«وأمه وأبيه».
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (22)
- الوجه الأول - يعني المزاج الذي كان عليه في الدنيا ، أي هو قادر على إعادة ذلك المزاج ، لكن ما شاء ، ولهذا علق المشيئة به فقال «ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ» فلو كان هو بعينه لقال : ثم ينشره ؛ ولا يعلم أحد ما في مشيئة الحق إلا أن يعلمه الحق بذلك - الوجه الثاني - لما كانت النشأة الآخرة على غير مثال من النشأة الدنيا ، فهو تعالى يخرجنا إخراجا لا نباتا ، فهو يخرجنا من الأرض على الصورة التي يشاء الحق أن يخرجنا عليها ، لذلك علّق المشيئة بنشر الصورة التي أعادها في الأرض الموصوفة بأنها تنبت ، فتنبت على غير مثال لأنه ليس في الصور صورة تشبهها .
------------
(22) الفتوحات ج 3 /
42 - ج 4 /
289 - ج 2 /
472 - ج 3 /
346 ، 438
قال عكرمة يلقى الرجل زوجته فيقول لها يا هذه أي بعل كنت لك فتقول نعم البعل كنت وتثني بخير ما استطاعت فيقول لها فإني أطلب إليك اليوم حسنة واحدة تهبينها لي لعلي أنجو مما ترين فتقول له : ما أيسر ما طلبت ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئا أتخوف مثل الذي تخاف قال وإن الرجل ليلقى ابنه فيتعلق به فيقول يا بني أي والد كنت لك فيثني بخير فيقول له يا بني إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى فيقول ولده يا أبت ما أيسر ما طلبت ولكني أتخوف مثل الذي تتخوف فلا أستطيع أن أعطيك شيئا يقول الله تعالى ( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه )
وفي الحديث الصحيح في أمر الشفاعة أنه إذا طلب إلى كل من أولي العزم أن يشفع عند الله في الخلائق يقول نفسي نفسي لا أسأله اليوم إلا نفسي حتى إن عيسى ابن مريم يقول لا أسأله اليوم إلا نفسي لا أسأله مريم التي ولدتني ولهذا قال تعالى ( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ) .
قال قتادة الأحب فالأحب والأقرب فالأقرب من هول ذلك اليوم
قوله تعالى {فإذا جاءت الصاخة} لما ذكر أمر المعاش ذكر أمر المعاد، ليتزودوا له بالأعمال الصالحة، وبالإنفاق مما امتن به عليهم. والصاخة : الصيحة التي تكون عنها القيامة، وهي النفخة الثانية، تصخ الأسماع : أي تصمها فلا تسمع إلا ما يدعى به للأحياء. وذكر ناس من المفسرين قالوا : تصيخ لها الأسماع، من قولك : أصاخ إلى كذا : أي استمع إليه، ومنه الحديث : (ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة شفقا من الساعة إلا الجن والإنس). وقال الشاعر : يصيخ للنبأة أسماعه ** إصاخة المنشد للمنشد قال بعض العلماء : وهذا يؤخذ على جهة التسليم للقدماء، فأما اللغة فمقتضاها القول الأول، قال الخليل : الصاخة : صيحة تصخ الآذان صخا أي تصمها بشدة وقعتها. وأصل الكلمة في اللغة : الصك الشديد. وقيل : هي مأخوذة من صخه بالحجر : إذا صكه قال الراجز : يا جارتي هل لك أن تجالدي ** جلادة كالصك بالجلامد ومن هذا الباب قول العرب : صختهم الصاخة وباتتهم البائتة، وهي الداهية. الطبري : وأحسبه من صخ فلان فلانا : إذا أصماه. قال ابن العربي : الصاخة التي تورث الصمم، وإنها لمسمعة، وهذا من بديع الفصاحة، حتى لقد قال بعض حديثي الأسنان حديثي الأزمان : أَصَمَّ بك الناعي وإن كان أسمعا وقال آخر : أَضَمَّني سِرُّهم أيام فرقتهم ** فهل سمعتم بسر يورث الصمما لعمر الله إن صيحة القيامة لمسمعة تصم عن الدنيا، وتسمع أمور الآخرة. قوله تعالى {يوم يفر المرء من أخيه} أي يهرب، أي تجيء الصاخة في هذا اليوم الذي يهرب فيه من أخيه؛ أي من موالاة أخيه ومكالمته؛ لأنه لا يتفرغ لذلك، لاشتغاله بنفسه؛ كما قال بعده {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} أي يشغله عن غيره. وقيل : إنما يفر حذرا من مطالبتهم إياه، لما بينهم من التبعات. وقيل : لئلا يروا ما هو فيه من الشدة. وقيل : لعلمه أنهم لا ينفعونه ولا يغنون عنه شيئا؛ كما قال {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا}[
الدخان : 41]. وقال عبدالله بن طاهر الأبهري : يفر منهم لما تبين له من عجزهم وقلة حيلتهم، إلى من يملك كشف تلك الكروب والهموم عنه، ولو ظهر له ذلك في الدنيا لما اعتمد شيئا سوى ربه تعالى. وذكر الضحاك عن ابن عباس قال : يفر قابيل من أخيه هابيل، ويفر النبي صلى الله عليه وسلم من أمه، وإبراهيم عليه السلام من أبيه، ونوح عليه السلام من ابنه، ولوط من امرأته، وآدم من سوأة بنيه. وقال الحسن : أول من يفر يوم القيامة من، أبيه : إبراهيم، وأول من يفر من ابنه نوح؛ وأول من يفر من امرأته لوط. قال : فيرون أن هذه الآية نزلت فيهم وهذا فرار التبرؤ. {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}. في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول : [يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا] قلت، يا رسول الله! الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال : [يا عائشة، الأم أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض]."" خرجه الترمذي. عن ابن عباس"" : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [يحشرون حفاة عراة غرلا] فقالت امرأة : أينظر بعضنا، أو يرى بعضنا عورة بعض؟ قال : [يا فلانة] {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}. قال : حديث حسن صحيح. وقراءة العامة بالغين المعجمة؛ أي حال يشغله عن الأقرباء. وقرأ ابن محيصن وحميد {يعنيه} بفتح الياء، وعين غير معجمة؛ أي يعنيه أمره. وقال القتبي : يعنيه : يصرفه ويصده عن قرابته، ومنه يقال : أعن عني وجهك : أي أصرفه واعن عن السفيه؛ قال خفاف : سيعنيك حرب بني مالك ** عن الفحش والجهل في المحفل قوله تعالى {وجوه يومئذ مسفرة} أي مشرقة مضيئة، قد علمت مالها من الفوز والنعيم، وهي وجوه المؤمنين. {ضاحكة} أي مسرورة فرحة. {مستبشرة} : أي بما آتاها الله من الكرامة. وقال عطاء الخراساني {مسفرة} من طول ما اغبرت في سبيل الله جل ثناؤه. ذكره أبو نعيم. الضحاك : من آثار الوضوء. ابن عباس : من قيام الليل؛ لما روي في الحديث : [من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار] يقال : أسفر الصبح إذا أضاء. {ووجوه يومئذ عليها غبرة} أي غبار ودخان {ترهقها} أي تغشاها {قترة} أي كسوف وسواد. كذا قال ابن عباس. وعنه أيضا : ذلة وشدة. والقتر في كلام العرب : الغبار، جمع القترة، عن أبي عبيد؛ وأنشد الفرزدق : متوج برداء الملك يتبعه ** موج ترى فوقه الرايات والقترا وفي الخبر : إن البهائم إذا صارت ترابا يوم القيامة حول ذلك التراب في وجوه الكفار. وقال زيد بن أسلم، القترة : ما ارتفعت إلى السماء، والغبرة : ما انحطت إلى الأرض، والغبار والغبرة : واحد. {أولئك هم الكفرة} جمع كافر {الفجرة} جمع فاجر، وهو الكاذب المفتري على الله تعالى. وقيل : الفاسق؛ [يقال] : فجر فجورا : أي فسق، وفجر : أي كذب. وأصله : الميل، والفاجر : المائل. وقد مضى بيانه والكلام فيه. والحمد لله وحده.
فإذا جاءت صيحة يوم القيامة التي تصمُّ مِن هولها الأسماع، يوم يفرُّ المرء لهول ذلك اليوم من أخيه، وأمه وأبيه، وزوجه وبنيه. لكل واحد منهم يومئذٍ أمر يشغله ويمنعه من الانشغال بغيره.
{ يَفِرُّ الْمَرْءُ } من أعز الناس إليه، وأشفقهم لديه، { مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ } أي: زوجته { وَبَنِيهِ }
«وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ» معطوفان على ما قبلهما
Traslation and Transliteration:
Waommihi waabeehi
And his mother and his father
Ve anasından ve babasından.
de sa mère, de son père,
sowie (vor) seiner Mutter und seinem Vater
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة عبس (Abasa - He Frowned) |
ترتيبها |
80 |
عدد آياتها |
42 |
عدد كلماتها |
133 |
عدد حروفها |
538 |
معنى اسمها |
عَبَسَ: قَطَّبَ مَا بَينَ عَيْنَيهِ لِإِبْدَاءِ الاسْتِيَاءِ وَعَدَمِ الرِّضَا. وَالمُرَادُ (بِعَبَسَ): أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَبَسَ فِي وَجْهِ الصَّحَابِيِّ عَبْدِ اللهِ بنِ أُمِّ مَكْتُومٍ رضي الله عنه، فَعَاتَبَهُ اللهُ تَعَالَى لِيُزَكِّي خُلُقَهُ الْعَظِيمَ ﷺ ويُكَمِّلَهُ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ حَادِثَةِ (عَبَسَ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (عَبَسَ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الْأَعْمَى)، وَسُورَةَ (الْغُرَّةِ)، وَسُورَةَ (الْصَّاخَّةِ) |
مقاصدها |
دَعْوَةُ الْإِنْسَانِ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، وَتَذْكِيرُهُ بِالنِّعَمِ وَمَصِيرِ مَنْ آمَنَ أَوْ كَذَّبَ بِاللهِ تَعَالَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه قَالَتْ: «أُنْزِلَتْ ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ﴾ فِي ابنِ أمِّ مَكْتومٍ الْأَعْمَى، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْشِدْنِي، وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعرِضُ عَنْهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ، وَيَقُولُ: «أَتَرَى فِيمَا أَقُولُ بَأْسًا؟ فَيَقُولُ: لَا، فَفِي هَذَا نَزَلَ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ التِّرمِذيُّ) |
فضلها |
مِنَ النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّويْلِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظَائِرَ، السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ، .... (وَوَيْلٌ لِلْمَطَفِّفِينَ وَعَبَسَ) فِي رَكْعَةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (عَبَسَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَعَاقِبَتِهِمَا، فَافْتُتِحَتْ بِصِنْفَيِنِ: الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ وَالْمُسْتَغْنِي الْكَافِرِ، فَقَالَ: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ ١﴾... الآيَاتِ، وَخُتِمَتْ بِذِكْرِ عَاقِبَتَهُمَا، فقال: ﴿وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ مُّسۡفِرَةٞ ٣٨ ضَاحِكَةٞ مُّسۡتَبۡشِرَةٞ ٣٩﴾... الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (عَبَسَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (النَّازِعَاتِ): لَمَّا ذُكِرَ الْإِنْذَارُ فِي آخِرِ (النَّازِعَاتِ) بِقَولِهِ: ﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخۡشَىٰهَا ٤٥﴾ بَيَّنَ فِي أَوَّلِ (عَبَسَ) مَنْ يَنْفَعُهُ الْإِنْذَارُ وَمَنْ لَا يَنْفَعُهُ، فَقَالَ: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ ١ ﴾... الآيَاتِ |