الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة النساء: [الآية 31]

سورة النساء
إِن تَجْتَنِبُوا۟ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا ﴿31﴾

تفسير الجلالين:

«إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه» وهي ما ورد عليها وعيد كالقتال والزنا والسرقة وعن ابن عباس هي إلى السبعمائة أقرب «نكفِّر عنكم سيِّئاتكم» الصغائر بالطاعات «وندخلكم مُدخلا» بضم الميم وفتحها أي إدخالا أو موضعا «كريما» هو الجنة.

تفسير الشيخ محي الدين:

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)

البرهان قوي السلطان ، ولما أزال الحق بالقرآن شبه الضلالات وظلمة الشكوك وأوضح به المشكلات سماه نورا ، وكل ما جاء في معرض الدلالة فهو من كونه نورا ، لأن النور هو المنفر الظلم ، والقرآن ضياء لأن الضياء يكشف ، فكل ما أظهره القرآن فهو من أثر ضيائه ، فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم ، وفيه ما ليس فيها . فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم ؛ فعلوم الأنبياء والملائكة وكل لسان علم فإن القرآن يتضمنه ويوضحه لأهل القرآن بما هو ضياء ، فهو نور من حيث ذاته لأنه لا يدرك لعزته ، وهو ضياء لما يدرك به ولما يدرك منه . فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل .

------------

(174) الفتوحات ج 4 / 352 - إيجاز البيان - الفتوحات ج 3 / 94 - ج 2 / 107

تفسير ابن كثير:

وقوله : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم [ وندخلكم مدخلا كريما ] ) . أي : إذا اجتنبتم كبائر الآثام التي نهيتم عنها كفرنا عنكم صغائر الذنوب وأدخلناكم الجنة; ولهذا قال : ( وندخلكم مدخلا كريما ) .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا مؤمل بن هشام ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا خالد بن أيوب ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس [ يرفعه ] : " الذي بلغنا عن ربنا ، عز وجل ، ثم لم نخرج له عن كل أهل ومال أن تجاوز لنا عما دون الكبائر ، يقول الله [ تعالى ] ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم [ وندخلكم مدخلا كريما ] ) " .

وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة فلنذكر منها ما تيسر :

قال الإمام أحمد : حدثنا هشيم عن مغيرة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، عن قرثع الضبي ، عن سلمان الفارسي قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " أتدري ما يوم الجمعة ؟ " قلت : هو اليوم الذي جمع الله فيه أباكم . قال : " لكن أدري ما يوم الجمعة ، لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره ، ثم يأتي الجمعة فينصت حتى يقضي الإمام صلاته ، إلا كان كفارة له ما بينه وبين الجمعة المقبلة ، ما اجتنبت المقتلة وقد روى البخاري من وجه آخر عن سلمان نحوه .

وقال أبو جعفر بن جرير : حدثني المثنى [ بن إبراهيم ] حدثنا أبو صالح ، حدثنا الليث ، حدثني خالد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن نعيم المجمر ، أخبرني صهيب مولى العتواري ، أنه سمع من أبي هريرة وأبي سعيد يقولان : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : " والذي نفسي بيده " - ثلاث مرات - ثم أكب ، فأكب كل رجل منا يبكي ، لا ندري على ماذا حلف عليه ثم رفع رأسه وفي وجهه البشر فكان أحب إلينا من حمر النعم ، فقال [ صلى الله عليه وسلم ] ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ، ويصوم رمضان ، ويخرج الزكاة ، ويجتنب الكبائر السبع ، إلا فتحت له أبواب الجنة ، ثم قيل له : ادخل بسلام " .

وهكذا رواه النسائي ، والحاكم في مستدركه ، من حديث الليث بن سعد ، رواه الحاكم أيضا وابن حبان في صحيحه ، من حديث عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، به . ثم قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .

تفسير هذه السبع :

وذلك بما ثبت في الصحيحين من حديث سليمان بن بلال ، عن ثور بن زيد ، عن سالم أبي الغيث ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اجتنبوا السبع الموبقات " قيل : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : " الشرك بالله ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، والسحر ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " .

طريق أخرى عنه : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا فهد بن عوف ، حدثنا أبو عوانة ، عن عمرو بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الكبائر سبع ، أولها الإشراك بالله ، ثم قتل النفس بغير حقها ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم إلى أن يكبر ، والفرار من الزحف ، ورمي المحصنات ، والانقلاب إلى الأعراب بعد الهجرة " .

فالنص على هذه السبع بأنهن كبائر لا ينفي ما عداهن ، إلا عند من يقول بمفهوم اللقب ، وهو ضعيف عند عدم القرينة ، ولا سيما عند قيام الدليل بالمنطوق على عدم المفهوم ، كما سنورده من الأحاديث المتضمنة من الكبائر غير هذه السبع ، فمن ذلك ما رواه الحاكم في مستدركه حيث قال :

حدثنا أحمد بن كامل القاضي ، إملاء حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد ، حدثنا معاذ بن هانئ ، حدثنا حرب بن شداد ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الحميد بن سنان ، عن عبيد بن عمير ، عن أبيه - يعني عمير بن قتادة - رضي الله عنه أنه حدثه - وكانت له صحبة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع : " ألا إن أولياء الله المصلون من يقيم الصلوات الخمس التي كتبت عليه ، ويصوم رمضان ويحتسب صومه ، يرى أنه عليه حق ، ويعطي زكاة ماله يحتسبها ، ويجتنب الكبائر التي نهى الله عنها " . ثم إن رجلا سأله فقال : يا رسول الله ، ما الكبائر ؟ فقال : " تسع : الشرك بالله ، وقتل نفس مؤمن بغير حق وفرار يوم الزحف ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، وقذف المحصنة وعقوق الوالدين المسلمين ، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا ، ثم قال : لا يموت رجل لا يعمل هؤلاء الكبائر ، ويقيم الصلاة ، ويؤتي الزكاة ، إلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبوابها مصاريع من ذهب " .

وهكذا رواه الحاكم مطولا وقد أخرجه أبو داود والترمذي مختصرا من حديث معاذ بن هانئ ، به وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديثه مبسوطا ثم قال الحاكم : رجاله كلهم يحتج بهم في الصحيحين إلا عبد الحميد بن سنان .

قلت : وهو حجازي لا يعرف إلا بهذا الحديث ، وقد ذكره ابن حبان في كتاب الثقات ، وقال البخاري : في حديثه نظر .

وقد رواه ابن جرير ، عن سليمان بن ثابت الجحدري ، عن سلم بن سلام ، عن أيوب بن عتبة ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبيد بن عمير ، عن أبيه ، فذكره . ولم يذكر في الإسناد : عبد الحميد بن سنان ، فالله أعلم .

حديث آخر في معنى ما تقدم : قال ابن مردويه : حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم بن الوليد ، عن المطلب عن عبد الله بن حنطب عن عبد الله بن عمرو قال : صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال : " لا أقسم ، لا أقسم " . ثم نزل فقال : " أبشروا ، أبشروا ، من صلى الصلوات الخمس ، واجتنب الكبائر السبع ، نودي من أبواب الجنة : ادخل " . قال عبد العزيز : لا أعلمه إلا قال : " بسلام " . قال المطلب : سمعت من سأل عبد الله بن عمرو : أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرهن ؟ قال : نعم : " عقوق الوالدين ، وإشراك بالله ، وقتل النفس ، وقذف المحصنات ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف ، وأكل الربا " .

حديث آخر في معناه : قال أبو جعفر بن جرير في التفسير : حدثنا يعقوب ، حدثنا ابن علية ، أخبرنا زياد بن مخراق عن طيسلة بن مياس قال : كنت مع النجدات ، فأصبت ذنوبا لا أراها إلا من الكبائر ، فلقيت ابن عمر فقلت له : إني أصبت ذنوبا لا أراها إلا من الكبائر قال : ما هي ؟ قلت : أصبت كذا وكذا . قال : ليس من الكبائر . قلت : وأصبت كذا وكذا . قال : ليس من الكبائر قال - بشيء لم يسمه طيسلة - قال : هي تسع وسأعدهن عليك : الإشراك بالله ، وقتل النفس بغير حقها والفرار من الزحف ، وقذف المحصنة ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ظلما ، وإلحاد في المسجد الحرام ، والذي يستسحر وبكاء الوالدين من العقوق . قال زياد : وقال طيسلة لما رأى ابن عمر : فرقي . قال : أتخاف النار أن تدخلها ؟ قلت : نعم . قال : وتحب أن تدخل الجنة ؟ قلت : نعم . قال : أحي والداك ؟ قلت : عندي أمي . قال : فوالله لئن أنت ألنت لها الكلام ، وأطعمتها الطعام ، لتدخلن الجنة ما اجتنبت الموجبات .

طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثنا سليمان بن ثابت الجحدري الواسطي ، حدثنا سلم بن سلام ، حدثنا أيوب بن عتبة ، عن طيسلة بن علي النهدي قال : أتيت ابن عمر وهو في ظل أراك يوم عرفة ، وهو يصب الماء على رأسه ووجهه قلت أخبرني عن الكبائر ؟ قال : هي تسع . قلت : ما هي ؟ قال : الإشراك بالله ، وقذف المحصنة - قال : قلت : قبل القتل ؟ قال : نعم ورغما - وقتل النفس المؤمنة ، والفرار من الزحف ، والسحر ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، وعقوق الوالدين المسلمين ، وإلحاد بالبيت الحرام ، قبلتكم أحياء وأمواتا .

هكذا رواه من هذين الطريقين موقوفا ، وقد رواه علي بن الجعد ، عن أيوب بن عتبة ، عن طيسلة بن علي [ النهدي ] قال : أتيت ابن عمر عشية عرفة ، وهو تحت ظل أراكة ، وهو يصب الماء على رأسه ، فسألته عن الكبائر ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " هن سبع " . قال : قلت : وما هن ؟ قال : " الإشراك بالله ، وقذف المحصنة - قال : قلت : قبل الدم ؟ قال : نعم ورغما - وقتل النفس المؤمنة ، والفرار من الزحف ، والسحر ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، وعقوق الوالدين ، وإلحاد بالبيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا " .

وكذا رواه الحسن بن موسى الأشيب ، عن أيوب بن عتبة اليماني - وفيه ضعف - والله أعلم .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا زكريا بن عدي ، حدثنا بقية ، عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان : أن أبا رهم السمعي حدثهم ، عن أبي أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من عبد الله لا يشرك به شيئا ، وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وصام رمضان ، واجتنب الكبائر ، فله الجنة - أو دخل الجنة " فسأله رجل : ما الكبائر ؟ فقال الشرك بالله ، وقتل نفس مسلمة ، والفرار يوم الزحف " .

ورواه أحمد أيضا والنسائي ، من غير وجه ، عن بقية .

حديث آخر : روى الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره ، من طريق سليمان بن داود اليماني - وهو ضعيف - عن الزهري ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده قال : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن والديات ، وبعث به مع عمرو بن حزم ، قال : وكان في الكتاب : " إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة : إشراك بالله وقتل النفس المؤمنة بغير حق ، والفرار في سبيل الله يوم الزحف ، وعقوق الوالدين ، ورمي المحصنة ، وتعلم السحر ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم " .

حديث آخر : فيه ذكر شهادة الزور; قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، حدثني عبيد الله بن أبي بكر قال : سمعت أنس بن مالك قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر - أو سئل عن الكبائر - فقال : " الشرك بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدين " . وقال : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ " قال : " قول الزور - أو شهادة الزور " . قال شعبة : أكبر ظني أنه قال " " شهادة الزور " .

أخرجاه من حديث شعبة به . وقد رواه ابن مردويه من طريقين آخرين غريبين عن أنس ، بنحوه .

حديث آخر : أخرجه الشيخان من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ " ، قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : " الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين " وكان متكئا فجلس فقال : " ألا وشهادة الزور ، ألا وقول الزور " . فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت .

حديث آخر : فيه ذكر قتل الولد ، وهو ثابت في الصحيحين ، عن عبد الله بن مسعود قال : قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ - وفي رواية : أكبر - قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " . قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " ثم قرأ : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر [ ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ] ) إلى قوله : ( إلا من تاب ) [ الفرقان : 68 ] .

حديث ] آخر [ فيه ذكر شرب الخمر . قال ابن أبي حاتم : أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، حدثني أبو صخر : أن رجلا حدثه عن عمرة بن حزم أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص وهو بالحجر بمكة وسئل عن الخمر ، فقال : والله إن عظيما عند الله الشيخ مثلي يكذب في هذا المقام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب فسأله ثم رجع فقال : سألته عن الخمر فقال : " هي أكبر الكبائر ، وأم الفواحش ، من شرب الخمر ترك الصلاة ووقع على أمه وخالته وعمته " غريب من هذا الوجه .

طريق أخرى : رواها الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن داود بن صالح ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه : أن أبا بكر الصديق ، رضي الله عنه ، وعمر بن الخطاب وأناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورضي الله عنهم أجمعين ، جلسوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا أعظم الكبائر ، فلم يكن عندهم ما ينتهون إليه ، فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أسأله عن ذلك ، فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمر ، فأتيتهم فأخبرتهم ، فأنكروا ذلك ، فوثبوا إليه حتى أتوه في داره ، فأخبرهم أنهم تحدثوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ملكا من بني إسرائيل أخذ رجلا فخيره بين أن يشرب خمرا أو يقتل نفسا ، أو يزاني أو يأكل لحم خنزير ، أو يقتله فاختار شرب الخمر وإنه لما شربها لم يمتنع من شيء أراده منه ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا مجيبا : " ما من أحد يشرب خمرا إلا لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ، ولا يموت أحد في مثانته منها شيء إلا حرم الله عليه الجنة فإن مات في أربعين ليلة مات ميتة جاهلية " .

هذا حديث غريب من هذا الوجه جدا ، وداود بن صالح هو التمار المدني مولى الأنصار ، قال الإمام أحمد : لا أرى به بأسا . وذكره ابن حبان في الثقات ، ولم أر أحدا جرحه .

حديث آخر : عن عبد الله بن عمرو وفيه ذكر اليمين الغموس . قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أكبر الكبائر الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، أو قتل النفس - شعبة الشاك - واليمين الغموس " . ورواه البخاري والترمذي والنسائي من حديث شعبة : زاد البخاري وشيبان ، كلاهما عن ، به .

حديث آخر : في اليمين الغموس : " قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح كاتب الليث ، حدثنا الليث بن سعد ، حدثنا هشام بن سعد ، عن محمد بن يزيد بن مهاجر بن قنفذ التيمي ، عن أبي أمامة الأنصاري ، عن عبد الله بن أنيس الجهني ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أكبر الكبائر الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس ، وما حلف حالف بالله يمين صبر فأدخل فيها مثل جناح البعوضة ، إلا كانت وكتة في قلبه إلى يوم القيامة " . وهكذا رواه ] الإمام [ أحمد في مسنده ، وعبد بن حميد في تفسيره ، كلاهما عن يونس بن محمد المؤدب ، عن الليث بن سعد ، به . وأخرجه الترمذي ] في تفسيره [ عن عبد بن حميد ] به [ ثم قال : وهذا حديث حسن غريب ، وأبو أمامة الأنصاري هذا هو ابن ثعلبة ، ولا يعرف اسمه . وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث .

قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي : وقد رواه عبد الرحمن بن إسحاق المدني ، عن محمد بن زيد ، عن عبد الله بن أبي أمامة ، عن أبيه عن عبد الله بن أنيس . فزاد عبد الله بن أبي أمامة .

قلت : هكذا وقع في تفسير ابن مردويه وصحيح ابن حبان ، من طريق عبد الرحمن بن إسحاق كما ذكره شيخنا ، فسح الله في أجله .

حديث آخر : عن عبد الله بن عمرو ، في التسبب إلى شتم الوالدين . قال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي ، حدثنا وكيع ، عن مسعر وسفيان ، عن سعد بن إبراهيم ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عمرو - رفعه سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ووقفه مسعر على عبد الله بن عمرو - قال : " من الكبائر أن يشتم الرجل والديه " : قالوا : وكيف يشتم الرجل والديه ؟ قال : " يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه " .

وقد أخرج هذا الحديث البخاري عن أحمد بن يونس ، عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن عمه حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه " . قالوا : وكيف يلعن الرجل والديه ؟ ! قال : " يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه " .

وهكذا رواه مسلم من حديث سفيان وشعبة ويزيد بن الهاد ، ثلاثتهم عن سعد بن إبراهيم ، به مرفوعا بنحوه . وقال الترمذي : صحيح .

وثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر " .

حديث آخر في ذلك : قال ابن أبي حاتم : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، حدثنا زهير بن محمد ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أكبر الكبائر عرض الرجل المسلم ، والسبتان والسبة " .

هكذا روي هذا الحديث ، وقد أخرجه أبو داود في كتاب الأدب في سننه ، عن جعفر بن مسافر ، عن عمرو بن أبي سلمة ، عن زهير بن محمد ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق ، ومن الكبائر السبتان بالسبة " .

وكذا رواه ابن مردويه من طريق عبد الله بن العلاء بن زير عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله .

حديث آخر : في ذكر الجمع بين الصلاتين من غير عذر; قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن حنش عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من جمع بين الصلاتين من غير عذر ، فقد أتى بابا من أبواب الكبائر " . وهكذا رواه أبو عيسى الترمذي عن أبي سلمة يحيى بن خلف ، عن المعتمر بن سليمان ، به ثم قال : حنش هو أبو علي الرحبي ، وهو حسين بن قيس ، وهو ضعيف عند أهل الحديث ، ضعفه أحمد وغيره .

وقد روى ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا إسماعيل بن علية ، عن خالد الحذاء ، عن حميد بن هلال ، عن أبي قتادة - يعني العدوي - قال : قرئ علينا كتاب عمر : من الكبائر جمع بين الصلاتين - يعني بغير عذر - والفرار من الزحف ، والنهبة .

وهذا إسناد صحيح : والغرض أنه إذا كان الوعيد فيمن جمع بين الصلاتين كالظهر والعصر تقديما أو تأخيرا ، وكذا المغرب والعشاء هما من شأنه أن يجمع بسبب من الأسباب الشرعية ، فإذا تعاطاه أحد بغير شيء من تلك الأسباب يكون مرتكبا كبيرة ، فما ظنك بمن ترك الصلاة بالكلية ؟ ولهذا روى مسلم في صحيحه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة " وفي السنن عنه ، عليه السلام ، أنه قال : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " وقال : " من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " وقال : " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " .

حديث آخر : فيه اليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله . قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل ، حدثنا أبي ، حدثنا شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متكئا فدخل عليه رجل فقال : ما الكبائر ؟ فقال : " الشرك بالله ، واليأس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله ، وهذا أكبر الكبائر " .

وقد رواه البزار ، عن عبد الله بن إسحاق العطار ، عن أبي عاصم النبيل ، عن شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ; أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما الكبائر ؟ قال : " الإشراك بالله ، واليأس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله عز وجل " .

وفي إسناده نظر ، والأشبه أن يكون موقوفا ، فقد روي عن ابن مسعود نحو ذلك قال ابن جرير :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أخبرنا مطرف ، عن وبرة بن عبد الرحمن ، عن أبي الطفيل قال : قال ابن مسعود : أكبر الكبائر الإشراك بالله والإياس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله .

وكذا رواه من حديث الأعمش وأبي إسحاق ، عن وبرة ، عن أبي الطفيل ، عن ابن مسعود ، به ثم رواه من طرق عدة ، عن أبي الطفيل ، عن ابن مسعود . وهو صحيح إليه بلا شك .

حديث آخر : فيه سوء الظن بالله; قال ابن مردويه : حدثنا محمد بن إبراهيم بن بندار ، حدثنا أبو حاتم بكر بن عبدان ، حدثنا محمد بن مهاجر حدثنا أبو حذيفة البخاري ، عن محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه قال : ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ " أكبر الكبائر سوء الظن بالله عز وجل " . حديث غريب جدا .

حديث آخر : فيه التعرب بعد الهجرة ، قد تقدم في رواية عمرو بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعا ، قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أحمد بن رشدين ، حدثنا عمرو بن خالد الحراني ، حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب ، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الكبائر سبع ، ألا تسألوني عنهن ؟ الشرك بالله ، وقتل النفس ، والفرار يوم الزحف ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، وقذف المحصنة ، والتعرب بعد الهجرة " .

وفي إسناده نظر ، ورفعه غلط فاحش والصواب ما رواه ابن جرير : حدثنا تميم بن المنتصر ، أخبرنا يزيد ، أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن سهيل بن أبي حثمة عن أبيه قال : إني لفي هذا المسجد - مسجد الكوفة - وعلي ، رضي الله عنه ، يخطب الناس على المنبر ، فقال : يا أيها الناس ، الكبائر سبع فأصاخ الناس ، فأعادها ثلاث مرات ، ثم قال : لم لا تسألوني عنها ؟ قالوا : يا أمير المؤمنين ما هي ؟ قال : الإشراك بالله ، وقتل النفس التي حرم الله وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والفرار يوم الزحف ، والتعرب بعد الهجرة . فقلت لأبي : يا أبت ، التعرب بعد الهجرة ، كيف لحق هاهنا ؟ قال : يا بني ، وما أعظم من أن يهاجر الرجل ، حتى إذا وقع سهمه في الفيء ، ووجب عليه الجهاد خلع ذلك من عنقه فرجع أعرابيا كما كان .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا أبو معاوية - يعني شيبان - عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن سلمة بن قيس الأشجعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : " ألا إنما هن أربع : ألا تشركوا بالله شيئا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تزنوا ، ولا تسرقوا " . قال : فما أنا بأشح عليهن مني ، إذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ثم رواه أحمد أيضا والنسائي وابن مردويه ، من حديث منصور ، بإسناده مثله .

حديث آخر : تقدم من رواية عمر بن المغيرة ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الإضرار في الوصية من الكبائر " . والصحيح ما رواه غيره ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس [ قوله ] قال ابن أبي حاتم : وهو الصحيح عن ابن عباس من قوله .

حديث آخر في ذلك : " قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، حدثنا عباد بن عباد ، عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ; أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا الكبائر وهو متكئ ، فقالوا : الشرك بالله ، وأكل مال اليتيم ، وفرار من الزحف ، وقذف المحصنة ، وعقوق الوالدين ، وقول الزور ، والغلول ، والسحر ، وأكل الربا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأين تجعلون ( الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) [ آل عمران : 77 ] ؟ ! إلى آخر الآية . في إسناده ضعف ، وهو حسن .

ذكر أقوال السلف في ذلك :

قد تقدم ما روي عن أمير المؤمنين عمر وعلي ، رضي الله عنهما ، في ضمن الأحاديث المذكورة . وقال ابن جرير :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن الحسن : أن ناسا سألوا عبد الله بن عمرو بمصر فقالوا : نرى أشياء من كتاب الله ، أمر أن يعمل بها فلا يعمل بها ، فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك ؟ فقدم وقدموا معه ، فلقيه عمر ، رضي الله عنه ، فقال : متى قدمت ؟ فقال : منذ كذا وكذا قال : أبإذن قدمت ؟ قال : فلا أدري كيف رد عليه . فقال : يا أمير المؤمنين ، إن ناسا لقوني بمصر فقالوا : إنا نرى أشياء من كتاب الله ، أمر أن يعمل بها فلا يعمل بها فأحبوا أن يلقوك في ذلك فقال : اجمعهم لي . قال : فجمعتهم له - قال ابن عون : أظنه قال : في بهو - فأخذ أدناهم رجلا فقال : نشدتك بالله وبحق الإسلام عليك ، أقرأت القرآن كله ؟ قال : نعم قال فهل أحصيته في نفسك ؟ قال اللهم لا . قال : ولو قال : نعم لخصمه . قال : فهل أحصيته في بصرك ؟ فهل أحصيته في لفظك ؟ هل أحصيته في أمرك ؟ ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم . قال : فثكلت عمر أمه . أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله ؟ ! قد علم ربنا أنه ستكون لنا سيئات . قال : وتلا ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ] ) ثم قال : هل علم أهل المدينة - أو قال : هل علم أحد - بما قدمتم ؟ قالوا : لا . قال : لو علموا لوعظت بكم .

إسناد حسن ومتن حسن ، وإن كان من رواية الحسن عن عمر ، وفيها انقطاع ، إلا أن مثل هذا اشتهر فتكفي شهرته .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا أبو أحمد - يعني الزبيري - حدثنا علي بن صالح ، عن عثمان بن المغيرة ، عن مالك بن جوين ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : الكبائر الإشراك بالله ، وقتل النفس ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنة ، والفرار من الزحف ، والتعرب بعد الهجرة ، والسحر ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربا ، وفراق الجماعة ، ونكث الصفقة .

وتقدم عن ابن مسعود أنه قال : أكبر الكبائر الإشراك بالله ، واليأس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله ، عز وجل .

وروى ابن جرير ، من حديث الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، والأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، كلاهما عن ابن مسعود قال : الكبائر من أول سورة النساء إلى ثلاثين آية منها . ومن حديث سفيان الثوري وشعبة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش ، عن ابن مسعود قال : الكبائر من أول سورة النساء إلى ثلاثين آية منها ثم تلا ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه [ نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ] )

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا المنذر بن شاذان ، حدثنا يعلى بن عبيد ، حدثنا صالح بن حيان ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : أكبر الكبائر : الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، ومنع فضول الماء بعد الري ، ومنع طروق الفحل إلا بجعل .

وفي الصحيحين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ " وفيهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السبيل " ، وذكر الحديث بتمامه .

وفي مسند الإمام أحمد ، من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا : " من منع فضل الماء وفضل الكلأ منعه الله فضله يوم القيامة " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسين بن محمد بن شنبة الواسطي ، حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : ما أخذ على النساء من الكبائر . قال ابن أبي حاتم : يعني قوله : ( على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن [ ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك ] ) الآية [ الممتحنة : 12 ] .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، حدثنا زياد بن مخراق ، عن معاوية بن قرة قال : أتينا أنس بن مالك ، فكان فيما حدثنا قال : لم أر مثل الذي بلغنا عن ربنا تعالى ثم لم نخرج له عن كل أهل ومال . ثم سكت هنية ثم قال : والله لما كلفنا ربنا أهون من ذلك ، لقد تجاوز لنا عما دون الكبائر ، فما لنا ولها ، ثم تلا ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه [ نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ] ) .

أقوال ابن عباس في ذلك :

روى ابن جرير ، من حديث المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن طاوس قال : ذكروا عند ابن عباس الكبائر فقالوا : هي سبع ، فقال : هي أكثر من سبع وسبع . قال سليمان : فما أدري كم قالها من مرة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا قبيصة ، حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن طاوس قال : قلت لابن عباس : ما السبع الكبائر ؟ قال : هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع .

ورواه ابن جرير ، عن ابن حميد ، عن ليث ، عن طاوس قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : أرأيت الكبائر السبع التي ذكرهن الله ؟ ما هن ؟ قال : هن إلى السبعين أدنى منهن إلى سبع .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن طاوس ، عن أبيه قال : قيل لابن عباس : الكبائر سبع ؟ قال : هن إلى السبعين أقرب ، وكذا قال أبو العالية الرياحي ، رحمه الله .

وقال ابن جرير : حدثنا المثنى ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا شبل ، عن قيس عن سعد ، عن سعيد بن جبير ; أن رجلا قال لابن عباس : كم الكبائر ؟ سبع ؟ قال : هن إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع ، غير أنه لا كبيرة مع استغفار ، ولا صغيرة مع إصرار . وكذا رواه ابن أبي حاتم ، من حديث شبل ، به .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) قال : الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب . ورواه ابن جرير .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن حرب الموصلي ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا شبيب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الكبائر : كل ما وعد الله عليه النار كبيرة . وكذا قال سعيد بن جبير والحسن البصري .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، أخبرنا أيوب ، عن محمد بن سيرين قال : نبئت أن ابن عباس كان يقول : كل ما نهى الله عنه كبيرة . وقد ذكرت الطرفة [ فيه ] قال : هي النظرة .

وقال أيضا : حدثنا أحمد بن حازم ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الله بن معدان ، عن أبي الوليد قال : سألت ابن عباس عن الكبائر فقال هي كل شيء عصي الله فيه فهو كبيرة .

أقوال التابعين

قال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن محمد قال : سألت عبيدة عن الكبائر ، فقال : الإشراك بالله ، وقتل النفس التي حرم الله بغير حقها ، وفرار يوم الزحف ، وأكل مال اليتيم بغير حقه ، وأكل الربا ، والبهتان . قال : ويقولون : أعرابية بعد هجرة . قال ابن عون : فقلت لمحمد : فالسحر ؟ قال : إن البهتان يجمع شرا كبيرا .

وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبيد المحاربي حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم ، عن أبي إسحاق ، عن عبيد بن عمير قال : الكبائر سبع ، ليس منهن كبيرة إلا وفيها آية من كتاب الله : الإشراك بالله منهن : ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح ) [ الحج : 31 ] و ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ) [ النساء : 10 ] ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) [ البقرة : 275 ] و ( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ) [ النور : 23 ] والفرار من الزحف : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا [ فلا تولوهم الأدبار ] ) [ الأنفال : 15 ] ، والتعرب بعد الهجرة : ( إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى ) [ محمد : 25 ] ، وقتل المؤمن : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) الآية [ النساء : 93 ] .

وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث أبي إسحاق ، عن عبيد ، بنحوه .

وقال ابن جرير : حدثنا المثنى ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء - يعني ابن أبي رباح - قال : الكبائر سبع : قتل النفس ، وأكل الربا وأكل مال اليتيم ، ورمي المحصنة ، وشهادة الزور ، وعقوق الوالدين ، والفرار من الزحف .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن مغيرة قال : كان يقال شتم أبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما ، من الكبائر .

قلت : وقد ذهب طائفة من العلماء إلى تكفير من سب الصحابة ، وهو رواية عن مالك بن أنس ، رحمه الله : وقال محمد بن سيرين : ما أظن أحدا ينتقص أبا بكر ، وعمر ، وهو يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه الترمذي .

وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عبد الله بن عياش ، قال زيد بن أسلم في قول الله عز وجل : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) من الكبائر : الشرك ، والكفر بآيات الله ورسوله ، والسحر ، وقتل الأولاد ، ومن دعا لله ولدا أو صاحبة ، ومثل ذلك من الأعمال ، والقول الذي لا يصلح معه عمل ، وأما كل ذنب يصلح معه دين ، ويقبل معه عمل فإن الله يغفر السيئات بالحسنات .

وقال ابن جرير : حدثنا بشر بن معاذ ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) الآية : إنما وعد الله المغفرة لمن اجتنب الكبائر . وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " اجتنبوا الكبائر ، وسددوا ، وأبشروا " .

وقد روى ابن مردويه من طرق عن أنس ، وعن جابر مرفوعا : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " ولكن في إسناده من جميع طرقه ضعف ، إلا ما رواه عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " . فإنه إسناد صحيح على شرط الشيخين وقد رواه أبو عيسى الترمذي منفردا به من هذا الوجه ، عن عباس العنبري ، عن عبد الرزاق ثم قال : هذا حديث حسن صحيح وفي الصحيح شاهد لمعناه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر الشفاعة : " أترونها للمؤمنين المتقين ؟ لا ولكنها للخاطئين ال متلوثين " .

وقد اختلف علماء الأصول والفروع في حد الكبيرة فمن قائل : هي ما عليه حد في الشرع .

ومنهم من قال : هي ما عليه وعيد لخصوصه من الكتاب والسنة . وقيل غير ذلك . قال أبو القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي ، في كتابه " الشرح الكبير " الشهير ، في كتاب الشهادات منه : ثم اختلف الصحابة ، رضي الله [ تعالى ] عنهم ، فمن بعدهم في الكبائر ، وفي الفرق بينها وبين الصغائر ، ولبعض الأصحاب في تفسير الكبيرة وجوه :

أحدها : أنها المعصية الموجبة للحد .

والثاني : أنها المعصية التي يلحق صاحبها الوعيد الشديد بنص كتاب أو سنة . وهذا أكثر ما يوجد لهم ، وهو وإلى الأول أميل ، لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفسير الكبائر .

والثالث : قال إمام الحرمين في " الإرشاد " وغيره : كل جريمة تنبئ بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة ، فهي مبطلة للعدالة .

والرابع : ذكر القاضي أبو سعيد الهروي أن الكبيرة : كل فعل نص الكتاب على تحريمه ، وكل معصية توجب في جنسها حدا من قتل أو غيره ، وترك كل فريضة مأمور بها على الفور ، والكذب في الشهادة ، والرواية ، واليمين .

هذا ما ذكره على سبيل الضبط .

ثم قال : وفصل القاضي الروياني فقال : الكبائر سبع : قتل النفس بغير الحق ، والزنا ، واللواط ، وشرب الخمر ، والسرقة ، وأخذ المال غصبا ، والقذف . وزاد في " الشامل " على السبع المذكورة : شهادة الزور . وأضاف إليها صاحب العدة : أكل الربا ، والإفطار في رمضان بلا عذر ، واليمين الفاجرة ، وقطع الرحم ، وعقوق الوالدين ، والفرار من الزحف ، وأكل مال اليتيم ، والخيانة في الكيل والوزن ، وتقديم الصلاة على وقتها ، وتأخيرها عن وقتها ، بلا عذر ، وضرب المسلم بلا حق ، والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم عمدا ، وسب أصحابه ، وكتمان الشهادة بلا عذر ، وأخذ الرشوة ، والقيادة بين الرجال والنساء ، والسعاية عند السلطان ، ومنع الزكاة ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة ، ونسيان القرآن بعد تعلمه ، وإحراق الحيوان بالنار ، وامتناع المرأة من زوجها بلا سبب ، واليأس من رحمة الله ، والأمن من مكر الله ويقال : الوقيعة في أهل العلم وحملة القرآن . ومما يعد من الكبائر : الظهار ، وأكل لحم الخنزير والميتة إلا عن ضرورة .

ثم قال الرافعي : وللتوقف مجال في بعض هذه الخصال .

قلت : وقد صنف الناس في الكبائر مصنفات ، منها ما جمعه شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي الذي بلغ نحوا من سبعين كبيرة ، وإذا قيل : إن الكبيرة [ هى ] ما توعد الشارع عليها بالنار بخصوصها ، كما قال ابن عباس ، وغيره ، وتتبع ذلك ، اجتمع منه شيء كثير ، وإذا قيل : كل ما نهى الله [ تعالى ] عنه فكثير جدا ، والله [ تعالى ] أعلم .


تفسير الطبري :

فيه مسألتان: الأولى: لما نهى تعالى في هذه السورة عن آثام هي كبائر، وعد على اجتنابها التخفيف من الصغائر، ودل هذا على أن في الذنوب كبائر وصغائر. وعلى هذا جماعة أهل التأويل وجماعة الفقهاء، وأن اللمسة والنظرة تكفر باجتناب الكبائر قطعا بوعده الصدق وقوله الحق، لا أنه يجب عليه ذلك. ونظير الكلام في هذا ما تقدم بيانه في قبول التوبة في قوله تعالى: {إنما التوبة على الله} [النساء : 17]، فالله تعالى يغفر الصغائر باجتناب الكبائر، لكن بضميمة أخرى إلى الاجتناب وهي إقامة الفرائض. روى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر. وروى أبو حاتم البستي فى صحيح مسنده عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر ثم قال : (والذي نفسي بيده) ثلاث مرات، ثم سكت فأكب كل رجل منا يبكي حزينا ليمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : (ما من عبد يؤدي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يوم القيامة حتى إنها لتصفق) ثم تلا {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}. فقد تعاضد الكتاب وصحيح السنة بتكفير الصغائر قطعا كالنظر وشبهه. وبينت السنة أن المراد بـ "تجتنبوا" ليس كل الاجتناب لجميع الكبائر. والله أعلم. وأما الأصوليون فقالوا : لا يجب على القطع تكفير الصغائر باجتناب الكبائر، وإنما محمل ذلك على غلبة الظن وقوة الرجاء والمشيئة ثابتة. ودل على ذلك أنه لو قطعنا لمجتنب الكبائر وممتثل الفرائض تكفير صغائره قطعا لكانت له في حكم المباح الذي يقطع بألا تِباعة فيه، وذلك نقض لعرى الشريعة. ولا صغيرة عندنا. قال القشيري عبدالرحيم : والصحيح أنها كبائر ولكن بعضها أعظم وقعا من بعض، والحكمة في عدم التمييز أن يجتنب العبد جميع المعاصي. قلت : وأيضا فإن من نظر إلى نفس المخالفة كما قال بعضهم : - لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر من عصيت - كانت الذنوب بهذه النسبة كلها كبائر، وعلى هذا النحو يخرج كلام القاضي أبي بكر بن الطيب والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني وأبي المعالي وأبي نصر عبد الرحيم القشيري وغيرهم؛ قالوا : وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها، كما يقال الزنى صغيرة بإضافته إلى الكفر، والقبلة المحرمة صغيرة بالنسبة إلى الزنى، ولا ذنب عندنا يغفر باجتناب ذنب آخر، بل كل ذلك كبيرة ومرتكبه في المشيئة غير الكفر، لقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء : 48] واحتجوا بقراءة من قرأ: "إن تجتنبوا كبير ما تنهون عنه" على التوحيد؛ وكبير الإثم الشرك. قالوا : وعلى الجمع فالمراد أجناس الكفر. والآية التي قيدت الحكم فترد إليها هذه المطلقات كلها قوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}. واحتجوا بما رواه مسلم وغيره عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة) فقال له رجل : يا رسول الله، وإن كان شيئا يسيرا ؟ قال : (وإن كان قضيبا من أراك). فقد جاء الوعيد الشديد على اليسير كما جاء على الكثير. وقال ابن عباس : الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. وقال ابن مسعود : الكبائر ما نهى الله عنه في هذه السورة إلى ثلاث وثلاثين آية؛ وتصديقه قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه}. وقال طاوس : قيل لابن عباس الكبائر سبع ؟ قال : هي إلى السبعين أقرب. وقال سعيد بن جبير : قال رجل لابن عباس الكبائر سبع ؟ قال : هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع؛ غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار. وروي عن ابن مسعود أنه قال : الكبائر أربعة : اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله، والشرك بالله؛ دل عليها القرآن. وروي عن ابن عمر : هي تسع : قتل النفس، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، ورمي المحصنة، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، والسحر، والإلحاد في البيت الحرام. ومن الكبائر عند العلماء : القمار والسرقة وشرب الخمر وسب السلف الصالح وعدول الحكام عن الحق واتباع الهوى واليمين الفاجرة والقنوط من رحمة الله وسب الإنسان أبويه - بأن يسب رجلا فيسب ذلك الرجل أبويه - والسعي في الأرض فسادا - ؛ إلى غير ذلك مما يكثر تعداده حسب ما جاء بيانها في القرآن، وفي أحاديث خرجها الأئمة، وقد ذكر مسلم في كتاب الإيمان منها جملة وافرة. وقد اختلف الناس في تعدادها وحصرها لاختلاف الآثار فيها؛ والذي أقول : إنه قد جاءت فيها أحاديث كثيرة صحاح وحسان لم يقصد بها الحصر، ولكن بعضها أكبر من بعض بالنسبة إلى ما يكثر ضرره، فالشرك أكبر ذلك كله، وهو الذي لا يغفر لنص الله تعالى على ذلك، وبعده اليأس من رحمة الله؛ لأن فيه تكذيب القرآن؛ إذ يقول وقوله الحق: {ورحمتي وسعت كل شيء} [الأعراف : 156] وهو يقول : لا يغفر له؛ فقد حجر واسعا. هذا إذا كان معتقدا لذلك؛ ولذلك قال الله تعالى: {إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف : 87]. وبعده القنوط؛ قال الله تعالى:{ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} [الحجر : 56]. وبعده الأمن من مكر الله فيسترسل في المعاصي ويتكل على رحمة الله من غير عمل؛ قال الله تعالى: {أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} [الأعراف : 99]. وقال تعالى: {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين} [فصلت : 23]. وبعده القتل؛ لأن فيه إذهاب النفوس وإعدام الوجود، واللواط فيه قطع النسل، والزنى فيه اختلاط الأنساب بالمياه، والخمر فيه ذهاب العقل الذي هو مناط التكليف، وترك الصلاة والأذان فيه ترك إظهار شعائر الإسلام، وشهادة الزور فيها استباحة الدماء والفروج والأموال، إلى غير ذلك مما هو بين الضرر؛ فكل ذنب عظم الشرع التوعد عليه بالعقاب وشدده، أو عظم ضرره في الوجود كما ذكرنا فهو كبيرة وما عداه صغيرة. فهذا يربط لك هذا الباب ويضبطه، والله أعلم. الثانبة: قوله تعالى: {وندخلكم مدخلا كريما} قرأ أبو عمرو وأكثر الكوفيين: "مدخلا" بضم الميم، فيحتمل أن يكون مصدرا، أي إدخالا، والمفعول محذوف أي وندخلكم الجنة إدخالا. ويحتمل أن يكون بمعنى المكان فيكون مفعولا. وقرأ أهل المدينة بفتح الميم، فيجوز أن يكون مصدر دخل وهو منصوب بإضمار فعل؛ التقدير وندخلكم فتدخلون مدخلا، ودل الكلام عليه. ويجوز أن يكون اسم مكان فينتصب على أنه مفعول به، أي وندخلكم مكانا كريما وهو الجنة. وقال أبو سعيد بن الأعرابي : سمعت أبا داود السجستاني يقول : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول : المسلمون كلهم في الجنة؛ فقلت له : وكيف ؟ قال : يقول الله عز وجل: {إن تجتبوا كبائر ما تنهون، عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما} يعني الجنة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي). فإذا كان الله عز وجل يغفر ما دون الكبائر والنبي صلى الله عليه وسلم يشفع في الكبائر فأي ذنب يبقى على المسلمين. وقال علماؤنا : الكبائر عند أهل السنة تغفر لمن أقلع عنها قبل الموت حسب ما تقدم. وقد يغفر لمن مات عليها من المسلمين كما قال تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء : 48] والمراد بذلك من مات على الذنوب؛ فلو كان المراد من تاب قبل الموت لم يكن للتفرقة بين الإشراك وغيره معنى؛ إذ التائب من الشرك أيضا مغفور له. وروي عن ابن مسعود أنه قال : خمس آيات من سورة النساء هي أحب إلي من الدنيا جميعا، قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} وقوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر} [النساء : 48] الآية، وقوله تعالى: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه} [النساء : 110]الآية، وقوله تعالى: {وإن تك حسنة يضاعفها} [النساء : 40]، وقوله تعالى: {والذين آمنوا بالله ورسله} [النساء : 152]. وقال ابن عباس : ثمان آيات في سورة النساء، هن خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت: {يريد الله ليبين لكم} [النساء : 26]، {والله يريد أن يتوب عليكم} [النساء : 27]، {يريد الله أن يخفف عنكم} [النساء : 28]، {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} [النساء : 31]، الآية، {إن الله لا يغفر أن يشرك به}، {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} [النساء : 40]، {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه}، {ما يفعل الله بعذابكم} [النساء : 147] الآية.

التفسير الميسّر:

إن تبتعدوا -أيها المؤمنون- عن كبائر الذنوب كالإشراك بالله وعقوق الوالدين وقَتْلِ النفس بغير الحق وغير ذلك، نكفِّر عنكم ما دونها من الصغائر، وندخلكم مدخلا كريمًا، وهو الجنَّة.

تفسير السعدي

وهذا من فضل الله وإحسانه على عباده المؤمنين وعدهم أنهم إذا اجتنبوا كبائر المنهيات غفر لهم جميع الذنوب والسيئات وأدخلهم مدخلا كريما كثير الخير وهو الجنة المشتملة على ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ويدخل في اجتناب الكبائر فعل الفرائض التي يكون تاركها مرتكبا كبيرة، كالصلوات الخمس، والجمعة، وصوم رمضان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهما ما اجتنبت الكبائر" . وأحسن ما حُدت به الكبائر، أن الكبيرة ما فيه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة، أو نفي إيمان، أو ترتيب لعنة، أو غضب عليه.


تفسير البغوي

قوله تعالى : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) اختلفوا في الكبائر التي جعل الله اجتنابها تكفيرا للصغائر : أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا محمد بن مقاتل ، أنا النضر ، أخبرنا شعبة ، أنا فراس ، قال : سمعت الشعبي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الكبائر : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا مسدد ، أنا بشر بن المفضل ، أنا الجريري ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " ثلاثا قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : " الإشراك بالله عز وجل ، وعقوق الوالدين ، وجلس وكان متكئا فقال : ألا وقول الزور ألا وقول الزور ، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت " .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، أنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي ، أنا محمد بن كثير ، أنا سفيان الثوري ، عن الأعمش ومنصور ، وواصل الأحدب عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله رضي الله عنهما قال : قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك ، قلت : ثم أي؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك ، قلت : ثم أي؟ قال : أن تزاني حليلة جارك " ، فأنزل الله تعالى تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ) الآية .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثني سليمان ، عن ثور بن زيد ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اجتنبوا السبع الموبقات : ، قالوا : يا رسول الله وما هن؟ قال : " الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " .

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : أكبر الكبائر : الإشراك بالله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي ، أنا علي بن الجعد ، أنا شعبة ، عن سعيد بن إبراهيم ، قال : سمعت حميد بن عبد الرحمن يحدث عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من الكبائر أن يسب الرجل والديه ، قالوا : وكيف يسب الرجل والديه؟ قال : يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه " .

وعن سعيد بن جبير : أن رجلا سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن الكبائر : أسبع هي؟ قال : هن إلى السبعمائة أقرب إلا أنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار ، وقال : كل شيء عصي الله به فهو كبيرة ، فمن عمل شيئا منها فليستغفر فإن الله لا يخلد في النار من هذه الأمة إلا راجعا عن الإسلام أو جاحدا فريضة أو مكذبا بقدر .

وقال عبد الله بن مسعود : ما نهى الله تعالى عنه في هذه السورة إلى قوله تعالى : " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه " فهو كبيرة .

وقال علي بن أبي طلحة : هي كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب .

وقال الضحاك : ما أوعد الله عليه حدا في الدنيا أو عذابا في الآخرة .

وقال الحسن بن الفضل : ما سماه الله في القرآن كبيرا أو عظيما نحو قوله تعالى : " إنه كان حوبا كبيرا " ( النساء - 2 ) ، " إن قتلهم كان خطئا كبيرا " ( الإسراء - 31 ) ، " إن الشرك لظلم عظيم " ( لقمان - 13 ) ، " إن كيدكن عظيم " ( يوسف - 28 ) " سبحانك هذا بهتان عظيم " ( النور - 16 ) " إن ذلكم كان عند الله عظيما " ( الأحزاب - 53 ) .

قال سفيان الثوري : الكبائر ما كان فيه المظالم بينك وبين العباد ، والصغائر ما كان بينك وبين الله تعالى ، لأن الله كريم يعفو ، واحتج بما أخبرنا الشيخ أبو القاسم عبد الله بن علي الكرماني ، أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد ، أنا الحسين بن داؤد البلخي ، أنا يزيد بن هارون ، أنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينادي مناد من بطنان العرش يوم القيامة : يا أمة محمد إن الله عز وجل قد عفا عنكم جميعا المؤمنين والمؤمنات ، تواهبوا المظالم وادخلوا الجنة برحمتي " .

وقال مالك بن مغول : الكبائر ذنوب أهل البدع ، والسيئات ذنوب أهل السنة .

وقيل : الكبائر ذنوب العمد ، والسيئات الخطأ والنسيان وما أكره عليه ، وحديث النفس المرفوع عن هذه الأمة .

وقيل : الكبائر ذنوب المستحلين مثل ذنب إبليس ، والصغائر ذنوب المستغفرين مثل ذنب آدم عليه السلام .

وقال السدي : الكبائر ما نهى الله عنه من الذنوب الكبائر ، والسيئات مقدماتها وتوابعها مما يجتمع فيه الصالح والفاسق ، مثل النظرة واللمسة والقبلة وأشباهها . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " العينان تزنيان ، واليدان تزنيان ، والرجلان تزنيان ، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه " .

وقيل : الكبائر ما يستحقره العباد ، والصغائر ما يستعظمونه فيخافون مواقعته ، كما أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا أبو الوليد ، أنا مهدي بن غيلان ، عن أنس قال : إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر ، إن كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات .

وقيل : الكبائر الشرك وما يؤدي إليه ، وما دون الشرك فهو السيئات ، قال الله تعالى : " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " ( النساء - 48 ، 116 ) .

وقوله تعالى : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) أي : من الصلاة إلى الصلاة ومن الجمعة إلى الجمعة ومن رمضان إلى رمضان .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنا عبد الغافر بن محمد ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أنا مسلم بن الحجاج ، حدثني هارون بن سعيد الأيلي أنا ابن وهب عن أبي صخر أن عمر بن إسحاق مولى زائدة حدثه عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر " .

قوله تعالى : ( وندخلكم مدخلا كريما ) أي : حسنا وهو الجنة ، قرأ أهل المدينة ( مدخلا ) بفتح الميم هاهنا وفي الحج ، وهو موضع الدخول ، وقرأ الباقون بالضم على المصدر بمعنى الإدخال .


الإعراب:

(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ) إن شرطية والمضارع فعل الشرط المجزوم بحذف النون وفاعله ومفعوله (ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) ما اسم موصول في محل جر بالإضافة وفعل مضارع مبني للمجهول تعلق به الجار والمجرور بعده والواو نائب فاعل والجملة صلة الموصول (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) جواب الشرط تعلق به الجار والمجرور وفاعله مستتر وسيئاتكم مفعوله (وَنُدْخِلْكُمْ) فعل مضارع ومفعوله (مُدْخَلًا) مصدر مفعول مطلق أو ظرف متعلق بالفعل قبله (كَرِيماً) صفة والجملة معطوفة على نكفر وهي جواب شرط لا محل لها.

---

Traslation and Transliteration:

In tajtaniboo kabaira ma tunhawna AAanhu nukaffir AAankum sayyiatikum wanudkhilkum mudkhalan kareeman

بيانات السورة

اسم السورة سورة النساء (An-Nisaa - The Women)
ترتيبها 4
عدد آياتها 176
عدد كلماتها 3712
عدد حروفها 15937
معنى اسمها (النُّـِسْوَةُ) بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَ(النِّسَاءُ) وَ(النِّسْوَانُ) جَمْعُ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ لفْظِهَا
سبب تسميتها كَثْرَةُ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ وَمَسَائِلِ الْأُسْرَّةِ وَالْمُجْتَمَعِ
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النِّسَاءِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (النِّسَاءِ الكُبْرَى) أَوْ (النِّسَاءِ الطُوْلَى)
مقاصدها تَنْظِيمُ الشُّؤُونِ الدَّاخِلِيَّةِ وَالعَلَاقَاتِ الْخَارِجِيَّةِ لِلْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النِّسَاءِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ أَحْكَامِ المَوَارِيثِ. فقَالَ سُبْحَانَهُ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ﴾... الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي ٱلۡكَلَٰلَةِۚ ...١٧٥﴾... الآيَاتِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النِّسَاءِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (آلِ عِمرَانَ): اختُتِمَتْ (آلُ عِمْرَانَ) بِالأَمْرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ٢٠٠﴾ ، وَافْتُتِحَتِ (النِّسَاءُ) بِالأَمرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ...١﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!