«يا أيها الذين آمنوا لا يسخر» الآية، نزلت في وفد تميم حين سخروا من فقراء المسلمين كعمار وصهيب، والسخرية: الازدراء والاحتقار «قوم» أي رجال منكم «من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم» عند الله «ولا نساء» منكم «من نساءٍ عسى أن يكنَّ خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم» لا تعيبوا فتعابوا، أي لا يعب بعضكم بعضا «ولا تنابزوا بالألقاب» لا يدعون بعضكم بعضا بلقب يكرهه، ومنه يا فاسق يا كافر «بئس الاسم» أي المذكور من السخرية واللمز والتنابز «الفسوق بعد الإيمان» بدل من الاسم أنه فسق لتكرره عادة «ومن لم يتب» من ذلك «فأولئك هم الظالمون».
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ تُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (17)
لما منّ من منّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالإسلام ،
قال تعالى تأنيسا له : «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا»
ثم أمره أن يقول لهم فقال ، «قُلْ» يا محمد «لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ»
وآثر الحق تعالى محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم على نفسه حتى لا يجعل له نعتا فيما أجري عليه لسان ذم ،
فقال له : قل لهم : «بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ» معناه أنه لو منّ لكان المنّ للّه «أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ» ولو شاء لقال : بل أنا أمنّ عليكم أن هداكم اللّه بي للإيمان الذي رزقكم بتوحيده وأسعدكم به ، فما جعله تعالى محلا للمنّ كما منّوا بإسلامهم ،
فوبخوا ونبهوا بقوله : «بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ» والمنّ هنا من علم التطابق لم يقصد به المنّ ، لأنهم لما امتنوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بإسلامهم ، قال اللّه له : «قُلْ» يا محمد «بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ» أي إذا دخلتم في حضرة المنّ فالمنّ للّه لا لكم ، فما كان اللّه ليقول في المنّ ما قال ، ويكون منه ، وما كان اللّه ليدلنا على مكارم الأخلاق من العفو والصفح ويفعل معنا خلافه ،
فلله المنّة التي هي النعمة ، والامتنان الذي هو إعطاء المنّة ، لا المنّ سبحانه وتعالى ، فلما كانت المنة الواقعة منهم إنما هي على اللّه لا على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ، فإنهم ما انقادوا إلا إلى اللّه ، لأن الرسول ما دعاهم إلى نفسه ، وإنما دعاهم إلى اللّه ،
فكان قوله تعالى : «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» في دعواكم أنكم مؤمنون ، يعني في إيمانكم بما جئت به ، فإنه مما جئت به أن الهداية بيد اللّه ، يهدي بها من يشاء من عباده لا بيد المخلوق ، فعراهم من هذه الصفة أن تكون لهم كسبا ، فاللّه تعالى يمنّ على عباده بما يمتنّ عليهم من المنن الجسام ، فجميع نعمه الظاهرة والباطنة مننه ،
ولذا سميت مننا ، وليس للعباد أن يمتنوا لأن النعم ليست إلا لمن خلقها ، فلهذا كان المن من اللّه محمودا ، لأنه ينبه عباده بما أنعم عليهم ليرجعوا إليه ، وكان مذموما من العباد لأنه كذب محض .
------------
(17) الفتوحات ج 4 /
256 - ج 2 /
232 ، 221 ، 651 - ج 4 /
256 -ح 2 / 221 ، 74 ،
256 ، 221 - إيجاز البيان آية 41
ينهى تعالى عن السخرية بالناس ، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الكبر بطر الحق وغمص الناس " ويروى : " وغمط الناس " والمراد من ذلك : احتقارهم واستصغارهم ، وهذا حرام ، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له ; ولهذا قال : ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ) ، فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء .
وقوله : ( ولا تلمزوا أنفسكم ) أي : لا تلمزوا الناس . والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون ، كما قال [ تعالى ] : ( ويل لكل همزة لمزة ) [ الهمزة : 1 ] ، فالهمز بالفعل واللمز بالقول ، كما قال : ( هماز مشاء بنميم ) [ القلم : 11 ] أي : يحتقر الناس ويهمزهم طاعنا عليهم ، ويمشي بينهم بالنميمة وهي : اللمز بالمقال ; ولهذا قال هاهنا : ( ولا تلمزوا أنفسكم ) ، كما قال : ( ولا تقتلوا أنفسكم ) [ النساء : 29 ] أي : لا يقتل بعضكم بعضا .
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان : ( ولا تلمزوا أنفسكم ) أي : لا يطعن بعضكم على بعض .
وقوله : ( ولا تنابزوا بالألقاب ) أي : لا تتداعوا بالألقاب ، وهي التي يسوء الشخص سماعها .
قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا داود بن أبي هند ، عن الشعبي قال : حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال : فينا نزلت في بني سلمة : ( ولا تنابزوا بالألقاب ) قال : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة ، فكان إذا دعي أحد منهم باسم من تلك الأسماء قالوا : يا رسول الله ، إنه يغضب من هذا . فنزلت : ( ولا تنابزوا بالألقاب )
ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل ، عن وهيب ، عن داود ، به .
وقوله : ( بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ) أي : بئس الصفة والاسم الفسوق وهو : التنابز بالألقاب ، كما كان أهل الجاهلية يتناعتون ، بعدما دخلتم في الإسلام وعقلتموه ، ( ومن لم يتب ) أي : من هذا ( فأولئك هم الظالمون )
قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم} قيل عند الله. وقيل {خيرا منهم} أي معتقدا وأسلم باطنا. والسخرية الاستهزاء. سخرت منه أسخر سخرا التحريك ومسخرا وسخرا الضم وحكى أبو زيد سخرت به، وهو أردأ اللغتين. وقال الأخفش : سخرت منه وسخرت به، وضحكت منه وضحكت به، وهزئت منه وهزئت به، كل يقال. والاسم السخرية والسخري، وقرئ بهما قوله تعالى {ليتخذ بعضهم بعضا سخريا} [
الزخرف : 32] وقد تقدم. وفلان سخرة، يتسخر في العمل. يقال : خادم سخرة. ورجل سخرة أيضا يسخر منه. وسخرة بفتح الخاء يسخرمن الناس. الثانية: واختلف في سبب نزولها، فقال ابن عباس : نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر، فإذا سبقوه الى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أوسعوا له إذا أتى حتى يجلس إلى جنبه ليسمع ما يقول، فأقبل ذات يوم وقد فاتته من صلاة الفجر ركعة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أخذ أصحابه مجالسهم منه، فربض كل رجل منهم بمجلسه، وعضوا فيه فلا يكاد يوسع أحد لأحد حتى يظل الرجل لا يجد مجلسا فيظل قائما، فلما انصرف ثابت من الصلاة تخطي رقاب الناس ويقول : تفسحوا تفسحوا، ففسحوا له حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبينه وبينه رجل فقال له : تفسح. فقال له الرجل : قد وجدت مجلسا فأجلس فجلس ثابت من خلفه مغضبا، ثم قال : من هذا؟ قالوا فلان، فقال ثابت : ابن فلانة يعيره بها، يعني أما له في الجاهلية، فاستحيا الرجل، فنزلت. وقال الضحاك : نزلت في وفد بني تميم الذي تقدم ذكرهم في أول السورة استهزؤوا بفقراء الصحابة، مثل عمار وخباب وابن فهيرة وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم، لما رأوا من رثاثة حالهم، فنزلت في الذين آمنوا منهم. وقال مجاهد : هو سخرية الغني من الفقير. وقال ابن زيد : لا يسخر من ستر الله عليه ذنوبه ممن كشفه الله، فلعل إظهار ذنوبه في الدنيا خير له في الآخرة. وقيل : نزلت في عكرمة بن أبي جهل حين قدم المدينة مسلما، وكان المسلمون إذا رأوه قالوا ابن فرعون هذه الأمة. فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت. وبالجملة فينبغي ألا يجتريء أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينه إذا رءاه رث الحال أو ذا عاهة في بدنه أو غير لبيق في محادثته، فلعله أخلص ضميرا وأنقى قلبا ممن هو على ضد صفته، فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله، والاستهزاء بمن عظمه الله. ولقد بلغ بالسلف إفراط توقّيهم وتصونهم من ذلك أن قال عمرو بن شرحبيل : لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثل الذي صنع. وعن عبدالله بن مسعود : البلاء موكل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا. و{قوم} في اللغة للمذكرين خاصة. قال زهير : وما أدري وسوف إخال أدري ** أقوم آل حصن أم نساء وسموا قوما لأنهم يقومون مع داعيهم في الشدائد. وقيل : إنه جمع قائم، ثم استعمل في كل جماعة وإن لم يكونوا قائمين. وقد يدخل في القوم النساء مجازا، وقد مضى في البقرة بيانه. الثالثة: قوله تعالى {ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن} أفرد النساء بالذكر لأن السخرية منهن أكثر. وقد قال الله تعالى {إنا أرسلنا نوحا إلى قومه} [نوج : 1] فشمل الجميع. قال المفسرون : نزلت في امرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سخرتا من أم سلمة، وذلك أنها ربطت خصريها بسبيبة - وهو ثوب أبيض، ومثلها السب - وسدلت طرفيها خلفها فكانت تجرها، فقالت عائشة لحفصة رضي الله عنهما : انظري ما تجر خلفها كأنه لسان كلب، فهذه كانت سخريتهما. وقال أنس وابن زيد : نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم، عيرن أم سلمة بالقصر. وقيل : نزلت في عائشة، أشارت بيدها إلى أم سلمة، يا نبي الله إنها لقصيرة. وقال عكرمة عن ابن عباس : إن صفية بنت حيي بن أخطب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله، إن النساء يعيرنني، ويقلن لي يا يهودية بنت يهوديين ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هلا قلت إن أبي هارون وإن عمي موسى وإن زوجي محمد). فأنزل الله هذه الآية. الرابعة: في صحيح الترمذي عن عائشة قالت : حكيت للنبي صلى الله عليه وسلم رجلا، فقال : (ما يسرني أني حكيت رجلا وأن لي كذا وكذا). قالت فقلت : يا رسول الله، إن صفية امرأة - وقالت بيدها - هكذا، يعني أنها قصيرة. فقال : (لقد مزجت بكلمة لو مزج بها البحر لمزج). وفي البخاري عن عبدالله بن زمعة قال : نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يضحك الرجل مما يخرج من الأنفس. وقال : (لم يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل ثم لعله يعانقها). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). وهذا حديث عظيم يترتب عليه ألا يقطع بعيب أحد لما يرى عليه من صور أعمال الطاعة أو المخالفة، فلعل من يحافظ على الأعمال الظاهرة يعلم الله من قلبه وصفا مذموما لا تصح معه تلك الأعمال. ولعل من رأينا عليه تفريطا أو معصية يعلم الله من قلبه وصفا محمودا يغفر له بسببه. فالأعمال أمارات ظنية لا أدلة قطعية. ويترتب عليها عدم الغلو في تعظيم من رأينا عليه أفعالا صالحة، وعدم الاحتقار لمسلم رأينا عليه أفعالا سيئة. بل تحتقر وتذم تلك الحالة السيئة، لا تلك الذات المسيئة. فتدبر هذا، فإنه نظر دقيق، وبالله التوفيق. قوله تعالى{ولا تلمزوا أنفسكم} فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى{ولا تلمزوا أنفسكم } اللمز : العيب، وقد مضى في [التوبة]عند قوله تعالى {ومنهم من يلمزك في الصدقات } [
التوبة: 58]. وقال الطبري : اللمز باليد والعين واللسان والإشارة. والهمز لا يكون إلا باللسان. وهذه الآية مثل قوله تعالى{ولا تقتلوا أنفسكم} [
النساء : 29] أي لا يقتل بعضكم بعضا، لأن المؤمنين كنفس واحدة، فكأنه بقتل أخيه قاتل نفسه. وكقوله تعالى {فسلموا على أنفسكم} [
النور : 61] يعني يسلم بعضكم على بعض. والمعنى : لا يعب بعضكم بعضا. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير : لا يطعن بعضكم على بعض. وقال الضحاك : لا يلعن بعضكم بعضا. وقرئ {ولا تُلمزوا} بالضم. وفي قوله {أنفسكم} تنبيه على أن العاقل لا يعيب نفسه، فلا ينبغي أن يعيب غيره لأنه كنفسه، قال صلى الله عليه وسلم : (المؤمنون كجسد واحد إن اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). وقال بكر بن عبدالله المزني : إذا أردت أن تنظر العيوب جمة فتأمل عيابا، فإنه إنما يعيب الناس بفضل ما فيه من العيب. وقال صلى الله عليه وسلم : (يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه ويدع الجذع في عينه) وقيل : من سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره. قال الشاعر : المرء إن كان عاقلا ورعا ** أشغله عن عيوبه ورعه كما السقيم المريض يشغله ** عن وجع الناس كلهم وجعه وقال آخر : لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا ** فيهتك الله سترا عن مساويكا واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ** ولا تعب أحدا منهم بما فيكا الثانية: قوله تعالى {ولا تنابزوا بالألقاب} النبز بالتحريك اللقب، والجمع الأنباز. والنبز بالتسكين المصدر، تقول : نبزه ينبزه نبزا، أي لقبه. وفلان ينبز بالصبيان أي يلقبهم، شدد للكثرة. ويقال النبز والنزب لقب السوء. وتنابزوا بالألقاب : أي لقب بعضهم بعضا. وفي الترمذي عن أبي جبيرة بن الضحاك قال : كان الرجل منا يكون له الاسمين والثلاثة فيدعى ببعضها فعسى أن يكره، فنزلت هذه الآية {ولا تنابزوا بالألقاب}. قال هذا حديث حسن. وأبو جبيرة هذا هو أخو ثابت بن الضحاك بن خليفة الأنصاري. وأبو زيد سعيد بن الربيع صاحب الهروي ثقة. وفي مصنف أبي داود عنه قال : فينا نزلت هذه الآية، في بني سلمة {ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا فلان فيقولون مه يا رسول الله، إنه يغضب من هذا الاسم، فنزلت هذه الآية {ولا تنابزوا بالألقاب}. فهذا قول. وقول ثان - قال الحسن ومجاهد : كان الرجل يعير بعد إسلامه بكفره يا يهودي يا نصراني، فنزلت. وروي عن قتادة وأبي العالية وعكرمة. وقال قتادة : هو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق، وقاله مجاهد والحسن أيضا. {بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} أي بئس أن يسمى الرجل كافرا أو زانيا بعد إسلامه وتوبته، قال ابن زيد. وقيل : المعنى أن من لقب أخاه أو سخر منه فهو فاسق. وفي الصحيح (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه). فمن فعل ما نهى الله عنه من السخرية والهمز والنبز فذلك فسوق وذلك لا يجوز. وقد روي أن أبا ذر رضي الله عنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فنازعه رجل فقال له أبو ذر : يا ابن اليهودية فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما ترى ها هنا أحمر وأسود ما أنت بأفضل منه) يعني بالتقوى، ونزلت {ولا تنابزوا بالألقاب}. وقال ابن عباس : التنابز بالألقاب أن يكون الرجل قد عمل السيئات ثم تاب، فنهى الله أن يعير بما سلف. يدل عليه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من عير مؤمنا بذنب تاب منه كان حقا على الله أن يبتليه به ويفضحه فيه في الدنيا والآخرة). الثالثة: وقع من ذلك مستثني من غلب عليه الاستعمال كالأعرج والأحدب ولم يكن له فيه كسب يجد في نفسه منه عليه، فجوزته الأمة وأتفق على قول أهل الملة. قال ابن العربي : وقد ورد لعمر الله من ذلك في كتبهم ما لا أرضاه في صالح جزرة، لأنه صحف خرزة فلقب بها. وكذلك قولهم في محمد بن سليمان الحضرمي : مُطيَّن، لأنه وقع في طين ونحو ذلك مما غلب على المتأخرين، ولا أراه سائغا في الدين. وقد كان موسى بن علي بن رباح المصري يقول : لا أجعل أحدا صغر اسم أبي في حل، وكان الغالب على اسمه التصغير بضم العين. والذي يضبط هذا كله : أن كل ما يكره الإنسان إذا نودي به فلا يجوز لأجل الأذية. والله أعلم. قلت : وعلى هذا المعنى ترجم البخاري رحمه الله في كتاب الأدب من الجامع الصحيح. في باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم الطويل والقصير لا يراد به شين الرجل قال : وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما يقول ذو اليدين) قال أبو عبدالله بن خويز منداد : تضمنت الآية المنع من تلقيب الإنسان بما يكره، ويجوز تلقيبه بما يحب، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لقب عمر بالفاروق، وأبا بكر بالصديق، وعثمان بذي النورين، وخزيمة بذي الشهادتين، وأبا هريرة بذي الشمالين وبذي اليدين، في أشباه ذلك. الزمخشري : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (من حق المؤمن على المؤمن أن يسميه بأحب أسمائه إليه). ولهذا كانت التكنية من السنة والأدب الحسن، قال عمر رضي الله عنه : أشيعوا الكني فإنها منبهة. ولقد لقب أبو بكر بالعتيق والصديق، وعمر بالفاروق، وحمزة بأسد الله، وخالد بسيف الله. وقل من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب. ولم تزل هذه الألقاب الحسنة في الأمم كلها - من العرب والعجم - تجري في مخاطباتهم ومكاتباتهم من غير نكير. قال الماوردي : فأما مستحب الألقاب ومستحسنها فلا يكره. وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم عددا من أصحابه بأوصاف صارت لهم من أجل الألقاب. قلت : فأما ما يكون ظاهرها الكراهة إذا أريد بها الصفة لا العيب فذلك كثير. وقد سئل عبدالله بن المبارك عن الرجل يقول : حُميد الطويل، وسليمان الأعمش، وحُميد الأعرج، ومروان الأصغر، فقال : إذا أردت صفته ولم ترد عيبه فلا بأس به. وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن سرجس قال : رأيت الأصلع - يعني عمر - يقبل الحجر. في رواية الأصيلع. قوله تعالى {ومن لم يتب} أي عن هذه الألقاب التي يتأذى بها السامعون. {فأولئك هم الظالمون} لأنفسهم بارتكاب هذه المناهي.
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشريعته لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين؛ عسى أن يكون المهزوء به منهم خيرًا من الهازئين، ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات؛ عسى أن يكون المهزوء به منهنَّ خيرًا من الهازئات، ولا يَعِبْ بعضكم بعضًا، ولا يَدْعُ بعضكم بعضًا بما يكره من الألقاب، بئس الصفة والاسم الفسوق، وهو السخرية واللمز والتنابز بالألقاب، بعد ما دخلتم في الإسلام وعقلتموه، ومن لم يتب من هذه السخرية واللمز والتنابز والفسوق فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب هذه المناهي.
وهذا أيضًا، من حقوق المؤمنين، بعضهم على بعض، أن { لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ } بكل كلام، وقول، وفعل دال على تحقير الأخ المسلم، فإن ذلك حرام، لا يجوز، وهو دال على إعجاب الساخر بنفسه، وعسى أن يكون المسخور به خيرًا من الساخر، كما هو الغالب والواقع، فإن السخرية، لا تقع إلا من قلب ممتلئ من مساوئ الأخلاق، متحل بكل خلق ذميم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "بحسب امرئ من الشر، أن يحقر أخاه المسلم"
ثم قال: { وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ } أي: لا يعب بعضكم على بعض، واللمز: بالقول، والهمز: بالفعل، وكلاهما منهي عنه حرام، متوعد عليه بالنار.
كما قال تعالى: { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } الآية، وسمي الأخ المؤمن نفسًا لأخيه، لأن المؤمنين ينبغي أن يكون هكذا حالهم كالجسد الواحد، ولأنه إذا همز غيره، أوجب للغير أن يهمزه، فيكون هو المتسبب لذلك.
{ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } أي: لا يعير أحدكم أخاه، ويلقبه بلقب ذم يكره أن يطلق عليه وهذا هو التنابز، وأما الألقاب غير المذمومة، فلا تدخل في هذا.
{ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ } أي: بئسما تبدلتم عن الإيمان والعمل بشرائعه، وما تقتضيه، بالإعراض عن أوامره ونواهيه، باسم الفسوق والعصيان، الذي هو التنابز بالألقاب.
{ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } فهذا [هو] الواجب على العبد، أن يتوب إلى الله تعالى، ويخرج من حق أخيه المسلم، باستحلاله، والاستغفار، والمدح له مقابلة [على] ذمه.
{ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } فالناس قسمان: ظالم لنفسه غير تائب، وتائب مفلح، ولا ثم قسم ثالث غيرهما.
وقوله - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم ) الآية ، قال ابن عباس : نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وذلك أنه كان في أذنه وقر ، فكان إذا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد سبقوه بالمجلس أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه ، فيسمع ما يقول ، فأقبل ذات يوم وقد فاتته [ ركعة من صلاة الفجر ] ، فلما انصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة أخذ أصحابه مجالسهم ، فضن كل رجل بمجلسه فلا يكاد يوسع أحد لأحد ، فكان الرجل إذا جاء فلم يجد مجلسا يجلس فيه قام قائما كما هو ، فلما فرغ ثابت من الصلاة أقبل نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخطى رقاب الناس ، ويقول : تفسحوا تفسحوا ، فجعلوا يتفسحون له حتى انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبينه وبينه رجل ، فقال له : تفسح ، فقال الرجل : قد أصبت مجلسا فاجلس ، فجلس ثابت خلفه مغضبا ، فلما انجلت الظلمة غمز ثابت الرجل ، فقال : من هذا ؟ قال : أنا فلان ، فقال ثابت : ابن فلانة ، وذكر أما له كان يعير بها في الجاهلية ، فنكس الرجل رأسه واستحيا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وقال الضحاك : نزلت في وفد بني تميم الذين ذكرناهم ، كانوا يستهزءون بفقراء أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل عمار وخباب وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة ، لما رأوا من رثاثة حالهم ، فأنزل الله تعالى في الذين آمنوا منهم : ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ) أي رجال من رجال . و " القوم " : اسم يجمع الرجال والنساء ، وقد يختص بجمع الرجال ( عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ) .
روي عن أنس أنها نزلت في نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين عيرن أم سلمة بالقصر .
وعن عكرمة عن ابن عباس : أنها نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب ، قال لها النساء : يهودية بنت يهوديين . ( ولا تلمزوا أنفسكم ) أي لا يعب بعضكم بعضا ، ولا يطعن بعضكم على بعض ( ولا تنابزوا بالألقاب ) التنابز : التفاعل من النبز ، وهو اللقب ، وهو أن يدعى الإنسان بغير ما سمي به .
قال عكرمة : هو قول الرجل للرجل : يا فاسق يا منافق يا كافر .
وقال الحسن : كان اليهودي والنصراني يسلم ، فيقال له بعد إسلامه يا يهودي يا نصراني ، فنهوا عن ذلك .
قال عطاء : هو أن تقول لأخيك : يا كلب يا حمار يا خنزير .
وروي عن ابن عباس قال : " التنابز بالألقاب " : أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها فنهي أن يعير بما سلف من عمله .
( بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ) . أي بئس الاسم أن يقول : يا يهودي أو يا فاسق بعد ما آمن وتاب ، وقيل معناه : إن من فعل ما نهي عنه من السخرية واللمز والنبز فهو فاسق ، وبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ، فلا تفعلوا ذلك فتستحقوا اسم الفسوق ( ومن لم يتب ) من ذلك ( فأولئك هم الظالمون ) .
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) سبق إعرابها (لا يَسْخَرْ) مضارع مجزوم بلا الناهية (قَوْمٌ) فاعل والجملة ابتدائية (مِنْ قَوْمٍ) متعلقان بالفعل (عَسى) ماض تام (أَنْ يَكُونُوا خَيْراً) مضارع ناقص منصوب بأن والواو اسمه وخيرا خبره (مِنْهُمْ) متعلقان بخيرا والمصدر المؤول من أن وما بعدها فاعل عسى (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ) معطوف على ما قبله وجملة عسى مستأنفة (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) مضارع مجزوم بلا الناهية والواو فاعله وأنفسكم مفعوله (وَلا تَنابَزُوا) معطوف على ما قبله (بِالْأَلْقابِ) متعلقان بالفعل (بِئْسَ الِاسْمُ) ماض جامد للذم وفاعله (الْفُسُوقُ) مبتدأ وجملة بئس خبره (بَعْدَ) ظرف زمان (الْإِيمانِ) مضاف إليه (وَمَنْ) الواو حرف استئناف ومن اسم شرط جازم مبتدأ (لَمْ يَتُبْ) مضارع مجزوم بلم وهو فعل الشرط والفاعل مستتر (فَأُولئِكَ) الفاء واقعة في جواب الشرط ومبتدأ (هُمُ) ضمير فصل (الظَّالِمُونَ) خبر والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط وجملتا الشرط والجواب خبر وجملة من مستأنفة.
Traslation and Transliteration:
Ya ayyuha allatheena amanoo la yaskhar qawmun min qawmin AAasa an yakoonoo khayran minhum wala nisaon min nisain AAasa an yakunna khayran minhunna wala talmizoo anfusakum wala tanabazoo bialalqabi bisa alismu alfusooqu baAAda aleemani waman lam yatub faolaika humu alththalimoona
O ye who believe! Let not a folk deride a folk who may be better than they (are), not let women (deride) women who may be better than they are; neither defame one another, nor insult one another by nicknames. Bad is the name of lewdness after faith. And whoso turneth not in repentance, such are evil-doers.
Ey inananlar, içinizden bir topluluk, başka bir toplulukla alay etmesin, olabilir ki alay edilenler, öbürlerinden daha hayırlıdır ve kadınların bir kısmı da başka kadınlarla alay etmesin, olabilir ki alay edilen kadınlar, öbürlerinden daha hayırlıdır ve birbirinizi kınamayın ve kötü lakaplarla çağırmayın; inançtan sonra buyruktan çıkmışlara ait adlar, ne de kötüdür ve kim tövbe etmezse artık onlar, zulmedenlerin ta kendileridir.
O vous qui avez cru! Qu'un groupe ne se raille pas d'un autre groupe: ceux-ci sont peut-être meilleurs qu'eux. Et que des femmes ne se raillent pas d'autres femmes: celles-ci sont peut-être meilleures qu'elles. Ne vous dénigrez pas et ne vous lancez pas mutuellement des sobriquets (injurieux). Quel vilain mot que «perversion» lorsqu'on a déjà la foi. Et quiconque ne se repent pas... Ceux-là sont les injustes.
Ihr, die den Iman verinnerlicht habt! Es sollen weder Männer sich lustig über (andere) Männer machen - vielleicht sind sie besser als sie, noch Frauen über (andere) Frauen - vielleicht sind sie besser als sie. Und macht euch nicht gegenseitig schlecht und gebt euch keine Schimpfnamen! Erbärmlich ist der Fisq-Name nach dem Iman. Und wer nicht bereut, so sind diese die Unrecht-Begehenden.