الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة البقرة: [الآية 283]

سورة البقرة
۞ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا۟ كَاتِبًا فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِى ٱؤْتُمِنَ أَمَٰنَتَهُۥ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا۟ ٱلشَّهَٰدَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٌ قَلْبُهُۥ ۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴿283﴾

تفسير الجلالين:

«وإن كنتم على سفر» أي مسافرين وتداينتم «ولم تجدوا كاتبا فَرِهاَنٌ» وفي قراءة فَرهُنٌ جمع رهن «مقبوضة» تستوثقون بها وبينت السنة جواز الرهن في الحضر ووجود الكاتب فالتقيد بما ذكر لأن التوثيق فيه أشد وأفاد قوله مقبوضة اشتراط القبض في الرهن والاكتفاء به من المرتهن ووكيله «فإن أمن بعضكم بعضا» أي الدائن المدين على حقه فلم يرتهن «فليؤد الذي أؤتمن» أي المدين «أمانته» دينه «وليتق الله ربَّه» في أدائه «ولا تكتموا الشهادة» إذا دُعيتم لإقامتها «ومن يكتمها فإنه آثم قلبه» خص بالذكر لأنه محل الشهادة ولأنه إذا أثم تبعه غيره فيعاقب عليه معاقبة الآثمين «والله بما تعلمون عليم» لا يخفَى عليه شيء منه.

تفسير الشيخ محي الدين:

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)

أصل التكاليف مشتق من الكلف وهي المشقات «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» وهو ما آتاها من التمكن الذي هو وسعها ، فقد خلق سبحانه لنا التمكن من فعل بعض الأعمال ، نجد ذلك من نفوسنا ولا ننكره ، وهي الحركة الاختيارية ، كما جعل سبحانه فينا المانع من بعض الأفعال الظاهرة فينا ، ونجد ذلك من نفوسنا ، كحركة المرتعش الذي لا اختيار للمرتعش فيها ، وبذلك القدر من التمكن الذي يجده الإنسان في نفسه صح أن يكون مكلفا ، ولا يحقق الإنسان بعقله لما ذا يرجع ذلك التمكن ، هل لكونه قادرا أو لكونه مختارا ؟ وإن كان مجبورا في اختياره ، ولا يمكن رفع الخلاف في هذه المسألة ، فإنها من المسائل المعقولة ولا يعرف الحق فيها إلا بالكشف ، وإذا بذلت النفس الوسع في طاعة اللّه لم يقم عليها حجة ،

فإن اللّه أجلّ أن يكلف نفسا إلا وسعها ، ولذلك كان الاجتهاد في الفروع والأصول «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» لما كانت النفوس ولاة الحق على الجوارح ، والجوارح مأمورة مجبورة غير مختارة فيما تصرف فيه ، مطيعة بكل وجه ، والنفوس ليست كذلك ، فإذا عملت لغير عبادة لا يقبل العمل من حيث القاصد لوقوعه الذي هو النفس المكلفة ، لكن من حيث أن العمل صدر من الجوارح أو من جارحة مخصوصة ، فإنها تجزى به تلك الجارحة ، فيقبل العمل لمن ظهر منه ولا يعود منه على النفس الآمرة به للجوارح شيء إذا كان العمل خيرا بالصورة كصلاة المرائي والمنافق وجميع ما يظهر على جوارحه من أفعال الخير الذي لم تقصد به النفس عبادة ، وأما أعمال الشر المنهي عنها فإن النفس تجزى بها للقصد ، والجوارح لا تجزى بها لأنها ليس في قوتها الامتناع عما تريد النفوس بها من الحركات ، فإنها مجبورة على السمع والطاعة لها ، فإن جارت النفوس فعليها ، وللجوارح رفع الحرج ، بل لهم الخير الأتم ، وإن عدلت النفوس فلها وللجوارح ، لذلك قال تعالى : «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فميز اللّه بين الكسب والاكتساب باللام وعلى ، وهذه الآية بشرى من اللّه حيث جعل المخالفة اكتسابا والطاعة كسبا ، فقال : «لَها ما كَسَبَتْ» فأوجبه لها .

وقال في المعصية والمخالفة : «وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فما أوجب لها الأخذ بما اكتسبته ، فالاكتساب ما هو حق لها فتستحقه ، فتستحق الكسب ولا تستحق الاكتساب ، والحق لا يعامل إلا بالاستحقاق ، والعفو من اللّه يحكم على الأخذ بالجريمة «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» اعلم أن الرحمة أبطنها اللّه في النسيان الموجود في العالم ، وأنه لو لم يكن لعظم الأمر وشق ، وفيما يقع فيه التذكر كفاية ، وأصل هذا وضع الحجاب بين العالم وبين اللّه في موطن التكليف ، إذ كانت المعاصي والمخالفات مقدرة في علم اللّه فلا بد من وقوعها من العبد ضرورة ، فلو وقعت مع التجلي والكشف لكان مبالغة في قلة الحياء من اللّه حيث يشهده ويراه ، والقدر حاكم بالوقوع فاحتجب رحمة بالخلق لعظيم المصاب ، قال صلّى اللّه عليه وسلم:

إن اللّه إذا أراد نفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم ، حتى إذا أمضى فيهم قضاءه وقدره ردها عليهم ليعتبروا ، وقال صلّى اللّه عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، فلا يؤاخذهم اللّه به في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما في الآخرة فمجمع عليه من الكل ، وأما في الدنيا فأجمعوا على رفع الذنب ، واختلفوا في الحكم ، وكذلك في الخطأ على قدر ما شرع الشارع في

أشخاص المسائل ، مثل الإفطار ناسيا في رمضان وغير ذلك من المسائل ، فإن اللّه تعالى الذي شرع المعصية والطاعة وبيّن حكمهما ، رفع حكم الأخذ بالمعصية في حق الناسي والمخطئ «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» وهذا تعليم من الحق لنا أن نسأله في أن لا يقع منه في المستقبل ما لم يقع في الحال ، «وَاعْفُ عَنَّا» أي كثر خيرك لنا وقلل بلاءك عنا ، أي قلل ما ينبغي أن يقلل وكثر ما ينبغي أن يكثر ، فإن العفو من الأضداد يطلق بإزاء الكثرة والقلة ، وليس إلا عفوك عن خطايانا التي طلبنا منك أن تسترنا عنها حتى لا تصيبنا ، وهو قولنا : «وَاغْفِرْ لَنا» أي استرنا من المخالفات حتى لا تعرف مكاننا فتقصدنا «وَارْحَمْنا» برحمة الامتنان ورحمة الوجوب ، أي برحمة الاختصاص.

------------

(286) التنزلات الموصلية - الفتوحات ج 1 / 341 - ج 2 / 381 - ج 3 / 348 ، 123 ، 511 - ج 2 / 535 ، 684 - ج 3 / 381 - ج 1 / 435 ، 434

تفسير ابن كثير:

يقول تعالى : ( وإن كنتم على سفر ) أي : مسافرين وتداينتم إلى أجل مسمى ( ولم تجدوا كاتبا ) يكتب لكم . قال ابن عباس : أو وجدوه ولم يجد قرطاسا أو دواة أو قلما فرهن مقبوضة ، أي : فليكن بدل الكتابة رهان مقبوضة في يد صاحب الحق .

وقد استدل بقوله : ( فرهان مقبوضة ) على أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض ، كما هو مذهب الشافعي والجمهور ، واستدل بها آخرون على أنه لا بد أن يكون الرهن مقبوضا في يد المرتهن ، وهو رواية عن الإمامأحمد ، وذهب إليه طائفة .

واستدل آخرون من السلف بهذه الآية على أنه لا يكون الرهن مشروعا إلا في السفر ، قاله مجاهد وغيره .

وقد ثبت في الصحيحين ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير ، رهنها قوتا لأهله . وفي رواية : من يهود المدينة . وفي رواية الشافعي : عند أبي الشحم اليهودي . وتقرير هذه المسائل في كتاب " الأحكام الكبير " ، ولله الحمد والمنة ، وبه المستعان .

وقوله : ( فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ) روى ابن أبي حاتم بإسناد جيد ، عن أبي سعيد الخدري أنه قال : هذه نسخت ما قبلها .

وقال الشعبي : إذا ائتمن بعضكم بعضا فلا بأس ألا تكتبوا أو لا تشهدوا .

وقوله : ( وليتق الله ربه ) يعنى : المؤتمن ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، من رواية قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " .

وقوله : ( ولا تكتموا الشهادة ) أي : لا تخفوها وتغلوها ولا تظهروها . قال ابن عباس وغيره : شهادة الزور من أكبر الكبائر ، وكتمانها كذلك . ولهذا قال : ( ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ) قال السدي : يعني : فاجر قلبه ، وهذه كقوله تعالى : ( ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين ) [ المائدة : 106 ] ، وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) [ النساء : 135 ] ، وهكذا قال هاهنا : ( ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم )


تفسير الطبري :

فيه أربع وعشرون مسألة: الأولى: لما ذكر الله تعالى الندب إلى الإشهاد والكتب لمصلحة حفظ الأموال والأديان، عقب ذلك بذكر حال الأعذار المانعة من الكتب، وجعل لها الرهن، ونص من أحوال العذر على السفر الذي هو غالب الأعذار، لا سيما في ذلك الوقت لكثرة الغزو، ويدخل في ذلك بالمعنى كل عذر. فرب وقت يتعذر فيه الكاتب في الحضر كأوقات أشغال الناس وبالليل، وأيضا فالخوف على خراب ذمة الغريم عذر يوجب طلب الرهن. وقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي طلب منه سلف الشعير فقال : إنما يريد محمد أن يذهب بمالي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (كذب إني لأمين في الأرض أمين في السماء ولو ائتمنني لأديت اذهبوا إليه بدرعي) فمات ودرعه مرهونة صلى الله عليه وسلم، على ما يأتي بيانه آنفا. الثانية: قال جمهور من العلماء : الرهن في السفر بنص التنزيل، وفي الحضر ثابت بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا صحيح. وقد بينا جوازه في الحضر من الآية بالمعنى، إذا قد تترتب الأعذار في الحضر، ولم يرو عن أحد منعه في الحضر سوى مجاهد والضحاك وداود، متمسكين بالآية. ولا حجة فيها، لأن هذا الكلام وإن كان خرج مخرج الشرط فالمراد به غالب الأحوال. وليس كون الرهن في الآية في السفر مما يحظر في غيره. وفي الصحيحين وغيرهما عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعا له من حديد. وأخرجه النسائي من حديث ابن عباس قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير لأهله. الثالثة: قوله تعالى {ولم تجدوا كاتبا} قرأ الجمهور {كاتبا} بمعنى رجل يكتب. وقرأ ابن عباس وأبي ومجاهد والضحاك وعكرمة وأبو العالية {ولم تجدوا كتابا}. قال أبو بكر الأنباري : فسره مجاهد فقال : معناه فإن لم تجدوا مدادا يعني في الأسفار. وروي عن ابن عباس {كتابا}. قال النحاس : هذه القراءة شاذة والعامة على خلافها. وقلما يخرج شيء عن قراءة العامة إلا وفيه مطعن، ونسق الكلام على كاتب، قال الله عز وجل قبل هذا {وليكتب بينكم كاتب بالعدل} وكتاب يقتضي جماعة. قال ابن عطية : كتابا يحسن من حيث لكل نازلة كاتب، فقيل للجماعة : ولم تجدوا كتابا. وحكى المهدوي عن أبي العالية أنه قرأ {كُتُبا} وهذا جمع كتاب من حيث النوازل مختلفة. وأما قراءة أبي وابن عباس {كتّابا} فقال النحاس ومكي : هو جمع كاتب كقائم وقيام. مكي : المعنى وإن عدمت الدواة والقلم والصحيفة. ونفي وجود الكاتب يكون بعدم أي آلة اتفق، ونفي الكاتب أيضا يقتضي نفي الكتاب، فالقراءتان حسنتان إلا من جهة خط المصحف. الرابعة: قوله تعالى {فرهان مقبوضة} وقرأ أبو عمرو وابن كثير "فرهن" بضم الراء والهاء، وروي عنهما تخفيف الهاء. وقال الطبري : تأول قوم أن "رهنا" بضم الراء والهاء جمع رهان، فهو جمع جمع، وحكاه الزجاج عن الفراء. وقال المهدوي {فرهان} ابتداء والخبر محذوف. والمعنى فرهان مقبوضة يكفي من ذلك. قال النحاس : وقرأ عاصم بن أبي النجود "فرهن" بإسكان الهاء، ويروى عن أهل مكة. والباب في هذا "رهان"، كما يقال : بغل وبغال، وكبش وكباش، ورُهُن سبيله أن يكون جمع رهان، مثل كتاب وكتب. وقيل : هو جمع رهن، مثل سقف وسقف، وحلق وحلق، وفرش وفرش، ونشر ونشر، وشبهه. {ورهن} بإسكان الهاء سبيله أن تكون الضمة حذفت لثقلها. وقيل : هو جمع رهن، مثل سهم حشر أي دقيق، وسهام حشر. والأول أولى، لأن الأول ليس بنعت وهذا نعت. وقال أبو علي الفارسي : وتكسير "رهن" على أقل العدد لم أعلمه جاء، فلو جاء كان قياسه أفْعُلا ككلب وأكلب، وكأنهم استغنوا بالقليل عن الكثير، كما استغنى ببناء الكثير عن بناء القليل في قولهم : ثلاثة شسوع، وقد استغنى ببناء القليل عن الكثير في رسن وأرسان، فرهن يجمع على بناءين وهما فُعُل وفِعَال. الأخفش : فَعْل على فُعُل قبيح وهو قليل شاذ، قال : وقد يكون {رهن} جمعا للرهان، كأنه يجمع رهن على رهان، ثم يجمع رهان على رُهُن، مثل فراش وفرش. الخامسة: معنى الرَّهن : احتباس العين وثيقة بالحق ليستوفى الحق من ثمنها أو من ثمن منافعها عند تعذر أخذه من الغريم، وهكذا حده العلماء، وهو في كلام العرب بمعنى الدوام والاستمرار. وقال ابن سيده : ورهنه أي أدامه، ومن رهن بمعنى دام قول الشاعر : الخبز واللحم لهم راهن ** وقهوة راووقها ساكب قال الجوهري : ورهن الشيء رهنا أي دام. وأرهنت له الطعام والشراب أدمته لهم، وهو طعام راهن. والراهن : الثابت، والراهن : المهزول من الإبل والناس، قال : إما تري جسمي خلا قد رهن ** هزلا وما مجد الرجال في السمن قال ابن عطية : ويقال في معنى الرهن الذي هو الوثيقة من الرهن : أرهنت إرهانا، حكاه بعضهم. وقال أبو علي : أرهنت في المغالاة، وأما في القرض والبيع فرهنت. وقال أبو زيد : أرهنت في السلعة إرهانا : غاليت بها، وهو في الغلاء خاصة. قال : عيدية أرهنت فيها الدنانير ** يصف ناقة. والعيد بطن من مهرة وإبل مهرة موصوفة بالنجابة. وقال الزجاج : يقال في الرهن : رهنت وأرهنت، وقاله ابن الأعرابي والأخفش. قال عبدالله بن همام السلولي : فلما خشيت أظافيرهم ** نجوت وأرهنتهم مالكا قال ثعلب : الرواة كلهم على أرهنتهم، على أنه يجوز رهنته وأرهنته، إلا الأصمعي فإنه رواه وأرهنهم، على أنه عطف بفعل مستقبل على فعل ماض، وشبهه بقولهم : قمت وأصك وجهه، وهو مذهب حسن، لأن الواو واو الحال، فجعل أصك حالا للفعل الأول على معنى قمت صاكا وجهه، أي تركته مقيما عندهم، لأنه لا يقال : أرهنت الشيء، وإنما يقال : رهنته. وتقول : رهنت لساني بكذا، ولا يقال فيه : أرهنت. وقال ابن السكيت : أرهنت فيها بمعنى أسلفت. والمرتهن : الذي يأخذ الرهن. والشيء مرهون ورهين، والأنثى رهينة. وراهنت فلانا على كذا مراهنة : خاطرته. وأرهنت به ولدي إرهانا : أخطرتهم به خطرا. والرهينة واحدة الرهائن، كله عن الجوهري. ابن عطية : ويقال بلا خلاف في البيع والقرض : رهنت رهنا، ثم سمي بهذا المصدر الشيء المدفوع تقول : رهنت رهنا، كما تقول رهنت ثوبا. السادسة: قال أبو علي : ولما كان الرهن بمعنى الثبوت، والدوام فمن ثم بطل الرهن عند الفقهاء إذا خرج من يد المرتهن إلى الراهن بوجه من الوجوه، لأنه فارق ما جعل باختيار المرتهن له. قلت : هذا هو المعتمد عندنا في أن الرهن متى رجع إلى الراهن باختيار المرتهن بطل الرهن، وقاله أبو حنيفة، غير أنه قال : إن رجع بعارية أو وديعة لم يبطل. وقال الشافعي : إن رجوعه إلى يد الراهن مطلقا لا يبطل حكم القبض المتقدم، ودليلنا {فرهان مقبوضة}، فإذا خرج عن يد القابض لم يصدق ذلك اللفظ عليه لغة، فلا يصدق عليه حكما، وهذا واضح. السابعة: إذا رهنه قولا ولم يقبضه فعلا لم يوجب ذلك حكما، لقوله تعالى {فرهان مقبوضة} قال الشافعي : لم يجعل الله الحكم إلا برهن موصوف بالقبض، فإذا عدمت الصفة وجب أن يعدم الحكم، وهذا ظاهر جدا. وقالت المالكية : يلزم الرهن بالعقد ويجبر الراهن على دفع الرهن ليحوزه المرتهن، لقوله تعالى{أوفوا بالعقود} [المائدة : 1] وهذا عقد، وقوله {بالعهد} [الإسراء : 34] وهذا عهد. وقوله عليه السلام : (المؤمنون عند شروطهم) وهذا شرط، فالقبض عندنا شرط في كمال فائدته. وعندهما شرط في لزومه وصحته. الثامنة: قوله تعالى {مقبوضة} يقتضي بينونة المرتهن بالرهن. وأجمع الناس على صحة قبض المرتهن، وكذلك على قبض وكيله. واختلفوا في قبض عدل يوضع الرهن على يديه، فقال مالك وجميع أصحابه وجمهور العلماء : قبض العدل قبض. وقال ابن أبي ليلى وقتادة والحكم وعطاء : ليس بقبض، ولا يكون مقبوضا إلا إذا كان عند المرتهن، ورأوا ذلك تعبدا. وقول الجمهور أصح من جهة المعنى، لأنه إذا صار عند العدل صار مقبوضا لغة وحقيقة، لأن العدل نائب عن صاحب الحق وبمنزلة الوكيل، وهذا ظاهر. التاسعة: لو وضع الرهن على يدي عدل فضاع لم يضمن المرتهن ولا الموضوع على يده، لأن المرتهن لم يكن في يده شيء يضمنه. والموضوع على يده أمين والأمين غير ضامن. العاشرة: لما قال تعالى {مقبوضة} قال علماؤنا : فيه ما يقتضي بظاهره ومطلقه جواز رهن المشاع. خلافا لأبي حنيفة وأصحابه، لا يجوز عندهم أن يرهنه ثلث دار ولا نصفا من عبد ولا سيف، ثم قالوا : إذا كان لرجلين على رجل مال هما فيه شريكان فرهنهما بذلك أرضا فهو جائز إذا قبضاها. قال ابن المنذر : وهذا إجازة رهن المشاع، لأن كل واحد منهما مرتهن نصف دار. قال ابن المنذر : رهن المشاع جائز كما يجوز بيعه. الحادية عشرة: ورهن ما في الذمة جائز عند علمائنا، لأنه مقبوض خلافا لمن منع ذلك، ومثاله رجلان تعاملا لأحدهما على الآخر دين فرهنه دينه الذي عليه. قال ابن خويز منداد : وكل عرض جاز بيعه جاز رهنه، ولهذه العلة جوزنا رهن ما في الذمة، لأن بيعه جائز، ولأنه مال تقع الوثيقة به فجاز أن يكون رهنا، قياسا على سلعة موجودة. وقال من منع ذلك : لأنه لا يتحقق إقباضه والقبض شرط في لزوم الرهن، لأنه لا بد أن يستوفي الحق منه عند المحل، ويكون الاستيفاء من ماليته لا من عينه ولا يتصور ذلك في الدين. الثانية عشرة: روى البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة). وأخرجه أبو داود وقال بدل (يشرب) في الموضعين : (يحلب). قال الخطابي : هذا كلام مبهم ليس في نفس اللفظ بيان من يركب ويحلب، هل الراهن أو المرتهن أو العدل الموضوع على يده الرهن ؟ قلت : قد جاء ذلك مبينا مفسرا في حديثين، وبسببهما اختلف العلماء في ذلك، فروى الدارقطني من حديث أبي هريرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقته). أخرجه عن أحمد بن علي بن العلاء حدثنا زياد بن أيوب حدثنا هشيم حدثنا زكريا عن الشعبي عن أبي هريرة. وهو قول أحمد وإسحاق : أن المرتهن ينتفع من الرهن بالحلب والركوب بقدر النفقة. وقال أبو ثور : إذا كان الراهن ينفق عليه لم ينتفع به المرتهن. وان كان الراهن لا ينفق عليه وتركه في يد المرتهن فأنفق عليه فله ركوبه واستخدام العبد. وقاله الأوزاعي والليث. الحديث الثاني خرجه الدارقطني أيضا، وفي إسناده مقال ويأتي بيانه - من حديث إسماعيل بن عياش عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يغلق الرهن ولصاحبه غنمه وعليه غرمه). وهو قول الشافعي والشعبي وابن سيرين. وهو قول مالك وأصحابه. قال الشافعي : منفعة الرهن للراهن، ونفقته عليه، والمرتهن لا ينتفع بشيء من الرهن خلا الإحفاظ للوثيقة. قال الخطابي : وهو أولى الأقوال وأصحها، بدليل قوله عليه السلام : (لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه). قال الخطابي : وقوله : (من صاحبه أي لصاحبه). والعرب تضع {من{ موضع اللام، كقولهم : أمن أم أوفى دمنة لم تكلم ** قلت : قد جاء صريحا (لصاحبه) فلا حاجة للتأويل. وقال الطحاوي : كان ذلك وقت كون الربا مباحا، ولم ينه عن قرض جر منفعة، ولا عن أخذ الشيء بالشيء وإن كانا غير متساويين، ثم حرم الربا بعد ذلك. وقد أجمعت الأمة على أن الأمة المرهونة لا يجوز للراهن أن يطأها، فكذلك لا يجوز له خدمتها. وقد قال الشعبي : لا ينتفع من الرهن بشيء. فهذا الشعبي روى الحديث وأفتى بخلافه، ولا يجوز عنده ذلك إلا وهو منسوخ. وقال ابن عبد البر وقد أجمعوا أن لبن الرهن وظهره للراهن. ولا يخلو من أن يكون احتلاب المرتهن له بإذن الراهن أو بغير إذنه، فإن كان بغير إذنه ففي حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه) ما يرده ويقضي بنسخه. وإن كان بإذنه ففي الأصول المجتمع عليها في تحريم المجهول والغرر وبيع ما ليس عندك وبيع ما لم يخلق، ما يرده أيضا، فإن ذلك كان قبل نزول تحريم الربا. والله أعلم. وقال ابن خويز منداد : ولو شرط المرتهن الانتفاع بالرهن فلذلك حالتان : إن كان من قرض لم يجز، وإن كان من بيع أو إجارة جاز، لأنه يصير بائعا للسلعة بالثمن المذكور ومنافع الرهن مدة معلومة فكأنه بيع وإجارة، وأما في القرض فلأنه يصير قرضا جر منفعة، ولأن موضوع القرض أن يكون قربة، فإذا دخله نفع صار زيادة في الجنس وذلك ربا. الثالثة عشرة: لا يجوز غلق الرهن، وهو أن يشترط المرتهن أنه له بحقه إن لم يأته به عند أجله. وكان هذا من فعل الجاهلية فأبطله النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (لا يغلق الرهن) هكذا قيدناه برفع القاف على الخبر، أي ليس يغلق الرهن. تقول : أغلقت الباب فهو مغلق. وغلق الرهن في يد مرتهنه إذا لم يفتك، قال الشاعر : أجارتنا من يجتمع يتفرق ** ومن يك رهنا للحوادث يغلق وقال زهير : وفارقتك برهن لا فكاك له ** يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا الرابعة عشرة: روى الدارقطني من حديث سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا يغلق الرهن له غنمه وعليه غرمه). زياد بن سعد أحد الحفاظ الثقات، وهذا إسناد حسن. وأخرجه مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا يغلق الرهن). قال أبو عمر : وهكذا رواه كل من روى الموطأ عن مالك فيما علمت، إلا معن بن عيسى فإنه وصله، ومعن ثقة، إلا أني أخشى أن يكون الخطأ فيه من علي بن عبد الحميد الغضائري عن مجاهد بن موسى عن معن بن عيسى. وزاد فيه أبو عبد الله عمروس عن الأبهري بإسناده : (له غنمه وعليه غرمه). وهذه اللفظة قد اختلف الرواة في رفعها، فرفعها ابن أبي ذئب ومعمر وغيرهما. ورواه ابن وهب وقال : قال يونس قال ابن شهاب : وكان سعيد بن المسيب يقول : الرهن ممن رهنه، له غنمه وعليه غرمه، فأخبر ابن شهاب أن هذا من قول سعيد لا عن النبي صلى الله عليه وسلم. إلا أن معمرا ذكره عن ابن شهاب مرفوعا، ومعمر أثبت الناس في ابن شهاب. وتابعه على رفعه يحيى بن أبي أنيسة ويحيى ليس بالقوي. وأصل هذا الحديث عند أهل العلم بالنقل مرسل، وإن كان قد وصل من جهات كثيرة فإنهم يعللونها. وهو مع هذا حديث لا يرفعه أحد منهم وإن اختلفوا في تأويله ومعناه. ورواه الدارقطني أيضا عن إسماعيل بن عياش عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعا. قال أبو عمر : لم يسمعه إسماعيل من ابن أبي ذئب وإنما سمعه من عباد بن كثير عن ابن أبي ذئب، وعباد عندهم ضعيف لا يحتج به. وإسماعيل عندهم أيضا غير مقبول الحديث إذا حدث عن غير أهل بلده، فإذا حدث عن الشاميين فحديثه مستقيم، وإذا حدث عن المدنيين وغيرهم ففي حديثه خطأ كثير واضطراب. الخامسة عشرة: نماء الرهن داخل معه إن كان لا يتميز كالسمن، أو كان نسلا كالولادة والنتاج، وفي معناه فسيل النخل، وما عدا ذلك من غلة وثمرة ولبن وصوف فلا يدخل فيه إلا أن يشترطه. والفرق بينهما أن الأولاد تبع في الزكاة للأمهات، وليس كذلك الأصواف والألبان وثمر الأشجار، لأنها ليست تبعا للأمهات في الزكاة ولا هي في صورها ولا في معناها ولا تقوم معها، فلها حكم نفسها لا حكم الأصل خلاف الولد والنتاج. والله أعلم بصواب ذلك. السادسة عشرة: ورهن من أحاط الديْن بماله جائز ما لم يفلس، ويكون المرتهن أحق بالرهن من الغرماء، قاله مالك وجماعة من الناس. وروي عن مالك خلاف هذا - وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة - أن الغرماء يدخلون معه في ذلك وليس بشيء، لأن من لم يحجر عليه فتصرفاته صحيحة في كل أحواله من بيع وشراء، والغرماء عاملوه على أنه يبيع ويشتري ويقضي، لم يختلف قول مالك في هذا الباب، فكذلك الرهن. والله أعلم. السابعة عشرة: قوله تعالى {فإن أمن بعضكم بعضا} شرط ربط به وصية الذي عليه الحق بالأداء وترك المطل. يعني إن كان الذي عليه الحق أمينا عند صاحب الحق وثقة فليؤد له ما عليه ائتمن. وقوله {فليؤد} من الأداء مهموز، وهو جواب الشرط ويجوز تخفيف همزه فتقلب الهمزة واوا ولا تقلب ألفا ولا تجعل بين بين، لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا. وهو أمر معناها الوجوب، بقرينة الإجماع على وجوب أداء الديون، وثبوت حكم الحاكم به وجبره الغرماء عليه، وبقرينة الأحاديث الصحاح في تحريم مال الغير. الثامنة عشرة: قوله تعالى {أمانته} الأمانة مصدر سمي به الشيء الذي في الذمة، وأضافها إلى الذي عليه الدين من حيث لها إليه نسبة، كما قال تعالى {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} [النساء : 5]. التاسعة عشرة: قوله تعالى {وليتق الله ربه} أي في ألا يكتم من الحق شيئا. وقوله {ولا تكتموا الشهادة} تفسير لقوله "ولا يضارر" بكسر العين. نهى الشاهد عن أن يضر بكتمان الشهادة، وهو نهي على الوجوب بعدة قرائن منها الوعيد. وموضع النهي هو حيث يخاف الشاهد ضياع حق. وقال ابن عباس : على الشاهد أن يشهد حيثما استشهد، ويخبر حيثما استخبر، قال : ولا تقل أخبر بها عند الأمير بل أخبره بها لعله يرجع ويرعوي. وقرأ أبو عبد الرحمن "ولا يكتموا" بالياء، جعله نهيا للغائب. الموفية عشرين: إذا كان على الحق شهود تعين عليهم أداؤها على الكفاية، فإن أداها اثنان واجتزأ الحاكم بهما سقط الفرض عن الباقين، وإن لم يجتزأ بها تعين المشي إليه حتى يقع الإثبات. وهذا يعلم بدعاء صاحبها، فإذا قال له : أحي حقي بأداء ما عندك لي من الشهادة تعين ذلك عليه. الحادية والعشرين: قوله تعالى {ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} خص القلب بالذكر إذ الكتم من أفعاله، وإذ هو المضغة التي بصلاحها يصلح الجسد كله كما قال عليه السلام، فعبر بالبعض عن الجملة، وقد تقدم في أول السورة. وقال الكيا : لما عزم على ألا يؤديها وترك أداءها باللسان رجع المأثم إلى الوجهين جميعا. فقوله {آثم قلبه} مجاز، وهو آكد من الحقيقة في الدلالة على الوعيد، وهو من بديع البيان ولطيف الإعراب عن المعاني. يقال : إثم القلب سبب مسخه، والله تعالى إذا مسخ قلبا جعله منافقا وطبع عليه، نعوذ بالله منه وقد تقدم في أول السورة. و{قلبه} رفع بـ {آثم} و{آثم} خبر "إن"، وان شئت رفعت آثما بالابتداء، و{قلبه} فاعل يسد مسد الخبر والجملة خبر إن. وإن شئت رفعت آثما على أنه خبر الابتداء تنوي به التأخير. وإن شئت كان {قلبه} بدلا من {آثم} بدل البعض من الكل. وإن شئت كان بدلا من المضمر الذي في {آثم}. وتعرضت هنا ثلاث مسائل تتمة أربع وعشرين: الأولى: اعلم أن الذي أمر الله تعالى به من الشهادة والكتابة لمراعاة صلاح ذات البين ونفي التنازع المؤدي إلى فساد ذات البين، لئلا يسول له الشيطان جحود الحق وتجاوز ما حد له الشرع، أو ترك الاقتصار على المقدار المستحق، ولأجله حرم الشرع البياعات المجهولة التي اعتيادها يؤدي إلى الاختلاف وفساد ذات البين وإيقاع التضاغن والتباين. فمن ذلك ما حرمه الله من الميسر والقمار وشرب الخمر بقوله تعالى {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر} الآية [المائدة : 91] . فمن تأدب بأدب الله في أوامره وزواجره حاز صلاح الدنيا والدين، قال الله تعالى{ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم} الآية [النساء : 66]. الثانية : روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) وروى النسائي عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها استدانت، فقيل : يا أم المؤمنين، تستدينين وليس عندك وفاء ؟ قالت : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من أخذ دينا وهو يريد أن يؤديه أعانه الله عليه). وروى الطحاوي وأبو جعفر الطبري والحارث بن أبي أسامة في مسنده عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا تخيفوا الأنفس بعد أمنها) قالوا : يا رسول الله، وما ذاك؟ قال : (الدين). وروى البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء ذكره : (اللهم أني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال). قال العلماء : ضلع الدين هو الذي لا يجد دائنه من حيث يؤديه. وهو مأخوذ من قول العرب : حمل مضلع أي ثقيل، ودابة مضلع لا تقوى على الحمل، قاله صاحب العين. وقال صلى الله عليه وسلم : (الدَّيْن شيْن الدِّين). وروي عنه أنه قال : (الدين هم بالليل ومذلة بالنهار). قال علماؤنا : وإنما كان شينا ومذلة لما فيه من شغل القلب والبال والهم اللازم في قضائه، والتذلل للغريم عند لقائه، وتحمل منته بالتأخير إلى حين أوانه. وربما يعد من نفسه القضاء فيخلف، أو يحدث الغريم بسببه فيكذب، أو يحلف له فيحنث، إلى غير ذلك. ولهذا كان عليه السلام يتعوذ من المأثم والمغرم، وهو الدين. فقيل له : يا رسول الله، ما أكثر ما تتعوذ من المغرم ؟ فقال : (إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف). وأيضا فربما قد مات ولم يقض الدين فيرتهن به، كما قال عليه السلام : (نسمة المؤمن مرتهنة في قبره بدينه حتى يقضى عنه). وكل هذه الأسباب مشائن في الدين تذهب جماله وتنقص كماله. والله اعلم الثالثة : لما أمر الله تعالى بالكتب والإشهاد وأخذ الرهان كان ذلك نصا قاطعا على مراعاة حفظ الأموال وتنميتها، وردا على الجهلة المتصوفة ورعاعها الذين لا يرون ذلك، فيخرجون عن جميع أموالهم ولا يتركون كفاية لأنفسهم وعيالهم، ثم إذا احتاج وافتقر عياله فهو إما أن يتعرض لمنن الإخوان أو لصدقاتهم، أو أن يأخذ من أرباب الدنيا وظلمتهم، وهذا الفعل مذموم منهي عنه. قال أبو الفرج الجوزي : ولست أعجب من المتزهدين الذين فعلوا هذا مع قلة علمهم، إنما أتعجب من أقوام لهم علم وعقل كيف حثوا على هذا، وأمروا به مع مضادته للشرع والعقل. فذكر المحاسبي في هذا كلاما كثيرا، وشيده أبو حامد الطوسي ونصره. والحارث عندي أعذر من أبي حامد، لأن أبا حامد كان أفقه، غير أن دخوله في التصوف أوجب عليه نصرة ما دخل فيه. قال المحاسبي في كلام طويل له : ولقد بلغني أنه لما توفي عبد الرحمن بن عوف قال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نخاف على عبد الرحمن فيما ترك. فقال كعب : سبحان الله ! وما تخافون على عبد الرحمن ؟ كسب طيبا وأنفق طيبا وترك طيبا. فبلغ ذلك أبا ذر فخرج مغضبا يريد كعبا، فمر بلحي بعير فأخذه بيده، ثم انطلق يطلب كعبا، فقيل لكعب : إن أبا ذر يطلبك. فخرج هاربا حتى دخل على عثمان يستغيث به وأخبره الخبر. فأقبل أبو ذر يقص الأثر في طلب كعب حتى انتهى إلى دار عثمان، فلما دخل قام كعب فجلس خلف عثمان هاربا من أبي ذر، فقال له أبو ذر : يا ابن اليهودية، تزعم ألا بأس بما تركه عبد الرحمن ! لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : (الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا). قال المحاسبي : فهذا عبد الرحمن مع فضله يوقف في عرصة يوم القيامة بسبب ما كسبه من حلال، للتعفف وصنائع المعروف فيمنع السعي إلى الجنة مع الفقراء وصار يحبو في آثارهم حبوا، إلى غير ذلك من كلامه. ذكره أبو حامد وشيده وقواه بحديث ثعلبة، وأنه أعطي المال فمنع الزكاة. قال أبو حامد : فمن راقب أحوال الأنبياء والأولياء وأقوالهم لم يشك في أن فقد المال أفضل من وجوده، وإن صرف إلى الخيرات، إذ أقل ما فيه اشتغال الهمة بإصلاحه عن ذكر الله. فينبغي للمريد أن يخرج عن ماله حتى لا يبقى له إلا قدر ضرورته، فما بقي له درهم يلتفت إليه قلبه فهو محجوب عن الله تعالى. قال الجوزي : وهذا كله خلاف الشرع والعقل، وسوء فهم المراد بالمال، وقد شرفه الله وعظم قدره وأمر بحفظه، إذ جعله قواما للآدمي وما جعل قواما للآدمي الشريف فهو شريف، فقال تعالى {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما} [النساء : 5] ونهى جل وعز أن يسلم المال إلى غير رشيد فقال {فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم}[النساء : 6]. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، قال لسعد : (إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس). وقال : (ما نفعني مال كمال أبي بكر). وقال لعمرو بن العاص : (نعم المال الصالح للرجل الصالح). ودعا لأنس، وكان في آخر دعائه : (اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه). وقال كعب : يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله. فقال : (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك). قال الجوزي : هذه الأحاديث مخرجة في الصحاح، وهي على خلاف ما تعتقده المتصوفة من أن إكثار المال حجاب وعقوبة، وأن حبسه ينافي التوكل، ولا ينكر أنه يخاف من فتنته، وأن خلقا كثيرا اجتنبوه لخوف ذلك، وأن جمعه من وجهه ليعز، وأن سلامة القلب من الافتتان به تقل، واشتغال القلب مع وجوده بذكر الآخر يندر، فلهذا خيف فتنته. فأما كسب المال فإن من اقتصر على كسب البلغة من حلها فذلك أمر لا بد منه وأما من قصد جمعه والاستكثار منه من الحلال نظر في مقصوده، فإن قصد نفس المفاخرة والمباهاة فبئس المقصود، وإن قصد إعفاف نفسه وعائلته، وادخر لحوادث زمانه وزمانهم، وقصد التوسعة على الإخوان وإغناء الفقراء وفعل المصالح أثيب على قصده، وكان جمعه بهذه النية أفضل من كثير من الطاعات. وقد كانت نيات خلق كثير من الصحابة في جمع المال سليمة لحسن مقاصدهم بجمعه، فحرصوا عليه وسألوا زيادته. ولما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم الزبير حضر فرسه أجرى الفرس حتى قام ثم رمى سوطه، فقال : (أعطوه حيث بلغ سوطه). وكان سعد بن عبادة يقول في دعائه : اللهم وسع علي. وقال إخوة يوسف {ونزداد كيل بعير}. وقال شعيب لموسى{فإن أتممت عشرا فمن عندك}. وإن أيوب لما عوفي نثر عليه رجل من جراد من ذهب، فأخذ يحثي في ثوبه ويستكثر منه، فقيل له : أما شبعت ؟ فقال : يا رب فقير يشبع من فضلك ؟. وهذا أمر مركوز في الطباع. وأما كلام المحاسبي فخطأ يدل على الجهل بالعلم، وما ذكره من حديث كعب وأبي ذر فمحال. من وضع الجهال وخفيت عدم صحته عنه للحوقه بالقوم. وقد روي بعض هذا وإن كان طريقه لا يثبت، لأن في سنده ابن لهيعة وهو مطعون فيه. قال يحيى : لا يحتج بحديثه. والصحيح في التاريخ أن أبا ذر توفي سنة خمس وعشرين، وعبد الرحمن بن عوف توفي سنة اثنتين وثلاثين، فقد عاش بعد أبي ذر سبع سنين. ثم لفظ ما ذكروه من حديثهم يدل على أن حديثهم موضوع، ثم كيف تقول الصحابة : إنا نخاف على عبد الرحمن! أو ليس الإجماع منعقدا على إباحة جمع المال من حله، فما وجه الخوف مع الإباحة؟ أو يأذن الشرع في شيء ثم يعاقب عليه؟ هذا قلة فهم وفقه. ثم أينكر أبو ذر على عبد الرحمن، وعبد الرحمن خير من أبي ذر بما لا يتقارب ؟ ثم تعلقه بعبد الرحمن وحده دليل على أنه لم يسير سير الصحابة؛ فإنه قد خلف طلحة ثلاثمائة بهار في كل بهار ثلاثة قناطير. والبهار الحمل. وكان مال الزبير خمسين ألفا ومائتي ألف. وخلف ابن مسعود تسعين ألفا. وأكثر الصحابة كسبوا الأموال وخلفوها ولم ينكر أحد منهم على أحد. وأما قوله (إن عبد الرحمن يحبو حبوا يوم القيامة) فهذا دليل على أنه ما عرف الحديث، وأعوذ بالله أن يحبو عبد الرحمن في القيامة؛ أفترى من سبق وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ومن أهل بدر والشورى يحبو ؟ ثم الحديث يرويه عمارة بن زاذان؛ وقال البخاري : ربما اضطرب حديثه. وقال أحمد : يروي عن أنس أحاديث مناكير، وقال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به. وقال الدارقطني : ضعيف. وقوله (ترك المال الحلال أفضل من جمعه) ليس كذلك، ومتى صح القصد فجمعه أفضل بلا خلاف عند العلماء. وكان سعيد بن المسيب يقول : لا خير فيمن لا يطلب المال، يقضي به دينه ويصون به عرضه؛ فإن مات تركه ميراثا لمن بعده. وخلف ابن المسيب أربعمائة دينار، وخلف سفيان الثوري مائتين، وكان يقول : المال في هذا الزمان سلاح. وما زال السلف يمدحون المال ويجمعونه للنوائب وإعانة الفقراء؛ وإنما تحاماه قوم منهم إيثارا للتشاغل بالعبادات، وجمع الهمم فقنعوا باليسير. فلو قال هذا القائل : إن التقليل منه أولى قرب الأمر ولكنه زاحم به مرتبة الإثم. قلت : ومما يدل على حفظ الأموال ومراعاتها إباحة القتال دونها وعليها؛ قال صلى الله عليه وسلم : (من قتل دون ماله فهو شهيد). وسيأتي بيانه في "المائدة" إن شاء الله تعالى.

التفسير الميسّر:

وإن كنتم مسافرين ولم تجدوا مَن يكتب لكم فادفعوا إلى صاحب الحق شيئًا يكون عنده ضمانًا لحقِّه إلى أن يردَّ المدينُ ما عليه من دين، فإن وثق بعضكم ببعض فلا حرج في ترك الكتابة والإشهاد والرهن، ويبقى الدَّين أمانة في ذمَّة المدين، عليه أداؤه، وعليه أن يراقب الله فلا يخون صاحبه. فإن أنكر المدين ما عليه من دين، وكان هناك مَن حضر وشهد، فعليه أن يظهر شهادته، ومن أخفى هذه الشهادة فهو صاحب قلب غادر فاجر. والله المُطَّلِع على السرائر، المحيط علمه بكل أموركم، سيحاسبكم على ذلك.

تفسير السعدي

أي: إن كنتم مسافرين { ولم تجدوا كاتبا } يكتب بينكم ويحصل به التوثق { فرهان مقبوضة } أي: يقبضها صاحب الحق وتكون وثيقة عنده حتى يأتيه حقه، ودل هذا على أن الرهن غير المقبوضة لا يحصل منها التوثق، ودل أيضا على أن الراهن والمرتهن لو اختلفا في قدر ما رهنت به، كان القول قول المرتهن، ووجه ذلك أن الله جعل الرهن عوضا عن الكتابة في توثق صاحب الحق، فلولا أن قول المرتهن مقبول في قدر الذي رهنت به لم يحصل المعنى المقصود، ولما كان المقصود بالرهن التوثق جاز حضرا وسفرا، وإنما نص الله على السفر، لأنه في مظنة الحاجة إليه لعدم الكاتب فيه، هذا كله إذا كان صاحب الحق يحب أن يتوثق لحقه، فما كان صاحب الحق آمنا من غريمه وأحب أن يعامله من دون رهن فعلى من عليه الحق أن يؤدي إليه كاملا غير ظالم له ولا باخس حقه { وليتق الله ربه } في أداء الحق ويجازي من أحسن به الظن بالإحسان { ولا تكتموا الشهادة } لأن الحق مبني عليها لا يثبت بدونها، فكتمها من أعظم الذنوب، لأنه يترك ما وجب عليه من الخبر الصدق ويخبر بضده وهو الكذب، ويترتب على ذلك فوات حق من له الحق، ولهذا قال تعالى: { ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم } وقد اشتملت هذه الأحكام الحسنة التي أرشد الله عباده إليها على حكم عظيمة ومصالح عميمة دلت على أن الخلق لو اهتدوا بإرشاد الله لصلحت دنياهم مع صلاح دينهم، لاشتمالها على العدل والمصلحة، وحفظ الحقوق وقطع المشاجرات والمنازعات، وانتظام أمر المعاش، فلله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه لا نحصي ثناء عليه.


تفسير البغوي

( وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو فرهن بضم الهاء والراء وقرأ الباقون فرهان وهو جمع رهن مثل بغل وبغال وجبل وجبال والرهن جمع الرهان جمع الجمع قاله الفراء والكسائي وقال أبو عبيد وغيره : هو جمع الرهن أيضا مثل سقف وسقف وقال أبو عمرو وإنما قرأنا فرهن ليكون فرقا بينهما وبين رهان الخيل وقرأ عكرمة فرهن بضم الراء وسكون الهاء والتخفيف والتثقيل في الرهن لغتان مثل كتب وكتب ورسل ورسل ومعنى الآية : وإن كنتم على سفر ولم تجدوا آلات الكاتبة فارتهنوا ممن تداينونه رهونا لتكون وثيقة لكم بأموالكم واتفقوا على أن الرهن لا يتم إلا بالقبض ، وقوله " فرهان مقبوضة " أي ارتهنوا واقبضوا حتى لو رهن ولم يسلم فلا يجبر الراهن على التسليم فإذا سلم لزم من جهة الراهن حتى لا يجوز له أن يسترجعه ما دام شيء من الحق باقيا ، ويجوز في الحضر الرهن مع وجود الكاتب ، وقال مجاهد : لا يجوز الرهن إلا في السفر عند عدم الكاتب لظاهر الآية وعند الآخرين خرج الكلام في الآية على الأعم الأغلب لا على سبيل الشرط .

والدليل عليه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي ولم يكن ذلك في السفر ولا عند عدم كاتب ( فإن أمن بعضكم بعضا ) وفي حرف أبي " فإن ائتمن " يعني فإن كان الذي عليه الحق أمينا عند صاحب الحق فلم يرتهن منه شيئا لحسن ظنه به .

( فليؤد الذي اؤتمن أمانته ) أي فليقضه على الأمانة ( وليتق الله ربه ) في أداء الحق ثم رجع إلى خطاب الشهود وقال : ( ولا تكتموا الشهادة ) إذا دعيتم إلى إقامتها نهى عن كتمان الشهادة وأوعد عليه فقال ( ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ) أي فاجر قلبه قيل : ما أوعد الله على شيء كإيعاده على كتمان الشهادة قال : " فإنه آثم قلبه " وأراد به مسخ القلب نعوذ بالله من ذلك ( والله بما تعملون ) بيان الشهادة وكتمانها ( عليم ) .


الإعراب:

(وَإِنْ) الواو استئنافية إن شرطية جازمة (كُنْتُمْ) فعل ماض ناقص والتاء اسمها وهو فعل الشرط (عَلى سَفَرٍ) متعلقان بمحذوف خبر (وَلَمْ تَجِدُوا) الواو حالية لم حرف نفي وجزم وقلب تجدوا مضارع مجزوم والواو فاعل (كاتِبًا) مفعول به (فَرِهانٌ) الفاء رابطة لجواب الشرط رهان خبر لمبتدأ محذوف تقديره: فالضمان رهان أو مبتدأ والخبر محذوف (مَقْبُوضَةٌ) صفة لرهان والجملة في محل جزم جواب الشرط (فَإِنْ) الفاء عاطفة إن شرطية جازمة (أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) فعل ماض وفاعل ومفعول به والجملة معطوفة.

(فَلْيُؤَدِّ) الفاء رابطة يؤد مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة والجملة في محل جزم جواب الشرط (الَّذِي) اسم موصول فاعل (اؤْتُمِنَ) فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل هو.

(أَمانَتَهُ) مفعول به والجملة صلة الموصول (وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) تقدم إعرابها (وَلا تَكْتُمُوا) الشهادة الجملة معطوفة.

(وَمَنْ يَكْتُمْها) الواو استئنافية من اسم شرط مبتدأ يكتمها فعل مضارع مجزوم فعل الشرط (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) الفاء رابطة إن واسمها وخبرها وقلبه فاعل لاسم الفاعل آثم. وفعل الشرط وجوابه خبر من (وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) اللّه لفظ الجلالة مبتدأ وعليم خبر والجملة الاسمية مستأنفة. بما متعلقان بعليم وجملة: (تعملون) صلة الموصول.

---

Traslation and Transliteration:

Wain kuntum AAala safarin walam tajidoo katiban farihanun maqboodatun fain amina baAAdukum baAAdan falyuaddi allathee itumina amanatahu walyattaqi Allaha rabbahu wala taktumoo alshshahadata waman yaktumha fainnahu athimun qalbuhu waAllahu bima taAAmaloona AAaleemun

بيانات السورة

اسم السورة سورة البقرة (Al-Baqara - The Cow)
ترتيبها 2
عدد آياتها 286
عدد كلماتها 6144
عدد حروفها 25613
معنى اسمها (البَقَرَةُ) مِنْ أَصْنَافِ بَهِيمَةِ الأَنعَامِ، وهِيَ: (الإِبِلُ والبَقَرُ وَالغَنَمُ)
سبب تسميتها انفِرَادُ السُّورَةِ بذِكْرِ قِصَّةِ بَقَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (البَقَرَةِ)، وتُلقَّبُ بِـ(سَنَامِ القُرْآنِ)، و(فُسْطَاطِ القُرْآنِ)، وَ(الزَّهْرَاءِ)
مقاصدها الاسْتِجَابَةُ لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى وَالامْتِثَالُ الكَامِلُ لَهُ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنْقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها بَرَكَةٌ عَجِيبَةٌ لِقَارِئِهَا، قَالَ ﷺ: «اقْرَؤُوا البَقَرَةَ؛ فَإِنَّ أَخذَها بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ». (رَوَاهُ مُسْلِم). عِلَاجٌ مِنَ السِّحْرِ وَالْعَينِ وَالحَسَدِ، قَالَ ﷺ: «وَلَا يَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ؛ أَيِ: السَّحَرَةُ». (رَوَاهُ مُسْلِم). طَارِدَةٌ لِلشَّيَاطِينِ، قَالَ ﷺ: «وَإِنَّ البَيْتَ الَّذِي تُقرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ لَا يدخُلُهُ شَيطَانٌ». (رَوَاهُ مُسْلِم). هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (البَقَرَةِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ صِفَاتِ المُتَّقِينَ. فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ﴾ ... الآيَاتِ، وقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ﴾... الآيَاتِ.. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (البَقَرَةِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الفَاتِحَةِ): لَمَّا قَالَ العَبْدُ فِي خِتَامِ (الفَاتِحَةِ): ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦﴾. قِيلَ لَهُ فِي فَاتِحَةِ (البَقَرَةِ): ﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ٢﴾ هُوَ مَطْلُوبُكَ وَفِيهِ حَاجَتُكَ.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!