المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة النساء: [الآية 77]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة النساء | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)
البرهان قوي السلطان ، ولما أزال الحق بالقرآن شبه الضلالات وظلمة الشكوك وأوضح به المشكلات سماه نورا ، وكل ما جاء في معرض الدلالة فهو من كونه نورا ، لأن النور هو المنفر الظلم ، والقرآن ضياء لأن الضياء يكشف ، فكل ما أظهره القرآن فهو من أثر ضيائه ، فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم ، وفيه ما ليس فيها . فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم ؛ فعلوم الأنبياء والملائكة وكل لسان علم فإن القرآن يتضمنه ويوضحه لأهل القرآن بما هو ضياء ، فهو نور من حيث ذاته لأنه لا يدرك لعزته ، وهو ضياء لما يدرك به ولما يدرك منه . فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل .
------------
(174) الفتوحات ج 4 / 352 - إيجاز البيان - الفتوحات ج 3 / 94 - ج 2 / 107تفسير ابن كثير:
كان المؤمنون في ابتداء الإسلام - وهم بمكة - مأمورين بالصلاة والزكاة وإن لم تكن ذات النصب ، لكن كانوا مأمورين بمواساة الفقراء منهم ، وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن المشركين والصبر إلى حين ، وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم ، ولم يكن الحال إذ ذاك مناسبا لأسباب كثيرة ، منها : قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم ، ومنها كونهم كانوا في بلدهم وهو بلد حرام وأشرف بقاع الأرض ، فلم يكن الأمر بالقتال فيه ابتداء لائقا . فلهذا لم يؤمر بالجهاد إلا بالمدينة ، لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار ، ومع هذا لما أمروا بما كانوا يودونه جزع بعضهم منه وخافوا من مواجهة الناس خوفا شديدا ( وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب ) أي : لو ما أخرت فرضه إلى مدة أخرى ، فإن فيه سفك الدماء ، ويتم الأبناء ، وتأيم النساء ، وهذه الآية في معنى قوله تعالى ( ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال [ رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ] ) [ محمد : 20 ، 21 ] .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة وعلي بن زنجة قالا حدثنا علي بن الحسن ، عن الحسين بن واقد ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، فقالوا : يا نبي الله ، كنا في عز ونحن مشركون ، فلما آمنا صرنا أذلة : قال : " إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم " . فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال ، فكفوا . فأنزل الله : ( ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم [ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية ] ) الآية .
ورواه النسائي ، والحاكم ، وابن مردويه ، من حديث علي بن الحسن بن شقيق ، به .
وقال أسباط ، عن السدي : لم يكن عليهم إلا الصلاة والزكاة ، فسألوا الله أن يفرض عليهم القتال ، فلما كتب عليهم القتال : ( إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب ) وهو الموت ، قال الله تعالى : ( قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى )
وعن مجاهد : إن هذه الآيات نزلت في اليهود . رواه ابن جرير .
وقوله : ( قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ) أي : آخرة المتقي خير من دنياه .
( ولا تظلمون فتيلا ) أي : من أعمالكم بل توفونها أتم الجزاء . وهذه تسلية لهم عن الدنيا . وترغيب لهم في الآخرة ، وتحريض لهم على الجهاد .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا حماد بن زيد ، عن قال : قرأ الحسن : ( قل متاع الدنيا قليل ) قال : رحم الله عبدا صحبها على حسب ذلك ، ما الدنيا كلها أولها وآخرها إلا كرجل نام نومة ، فرأى في منامه بعض ما يحب ، ثم انتبه .
وقال ابن معين : كان أبو مسهر ينشد :
ولا خير في لمن لم يكن له من الله في دار المقام نصيب فإن تعجب الدنيا رجالا فإنها
متاع قليل والزوال قريب
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
كان المسلمون -إذ كانوا بمكة- مأمورين بالصلاة والزكاة أي: مواساة الفقراء، لا الزكاة المعروفة ذات النصب والشروط، فإنها لم تفرض إلا بالمدينة، ولم يؤمروا بجهاد الأعداء لعدة فوائد: منها: أن من حكمة الباري تعالى أن يشرع لعباده الشرائع على وجه لا يشق عليهم؛ ويبدأ بالأهم فالأهم، والأسهل فالأسهل. ومنها: أنه لو فرض عليهم القتال -مع قلة عَدَدِهِم وعُدَدِهِم وكثرة أعدائهم- لأدى ذلك إلى اضمحلال الإسلام، فروعي جانب المصلحة العظمى على ما دونها ولغير ذلك من الحِكَم. وكان بعض المؤمنين يودون أن لو فرض عليهم القتال في تلك الحال، غير اللائق فيها ذلك، وإنما اللائق فيها القيام بما أمروا به في ذلك الوقت من التوحيد والصلاة والزكاة ونحو ذلك كما قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا } فلما هاجروا إلى المدينة وقوي الإسلام، كُتب عليهم القتال في وقته المناسب لذلك، فقال فريق من الذين يستعجلون القتال قبل ذلك خوفا من الناس وضعفا وخورا: { رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ } ؟ وفي هذا تضجرهم واعتراضهم على الله، وكان الذي ينبغي لهم ضد هذه الحال، التسليم لأمر الله والصبر على أوامره، فعكسوا الأمر المطلوب منهم فقالوا: { لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ } أي: هلَّا أخرت فرض القتال مدة متأخرة عن الوقت الحاضر، وهذه الحال كثيرًا ما تعرض لمن هو غير رزين واستعجل في الأمور قبل وقتها، فالغالب عليه أنه لا يصبر عليها وقت حلولها ولا ينوء بحملها، بل يكون قليل الصبر. ثم إن الله وعظهم عن هذه الحال التي فيها التخلف عن القتال فقال: { قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى } أي: التمتع بلذات الدنيا وراحتها قليل، فتحمل الأثقال في طاعة الله في المدة القصيرة مما يسهل على النفوس ويخف عليها؛ لأنها إذا علمت أن المشقة التي تنالها لا يطول لبثها هان عليها ذلك، فكيف إذا وازنت بين الدنيا والآخرة، وأن الآخرة خير منها، في ذاتها، ولذاتها وزمانها، فذاتها -كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت عنه- "أن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها" . ولذاتها صافية عن المكدرات، بل كل ما خطر بالبال أو دار في الفكر من تصور لذة، فلذة الجنة فوق ذلك كما قال تعالى: { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } وقال الله على لسان نبيه: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" . وأما لذات الدنيا فإنها مشوبة بأنواع التنغيص الذي لو قوبل بين لذاتها وما يقترن بها من أنواع الآلام والهموم والغموم، لم يكن لذلك نسبة بوجه من الوجوه. وأما زمانها، فإن الدنيا منقضية، وعمر الإنسان بالنسبة إلى الدنيا شيء يسير، وأما الآخرة فإنها دائمة النعيم وأهلها خالدون فيها، فإذا فكّر العاقل في هاتين الدارين وتصور حقيقتهما حق التصور، عرف ما هو أحق بالإيثار، والسعي له والاجتهاد لطلبه، ولهذا قال: { وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى } أي: اتقى الشرك، وسائر المحرمات. { وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا } أي: فسعيكم للدار الآخرة ستجدونه كاملاً موفرًا غير منقوص منه شيئًا.
تفسير البغوي
قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ) الآية ، قال الكلبي : نزلت في عبد الرحمن بن عوف الزهري ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وقدامة بن مظعون الجمحي ، وسعد بن أبي وقاص ، وجماعة كانوا يلقون من المشركين بمكة أذى كثيرا قبل أن يهاجروا ، ويقولون : يا رسول الله ائذن لنا في قتالهم فإنهم قد آذونا ، فيقول لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفوا أيديكم فإني لم أؤمر بقتالهم " .
( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) فلما هاجروا إلى المدينة وأمرهم الله بقتال المشركين شق ذلك على بعضهم ، قال الله تعالى : ( فلما كتب ) فرض ، ( عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس ) يعني : يخشون مشركي مكة ، ( كخشية الله ) أي : كخشيتهم من الله ، ( أو أشد ) أكثر ، ( خشية ) وقيل : معناه وأشد خشية ، ( وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال ) الجهاد ( لولا ) هلا ( أخرتنا إلى أجل قريب ) يعني : الموت أي : هلا تركتنا حتى نموت بآجالنا؟ .
واختلفوا في هؤلاء الذين قالوا ذلك ، قيل : قاله قوم من المنافقين لأن قوله : ( لم كتبت علينا القتال ) لا يليق بالمؤمنين .
وقيل : قاله جماعة من المؤمنين لم يكونوا راسخين في العلم قالوه خوفا وجبنا لا اعتقادا ، ثم تابوا ، وأهل الإيمان يتفاضلون في الإيمان .
وقيل : هم قوم كانوا مؤمنين فلما فرض عليهم القتال نافقوا من الجبن وتخلفوا عن الجهاد ، ( قل ) يا محمد ، ( متاع الدنيا ) أي : منفعتها والاستمتاع بها ( قليل والآخرة ) أي : وثواب الآخرة خير وأفضل ، ( لمن اتقى ) الشرك ومعصية الرسول ، ( ولا تظلمون فتيلا ) قرأ ابن كثير وأبو جعفر وحمزة والكسائي بالياء والباقون تظلمون بالتاء .
أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن معاوية الصيدلاني ، أخبرنا الأصم ، أنا عبد الله بن محمد بن شاكر ، أنا محمد بن بشر العبدي ، أنا مسعر بن كدام عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم ، حدثني المستورد بن شداد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع " .
الإعراب:
(أَلَمْ تَرَ) ألم سبق إعرابها تر مضارع مجزوم بحذف حرف العلة فاعله أنت (إِلَى الَّذِينَ) متعلقان بتر (قِيلَ لَهُمْ) الجار والمجرور متعلقان بالفعل المجهول قيل والجملة صلة الموصول (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) فعل أمر وفاعله ومفعوله والجملة مقول القول ومثلها الجملتان المعطوفتان (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ).
(فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) كتب فعل ماض مبني للمجهول تعلق به الجار والمجرور والقتال نائب فاعله ولما ظرفية متضمنة معنى الشرط والجملة بعدها في محل جر بالإضافة أو هي حرف وجود لوجود (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ) إذا فجائية حرف لا محل له من الإعراب وقيل هي ظرف فريق مبتدأ منهم متعلقان بمحذوف صفة فريق وجملة (يَخْشَوْنَ النَّاسَ) خبر (كَخَشْيَةِ اللَّهِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف مفعول مطلق اللّه لفظ الجلالة مضاف إليه والجملة جواب شرط غير جازم لا محل لها وجملة (فَرِيقٌ مِنْهُمْ) في محل نصب حال.
(أَوْ أَشَدَّ) عطف على خشية المحذوف وقيل معطوف على كخشية (خَشْيَةً) تمييز (وَقالُوا رَبَّنا) الجملة مستأنفة أو معطوفة ربنا منادى مضاف منصوب (لَمْ) اسم استفهام في محل جر والجار والمجرور متعلقان بكتبت (كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ) فعل ماض وفاعل ومفعول به والجار والمجرور متعلقان بالفعل والجملة مقول القول (لَوْ لا) حرف تحضيض (أَخَّرْتَنا) فعل ماض وفاعل ومفعول به والجار والمجرور متعلقان بالفعل (قَرِيبٍ) صفة والجملة مقول القول.
(قُلْ) الجملة مستأنفة والجملة الاسمية (مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) مبتدأ وخبر والجملة مقول القول والدنيا مضاف إليه (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ) مبتدأ وخبر والجملة مستأنفة (لِمَنِ) متعلقان بخير وجملة (اتَّقى) صلة الموصول من (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) لا نافية ومضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل فتيلا نائب مفعول مطلق والجملة معطوفة بالواو قبلها.