المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الذاريات: [تفسير البغوي]
كتاب معالم التنزيل، للحسين بن مسعود البغوي، المحدّث والفقيه الشافعي، توفي (510 هـ). وهو تفسير متوسط نقل فيه مصنفه الصحيح من تفسير الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولا يذكر الضعيف.
![]() |
![]() |
![]() |
سورة الذاريات | ||
![]() |
مكية، " والذاريات ذرواً "، يعني: الرياح التي تذرو التراب ذرواً، يقال: ذرت الريح التراب وأذرت.
" فالحاملات وقراً "، يعني: السجاب تحمل ثقلاً من الماء.
" فالجاريات يسراً "، هي السفن تجري في الماء جرياً سهلاً.
" فالمقسمات أمراً "، هي الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به، أقسم بهذه الأشياء لما فيها من الدلالة على صنعه وقدرته.
ثم ذكر المقسم عليه فقال: " إنما توعدون "، من الثواب والعقاب، " لصادق ".
" وإن الدين "، [الحساب والجزاء]، " لواقع "، لكائن. ثم ابتدأ قسماً آخر فقال:
( والسماء ذات الحبك ) قال ابن عباس وقتادة وعكرمة : ذات الخلق الحسن المستوي ، يقال للنساج إذا نسج الثوب فأجاد : ما أحسن حبكه! قال سعيد بن جبير : ذات الزينة . قال الحسن : حبكت بالنجوم . قال مجاهد : هي المتقنة البنيان . وقال مقاتل والكلبي والضحاك : ذات الطرائق كحبك الماء إذا ضربته الريح ، وحبك الرمل والشعر الجعد ، ولكنها لا ترى لبعدها من الناس ، وهي جمع حباك وحبيكة ، وجواب القسم قوله :
( إنكم ) أي : يا أهل مكة ( لفي قول مختلف ) في القرآن وفي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، تقولون في القرآن : سحر وكهانة وأساطير الأولين ، وفي محمد - صلى الله عليه وسلم - : ساحر وشاعر ومجنون . وقيل : " لفي قول مختلف " أي : مصدق ومكذب .
( يؤفك عنه من أفك ) يصرف عن الإيمان به من صرف حتى يكذبه ، يعني : من حرمه الله الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبالقرآن . وقيل " عن " بمعنى : من أجل ، أي يصرف من أجل هذا القول المختلف أو بسببه عن الإيمان من صرف . وذلك أنهم كانوا يتلقون الرجل إذا أراد الإيمان فيقولون : إنه ساحر وكاهن ومجنون ، فيصرفونه عن الإيمان ، وهذا معنى قول مجاهد .
( قتل الخراصون ) لعن الكذابون ، يقال : تخرص على فلان الباطل ، وهم المقتسمون الذين اقتسموا عقاب مكة ، واقتسموا القول في النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصرفوا الناس عن دين الإسلام . وقال مجاهد : هم الكهنة .
( الذين هم في غمرة ) غفلة وعمى وجهالة ( ساهون ) لاهون غافلون عن أمر الآخرة ، والسهو : الغفلة عن الشيء ، وهو ذهاب القلب عنه .
( يسألون أيان يوم الدين ) يقولون : يا محمد متى يوم الجزاء ، يعني : يوم القيامة تكذيبا واستهزاء .
قال الله - عز وجل - : ( يوم هم ) أي يكون هذا الجزاء في يوم هم ( على النار يفتنون ) أي : يعذبون ويحرقون بها كما يفتن الذهب بالنار . وقيل : " على " بمعنى الباء أي بالنار ، وتقول لهم خزنة النار :
( ذوقوا فتنتكم ) عذابكم ( هذا الذي كنتم به تستعجلون ) في الدنيا تكذيبا به .
" إن المتقين في جنات وعيون "
( آخذين ما آتاهم ) أعطاهم ( ربهم ) من الخير والكرامة ( إنهم كانوا قبل ذلك ) قبل دخولهم الجنة ( محسنين ) في الدنيا .
( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ) والهجوع النوم بالليل دون النهار ، " وما " صلة ، والمعنى : كانوا يهجعون قليلا من الليل ، أي يصلون أكثر الليل .
وقيل : معناه كان الليل الذي ينامون فيه كله قليلا وهذا معنى قول سعيد بن جبير عن ابن عباس ، يعني : كانوا قل ليلة تمر بهم إلا صلوا فيها شيئا ، إما من أولها أو من أوسطها . قال أنس بن مالك : كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء . وقال محمد بن علي : كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة . قال مطرف بن عبد الله بن الشخير : قل ليلة أتت عليهم هجعوها كلها . قال مجاهد : كانوا لا ينامون كل الليل .
ووقف بعضهم على قوله : " قليلا " أي : كانوا من الناس قليلا ثم ابتدأ : " من الليل ما يهجعون " ، وجعله جحدا أي : لا ينامون بالليل البتة ، بل يقومون للصلاة والعبادة ، وهو قول الضحاك ومقاتل .
( وبالأسحار هم يستغفرون ) قال الحسن : لا ينامون من الليل إلا أقله ، وربما نشطوا فمدوا إلى السحر ، ثم أخذوا بالأسحار في الاستغفار . وقال الكلبي ومجاهد ومقاتل : وبالأسحار يصلون ، وذلك أن صلاتهم بالأسحار لطلب المغفرة .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد المخلدي ، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ينزل الله إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل فيقول : أنا الملك أنا الملك ، من الذي يدعوني فأستجيب له ؟ من الذي يسألني فأعطيه ؟ من الذي يستغفرني فأغفر له ؟ " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، حدثنا سليمان بن أبي مسلم عن طاوس سمع ابن عباس قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يتهجد ، قال : " اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، [ ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن ] ولك الحمد أنت الحق ، ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ، وقولك حق ، والجنة حق والنار حق ، والنبيون حق ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - حق ، والساعة حق ، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت ، وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت ولا إله غيرك " . قال سفيان : وزاد عبد الكريم أبو أمية : " ولا حول ولا قوة إلا بالله " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا صدقة ، أخبرنا الوليد عن الأوزاعي ، حدثني عمير بن هانئ ، حدثني جنادة بن أبي أمية ، حدثني عبادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من تعار من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ثم قال : اللهم اغفر لي ، أو دعا استجيب له ، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته " .
قوله - عز وجل - : ( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) السائل : الذي يسأل الناس ، والمحروم : الذي ليس له في الغنائم سهم ، ولا يجرى عليه من الفيء شيء ، هذا قولابن عباس وسعيد بن المسيب ، قالا [ المحروم الذي ] ليس له في الإسلام سهم ، ومعناه في اللغة : الذي منع الخير والعطاء .
وقال قتادة والزهري : " المحروم " المتعفف الذي لا يسأل .
وقال زيد بن أسلم : هو المصاب ثمره أو زرعه أو نسل ماشيته . وهو قول محمد بن كعب القرظي ، قال : المحروم صاحب الجائحة ثم قرأ : " إنا لمغرمون بل نحن محرومون " ( الواقعة - 66 - 67 ) .
( وفي الأرض آيات ) عبر ( للموقنين ) إذا ساروا فيها من الجبال والبحار والأشجار والثمار وأنواع النبات .
( وفي أنفسكم ) آيات ، إذ كانت نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما إلى أن نفخ فيها الروح .
وقال عطاء عن ابن عباس : يريد اختلاف الألسنة والصور والألوان والطبائع .
وقال ابن الزبير : يريد سبيل الغائط والبول يأكل ويشرب من مدخل واحد ويخرج من سبيلين .
( أفلا تبصرون ) [ قال مقاتل ] أفلا تبصرون كيف خلقكم فتعرفوا قدرته على البعث .
( وفي السماء رزقكم ) قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل : يعني المطر الذي هو سبب الأرزاق ( وما توعدون ) قال عطاء : من الثواب والعقاب . وقال مجاهد : من الخير والشر . وقال الضحاك : وما توعدون من الجنة والنار ، ثم أقسم بنفسه فقال :
( فورب السماء والأرض إنه لحق ) أي : ما ذكرت من أمر الرزق لحق ( مثل ) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم : " مثل " برفع اللام بدلا من " الحق " ، وقرأ الآخرون بالنصب أي كمثل ( ما أنكم تنطقون ) فتقولون : لا إله إلا الله . وقيل : شبه تحقيق ما أخبر عنه بتحقيق نطق الآدمي ، كما تقول : إنه لحق كما أنت ها هنا ، وإنه لحق كما أنك تتكلم ، والمعنى : إنه في صدقه ووجوده كالذي تعرفه ضرورة . قال بعض الحكماء : يعني : كما أن كل إنسان ينطق بلسان نفسه لا يمكنه أن ينطق بلسان غيره فكذلك كل إنسان يأكل رزق نفسه الذي قسم له ، ولا يقدر أن يأكل رزق غيره .
قوله - عز وجل - : ( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم ) ذكرنا عددهم في سورة هود ( المكرمين ) [ قيل : سماهم مكرمين ] لأنهم كانوا ملائكة كراما عند الله ، وقد قال الله تعالى في وصفهم : " بل عباد مكرمون " ( الأنبياء - 26 ) وقيل : لأنهم كانوا ضيف إبراهيم وكان إبراهيم أكرم الخليقة ، وضيف الكرام مكرمون .
وقيل : لأن إبراهيم عليه السلام أكرمهم بتعجيل قراهم ، والقيام بنفسه عليهم بطلاقة الوجه .
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : خدمته إياهم بنفسه .
وروي عن ابن عباس : سماهم مكرمين لأنهم جاءوا غير مدعوين . وروينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " .
( إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون ) أي : غرباء لا نعرفكم ، قال ابن عباس : قال في نفسه هؤلاء قوم لا نعرفهم . وقيل : إنما أنكر أمرهم لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان . وقال أبو العالية : أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض .
( فراغ ) فعدل ومال ( إلى أهله فجاء بعجل سمين ) مشوي .
" فقربه إليهم "، ليأكلوا فلم يأكلوا، " قال ألا تأكلون "
" فأوجس منهم خيفةً قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم "
( فأقبلت امرأته في صرة ) أي : صيحة ، قيل : لم يكن ذلك إقبالا من مكان إلى مكان ، وإنما هو كقول القائل : أقبل يشتمني ، بمعنى أخذ في شتمي ، أي أخذت تولول كما قال : " قالت يا ويلتا " ، ( هود - 72 ( فصكت وجهها ) قال ابن عباس : لطمت وجهها . وقال الآخرون : جمعت أصابعها فضربت جبينها تعجبا ، كعادة النساء إذا أنكرن شيئا ، وأصل الصك : ضرب الشيء بالشيء العريض .
( وقالت عجوز عقيم ) مجازه : أتلد عجوز عقيم ؟ وكانت سارة لم تلد قبل ذلك .
( قالوا كذلك قال ربك ) أي كما قلنا لك قال ربك إنك ستلدين غلاما ( إنه هو الحكيم العليم ) .
( قال ) [ يعني إبراهيم ] ( فما خطبكم أيها المرسلون ) .
( قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ) يعني : قوم لوط .
" لنرسل عليهم حجارةً من طين "
( مسومة ) معلمة ( عند ربك للمسرفين ) قال ابن عباس : للمشركين ، والشرك أسرف الذنوب وأعظمها .
( فأخرجنا من كان فيها ) أي : في قرى قوم لوط ( من المؤمنين ) وذلك قوله : " فأسر بأهلك بقطع من الليل " ( هود - 81 ) .
( فما وجدنا فيها غير بيت ) أي غير أهل بيت ( من المسلمين ) يعني لوطا وابنتيه ، وصفهم الله تعالى بالإيمان والإسلام جميعا لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم .
( وتركنا فيها ) أي في مدينة قوم لوط ( آية ) عبرة ( للذين يخافون العذاب الأليم ) أي : علامة للخائفين تدلهم على أن الله تعالى أهلكهم فيخافون مثل عذابهم .
( وفي موسى ) أي : وتركنا في إرسال موسى آية وعبرة . وقيل : هو معطوف على قوله : " وفي الأرض آيات للموقنين " ، [ وفي موسى ] ( إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين ) بحجة ظاهرة .
( فتولى ) فأعرض وأدبر عن الإيمان ( بركنه ) أي بجمعه وجنوده الذين كانوا يتقوى بهم ، كالركن الذي يقوى به البنيان ، نظيره : " أو آوي إلى ركن شديد " ( هود - 80 ( وقال ساحر أو مجنون ) قال أبو عبيدة : " أو " بمعنى الواو .
( فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم ) أغرقناهم فيه ( وهو مليم ) أي : آت بما يلام عليه من دعوى الربوبية وتكذيب الرسول .
( وفي عاد ) أي : وفي إهلاك عاد أيضا آية ( إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ) وهي التي لا خير فيها ولا بركة ولا تلقح شجرا ولا تحمل مطرا .
( ما تذر من شيء أتت عليه ) من أنفسهم وأنعامهم وأموالهم ( إلا جعلته كالرميم ) كالشيء الهالك البالي ، وهو نبات الأرض إذا يبس وديس . قال مجاهد : كالتبن اليابس . قال قتادة : كرميم الشجر . قال أبو العالية : كالتراب المدقوق . وقيل : أصله من العظم البالي .
( وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين ) يعني وقت فناء آجالهم ، وذلك أنهم لما عقروا الناقة قيل لهم : تمتعوا ثلاثة أيام .
( فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة ) يعني بعد مضي الأيام الثلاثة ، وهي الموت في قول ابن عباس ، قال مقاتل : يعني العذاب ، و " الصاعقة " : كل عذاب مهلك ، وقرأ الكسائي : " الصعقة " ، وهي الصوت الذي يكون من الصاعقة ( وهم ينظرون ) يرون ذلك عيانا .
( فما استطاعوا من قيام ) فما قاموا بعد نزول العذاب بهم ولا قدروا على نهوض . قال قتادة : لم ينهضوا من تلك الصرعة ( وما كانوا منتصرين ) ممتنعين منا . قال قتادة : ما كانت عندهم قوة يمتنعون بها من الله .
( وقوم نوح ) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي : " وقوم " بجر الميم ، أي : وفي قوم نوح ، وقرأ الآخرون بنصبها بالحمل على المعنى ، وهو أن قوله : " فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم " ، معناه : أغرقناهم وأغرقنا قوم نوح . ( من قبل ) أي : من قبل هؤلاء ، وهم عاد وثمود وقوم فرعون . ( إنهم كانوا قوما فاسقين ) .
( والسماء بنيناها بأيد ) بقوة وقدرة ( وإنا لموسعون ) قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : قادرون . وعنه أيضا : لموسعون الرزق على خلقنا . وقيل : ذو سعة . قال الضحاك : أغنياء ، دليله : قوله - عز وجل - : " على الموسع قدره " ( البقرة - 236 ) ، قال الحسن : مطيقون .
( والأرض فرشناها ) بسطناها ومهدناها لكم ( فنعم الماهدون ) الباسطون نحن : قال ابن عباس : نعم ما وطأت لعبادي .
( ومن كل شيء خلقنا زوجين ) صنفين ونوعين مختلفين كالسماء والأرض ، والشمس والقمر ، والليل والنهار ، والبر والبحر ، والسهل والجبل ، والشتاء والصيف ، والجن والإنس ، والذكر والأنثى ، والنور والظلمة ، والإيمان والكفر ، والسعادة والشقاوة ، والحق والباطل ، والحلو والمر . ( لعلكم تذكرون ) فتعلمون أن خالق الأزواج فرد .
( ففروا إلى الله ) فاهربوا من عذاب الله إلى ثوابه ، بالإيمان والطاعة . قال ابن عباس : فروا منه إليه واعملوا بطاعته . وقال سهل بن عبد الله : فروا مما سوى الله إلى الله ( إني لكم منه نذير مبين)
" ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر إني لكم منه نذير مبين ".
( كذلك ) أي : كما كذبك قومك وقالوا ساحر أو مجنون كذلك ( ما أتى الذين من قبلهم ) من قبل كفار مكة ( من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ) .
قال الله تعالى : ( أتواصوا به ) أي : أوصى أولهم آخرهم وبعضهم بعضا بالتكذيب وتواطئوا عليه ؟ والألف فيه للتوبيخ ( بل هم قوم طاغون ) قال ابن عباس : حملهم الطغيان فيما أعطيتهم ووسعت عليهم على تكذيبك
( فتول عنهم ) فأعرض عنهم ( فما أنت بملوم ) لا لوم عليك فقد أديت الرسالة وما قصرت فيما أمرت به .
قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية حزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واشتد ذلك على أصحابه ، وظنوا أن الوحي قد انقطع ، وأن العذاب قد حضر إذ أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتولى عنهم ، فأنزل الله تعالى :
( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) فطابت أنفسهم .
قال مقاتل : معناه عظ بالقرآن كفار مكة ، فإن الذكرى تنفع من [ سبق ] في علم الله أن يؤمن منهم . وقال الكلبي : عظ بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم .
( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) قال الكلبي والضحاك وسفيان : هذا خاص لأهل طاعته من الفريقين ، يدل عليه قراءة ابن عباس : " وما خلقت الجن والإنس - من المؤمنين - إلا ليعبدون " ، ثم قال في أخرى : " ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس " ، ( الأعراف - 79 ) .
وقال بعضهم : وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي ، والأشقياء منهم إلا لمعصيتي ، وهذا معنى قول زيد بن أسلم ، قال : هو على ما جبلوا عليه من الشقاوة والسعادة .
وقال علي بن أبي طالب : " إلا ليعبدون " أي إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي ، يؤيده قوله - عز وجل - : " وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا " . ( التوبة - 31 ) .
وقال مجاهد : إلا ليعرفوني . وهذا أحسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده ، دليله : قوله تعالى : " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله " ( الزخرف - 87 ) .
وقيل : معناه إلا ليخضعوا إلي ويتذللوا ، ومعنى العبادة في اللغة : التذلل والانقياد ، فكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله ، متذلل لمشيئته لا يملك أحد لنفسه خروجا عما خلق عليه .
وقيل : " إلا ليعبدون " إلا ليوحدوني ، فأما المؤمن فيوحده في الشدة والرخاء ، وأما الكافر فيوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء ، بيانه قوله - عز وجل - : " فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين " . ( العنكبوت - 65 ) .
( ما أريد منهم من رزق ) أي : أن يرزقوا أحدا من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم ( وما أريد أن يطعمون ) أي : أن يطعموا أحدا من خلقي ، وإنما أسند الإطعام إلى نفسه ، لأن الخلق عيال الله ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه . كما جاء في الحديث يقول الله تعالى : " استطعمتك فلم تطعمني " أي : لم تطعم عبدي ، ثم بين أن الرازق هو لا غيره فقال :
( إن الله هو الرزاق ) يعني : لجميع خلقه ( ذو القوة المتين ) وهو القوي المقتدر المبالغ في القوة والقدرة .
( فإن للذين ظلموا ) كفروا من أهل مكة ( ذنوبا ) نصيبا من العذاب ( مثل ذنوب أصحابهم ) مثل نصيب أصحابهم الذين هلكوا من قوم نوح وعاد وثمود ، وأصل " الذنوب " في اللغة : الدلو العظيمة المملوءة ماء ، ثم استعمل في الحظ والنصيب ( فلا يستعجلون ) بالعذاب يعني أنهم أخروا إلى يوم القيامة .
يدل عليه قوله - عز وجل - : ( فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون ) . يعني : يوم القيامة ، وقيل : يوم بدر .
![]() |
![]() |
![]() |
![](/images/arrowtop.jpg)
اسم السورة | سورة الذاريات (Az-Zariyat - The Winnowing Winds) |
ترتيبها | 51 |
عدد آياتها | 60 |
عدد كلماتها | 360 |
عدد حروفها | 1510 |
معنى اسمها | (الذَّارِيَاتُ): الرِّيَاحُ تَذْرُوْ التُّرَابَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ حَتَّى يَتَطَايَرُ |
سبب تسميتها | انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ مُفْرَدَةِ (الذَّارِيَاتِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى | لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الذَّارِيَاتِ) |
مقاصدها | مُعَالَجَةُ إِنْكَارِ عَقِيدَةِ البَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَضَرْبُ الأَمْثِلَةِ عَلَى عُقُوبَةِ الأُمَمِ المُكَذِّبَةِ |
أسباب نزولها | سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها | مِنْ النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَات، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّويلِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظائِرَ؛ السُّورتينِ في رَكعةٍ ، (وَالطُّورَ والذَّارِيَاتِ) فِي رَكعةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) |
مناسبتها | مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الذَّارِيَاتِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَن الْوَعْدِ بِيَومِ البَعْثِ وَالنُّشُورِ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٞ ٥﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوۡمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ ٦٠﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الذَّارِيَاتِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (ق): السُّوَرَتَانِ مَوْضُوْعُهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ إِنْكَارُ الكُفَّارِ لِيَومِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ. |