل السلام، لأنه أولا ذكر أن الطائفة تقوم معه، فأخبر عن مصاحبتهم له. ثم أضاف الفعل بعْدُ إليهم دون الرسول، فدل ذلك على ما ذكرناه. وفي قوله: { وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ } دليل على أن الطائفة الأولى قد صلوا، وأن جميع صلاة الطائفة الثانية تكون مع الإمام حقيقة في ركعتهم الأولى، وحكما في ركعتهم الأخيرة، فيستلزم ذلك انتظار الإمام إياهم حتى يكملوا صلاتهم، ثم يسلم بهم، وهذا ظاهر للمتأمل.


تفسير البغوي

قوله عز وجل : ( وإذا ضربتم في الأرض ) أي : سافرتم ، ( فليس عليكم جناح ) أي : حرج وإثم ( أن تقصروا من الصلاة ) يعني من أربع ركعات إلى ركعتين ، وذلك في صلاة الظهر والعصر والعشاء ( إن خفتم أن يفتنكم ) أي : يغتالكم ويقتلكم ( الذين كفروا ) في الصلاة ، نظيره قوله تعالى : " على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم " ( يونس - 83 ) أي : يقتلهم .

( إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ) أي : ظاهر العداوة .

اعلم أن قصر الصلاة في السفر جائز بإجماع الأمة ، واختلفوا في جواز الإتمام : فذهب أكثرهم إلى أن القصر واجب ، وهو قول عمر وعلي وابن عمر وجابر وابن عباس رضي الله عنهما ، وبه قال الحسن وعمر بن عبد العزيز وقتادة وهو قول مالك وأصحاب الرأي ، لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر " .

وذهب قوم إلى جواز الإتمام ، روي ذلك عن عثمان وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما ، وبه قال الشافعي رضي الله عنه ، إن شاء أتم وإن شاء قصر ، والقصر أفضل .

[ أخبرنا الإمام عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا إبراهيم بن محمد ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : " كل ذلك قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة وأتم " .

وظاهر القرآن يدل على هذا ، لأنه قال : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) ولفظ لا جناح إنما يستعمل في الرخص لا فيما يكون حتما ، فظاهر الآية [ يوجب أن القصر ] لا يجوز إلا عند الخوف وليس الأمر على ذلك ، إنما نزلت الآية على غالب أسفار النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكثرها لم يخل عن خوف العدو .

والقصر جائز في السفر في حال الأمن عند عامة أهل العلم ، والدليل عليه ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا مسلم بن خالد وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج ، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار ، عن عبد الله بن باباه ، عن يعلى بن أمية ، قال : قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : إنما قال الله تعالى ( أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) وقد أمن الناس ، فقال عمر رضي الله عنه : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " صدقة تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته " .

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا عبد الوهاب ، عن أيوب السختياني ، عن محمد بن سيرين ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سافر رسول الله بين مكة والمدينة آمنا لا يخاف إلا الله فصلى ركعتين " .

وذهب قوم إلى أن ركعتي المسافر ليستا بقصر إنما القصر أن يصلي ركعة واحدة في الخوف ، يروى ذلك عنجابر رضي الله عنه وهو قول عطاء وطاوس والحسن ومجاهد ، وجعلوا شرط الخوف المذكور في الآية : باقيا وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الاقتصار على ركعة واحدة لا يجوز خائفا كان أو آمنا .

واختلف أهل العلم في مسافة القصر ، فقالت طائفة : يجوز القصر في السفر الطويل والقصير ، روي ذلك عن أنس رضي الله عنه ، وقال عمرو بن دينار : قال لي جابر بن زيد : اقصر بعرفة ، أما عامة الفقهاء فلا يجوزون القصر في السفر القصير .

واختلف في حد ما يجوز به القصر ، فقال الأوزاعي : مسيرة يوم ، وكان ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم يقصران ويفطران في أربعة برد ، وهي ستة عشر فرسخا ، وإليه ذهب مالك وأحمد وإسحاق ، وقول الحسن والزهري قريب من ذلك ، قالا مسيرة يومين ، وإليه ذهب الشافعي رضي الله عنه ، قال : مسيرة ليلتين قاصدتين ، وقال في موضع : ستة وأربعون ميلا بالهاشمي ، وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي : مسيرة ثلاثة أيام .

وقيل : قوله ( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) متصل بما بعده من صلاة الخوف منفصل عما قبله ، روي عن أبي أيوب الأنصاري أنه قال : نزل قوله ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) هذا القدر ، ثم بعد حول سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الخوف فنزل : ( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ) وإذا كنت فيهم ) الآية . ومثله في القرآن كثير ، أن يجيء الخبر بتمامه ثم ينسق عليه خبر آخر ، وهو في الظاهر كالمتصل به ، وهو منفصل عنه ، كقوله تعالى : " الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين " ( يوسف - 51 ) ، وهذه حكاية عن امرأة العزيز ، وقوله : " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب " ( يوسف - 52 ) إخبار عن يوسف عليه السلام .


الإعراب:

(وَإِذا ضَرَبْتُمْ) إذا ظرف لما يستقبل من الزمن وفعل ماض وفاعل والجملة في محل جر بالإضافة.

(فِي الْأَرْضِ) متعلقان بضربتم (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) ليس واسمها والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبرها.

(أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) المصدر المؤول من أن والفعل في محل جر بحرف الجر في قصر الصلاة والجار والمجرور متعلقان بصفة لجناح ومن الصلاة متعلقان بالفعل قبلهما تقصروا وجملة فليس لا محل لها جواب شرط غير جازم.

(إِنْ خِفْتُمْ) إن شرطية وفعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل والتاء فاعل وهو في محل جزم فعل الشرط (أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) المصدر المؤول في محل نصب مفعول به أي: فتنة واسم الموصول فاعل وجملة كفروا صلة الموصول لا محل لها وجواب الشرط إن محذوف دل عليه ما قبله.

(إِنَّ الْكافِرِينَ) إن واسمها المنصوب بالياء (كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا) كان واسمها وخبرها والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال عدوا (مُبِيناً) صفة وجملة: كانوا خبر إن.

---

Traslation and Transliteration:

Waitha darabtum fee alardi falaysa AAalaykum junahun an taqsuroo mina alssalati in khiftum an yaftinakumu allatheena kafaroo inna alkafireena kanoo lakum AAaduwwan mubeenan

بيانات السورة

اسم السورة سورة النساء (An-Nisaa - The Women)
ترتيبها 4
عدد آياتها 176
عدد كلماتها 3712
عدد حروفها 15937
معنى اسمها (النُّـِسْوَةُ) بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَ(النِّسَاءُ) وَ(النِّسْوَانُ) جَمْعُ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ لفْظِهَا
سبب تسميتها كَثْرَةُ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ وَمَسَائِلِ الْأُسْرَّةِ وَالْمُجْتَمَعِ
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النِّسَاءِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (النِّسَاءِ الكُبْرَى) أَوْ (النِّسَاءِ الطُوْلَى)
مقاصدها تَنْظِيمُ الشُّؤُونِ الدَّاخِلِيَّةِ وَالعَلَاقَاتِ الْخَارِجِيَّةِ لِلْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النِّسَاءِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ أَحْكَامِ المَوَارِيثِ. فقَالَ سُبْحَانَهُ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ﴾... الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي ٱلۡكَلَٰلَةِۚ ...١٧٥﴾... الآيَاتِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النِّسَاءِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (آلِ عِمرَانَ): اختُتِمَتْ (آلُ عِمْرَانَ) بِالأَمْرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ٢٠٠﴾ ، وَافْتُتِحَتِ (النِّسَاءُ) بِالأَمرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ...١﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!