«أوْلى لك» فيه التفات عن الغيبة والكلمة اسم فعل واللام للتبيين، أي وليك ما تكره «فأوْلى» أي فهو أولى بك من غيرك.
ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (35) يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (36)
فلينظر الإنسان ويتفكر ويعتبر أن اللّه ما خلقه سدى ، وإن طال المدى ، ومن نظر واهتدى ، وباع الضلالة بالهدى ، عجّل بالفدا ، من أجل تحكم الأعدا ، ومن عرف الضلالة والهدى لم يطل عليه المدى ، وعلم أن اللّه لا يترك خلقه سدى ، كما لم يتركه ابتدأ ،
وإن لم ينزل منازل السعداء ، فإن اللّه برحمته التي وسعت كل شيء لا يسرمد عليه الردا ،
وكيف يسرمده وهو عين الردا ، فهو في مقام الفدا ، وإشارة سهام العدا ، فله الرحمة آخرا خالدا مخلدا فيها أبدا .
------------
(36) الفتوحات ج 1 /
332 - ج 4 /
356 ، 29
ال الله تعالى : ( أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ) وهذا تهديد ووعيد أكيد منه تعالى للكافر به المتبختر في مشيته ، أي : يحق لك أن تمشي هكذا وقد كفرت بخالقك وبارئك ، كما يقال في مثل هذا على سبيل التهكم والتهديد كقوله : ( ذق إنك أنت العزيز الكريم ) [ الدخان : 49 ] . وكقوله : ( كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ) [ المرسلات : 46 ] ، وكقوله ( فاعبدوا ما شئتم من دونه ) [ الزمر : 15 ] ، وكقوله ( اعملوا ما شئتم ) [ فصلت : 40 ] . إلى غير ذلك .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - ، عن إسرائيل ، عن موسى بن أبي عائشة قال : سألت سعيد بن جبير قلت : ( أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ) ؟ قال : قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأبي جهل ، ثم نزل به القرآن .
وقال أبو عبد الرحمن النسائي : حدثنا إبراهيم بن يعقوب . حدثنا أبو النعمان ، حدثنا أبو عوانة - ( ح ) وحدثنا أبو داود : حدثنا محمد بن سليمان . حدثنا أبو عوانة - عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : ( أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ) ؟ قال : قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنزله الله عز وجل .
قال ابن أبي حاتم : وحدثنا أبي ، حدثنا هشام بن خالد ، حدثنا شعيب ، عن إسحاق ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ) وعيد على أثر وعيد ، كما تسمعون ، وزعموا أن عدو الله أبا جهل أخذ نبي الله بمجامع ثيابه ، ثم قال : " أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى " ، فقال عدو الله أبو جهل : أتوعدني يا محمد ؟ والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئا ، وإني لأعز من مشى بين جبليها .
قوله تعالى {فلا صدق ولا صلى} أي لم يصدق أبو جهل ولم يصل. وقيل : يرجع هذا إلى الإنسان في أول السورة، وهو اسم جنس. والأول قول ابن عباس. أي لم يصدق بالرسالة {ولا صلى} ودعا لربه، وصلى على رسوله. وقال قتادة : فلا صدق بكتاب الله، ولا صلى لله. وقيل : ولا صدق بمال له، ذخرا له عند الله، ولا صلى الصلوات التي أمره الله بها. وقيل : فلا آمن بقلبه ولا عمل ببدنه. قال الكسائي {لا} بمعنى لم ولكنه يقرن بغيره؛ تقول العرب : لا عبدالله خارج ولا فلان، ولا تقول : مررت برجل لا محسن حتى يقال ولا مجمل، وقوله تعالى {فلا اقتحم العقبة}[
البلد : 11] ليس من هذا القبيل؛ لأن معناه أفلا أقتحم؛ أي فهلا اقتحم، فحذف ألف الاستفهام. وقال الأخفش {فلا صدق} أي لم يصدق؛ كقوله {فلا اقتحم} أي لم يقتحم، ولم يشترط أن يعقبه بشيء آخر، والعرب تقول : لا ذهب، أي لم يذهب، فحرف النفي ينفي الماضي كما ينفي المستقبل؛ ومنه قول زهير : فلا هو أبداها ولم يتقدم قوله تعالى {ولكن كذب وتولى} أي كذب بالقرآن وتولى عن الإيمان {ثم ذهب إلى أهله يتمطى} أي يتبختر، افتخارا بذلك؛ قال مجاهد وغيره. مجاهد : المراد به أبو جهل. وقيل {يتمطى} من المطا وهو الظهر، والمعنى يلوي مطاه. وقيل : أصله يتمطط، وهو التمدد من التكسل والتثاقل، فهو يتثاقل عن الداعي إلى الحق؛ فأبدل من الطاء ياء كراهة التضعيف، والتمطي يدل على قلة الاكتراث، وهو التمدد، كأنه يمد ظهره ويلويه من التبختر. والمطيطة الماء الخاثر في أسفل الحوض؛ لأنه يتمطى أي يتمدد؛ وفي الخبر : إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم كان بأسهم بينهم والمطيطاء : التبختر ومد اليدين في المشي. قوله تعالى {أولى لك فأولى، ثم أولى لك فأولى} تهديد بعد تهديد، ووعيد بعد وعيد، أي فهو وعيد أربعة لأربعة؛ كما روي أنها نزلت في أبي جهل الجاهل بربه فقال {فلا صدق ولا صلى. ولكن كذب وتولى} أي لا صدق رسول الله، ولا وقف بين يدي فصلى، ولكن، كذب رسولي، وتولى عن التصلية بين يدي. فترك التصديق خصلة، والتكذيب خصلة، وترك الصلاة خصلة، والتولي عن الله تعالى خصلة؛ فجاء الوعيد أربعة مقابلة لترك الخصال الأربعة. والله أعلم. لا يقال : فإن قوله {ثم ذهب إلى أهله يتمطى} خصلة خامسة؛ فإنا نقول : تلك كانت عادته قبل التكذيب والتولي، فأخبر عنها. وذلك بين في قول قتادة على ما نذكره. وقيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد ذات يوم، فاستقبله أبو جهل على باب المسجد، مما يلي باب بني مخزوم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فهزه أو مرتين ثم قال : (أولى لك فأولى) فقال له أبو جهل : أتهددني؟ فوالله إني لأعز أهل الوادي وأكرمه. ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال لأبي جهل. وهي كلمة وعيد. قال الشاعر : فأولى ثم أولى ثم أولى ** وهل للدر يحلب من مرد قال قتادة : أقبل أبو جهل بن هشام يتبختر، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده فقال : [أولى لك فأولى، ثم أولى لك فأولى]. فقال : ما تستطيع أنت ولا ربك لي شيئا، إني لأعز من بين جبليها. فلما كان يوم بدر أشرف على المسلمين فقال : لا يعبد الله بعد هذا اليوم أبدا. فضرب الله عنقه، وقتله شر قتلة. وقيل : معناه : الويل لك؛ ومنه قول الخنساء : هممت بنفسي كل الهموم ** فأولى لنفسي أولى لها سأحمل نفسي على آلة ** فإما عليها وإما لها الآلة : الحالة، والآلة : السرير أيضا الذي يحمل عليه الميت؛ وعلى هذا التأويل قيل : هو من المقلوب؛ كأنه قيل : أويل، ثم أخر الحرف المعتل، والمعنى : الويل لك حيا، والويل لك ميتا، والويل لك يوم البعث، والويل لك يوم تدخل النار؛ وهذا التكرير كما قال : لك الويلات إنك مرجلي أي لك الويل، ثم الويل، ثم الويل، وضعف هذا القول. وقيل : معناه الذم لك، أولى، من تركه، إلا أنه كثير في الكلام فحذف. وقيل : المعنى أنت أولى وأجدر بهذا العذاب. وقال أبو العباس أحمد بن يحيى : قال الأصمعي {أولى} في كلام العرب معناه مقاربة الهلاك، كأنه يقول : قد وليت الهلاك، قد دانيت الهلاك؛ وأصله من الولي، وهو القرب؛ قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار}[
التوبة : 123] أي يقربون منكم؛ وأنشد الأصمعي : وأولى أن يكون له الولاء أي قارب أن يكون له؛ وأنشد أيضا : أولى لمن هاجت له أن يكمدا أي قد دنا صاحبها [من] الكمد. وكان أبو العباس ثعلب يستحسن قول الأصمعي ويقول : ليس أحد يفسر كتفسير الأصمعي. النحاس : العرب تقول أولى لك : كدت تهلك ثم أفلت، وكأن تقديره : أولى لك وأولى بك الهلكة. المهدوي قال : ولا تكون أولى (أفعل منك)، وتكون خبر مبتدأ محذوف، كأنه قال : الوعيد أولى له من غيره؛ لأن أبا زيد قد حكى : أولاة الآن : إذا أوعدوا. فدخول علامة التأنيث دليل على أنه ليس كذلك. و{لك} خبر عن {أولى}. ولم ينصرف {أولى} لأنه صار علما للوعيد، فصار كرجل اسمه أحمد. وقيل : التكرير فيه على معنى ألزم لك على عملك السيء الأول، ثم على الثاني، والثالث، والرابع، كما تقدم.
فلا آمن الكافر بالرسول والقرآن، ولا أدَّى لله تعالى فرائض الصلاة، ولكن كذَّب بالقرآن، وأعرض عن الإيمان، ثم مضى إلى أهله يتبختر مختالا في مشيته. هلاك لك فهلاك، ثم هلاك لك فهلاك.
توعده بقوله: { أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } وهذه كلمات وعيد، كررها لتكرير وعيده، ثم ذكر الإنسان بخلقه الأول
و(أَوْلى) مبتدأ و(لَكَ) متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ و(فَأَوْلى) الفاء حرف عطف و(أَوْلى) معطوف على ما قبله والجملة مستأنفة
Traslation and Transliteration:
Awla laka faawla
Nearer unto thee and nearer,
Kötülük sana gerek, gene de kötülük sana.
«Malheur à toi, malheur!»
Es (das Böse) kam dir näher, es kam näher,
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة القيامة (Al-Qiyamat - The Resurrection) |
ترتيبها |
75 |
عدد آياتها |
40 |
عدد كلماتها |
164 |
عدد حروفها |
664 |
معنى اسمها |
(الْقِيَامَةُ): مِنْ أَسْمَاءِ يَومِ الْقِيَامَةِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يَقُومُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ يُبْعَثُونَ لِلْحِسَابِ |
سبب تسميتها |
دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الْقِيَامَةِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ: ﴿لَآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ﴾ |
مقاصدها |
إِثْبَاتُ عَقِيدَةِ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعْضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
مِنَ النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّويْلِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظَائِرَ، السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ، ... (وَهَلْ أَتَى وَلاَ أُقْسِمُ بِيَومِ الْقِيَامَةِ) فِي رَكْعَةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الْقِيَامَةِ) بِآخِرِهَا: تَذْكِيرُ الْإِنْسَانِ بِخَلْقِهِ وَهِدَايَتِهِ، فَقَالَ فِي أَوَّلِهَا: ﴿أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُۥ ٣﴾، وَقَالَ فِي أَوَاخِرِهَا: ﴿أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَن يُتۡرَكَ سُدًى ٣٦﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْقِيَامَةِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْمُدَّثِّرِ): لَمَّا خَتَمَ اللهُ تَعَالَى (الْمُدَّثِّرَ) بِذِكْرِ الْيَومِ الْآخِرِ بِقَولِهِ: ﴿كَلَّاۖ بَل لَّا يَخَافُونَ ٱلۡأٓخِرَةَ ٥٣﴾، افْتَتَحَ (الْقِيَامَةَ) بِتَفَصِيلِ هَذَا الْيَومِ؛ فَقَالَ: ﴿لَآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ ١﴾... الآيَات |