الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة النساء: [الآية 34]

سورة النساء
ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنفَقُوا۟ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ ۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ ۚ وَٱلَّٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا۟ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴿34﴾

تفسير الجلالين:

«الرِّجال قوَّامون» مسلطون «على النساء» يؤدبونهن ويأخذون على أيديهن «بما فضَّل الله بعضهم على بعض» أي بتفضيله لهم عليهن بالعلم والعقل والولاية وغير ذلك «وبما أنفقوا» عليهن «من أموالهم فالصالحات» منهن «قانتات» مطيعات لأزواجهن «حافظات للغيب» أي لفروجهن وغيرها في غيبة أزواجهن «بما حفظ» لهن «اللهُ» حيث أوصى عليهن الأزواج «والَّتي تخافون نشوزهن» عصيانهن لكم بأن ظهرت أمارته «فعظوهن» فخوِّفوهن الله «واهجروهن في المضاجع» اعتزلوا إلى فراش آخر إن أظهرن النشوز «واضربوهن» ضربا غير مبرح إن لم يرجعن بالهجران «فإن أطعنكم» فيما يراد منهن «فلا تبغوا» تطلبوا «عليهن سبيلا» طريقا إلى ضربهن ظلما «إن الله كان عليا كبيرا» فاحذروه أن يعاقبكم إن ظلمتموهن.

تفسير الشيخ محي الدين:

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)

البرهان قوي السلطان ، ولما أزال الحق بالقرآن شبه الضلالات وظلمة الشكوك وأوضح به المشكلات سماه نورا ، وكل ما جاء في معرض الدلالة فهو من كونه نورا ، لأن النور هو المنفر الظلم ، والقرآن ضياء لأن الضياء يكشف ، فكل ما أظهره القرآن فهو من أثر ضيائه ، فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم ، وفيه ما ليس فيها . فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم ؛ فعلوم الأنبياء والملائكة وكل لسان علم فإن القرآن يتضمنه ويوضحه لأهل القرآن بما هو ضياء ، فهو نور من حيث ذاته لأنه لا يدرك لعزته ، وهو ضياء لما يدرك به ولما يدرك منه . فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل .

------------

(174) الفتوحات ج 4 / 352 - إيجاز البيان - الفتوحات ج 3 / 94 - ج 2 / 107

تفسير ابن كثير:

يقول تعالى : ( الرجال قوامون على النساء ) أي : الرجل قيم على المرأة ، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) أي : لأن الرجال أفضل من النساء ، والرجل خير من المرأة; ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم; لقوله صلى الله عليه وسلم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه وكذا منصب القضاء وغير ذلك .

( وبما أنفقوا من أموالهم ) أي : من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه ، وله الفضل عليها والإفضال ، فناسب أن يكون قيما عليها ، كما قال ] الله [ تعالى : ( وللرجال عليهن درجة ) الآية [ البقرة : 228 ] .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( الرجال قوامون على النساء ) يعني : أمراء عليها أي تطيعه فيما أمرها به من طاعته ، وطاعته : أن تكون محسنة إلى أهله حافظة لماله . وكذا قال مقاتل ، والسدي ، والضحاك .

وقال الحسن البصري : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستعديه على زوجها أنه لطمها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القصاص " ، فأنزل الله عز وجل : ( الرجال قوامون على النساء ) الآية ، فرجعت بغير قصاص .

رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ، من طرق ، عنه . وكذلك أرسل هذا الخبر قتادة ، وابن جريج والسدي ، أورد ذلك كله ابن جرير . وقد أسنده ابن مردويه من وجه آخر فقال :

حدثنا أحمد بن علي النسائي ، حدثنا محمد بن عبد الله الهاشمي ، حدثنا محمد بن محمد الأشعث ، حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد ، حدثني أبي ، عن جدي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي قال : أتى النبي رجل من الأنصار بامرأة له ، فقالت : يا رسول الله ، إن زوجها فلان بن فلان الأنصاري ، وإنه ضربها فأثر في وجهها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس ذلك له " . فأنزل الله : ( الرجال قوامون على النساء [ بما فضل الله بعضهم على بعض ] ) أي : قوامون على النساء في الأدب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أردت أمرا وأراد الله غيره " .

وقال الشعبي في هذه الآية : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) قال : الصداق الذي أعطاها ، ألا ترى أنه لو قذفها لاعنها ، ولو قذفته جلدت .

وقوله : ( فالصالحات ) أي : من النساء ( قانتات ) قال ابن عباس وغير واحد : يعني مطيعات لأزواجهن ( حافظات للغيب ) .

قال السدي وغيره : أي تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله .

وقوله : ( بما حفظ الله ) أي : المحفوظ من حفظه .

قال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا أبو صالح ، حدثنا أبو معشر ، حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك " . قال : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( الرجال قوامون على النساء ) إلى آخرها .

ورواه ابن أبي حاتم ، عن يونس بن حبيب ، عن أبي داود الطيالسي ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، به مثله سواء .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عبيد الله بن أبي جعفر : أن ابن قارظ أخبره : أن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها وحفظت فرجها; وأطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت " .

تفرد به أحمد من طريق عبد الله بن قارظ عن عبد الرحمن بن عوف .

وقوله تعالى ( واللاتي تخافون نشوزهن ) أي : والنساء اللاتي تتخوفون أن ينشزن على أزواجهن . والنشوز : هو الارتفاع ، فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها ، التاركة لأمره ، المعرضة عنه ، المبغضة له . فمتى ظهر له منها أمارات النشوز فليعظها وليخوفها عقاب الله في عصيانه فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته ، وحرم عليها معصيته لما له عليها من الفضل والإفضال . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، من عظم حقه عليها " وروى البخاري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه ، لعنتها الملائكة حتى تصبح " ورواه مسلم ، ولفظه : " إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها ، لعنتها الملائكة حتى تصبح " ; ولهذا قال تعالى : ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن ) .

وقوله : ( واهجروهن في المضاجع ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الهجران هو أن لا يجامعها ، ويضاجعها على فراشها ويوليها ظهره . وكذا قال غير واحد ، وزاد آخرون - منهم : السدي ، والضحاك ، وعكرمة ، وابن عباس في رواية - : ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها .

وقال علي بن أبي طلحة أيضا ، عن ابن عباس : يعظها ، فإن هي قبلت وإلا هجرها في المضجع ، ولا يكلمها من غير أن يذر نكاحها ، وذلك عليها شديد .

وقال مجاهد ، والشعبي ، وإبراهيم ، ومحمد بن كعب ، ومقسم ، وقتادة : الهجر : هو أن لا يضاجعها .

وقد قال أبو داود : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، عن علي بن زيد ، عن أبي حرة الرقاشي ، عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع " قال حماد : يعني النكاح .

وفي السنن والمسند عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال : يا رسول الله ، ما حق امرأة أحدنا ؟ قال : " أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت " .

وقوله : ( واضربوهن ) أي : إذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران ، فلكم أن تضربوهن ضربا غير مبرح ، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال في حجة الوداع : " واتقوا الله في النساء ، فإنهن عندكم عوان ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف " .

وكذا قال ابن عباس وغير واحد : ضربا غير مبرح . قال الحسن البصري : يعني غير مؤثر . قال الفقهاء : هو ألا يكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : يهجرها في المضجع ، فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضرب ضربا غير مبرح ، ولا تكسر لها عظما ، فإن أقبلت وإلا فقد حل لك منها الفدية .

وقال سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر ، عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تضربوا إماء الله " . فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ذئرت النساء على أزواجهن . فرخص في ضربهن ، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ، ليس أولئك بخياركم " رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود - يعني أبا داود الطيالسي - حدثنا أبو عوانة ، عن داود الأودي ، عن عبد الرحمن المسلي عن الأشعث بن قيس ، قال ضفت عمر ، فتناول امرأته فضربها ، وقال : يا أشعث ، احفظ عني ثلاثا حفظتهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسأل الرجل فيم ضرب امرأته ، ولا تنم إلا على وتر . . . ونسي الثالثة .

وكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، من حديث عبد الرحمن بن مهدي ، عن أبي عوانة ، عن داود الأودي ، به .

وقوله : ( فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ) أي : فإذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريد منها ، مما أباحه الله له منها ، فلا سبيل له عليها بعد ذلك ، وليس له ضربها ولا هجرانها .

وقوله : ( إن الله كان عليا كبيرا ) تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب ، فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن .


تفسير الطبري :

فيه إحدى عشرة مسالة: الأولى: قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء} ابتداء وخبر، أي يقومون بالنفقة عليهن والذب عنهن؛ وأيضا فإن فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء. يقال : قوام وقيم. والآية نزلت في سعد بن الربيع نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن خارجة بن أبي زهير فلطمها؛ فقال أبوها : يا رسول الله، أفرشته كريمتي فلطمها ! فقال عليه السلام : (لتقتص من زوجها). فانصرفت مع أبيها لتقتص منه، فقال عليه السلام : (ارجعوا هذا جبريل أتاني) فأنزل الله هذه الآية؛ فقال عليه السلام : (أردنا أمرا وأراد الله غيره). وفي رواية أخرى : (أردت شيئا وما أراد الله خير). ونقض الحكم الأول. وقد قيل : إن في هذا الحكم المردود نزل {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه} [طه : 114]. ذكر إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا حجاج بن المنهال وعارم بن الفضل - واللفظ. لحجاج - قال حدثنا جرير بن حازم قال : سمعت الحسن يقول : إن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن زوجي لطم وجهي. فقال : (بينكما القصاص)، فأنزل الله تعالى: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه}. وأمسك النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل: {الرجال قوامون على النساء}. وقال أبو روق : نزلت في جميلة بنت أبي وفي زوجها ثابت بن قيس بن شماس. وقال الكلبي : نزلت في عميرة بنت محمد بن مسلمة وفي زوجها سعد بن الربيع. وقيل : سببها قول أم سلمة المتقدم. ووجه النظم أنهن تكلمن في تفضيل الرجال على النساء في الإرث، فنزلت {ولا تتمنوا} الآية. ثم بين تعالى أن تفضيلهم عليهن في الإرث لما على الرجال من المهر والإنفاق؛ ثم فائدة تفضيلهم عائدة إليهن. ويقال : إن الرجال لهم فضيلة في زيادة العقل والتدبير؛ فجعل لهم حق القيام عليهن لذلك. وقيل : للرجال زيادة قوة في النفس والطبع ما ليس للنساء؛ لأن طبع الرجال غلب عليه الحرارة واليبوسة، فيكون فيه قوة وشدة، وطبع النساء غلب عليه الرطوبة والبرودة، فيكون فيه معنى اللين والضعف؛ فجعل لهم حق القيام عليهن بذلك، وبقوله تعالى: {وبما أنفقوا من أموالهم}. الثانية: ودلت هذه الآية على تأديب الرجال نساءهم، فإذا حفظن حقوق الرجال فلا ينبغي أن يسيء الرجل عشرتها. و{قوام} فعال للمبالغة؛ من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد. فقيام الرجال على النساء هو على هذا الحد؛ وهو أن يقوم بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتها ومنعها من البروز، وأن عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية؛ وتعليل ذلك بالفضيلة والنفقة والعقل والقوة في أمر الجهاد والميراث والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد راعى بعضهم في التفضيل اللحية - وليس بشيء؛ فإن اللحية قد تكون وليس معها شيء مما ذكرنا. وقد مضى الرد على هذا في "البقرة". الثالثة: فهم العلماء من قوله تعالى: {وبما أنفقوا من أموالهم} أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواما عليها، وإذا لم يكن قواما عليها كان لها فسخ العقد؛ لزوال المقصود الذي شرع لأجله النكاح. وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة؛ وهو مذهب مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة : لا يفسخ؛ لقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة : 280] وقد تقدم القول في هذا في هذه السورة. الرابعة: قوله تعالى: {فالصالحات قانتات حافظات للغيب} هذا كله خبر، ومقصوده الأمر بطاعة الزوج والقيام بحقه في ماله وفي نفسها في حال غيبة الزوج. وفي مسند أبي داود الطيالسي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك) قال : وتلا هذه الآية {الرجال قوامون على النساء} إلى آخر الآية. وقال صلى الله عليه وسلم لعمر : (ألا أخبرك بخير ما يكنزه المرء المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته) أخرجه أبو داود. وفي مصحف ابن مسعود "فالصوالح قوانت حوافظ". وهذا بناء يختص بالمؤنث. قال ابن جني : والتكسير أشبه لفظا بالمعنى؛ إذ هو يعطي الكثرة وهي المقصود ههنا. و"ما" في قوله: {بما حفظ الله} مصدرية، أي بحفظ الله لهن. ويصح أن تكون بمعنى الذي، ويكون العائد في "حفظ" ضمير نصب. وفي قراءة أبي جعفر "بما حفظ الله" بالنصب. قال النحاس : الرفع أبين؛ أي حافظات لمغيب أزواجهن بحفظ الله ومعونته وتسديده. وقيل : بما حفظهن الله في مهورهن وعشرتهن. وقيل : بما استحفظهن الله إياه من أداء الأمانات إلى أزواجهن. ومعنى قراءة النصب : بحفظهن الله؛ أي بحفظهن أمره أو دينه. وقيل في التقدير : بما حفظن الله، ثم وحد الفعل؛ كما قيل : فإن الحوادث أودى بها وقيل : المعنى بحفظ الله؛ مثل حفظت الله. الخامسة: قوله تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن} اللاتي جمع التي وقد تقدم. قال ابن عباس : تخافون بمعنى تعلمون وتتيقنون. وقيل هو على بابه. والنشوز العصيان؛ مأخوذ من النشز، وهو ما ارتفع من الأرض. يقال : نشز الرجل ينشز وينشز إذا كان قاعدا فنهض قائما؛ ومنه قوله عز وجل: {وإذا قيل انشزوا فانشزوا} [المجادلة : 11] أي ارتفعوا وانهضوا إلى حرب أو أمر من أمور الله تعالى. فالمعنى : أي تخافون عصيانهن وتعاليهن عما أوجب الله عليهن من طاعة الأزواج. وقال أبو منصور اللغوي : النشوز كراهية كل واحد من الزوجين صاحبه؛ يقال : نشزت تنشز فهي ناشز بغير هاء. ونشصت تنشص، وهي السيئة للعشرة. وقال ابن فارس : ونشزت المرأة استصعبت على بعلها، ونشز بعلها عليها إذا ضربها وجفاها. قال ابن دريد : نشزت المرأة ونشست ونشصت بمعنى واحد. السادسة: قوله تعالى: {فعظوهن} أي بكتاب الله؛ أي ذكروهن ما أوجب الله عليهن من حسن الصحبة وجميل العشرة للزوج، والاعتراف بالدرجة التي له عليها، ويقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها). وقال : (لا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب). وقال : (أيما امرأة باتت هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح) في رواية (حتى تراجع وتضع يدها في يده). وما كان مثل هذا. السابعة: قوله تعالى: {واهجروهن في المضاجع} وقرأ ابن مسعود والنخعي وغيرهما "في المضجع" على الإفراد؛ كأنه اسم جنس يؤدي عن الجمع. والهجر في المضاجع هو أن يضاجعها ويوليها ظهره ولا يجامعها؛ عن ابن عباس وغيره. وقال مجاهد : جنبوا مضاجعهن؛ فيتقدر على هذا الكلام حذف، ويعضده "اهجروهن" من الهجران، وهو البعد؛ يقال : هجره أي تباعد ونأى عنه. ولا يمكن بعدها إلا بترك مضاجعتها. وقال معناه إبراهيم النخعي والشعبي وقتادة والحسن البصري، ورواه ابن وهب وابن القاسم عن مالك، واختاره ابن العربي وقال : حملوا الأمر على الأكثر الموفي. ويكون هذا القول كما تقول : اهجره في الله. وهذا أصل مالك. قلت : هذا قول حسن؛ فإن الزوج إذا أعرض عن فراشها فإن كانت محبة للزوج فذلك يشق عليها فترجع للصلاح، وإن كانت مبغضة فيظهر النشوز منها؛ فيتبين أن النشوز من قبلها. وقيل: "اهجروهن" من الهجر وهو القبيح من الكلام، أي غلظوا عليهن في القول وضاجعوهن للجماع وغيره؛ قال معناه سفيان، وروي عن ابن عباس. وقيل : أي شدوهن وثاقا في بيوتهن؛ من قولهم : هجر البعير أي ربطه بالهجار، وهو حبل يشد به البعير، وهو اختيار الطبري وقدح في سائر الأقوال. وفي كلامه في هذا الموضع نظر. وقد رد عليه القاضي أبو بكر بن العربي في أحكامه فقال : يا لها من هفوة من عالم بالقرآن والسنة ! والذي حمله على هذا التأويل حديث غريب رواه ابن وهب عن مالك أن أسماء بنت أبي بكر الصديق امرأة الزبير بن العوام كانت تخرج حتى عوتب في ذلك. قال : وعتب عليها وعلى ضرتها، فعقد شعر واحدة بالأخرى ثم ضربهما ضربا شديدا، وكانت الضرة أحسن اتقاء، وكانت أسماء لا تتقي فكان الضرب بها أكثر؛ فشكت إلى أبيها أبي بكر رضي الله عنه فقال لها : أي بنية اصبري فإن الزبير رجل صالح، ولعله أن يكون زوجك في الجنة؛ ولقد بلغني أن الرجل إذا ابتكر بامرأة تزوجها في الجنة. فرأى الربط والعقد مع احتمال اللفظ مع فعل الزبير فأقدم على هذا التفسير. وهذا الهجر غايته عند العلماء شهر؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين أسر إلى حفصة فأفشته إلى عائشة، وتظاهرتا عليه. ولا يبلغ به الأربعة الأشهر التي ضرب الله أجلا عذرا للمولي. الثامنة: قوله تعالى: {واضربوهن} أمر الله أن يبدأ النساء بالموعظة أولا ثم بالهجران، فإن لم ينجعا فالضرب؛ فإنه هو الذي يصلحها له ويحملها على توفية حقه. والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح، وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة كاللكزة ونحوها؛ فإن المقصود منه الصلاح لا غير. فلا جرم إذا أدى إلى الهلاك وجب الضمان، وكذلك القول في ضرب المؤدب غلامه لتعليم القرآن والأدب. وفي صحيح مسلم : (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح) الحديث. أخرجه من حديث جابر الطويل في الحج، أي لا يدخلن منازلكم أحدا ممن تكرهونه من الأقارب والنساء الأجانب. وعلى هذا يحمل ما رواه الترمذي وصححه عن عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ فقال : (ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم من تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن). وقال : هذا حديث حسن صحيح. فقوله: {بفاحشة مبينة} [النساء : 19] يريد لا يدخلن من يكرهه أزواجهن ولا يغضبنهم. وليس المراد بذلك الزنى؛ فإن ذلك محرم ويلزم عليه الحد. وقد قال عليه الصلاة والسلام : (أضربوا النساء إذا عصينكم في معروف ضربا غير مبرح). قال عطاء : قلت لابن عباس ما الضرب غير المبرح ؟ قال بالسواك ونحوه. وروي أن عمر رضي الله عنه ضرب امرأته فعذل في ذلك فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (لا يسأل الرجل فيم ضرب أهله). التاسعة: قوله تعالى: {فإن أطعنكم} أي تركوا النشوز. {فلا تبغوا عليهن سبيلا} أي لا تجنوا عليهن بقول أو فعل. وهذا نهي عن ظلمهن بعد تقرير الفضل عليهن والتمكين من أدبهن. وقيل : المعنى لا تكلفوهن الحب لكم فإنه ليس إليهن. العاشرة: قوله تعالى: {إن الله كان عليا كبيرا} إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولين الجانب؛ أي إن كنتم تقدرون عليهن فتذكروا قدرة الله؛ فيده بالقدرة فوق كل يد. فلا يستعلي أحد على امرأته فالله بالمرصاد فلذلك حسن الاتصاف، هنا بالعلو والكبر. الحادية عشرة: وإذا ثبت هذا فاعلم. أن الله عز وجل لم يأمر في شيء من كتابه بالضرب صراحا إلا هنا وفي الحدود العظام؛ فساوى معصيتهن بأزواجهن بمعصية الكبائر، وولى الأزواج ذلك دون الأئمة، وجعله لهم دون القضاة بغير شهود ولا بينات ائتمانا من الله تعالى للأزواج على النساء. قال المهلب : إنما جوز ضرب النساء من أجل امتناعهن على أزواجهن في المباضعة. واختلف في وجوب ضربها في الخدمة، والقياس يوجب أنه إذا جاز ضربها في المباضعة جاز ضربها في الخدمة الواجبة للزوج عليها بالمعروف. وقال ابن خويزمنداد. والنشوز يسقط النفقة وجميع الحقوق الزوجية، ويجوز معه أن يضربها الزوج ضرب الأدب غير المبرح، والوعظ والهجر حتى ترجع عن نشوزها، فإذا رجعت عادت حقوقها؛ وكذلك كل ما اقتضى الأدب فجائز للزوج تأديبها. ويختلف الحال في أدب الرفيعة والدنيئة؛ فأدب الرفيعة العذل، وأدب الدنيئة السوط. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (رحم الله امرأ علق سوطه وأدب أهله). وقال : (إن أبا جهم لا يضع عصاه عن عاتقه). وقال بشار : الحر يلحى والعصا للعبد يلحى أي يلام؛ وقال ابن دريد : واللوم للحر مقيم رادع ** والعبد لا يردعه إلا العصا قال ابن المنذر : اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا جميعا بالغين إلا الناشز منهن الممتنعة. وقال أبو عمر : من نشزت عنه امرأته بعد دخوله سقطت عنه نفقتها إلا أن تكون حاملا. وخالف ابن القاسم جماعة الفقهاء في نفقة الناشز فأوجبها. وإذا عادت الناشز إلى زوجها وجب في المستقبل نفقتها. ولا تسقط نفقة المرأة عن زوجها لشيء غير النشوز؛ لا من مرض ولا حيض ولا نفاس ولا صوم ولا حج ولا مغيب زوجها ولا حبسه عنها في حق أو جور غير ما ذكرنا. والله أعلم.

التفسير الميسّر:

الرجال قوَّامون على توجيه النساء ورعايتهن، بما خصهم الله به من خصائص القِوامَة والتفضيل، وبما أعطوهن من المهور والنفقات. فالصالحات المستقيمات على شرع الله منهن، مطيعات لله تعالى ولأزواجهن، حافظات لكل ما غاب عن علم أزواجهن بما اؤتمنَّ عليه بحفظ الله وتوفيقه، واللاتي تخشون منهن ترفُّعهن عن طاعتكم، فانصحوهن بالكلمة الطيبة، فإن لم تثمر معهن الكلمة الطيبة، فاهجروهن في الفراش، ولا تقربوهن، فإن لم يؤثر فعل الهِجْران فيهن، فاضربوهن ضربًا لا ضرر فيه، فإن أطعنكم فاحذروا ظلمهن، فإن الله العليَّ الكبير وليُّهن، وهو منتقم ممَّن ظلمهنَّ وبغى عليهن.

تفسير السعدي

يخبر تعالى أن الرِّجَال { قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ } أي: قوامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه وكفهن عن المفاسد، والرجال عليهم أن يلزموهن بذلك، وقوامون عليهن أيضا بالإنفاق عليهن، والكسوة والمسكن، ثم ذكر السبب الموجب لقيام الرجال على النساء فقال: { بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } أي: بسبب فضل الرجال على النساء وإفضالهم عليهن، فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة: من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة، والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات كالجهاد والأعياد والجمع. وبما خصهم الله به من العقل والرزانة والصبر والجلد الذي ليس للنساء مثله. وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال ويتميزون عن النساء. ولعل هذا سر قوله: { وَبِمَا أَنْفَقُوا } وحذف المفعول ليدل على عموم النفقة. فعلم من هذا كله أن الرجل كالوالي والسيد لامرأته، وهي عنده عانية أسيرة خادمة،فوظيفته أن يقوم بما استرعاه الله به. ووظيفتها: القيام بطاعة ربها وطاعة زوجها فلهذا قال: { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ } أي: مطيعات لله تعالى { حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ } أي: مطيعات لأزواجهن حتى في الغيب تحفظ بعلها بنفسها وماله، وذلك بحفظ الله لهن وتوفيقه لهن، لا من أنفسهن، فإن النفس أمارة بالسوء، ولكن من توكل على الله كفاه ما أهمه من أمر دينه ودنياه. ثم قال: { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } أي: ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن بأن تعصيه بالقول أو الفعل فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل، { فَعِظُوهُنَّ } أي: ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته والترغيب في الطاعة، والترهيب من معصيته، فإن انتهت فذلك المطلوب، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع، بأن لا يضاجعها، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح، فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور وأطعنكم { فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا } أي: فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها ويحدث بسببه الشر. { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا } أي: له العلو المطلق بجميع الوجوه والاعتبارات، علو الذات وعلو القدر وعلو القهر الكبير الذي لا أكبر منه ولا أجل ولا أعظم، كبير الذات والصفات.


تفسير البغوي

قوله عز وجل : ( الرجال قوامون على النساء ) الآية نزلت في سعد بن الربيع وكان من النقباء وفي امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير ، قاله مقاتل ، وقال الكلبي : امرأته حبيبة بنت محمد بن مسلمة ، وذلك أنها نشزت عليه فلطمها ، فانطلق أبوها معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم [ فقال : أفرشته كريمتي فلطمها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لتقتص من زوجها " ، فانصرفت مع أبيها ] لتقتص منه فجاءجبريل عليه السلام [ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ارجعوا هذا جبريل أتاني بشيء " ، فأنزل الله هذه الآية ] ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أردنا أمرا وأراد الله أمرا ، والذي أراد الله خير " ، ورفع القصاص .

قوله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء ) أي : مسلطون على تأديبهن ، والقوام والقيم بمعنى واحد ، والقوام أبلغ وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب .

( بما فضل الله بعضهم على بعض ) يعني : فضل الرجال على النساء بزيادة العقل والدين والولاية ، وقيل : بالشهادة ، لقوله تعالى : " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان " ( البقرة - 282 ) وقيل : بالجهاد ، وقيل : بالعبادات من الجمعة والجماعة ، وقيل : هو أن الرجل ينكح أربعا ولا يحل للمرأة إلا زوج واحد ، وقيل : بأن الطلاق بيده ، وقيل : بالميراث ، وقيل : بالدية ، وقيل : بالنبوة .

( وبما أنفقوا من أموالهم ) يعني : إعطاء المهر والنفقة ، أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، أنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي أنا أبو حذيفة ، أنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " .

قوله تعالى : ( فالصالحات قانتات ) أي : مطيعات ( حافظات للغيب ) أي : حافظات للفروج في غيبة الأزواج ، وقيل : حافظات لسرهم ( بما حفظ الله ) قرأ أبو جعفر ( بما حفظ الله ) بالنصب ، أي : يحفظن الله في الطاعة ، وقراءة العامة بالرفع ، أي : بما حفظهن الله بإيصاء الأزواج بحقهن وأمرهم بأداء المهر والنفقة .

وقيل : حافظات للغيب بحفظ الله ، أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنا أبو عبد الله بن فنجويه ، أخبرنا عمر بن الخطاب ، أنا محمد بن إسحاق المسوحي ، أنا الحارث بن عبد الله ، أنا أبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير النساء امرأة إن نظرت إليها سرتك وإن أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها " ، ثم تلا ( الرجال قوامون على النساء ) الآية .

( واللاتي تخافون نشوزهن ) عصيانهن ، وأصل النشوز : التكبر والارتفاع ، ومنه النشز للموضع المرتفع ، ( فعظوهن ) بالتخويف من الله والوعظ بالقول ، ( واهجروهن ) يعني : إن لم ينزعن عن ذلك بالقول فاهجروهن ( في المضاجع ) قال ابن عباس : يوليها ظهره في الفراش ولا يكلمها ، وقال غيره : يعتزل عنها إلى فراش آخر ، ( واضربوهن ) يعني : إن لم ينزعن مع الهجران فاضربوهن ضربا غير مبرح ولا شائن ، وقال عطاء : ضربا بالسواك وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " حق المرأة أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت " .

( فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ) أي : لا تجنوا عليهن الذنوب ، وقال ابن عيينة : لا تكلفوهن محبتكم فإن القلب ليس بأيديهن . ( إن الله كان عليا كبيرا ) متعاليا من أن يكلف العباد مالا يطيقونه ، وظاهر الآية يدل على أن الزوج يجمع عليها بين الوعظ والهجران والضرب ، فذهب بعضهم إلى ظاهرها وقال : إذا ظهر منها النشوز جمع بين هذه الأفعال ، وحمل الخوف في قوله ( واللاتي تخافون نشوزهن ) على العلم كقوله تعالى : " فمن خاف من موص جنفا " ( البقرة - 182 ) أي : علم ، ومنهم من حمل الخوف على الخشية لا على حقيقة العلم ، كقوله تعالى : " وإما تخافن من قوم خيانة " ( الأنفال - 58 ) ، وقال : هذه الأفعال على ترتيب الجرائم ، فإن خاف نشوزها بأن ظهرت أمارته منها من المخاشنة وسوء الخلق وعظها ، فإن أبدت النشوز هجرها ، فإن أصرت على ذلك ضربها .


الإعراب:

(الرِّجالُ) مبتدأ (قَوَّامُونَ) خبر مرفوع بالواو (عَلَى النِّساءِ) متعلقان بقوامون (بِما فَضَّلَ) الجار والمجرور متعلقان بقوامون وفضل فعل ماض (اللَّهُ) لفظ الجلالة فاعله (بَعْضَهُمْ) مفعوله (عَلى بَعْضٍ) متعلقان بفضل والمصدر المؤول من ما والفعل في محل جر بحرف الجر أي: بتفضيل، والجار والمجرور متعلقان بقوامون (وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) الجملة معطوفة على ما قبلها وهي مثلها في إعرابها (فَالصَّالِحاتُ) الفاء استئنافية الصالحات مبتدأ (قانِتاتٌ) خبر أول (حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ) خبر ثان تعلق به الجار والمجرور بعده (بِما حَفِظَ اللَّهُ) فعل ماض وفاعل والمصدر المؤول من ما والفعل في محل جر بالباء أي: بحفظ اللّه لهن (وَاللَّاتِي) الواو استئنافية اللاتي اسم موصول مبتدأ (تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ) فعل مضارع وفاعل ومفعول به والجملة صلة (فَعِظُوهُنَّ) الفاء واقعة في جواب اسم الموصول لما فيه من شبه الشرط عظوهن فعل أمر وفاعله ومفعوله والجملة خبر اللاتي (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) عطف (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) فعل ماض ونون النسوة فاعله والكاف مفعوله وهو في محل جزم فعل الشرط (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا) فعل مضارع مجزوم وفاعله ومفعوله والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما والجملة في محل جزم جواب الشرط.

(إِنَّ اللَّهَ) إن واسمها (كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) كان وخبراها واسمها ضمير مستتر.

---

Traslation and Transliteration:

Alrrijalu qawwamoona AAala alnnisai bima faddala Allahu baAAdahum AAala baAAdin wabima anfaqoo min amwalihim faalssalihatu qanitatun hafithatun lilghaybi bima hafitha Allahu waallatee takhafoona nushoozahunna faAAithoohunna waohjuroohunna fee almadajiAAi waidriboohunna fain ataAAnakum fala tabghoo AAalayhinna sabeelan inna Allaha kana AAaliyyan kabeeran

بيانات السورة

اسم السورة سورة النساء (An-Nisaa - The Women)
ترتيبها 4
عدد آياتها 176
عدد كلماتها 3712
عدد حروفها 15937
معنى اسمها (النُّـِسْوَةُ) بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَ(النِّسَاءُ) وَ(النِّسْوَانُ) جَمْعُ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ لفْظِهَا
سبب تسميتها كَثْرَةُ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ وَمَسَائِلِ الْأُسْرَّةِ وَالْمُجْتَمَعِ
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النِّسَاءِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (النِّسَاءِ الكُبْرَى) أَوْ (النِّسَاءِ الطُوْلَى)
مقاصدها تَنْظِيمُ الشُّؤُونِ الدَّاخِلِيَّةِ وَالعَلَاقَاتِ الْخَارِجِيَّةِ لِلْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النِّسَاءِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ أَحْكَامِ المَوَارِيثِ. فقَالَ سُبْحَانَهُ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ﴾... الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي ٱلۡكَلَٰلَةِۚ ...١٧٥﴾... الآيَاتِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النِّسَاءِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (آلِ عِمرَانَ): اختُتِمَتْ (آلُ عِمْرَانَ) بِالأَمْرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ٢٠٠﴾ ، وَافْتُتِحَتِ (النِّسَاءُ) بِالأَمرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ...١﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!