«فأوجس» أضمر في نفسه «منهم خيفة قالوا لا تخف» إنا رسل ربك «وبشروه بغلام عليم» ذي علم كثير وهو إسحاق كما ذكر في هود.
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)
فالحاصل من هذا أنه من لم يغب عن عبوديته للّه في كل حال ، فقد أدى ما خلق له وكان طائعا وسواء كان مطيعا أو مخالفا ، فإن العبد الآبق لا يخرجه إباقه عن الرق ، وإنما يخرجه عن لوازم العبودية ، من الوقوف بين يدي سيده لامتثال أوامره ومراسمه ، ألا ترى اسم العبودية ينسحب عليه سواء كان مطيعا أو مخالفا .
(52) سورة الطّور مكيّة
------------
(60) الفتوحات ج 3 /
124
وقوله : ( فأوجس منهم خيفة ) : هذا محال على ما تقدم في القصة في السورة الأخرى ، وهو قوله : ( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت ) [ هود : 70 ، 71 ] أي : استبشرت بهلاكهم ; لتمردهم وعتوهم على الله ، فعند ذلك بشرتها الملائكة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب . ( قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ) [ هود 72 ، 73 ] ; ولهذا قال هاهنا : ( وبشروه بغلام عليم ) ، فالبشارة له هي بشارة لها ; لأن الولد منهما ، فكل منهما بشر به .
قوله تعالى {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين} ذكر قصة إبراهيم عليه السلام ليبين بها أنه أهلك المكذب بآياته كما فعل بقوم لوط. {هل أتاك} أي ألم يأتك. وقيل {هل}بمعنى قد؛ كقوله تعالى {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} [الإنسان : 1]. وقد مضى الكلام في ضيف إبراهيم في [هود والحجر]. {المكرمين} أي عند الله؛ دليله قوله تعالى {بل عباد مكرمون} [
الأنبياء : 26] قال ابن عباس : يريد جبريل وميكائيل وإسرافيل - زاد عثمان بن حصين - ورفائيل عليهم الصلاة والسلام. وقال محمد بن كعب : كان جبريل ومعه تسعة. وقال عطاء وجماعة : كانوا ثلاثة جبريل وميكائيل ومعهما ملك آخر. قال ابن عباس : سماهم مكرمين لأنهم غير مذعورين. وقال مجاهد : سماهم مكرمين لخدمة إبراهيم إياهم بنفسه. قال عبدالوهاب : قال لي علي بن عياض : عندي هريسة ما رأيك فيها؟ قلت : ما أحسن رأيي فيها؛ قال : امض بنا؛ فدخلت الدار فنادى الغلام فإذا هو غائب، فما راعني إلا به ومعه القمقمة والطست وعلى عاتقه المنديل، فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون، لو علمت يا أبا الحسن أن الأمر هكذا؛ قال : هون عليك فإنك عندنا مكرم، والمكرم إنما يخدم بالنفس؛ انظر إلى قوله تعالى {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين}. قوله تعالى {إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما} تقدم في [الحجر]. {قال سلام} أي عليكم سلام. ويجوز بمعنى أمري سلام أو ردي لكم سلام. وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما {سِلم} بكسر السين. {قوم منكرون} أي أنتم قوم منكرون؛ أي غرباء لا نعرفكم. وقيل : لأنه رآهم على غير صورة البشر، وعلى غير صورة الملائكة الذين كان يعرفهم فنكرهم، فقال {قوم منكرون}. وقيل : أنكرهم لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان. وقال أبو العالية : أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض. وقيل : خافهم؛ يقال أنكرته إذا خفته، قال الشاعر : فأنكرتني وما كان الذي نكرت ** من الحوادث إلا الشيب والصلعا قوله تعالى {فراغ إلى أهله} قال الزجاج : أي عدل إلى أهله. وقد مضى في {والصافات}. ويقال : أراغ وارتاغ بمعنى طلب، وماذا تريغ أي تريد وتطلب، وأراغ إلى كذا أي مال إليه سرا وحاد، فعلى هذا يكون راغ وأراغ لغتين بمعنى. {فجاء بعجل سمين}أي جاء ضيفه بعجل قد شواه لهم كما في [هود] فما لبث أن جاء بعجل حنيذ [
هود : 69]. ويقال : إن إبراهيم انطلق إلى منزله كالمستخفي من ضيفه، لئلا يظهروا على ما يريد أن يتخذ لهم من الطعام. {فقربه إليهم} يعني العجل. {قال ألا تأكلون} قال قتادة : كان عامة مال إبراهيم البقر، واختاره لهم سمينا زيادة في إكرامهم. وقيل : العجل في بعض اللغات الشاة. ذكره القشيري. وفي الصحاح : العجل ولد البقرة والعجول مثله والجمع العجاجيل والأنثى عجلة، عن أبي الجراح، وبقرة معجل ذات عجل، وعجل قبيلة من ربيعة. قوله تعالى {فأوجس منهم خيفة} أي أحس منهم في نفسه خوفا. وقيل : أضمر لما لم يتحرموا بطعامه. ومن أخلاق الناس : أن من تحرم بطعام إنسان أمنه. وقال عمرو بن دينار : قالت الملائكة لا نأكل إلا بالثمن. قال : كلوا وأدوا ثمنه. قالوا : وما ثمنه؟ قال : تسمون الله إذا أكلتم وتحمدونه إذا فرغتم. فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا : لهذا اتخذك الله خليلا. وقد تقدم هذا في [هود] ولما رأوا ما بإبراهيم من الخوف {قالوا لا تخف}وأعلموه أنهم ملائكة الله ورسله. {وبشروه بغلام عليم} أي بولد يولد له من سارة زوجته. وقيل : لما أخبروه أنهم ملائكة لم يصدقهم، فدعوا الله فأحيا العجل الذي قربه إليهم. وروى عون بن أبي شداد : أن جبريل مسح العجل بجناحه، فقام يدرج حتى لحق بأمه وأم العجل في الدار. ومعنى {عليم} أي يكون بعد بلوغه من أولي العلم بالله وبدينه. والجمهور على أن المبشر به هو إسحاق. وقال مجاهد وحده : هو إسماعيل وليس بشيء فإن الله تعالى يقول {وبشرناه بإسحاق} [
الصافات : 112]. وهذا نص.
فلما رآهم لا يأكلون أحسَّ في نفسه خوفًا منهم، قالوا له: لا تَخَفْ إنا رسل الله، وبشروه بأن زوجته "سَارَةَ" ستلد له ولدًا، سيكون من أهل العلم بالله وبدينه، وهو إسحاق عليه السلام.
[فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } حين رأى أيديهم لا تصل إليه، { قَالُوا لَا تَخَفْ } وأخبروه بما جاؤوا له { وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ } وهو: إسحاق عليه السلام.
" فأوجس منهم خيفةً قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم "
(فَأَوْجَسَ) الفاء حرف استئناف وماض فاعله مستتر (مِنْهُمْ) متعلقان بالفعل (خِيفَةً) مفعول به والجملة مستأنفة (قالُوا) ماض وفاعله والجملة مستأنفة (لا تَخَفْ) مضارع مجزوم بلا والفاعل مستتر والجملة مقول القول (وَبَشَّرُوهُ) ماض وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة على قالوا (بِغُلامٍ) متعلقان بالفعل (عَلِيمٍ) صفة
Traslation and Transliteration:
Faawjasa minhum kheefatan qaloo la takhaf wabashsharoohu bighulamin AAaleemin
Then he conceived a fear of them. They said: Fear not! and gave him tidings of (the birth of) a wise son.
Derken onlardan, içine bir korkudur düşmüştü de korkma demişlerdi, ve ona, bilgi sahibi bir oğlu olacağını müjdelemişlerdi.
Il ressentit alors de la peur vis-à-vis d'eux. Ils dirent: «N'aie pas peur». Et ils lui annoncèrent [la naissance] d'un garçon plein de savoir.
Dann verbarg er Furcht vor ihnen. Sie sagten: "Fürchte dich nicht!" Und sie überbrachten ihm frohe Botschaft über einen äußerst wissenden Jungen.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الذاريات (Az-Zariyat - The Winnowing Winds) |
ترتيبها |
51 |
عدد آياتها |
60 |
عدد كلماتها |
360 |
عدد حروفها |
1510 |
معنى اسمها |
(الذَّارِيَاتُ): الرِّيَاحُ تَذْرُوْ التُّرَابَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ حَتَّى يَتَطَايَرُ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ مُفْرَدَةِ (الذَّارِيَاتِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الذَّارِيَاتِ) |
مقاصدها |
مُعَالَجَةُ إِنْكَارِ عَقِيدَةِ البَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَضَرْبُ الأَمْثِلَةِ عَلَى عُقُوبَةِ الأُمَمِ المُكَذِّبَةِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
مِنْ النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَات، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّويلِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظائِرَ؛ السُّورتينِ في رَكعةٍ ، (وَالطُّورَ والذَّارِيَاتِ) فِي رَكعةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الذَّارِيَاتِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَن الْوَعْدِ بِيَومِ البَعْثِ وَالنُّشُورِ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٞ ٥﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوۡمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ ٦٠﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الذَّارِيَاتِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (ق): السُّوَرَتَانِ مَوْضُوْعُهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ إِنْكَارُ الكُفَّارِ لِيَومِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ. |