الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الأنبياء: [الآية 87]

سورة الأنبياء
وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴿87﴾

تفسير الجلالين:

«و» اذكر «ذا النون» صاحب الحوت وهو يونس بن متى ويبدل منه «إذ ذهب مغاضباً» لقومه أي غضبان عليهم مما قاسى منهم ولم يؤذن له في ذلك «فظن أن لن نقدر عليه» أي نقضي عليه بما قضيناه من حبسه في بطن الحوت، أو نضيق عليه بذلك «فنادى في الظلمات» ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت «أن» أي بأن «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» في ذهابي من بين قومي بلا إذن.

تفسير الشيخ محي الدين:

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (111) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (112 (

[ "قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ " ]

«قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ» أي الحق الذي شرعت لنا ليثبت صدقي عند من أرسلتني إليهم فيما أرسلتني به ، فجاء بلفظ يدل على أنه وقع فقال تعالى مخبرا «قالَ» وهو عند العامة ما وقع ، فإنه يوم القيامة ، وما أخبر اللّه إلا بالواقع ، فلا بد أن يكون ثم حضرة إلهية فيها وقوع الأشياء دائما ، لا يتقيد بالماضي فيقال قد وقعت ، ولا بالمستقبل فيقال تقع ، ولكن


متعلقها الحال الدائم ، والحال له الوجود ، ومن هذه الحضرة الإلهية عنها تقع الإخبارات بالماضي والمستقبل ، والألف واللام في الحق للحق المعهود الذي بعث به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، أي بما شرعت لي وأرسلتني به ، فإن اللّه لا يعاملنا إلا بما شرع لنا لا بغير ذلك ، ألا تراه قد أمر نبيه صلّى اللّه عليه وسلم أن يسأله يوم القيامة أن يحكم بالحق الذي بعثه به بين عباده وبيده ، فقال تعالى آمرا «قل» يا محمد ، وهي قراءة «رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ» أي فليكن حكمك في الأمم يوم القيامة بما شرعت لهم وبعثتنا به إليهم .

فإن ذلك مما يراد ، فإنك ما أرسلتنا إلا بما تريد حتى يثبت صدقنا عندهم ، وتقوم الحجة عليهم إذا حكم الحق في كل أمة بما أرسل به نبيه إليهم ، وبهذا تكون للّه الحجة البالغة ، فما حكم إلا بما شرع وأمر عبده أن يسأله تعالى في ذلك حتى يكون حكمه فيه عن سؤال عبده ، كما كان حكم العبد بما قيده من الشرع عن أمر ربه ، وأكثر من هذا التنزل الإلهي إلى العباد ما يكون ، وهل يحكم اللّه إلا بالحق ، فجعل الحق نفسه في هذه الآية مأمورا لنبيه عليه السلام ، فإن لفظة احكم أمر ، وأمره سبحانه أن يقول له ذلك ، فإن اللّه ما يعامل العبد بأمر إلا قد عامل به نفسه ، فأوجب على نفسه كما أوجب عليك ، ودخل لك تحت العهد كما أدخلك تحت العهد ، فما أمرك بشيء إلّا وقد جعل على نفسه مثل ذلك ، هذا لتكون له الحجة البالغة ، ووفى بكل ما أوجبه على نفسه ، وطلب منك الوفاء بما أوجبه عليك ،

أليس هذا من لطفه ؟ أليس هذا من كرمه ؟

ألا تراه تعالى لما قال لنبيه داود «فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوىقال تعالى جبرا لقلب خلفائه «قل» يا محمد «رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ» فيحكم بنفسه تعالى بالحق الذي بعث به رسله ليصدقهم عند عبيده فعلا بحكمه ، كما صدقهم في حال احتجابه بما أيدهم به من الآيات ، ولما كان الأصل في الحكم المشروع غلبة الظنّ ،

فإن الحاكم لا يحكم إلا بشهادة الشاهد ، وهو ليس قاطعا فيما شهد به من ذلك ، فما اختلف العلماء في حكم الحاكم بين الخصمين بغلبة الظن ، واختلفوا في حكمه بعلمه ، فكانت غلبة الظن في هذا النوع أصلا متفقا عليه ويرجع إليه ،

وكان العلم في ذلك مختلفا فيه ، والحق تعالى وإن لم يكن عنده إلا العلم فإنه يحكم بالشهود ، ولذلك جاء «قل رب احكم بالحق» أي بما شرعت لي وأرسلتني به ، فمع علمه تعالى يقيم على خلقه يوم القيامة الشهود ، فلا يعاقبهم إلا بعد إقامة البينة عليهم مع علمه ، وبهذا قال من قال : إنه ليس للحاكم أن يحكم بعلمه ، أما في العالم فللتهمة بما له


من الغرض ، وأما في جانب الحق فلإقامة الحجة على المحكوم عليه ، حتى لا يأخذه في الآخرة إلا بما شرع له من الحكم في الدنيا على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلم ، ولهذا يقول الرسول لربه عن أمر ربه" رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ "

يعني بالحق الذي بعثتني به وشرعت لي أن أحكم به فيهم «وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ» لولا ما هو الرحمن ما اجترأ العبد أن يقول رب احكم بالحق ، فإنه تعالى ما يحكم إلا بالحق

- الوجه الثاني -جعل اللّه في الوجود كتابين ، كتابا سماه أمّا ، فيه ما كان قبل إيجاده وما يكون ، كتبه بحكم الاسم المقيت ، فهو كتاب ذو قدر معلوم فيه بعض أعيان الممكنات وما يتكون عنها ،

وكتابا آخر ليس فيه سوى ما يتكون عن المكلفين خاصة ، فلا تزال الكتابة فيه ما دام التكليف ، وبه تقوم الحجة للّه على المكلفين ، وبه يطالبهم لا بالأم ، وهذا هو الإمام الحق المبين الذي يحكم به الحق تعالى الذي أخبرنا اللّه في كتابه أنه أمر نبيه أن يقول لربه «احْكُمْ بِالْحَقِّ» ، يريد هذا الكتاب ،

وهو كتاب الإحصاء فلا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وكل صغير وكبير مستطر ، وهو منصوص عليه في الأم .

(22) سورة الحج مدنيّة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

------------

(112) الفتوحات ج 2 / 52 ، 92 - ج 4 / 235 - ج 2 / 92 - ج 1 / 579">579 - ج 4 / 235 - ج 1 / 579">579 - ج 3 / 364 ، 76 ، 364 -ح 4 / 26 - ج 1 / 597 - ج 3 / 476 - ج 4 / 54 - ج 3 / 112

تفسير ابن كثير:

هذه القصة مذكورة هاهنا وفي سورة " الصافات " وفي سورة " ن " وذلك أن يونس بن متى ، عليه السلام ، بعثه الله إلى أهل قرية " نينوى " ، وهي قرية من أرض الموصل ، فدعاهم إلى الله ، فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم ، فخرج من بين أظهرهم مغاضبا لهم ، ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث . فلما تحققوا منه ذلك ، وعلموا أن النبي لا يكذب ، خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم ومواشيهم ، وفرقوا بين الأمهات وأولادها ، ثم تضرعوا إلى الله عز وجل ، وجأروا إليه ، ورغت الإبل وفصلانها ، وخارت البقر وأولادها ، وثغت الغنم وحملانها ، فرفع الله عنهم العذاب ، قال الله تعالى : ( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ) [ يونس : 98 ] .

وأما يونس ، عليه السلام ، فإنه ذهب فركب مع قوم في سفينة فلججت بهم ، وخافوا أن يغرقوا . فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه ، فوقعت القرعة على يونس ، فأبوا أن يلقوه ، ثم أعادوا القرعة فوقعت عليه أيضا ، فأبوا ، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضا ، قال الله تعالى : ( فساهم فكان من المدحضين ) [ الصافات : 141 ] ، أي : وقعت عليه القرعة ، فقام يونس ، عليه السلام ، وتجرد من ثيابه ، ثم ألقى نفسه في البحر ، وقد أرسل الله ، سبحانه وتعالى ، من البحر الأخضر - فيما قاله ابن مسعود - حوتا يشق البحار ، حتى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من السفينة ، فأوحى الله إلى ذلك الحوت ألا تأكل له لحما ، ولا تهشم له عظما; فإن يونس ليس لك رزقا ، وإنما بطنك له يكون سجنا .

وقوله : ( وذا النون ) يعني : الحوت ، صحت الإضافة إليه بهذه النسبة .

وقوله : ( إذ ذهب مغاضبا ) : قال الضحاك : لقومه ، ( فظن أن لن نقدر عليه ) [ أي : نضيق عليه في بطن الحوت . يروى نحو هذا عن ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وغيرهم ، واختاره ابن جرير ، واستشهد عليه بقوله تعالى : ( ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا ) [ الطلاق : 7 ] .

وقال عطية العوفي : ( فظن أن لن نقدر عليه ) ، أي : نقضي عليه ، كأنه جعل ذلك بمعنى التقدير ، فإن العرب تقول : قدر وقدر بمعنى واحد ، وقال الشاعر :

فلا عائد ذاك الزمان الذي مضى تباركت ما تقدر يكن ، فلك الأمر

ومنه قوله تعالى : ( فالتقى الماء على أمر قد قدر ) [ القمر : 12 ] ، أي : قدر .

وقوله : ( فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) قال ابن مسعود : ظلمة بطن الحوت ، وظلمة البحر ، وظلمة الليل . وكذا روي عن ابن عباس ، وعمرو بن ميمون ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن كعب ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة .

وقال سالم بن أبي الجعد : ظلمة حوت في بطن حوت في ظلمة البحر .

قال ابن مسعود ، وابن عباس وغيرهما : وذلك أنه ذهب به الحوت في البحار يشقها ، حتى انتهى به إلى قرار البحر ، فسمع يونس تسبيح الحصى في قراره ، فعند ذلك وهنالك قال : ( لا إله إلا أنت سبحانك )

وقال عوف : لما صار يونس في بطن الحوت ، ظن أنه قد مات ، ثم حرك رجليه فلما تحركت سجد مكانه ، ثم نادى : يا رب ، اتخذت لك مسجدا في موضع ما اتخذه أحد .

وقال سعيد بن أبي الحسن البصري : مكث في بطن الحوت أربعين يوما . رواهما ابن جبير .

وقال محمد بن إسحاق بن يسار ، عمن حدثه ، عن عبد الله بن رافع - مولى أم سلمة - سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت ، أوحى الله إلى الحوت أن خذه ، ولا تخدش لحما ولا تكسر عظما ، فلما انتهى به إلى أسفل البحر ، سمع يونس حسا ، فقال في نفسه : ما هذا؟ فأوحى الله إليه ، وهو في بطن الحوت : إن هذا تسبيح دواب البحر . قال : فسبح وهو في بطن الحوت ، فسمع الملائكة تسبيحه فقالوا : يا ربنا ، إنا نسمع صوتا ضعيفا [ بأرض غريبة ] قال : ذلك عبدي يونس ، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر . قالوا : العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ . قال : نعم " . قال : " فشفعوا له عند ذلك ، فأمر الحوت فقذفه في الساحل ، كما قال الله عز وجل : ( وهو سقيم ) [ الصافات : 145 ] .

ورواه ابن جرير ، ورواه البزار في مسنده ، من طريق محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن رافع ، عن أبي هريرة ، فذكره بنحوه ، ثم قال : لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد ، وروى ابن عبد الحق من حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن علي مرفوعا : لا ينبغي لعبد أن يقول : " أنا خير من يونس بن متى " ; سبح لله في الظلمات .

وقد روي هذا الحديث بدون هذه الزيادة ، من حديث ابن عباس ، وابن مسعود ، وعبد الله بن جعفر ، وسيأتي أسانيدها في سورة " ن " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب ، حدثنا عمي : حدثني أبو صخر : أن يزيد الرقاشي حدثه قال : سمعت أنس بن مالك - ولا أعلم إلا أن أنسا يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن يونس النبي ، عليه السلام ، حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت ، قال : " اللهم ، لا إله إلا أنت ، سبحانك ، إني كنت من الظالمين " . فأقبلت هذه الدعوة تحف بالعرش ، فقالت الملائكة : يا رب ، صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة؟ فقال : أما تعرفون ذاك ؟ قالوا : لا يا رب ، ومن هو؟ قال : عبدي يونس . قالوا : عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ، ودعوة مجابة؟ . [ قال : نعم ] . قالوا : يا رب ، أولا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه من البلاء؟ قال : بلى . فأمر الحوت فطرحه في العراء .


تفسير الطبري :

قوله تعالى {وذا النون} أي واذكر {ذا النون} وهو لقب ليونس بن متى لابتلاع النون إياه. والنون الحوت. وفي حديث عثمان رضي الله عنه أنه رأى صبيا مليحا فقال : دسموا نونته كي لا تصيبه العين. روى ثعلب عن ابن الأعرابي : النونة النقبة التي تكون في ذقن الصبي الصغير، ومعنى دسموا سودوا. قوله تعالى {إذ ذهب مغاضبا} قال الحسن والشعبي وسعيد بن جبير : مغاضبا لربه عز وجل. واختاره الطبري والقتبي واستحسنه المهدوي، وروي عن ابن مسعود. وقال النحاس : وربما أنكره هذا من لا يعرف اللغة وهو قول صحيح. والمعنى : مغاضبا من أجل ربه، كما تقول : غضبت لك أي من أجلك. والمؤمن يغضب لله عز وجل إذا عصي. وأكثر أهل اللغة يذهب إلى أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : (اشترطي لهم الولاء) من هذا. وبالغ القتبي في نصرة هذا القول. وفي الخبر في وصف يونس : إنه كان ضيق الصدر فلما حمل أعباء النبوة تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل، فمضى على وجهه مضي الآبق الناد. وهذه المغاضبة كانت صغيرة. ولم يغضب على الله ولكن غضب لله إذ رفع العذاب عنهم. وقال ابن مسعود : أبق من ربه أي من أمر ربه حتى أمره بالعودة إليهم بعد رفع العذاب عنهم. فإنه كان يتوعد قومه بنزول العذاب في وقت معلوم، وخرج من عندهم في ذلك الوقت، فأظلهم العذاب فتضرعوا فرفع عنهم ولم يعلم يونس بتوبتهم؛ فلذلك ذهب مغاضبا وكان من حقه ألا يذهب إلا بإذن محدد. وقال الحسن : أمره الله تعالى بالمسيرة إلى قومه فسأل أن ينظر ليتأهب، فأعجله الله حتى سأل أن يأخذ نعلا ليلبسها فلم ينظر، وقيل له : الأمر أعجل من ذلك - وكان في خلقه ضيق - فخرج مغاضبا لربه، فهذا قول وقول النحاس أحسن ما قيل في تأويله. أي خرج مغاضبا من أجل ربه، أي غضب على قومه من أجل كفرهم بربه وقيل : إنه غاضب قومه حين طال عليه أمرهم وتعنتهم فذهب فارا بنفسه، ولم يصبر على أذاهم وقد كان الله أمره بملازمتهم والدعاء، فكان ذنبه خروجه من بينهم من غير إذن من الله. روي عن ابن عباس والضحاك، وأن يونس كان شابا ولم يحمل أثقال النبوة؛ ولهذا قيل للنبي صلى الله عليه وسلم {ولا تكن كصاحب الحوت}[القلم : 48]. وعن الضحاك أيضا خرج مغاضبا لقومه؛ لأن قومه لما لم يقبلوا منه وهو رسول من الله عز وجل كفروا بهذا فوجب أن يغاضبهم، وعلى كل أحد أن يغاضب من عصى الله عز وجل. وقالت فرقة منهم الأخفش : إنما خرج مغاضبا للملك الذي كان على قومه. قال ابن عباس : أراد شعيا النبي والملك الذي كان في وقته اسمه حزقيا أن يبعثوا يونس إلى ملك نينوى، وكان غزا بني إسرائيل وسبى الكثير منهم ليكلمه حتى يرسل معه بني إسرائيل، وكان الأنبياء في ذلك الزمان يوحى إليهم، والأمر والسياسة إلى ملك قد اختاروه فيعمل على وحي ذلك النبي، وكان أوحى الله لشعيا : أن قل لحزقيا الملك أن يختار نبيا قويا أمينا من بني إسرائيل فيبعثه إلى أهل نينوى فيأمرهم بالتخلية عن بني إسرائيل فإني ملق في قلوب ملوكهم وجبابرتهم التخلية عنهم. فقال يونس لشعيا : هل أمرك الله بإخراجي؟ قال : لا. قال : فهل سماني لك؟ قال : لا. قال فها هنا أنبياء أمناء أقوياء. فألحوا عليه فخرج مغاضبا للنبي الملك وقومه، فأتى بحر الروم وكان من قصته ما كان؛ فابتلي ببطن الحوت لتركه أمر شعيا؛ ولهذا قال الله تعالى {فالتقمه الحوت وهو مليم}[الصافات : 142] والمليم من فعل ما يلام عليه. وكان ما فعله إما صغيرة أو ترك الأولى. وقيل : خرج ولم يكن نبيا في ذلك الوقت ولكن أمره ملك من ملوك بني إسرائيل أن يأتي نينوى؛ ليدعو أهلها بأمر شعيا فأنف أن يكون ذهابه إليهم بأمر أحد غير الله، فخرج مغاضبا للملك؛ فلما نجا من بطن الحوت بعثه الله إلى قومه فدعاهم وآمنوا به. وقال القشيري : والأظهر أن هذه المغاضبة كانت بعد إرسال الله تعالى إياه، وبعد رفع العذاب عن القوم بعد ما أظلهم؛ فإنه كره رفع العذاب عنهم. قلت : هذا أحسن ما قيل فيه على ما يأتي بيانه في [والصافات] إن شاء الله تعالى. وقيل : إنه كان من أخلاق قومه قتل من جربوا عليه الكذب فخشي أن يقتل فغضب، وخرج فارا على وجهه حتى ركب في سفينة فسكنت ولم تجر. فقال أهلها : أفيكم آبق؟ فقال : أنا هو. وكان من قصته ما كان، وابتلي ببطن الحوت تمحيصا من الصغيرة كما قال في أهل أحد {حتى إذا فشلتم}[آل عمران : 152] إلى قوله {وليمحص الله الذين آمنوا}[آل عمران : 141] فمعاصي الأنبياء مغفورة، ولكن قد يجري تمحيص ويتضمن ذلك زجرا عن المعاودة. وقول رابع : إنه لم يغاضب ربه، ولا قومه، ولا الملك، وأنه من قولهم غضب إذا أنف. وفاعل قد يكون من واحد؛ فالمعنى أنه لما وعد قومه بالعذاب وخرج عنهم تابوا وكشف عنهم العذاب، فلما رجع وعلم أنهم لم يهلكوا أنف من ذلك فخرج آبقا. وينشد هذا البيت : وأغضب أن تهجي تميم بداوم أي آنف. وهذا فيه نظر؛ فإنه يقال لصاحب هذا القول : إن تلك المغاضبة وإن كانت من الأنفة، فالأنفة لا بد أن يخالطها الغضب وإن ذلك دق على من كان؟! وأنت تقول لم يغضب على ربه ولا على قومه. قوله تعالى {فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات} قيل : معناه استنزله إبليس ووقع في ظنه إمكان ألا يقدر الله عليه بمعاقبته. وهذا قول مردود مرغوب عنه؛ لأنه كفر. روي عن سعيد بن جبير حكاه عنه المهدوي، والثعلبي عن الحسن وذكر الثعلبي وقال عطاء وسعيد بن جبير وكثير من العلماء معناه : فظن أن لن نضيق عليه. الحسن : هو من قوله تعالى {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر}[الرعد : 26] أي يضيق. وقوله {ومن قدر عليه رزقه}[الطلاق : 7]. قلت : وهذا الأشبه بقول سعيد والحسن وقدر وقدر وقتر وقتر بمعنى، أي ضيق وهو قول ابن عباس فيما ذكره الماوردي والمهدوي. وقيل : هو من القدر الذي هو القضاء والحكم؛ أي فظن أن لن نقضي عليه بالعقوبة؛ قال قتادة ومجاهد والفراء. مأخوذ من القدر وهو الحكم دون القدرة والاستطاعة. وروي عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، أنه قال في قول الله عز وجل {فظن أن لن نقدر عليه} هو من التقدير ليس من القدرة، يقال منه : قدر الله لك الخير يقدره قدرا، بمعنى قدر الله لك الخير. وأنشد ثعلب : فليست عشيات اللوى برواجع ** لنا أبدا ما أورق السلم النضر ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى ** تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر يعني ما تقدره وتقضي به يقع. وعلى هذين التأويلين العلماء. وقرأ عمر بن عبدالعزيز والزهري {فظن أن لن نُقدِّر عليه} بضم النون وتشديد الدال من التقدير. وحكى هذه القراءة الماوردي عن ابن عباس. وقرأ عبيد بن عمير وقتادة والأعرج {أن لن يقدر عليه} بضم الياء مشددا على، الفعل المجهول. وقرأ يعقوب وعبدالله بن أبي إسحاق والحسن وابن عباس أيضا {يُقْدَر عليه} بياء مضمومة وفتح الدال مخففا على الفعل المجهول. وعن الحسن أيضا {فظن أن لن يقدر عليه}. الباقون {نقدر} بفتح النون وكسر الدال وكله بمعنى التقدير. قلت : وهذان التأويلان تأولهما العلماء في قول الرجل الذي لم يعمل خيرا قط لأهله إذا مات فحرقوه (فوالله لئن قدر الله على) الحديث فعلى التأويل الأول يكون تقديره : والله لئن ضيق الله علي وبالغ في محاسبتي وجزائي على ذنوبي ليكونن ذلك، ثم أمر أن يحرق بإفراط خوفه. وعلى التأويل الثاني : أي لئن كان سبق في قدر الله وقضائه أن يعذب كل ذي جرم على جرمه ليعذبني الله على إجرامي وذنوبي عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين غيري. وحديثه خرجه الأئمة في الموطأ وغيره. والرجل كان مؤمنا موحدا. وقد جاء في بعض طرقه (لم يعمل خيرا إلا التوحيد) وقد قال حين قال الله تعالى : لم فعلت هذا؟ قال : من خشيتك يا رب. والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق؛ قال الله تعالى{إنما يخشى الله من عباده العلماء}. [فاطر : 28]. وقد قيل : إن معنى {فظن أن لن نقدر عليه} الاستفهام وتقديره : أفظن، فحذف ألف الاستفهام إيجازا؛ وهو قول سليمان {أبو} المعتمر. وحكى القاضي منذر بن سعيد : أن بعضهم قرأ {أفظن} بالألف. قوله تعالى {فنادى في الظلمات} اختلف العلماء في جمع الظلمات ما المراد به، فقالت فرقة منهم ابن عباس وقتادة : ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة الحوت. وذكر ابن أبي الدنيا حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عبيدالله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال حدثنا عبدالله بن مسعود في بيت المال قال : لما ابتلع الحوت يونس عليه السلام أهوى به إلى قرار الأرض، فسمع يونس تسبيح الحصى فنادى في الظلمات ظلمات ثلاث : ظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، وظلمة البحر {أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} {فنبذناه بالعراء وهو سقيم}[الصافات : 145] كهيئة الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش. وقالت فرقة منهم سالم بن أبي الجعد : ظلمة البحر، وظلمة حوت التقم الحوت الأول. ويصح أن يعبر بالظلمات عن جوف الحوت الأول فقط؛ كما قال {في غيابة الجب}[يوسف : 10] وفي كل جهاته ظلمة فجمعها سائغ. وذكر الماوردي : أنه يحتمل أن يعبر بالظلمات عن ظلمة الخطيئة، وظلمة الشدة، وظلمة الوحدة. وروي : أن الله تعالى أوحى إلى الحوت {لا تؤذ منه شعرة فإني جعلت بطنك سجنه ولم أجعله طعامك} وروي : أن يونس عليه السلام سجد في جوف الحوت حين سمع تسبيح الحيتان في قعر البحر. وذكر ابن أبي الدنيا حدثنا العباس بن يزيد العبدي حدثنا إسحاق بن إدريس حدثنا جعفر بن سليمان عن عوف عن سعيد بن أبي الحسن قال : لما التقم الحوت يونس عليه السلام ظن أنه قد مات فطول رجليه فإذا هو لم يمت فقام إلى عادته يصلي فقال في دعائه {واتخذت لك مسجدا حيث لم يتخذه أحد}. وقال أبو المعالي : قوله صلى الله عليه وسلم (لا تفضلوني على يونس بن متى) المعنى فإني لم أكن وأنا في سدرة المنتهى بأقرب إلى الله منه، وهو في قعر البحر في بطن الحوت. وهذا يدل على أن الباري سبحانه وتعالى ليس في جهة. وقد تقدم هذا المعنى في [البقرة] و[الأعراف]. {أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} يريد فيما خالف فيه من ترك مداومة قومه والصبر عليهم وقيل : في الخروج من غير أن يؤذن له. ولم يكن ذلك من الله عقوبة؛ لأن الأنبياء لا يجوز أن يعاقبوا، وإنما كان ذلك تمحيصا. وقد يؤدب من لا يستحق العقاب كالصبيان؛ ذكره الماوردي. وقيل : من الظالمين في دعائي على قومي بالعذاب. وقد دعا نوح على قومه فلم يؤاخذ. وقال الواسطي في معناه : نزه ربه عن الظلم وأضاف الظلم إلى نفسه اعترافا واستحقاقا. ومثل هذا قول آدم وحواء {ربنا ظلمنا أنفسنا}[الأعراف : 23] إذ كانا السبب في وضعهما أنفسهما في غير الموضع الذي أنزلا فيه. روى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (دعاء ذي النون في بطن الحوت { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} لم يدع به رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له) وقد قيل : إنه اسم الله الأعظم ورواه سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الخبر : في هذه الآية شرط الله لمن دعاه أن يجيبه كما أجابه كما به وينجيه كما أنجاه، وهو قوله {وكذلك ننجي المؤمنين} وليس ههنا صريح دعاء وهو وإنما هو مضمون قوله {إني كنت من الظالمين} فاعترف بالظلم فكان تلويحا. قوله تعالى {وكذلك ننجي المؤمنين} أي نخلصهم من همهم بما سبق من عملهم. وذلك قوله {فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون}[الصافات : 143 - 144] وهذا حفظ من الله عز وجل لعبده يونس رعى له حق تعبده، وحفظ زمام ما سلف له من الطاعة. وقال الأستاذ أبو إسحاق : صحب ذو النون الحوت أياما قلائل فإلي يوم القيامة يقال له ذو النون، فما ظنك بعبد عبده سبعين سنة يبطل هذا عنده! لا يظن به ذلك. {من الغم} أي من بطن الحوت. قوله تعالى {وكذلك ننجي المؤمنين} قراءة العامة بنونين من أنجي ينجي. وقرأ ابن عامر {نجي} بنون واحدة وجيم مشددة وتسكين الياء على الفعل الماضي وإضمار المصدر أي وكذلك نجي النجاء المؤمنين؛ كما تقول : ضرب زيدا بمعنى ضرب الضرب زيدا وأنشد : ولو ولدت قفيرة جرو كلب ** لسب بذلك الجرو الكلابا أراد لسب السب بذلك الجرو. وسكنت ياؤه على لغة من يقول بقي ورضي فلا يحرك الياء. وقرأ الحسن {وذروا ما بقي من الربا}[البقرة : 278] استثقالا لتحريك ياء قبلها كسرة. وأنشد : خمر الشيب لمتي تخميرا ** وحدا بي إلى القبور البعيرا ليت شعري إذا القيامة قامت ** ودعي بالحساب أين المصيرا سكن الياء في دعي استثقالا لتحريكها وقبلها كسرة وفاعل حدا المشيب؛ أي وحدا المشيب البعير؛ ليت شعري المصير أين هو. هذا تأويل الفراء وأبي عبيد وثعلب في تصويب هذه القراءة. وخطأها أبو حاتم والزجاج وقالوا : هو لحن؛ لأنه نصب اسم ما لم يسم فاعله؛ وإنما يقال : نجي المؤمنون. كما يقال : كرم الصالحون. ولا يجوز ضرب زيدا بمعنى ضرب الضرب زيدا؛ لأنه لا فائدة [فيه] إذ كان ضرب يدل على الضرب. ولا يجوز أن يحتج بمثل ذلك البيت على كتاب الله تعالى. ولأبي عبيد قول آخر - وقال القتبي - وهو أنه أدغم النون في الجيم. النحاس : وهذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين؛ لبعد مخرج النون من مخرج الجيم فلا تدغم فيها، ولا يجوز في {من جاء بالحسنة} {مجاء بالحسنة} قال النحاس : ولم أسمع في هذا أحسن من شيء سمعته من علي بن سليمان. قال : الأصل ننجي فحذف إحدى النونين؛ لاجتماعهما كما تحذف إحدى التاءين؛ لاجتماعهما نحو قوله عز وجل {ولا تفرقوا}[آل عمران : 103] والأصل تتفرقوا. وقرأ محمد بن السميقع وأبو العالية {وكذلك نجى المؤمنين} أي نجى الله المؤمنين؛ وهي حسنة.

التفسير الميسّر:

واذكر قصة صاحب الحوت، وهو يونس بن مَتَّى عليه السلام، أرسله الله إلى قومه فدعاهم فلم يؤمنوا، فتوعَّدهم بالعذاب فلم ينيبوا، ولم يصبر عليهم كما أمره الله، وخرج مِن بينهم غاضبًا عليهم، ضائقًا صدره بعصيانهم، وظن أن الله لن يضيِّق عليه ويؤاخذه بهذه المخالفة، فابتلاه الله بشدة الضيق والحبس، والتقمه الحوت في البحر، فنادى ربه في ظلمات الليل والبحر وبطن الحوت تائبًا معترفًا بظلمه؛ لتركه الصبر على قومه، قائلا: لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين.

تفسير السعدي

أي: واذكر عبدنا ورسولنا ذا النون وهو: يونس، أي: صاحب النون، وهي الحوت، بالذكر الجميل، والثناء الحسن، فإن الله تعالى أرسله إلى قومه، فدعاهم، فلم يؤمنوا فوعدهم بنزول العذاب بأمد سماه لهم.

[فجاءهم العذاب] ورأوه عيانا، فعجوا إلى الله، وضجوا وتابوا، فرفع الله عنهم العذاب كما قال تعالى: { فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } وقال: { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } وهذه الأمة العظيمة، الذين آمنوا بدعوة يونس، من أكبر فضائله. ولكنه عليه الصلاة والسلام، ذهب مغاضبا، وأبق عن ربه لذنب من الذنوب، التي لم يذكرها الله لنا في كتابه، ولا حاجة لنا إلى تعيينها [لقوله: { إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ } { وَهُوَ مُلِيمٌ } أي: فاعل ما يلام عليه] والظاهر أن عجلته ومغاضبته لقومه وخروجه من بين أظهرهم قبل أن يأمره الله بذلك، ظن أن الله لا يقدر عليه، أي: يضيق عليه في بطن الحوت أو ظن أنه سيفوت الله تعالى، ولا مانع من عروض هذا الظن للكمل من الخلق على وجه لا يستقر، ولا يستمر عليه، فركب في السفينة مع أناس، فاقترعوا، من يلقون منهم في البحر؟ لما خافوا الغرق إن بقوا كلهم، فأصابت القرعة يونس، فالتقمه الحوت، وذهب به إلى ظلمات البحار، فنادى في تلك الظلمات: { لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } فأقر لله تعالى بكمال الألوهية، ونزهه عن كل نقص، وعيب وآفة، واعترف بظلم نفسه وجنايته.


تفسير البغوي

قوله عز وجل ( وذا النون ) أي اذكر صاحب الحوت وهو يونس بن متى ، ( إذ ذهب مغاضبا ) اختلفوا في معناه

فقال الضحاك : مغاضبا لقومه وهو رواية العوفي وغيره عن ابن عباس ، قال كان يونس وقومه يسكنون فلسطين 1 فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة أسباط ونصفا وبقي سبط ونصف فأوحى الله إلى شعياء النبي أن سر إلى حزقيل الملك وقل له حتى يوجه نبيا قويا فإني ألقي [ الرعب ] في قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بني إسرائيل ، فقال له الملك فمن ترى وكان في مملكته خمسة من الأنبياء فقال يونس : إنه قوي أمين فدعا الملك يونس فأمره أن يخرج فقال له يونس : هل أمرك الله بإخراجي؟ قال لا قال فهل سماني لك؟ قال لا قال فهاهنا غيري أنبياء أقوياء فألحوا عليه فخرج من بينهم مغاضبا للنبي وللملك ولقومه فأتى بحر الروم فركبه .

وقال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير وجماعة ذهب عن قومه مغاضبا لربه إذ كشف عن قومه العذاب بعدما أوعدهم وكره أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف فيما أوعدهم واستحيا منهم ولم يعلم السبب الذي به رفع العذاب وكان غضبه أنفة من ظهور خلف وعده وأنه يسمى كذابا لا كراهية لحكم الله تعالى .

وفي بعض الأخبار أنه كان من عادة قومه أن يقتلوا من جربوا عليه الكذب فخشي أن يقتلوه لما لم يأتهم العذاب للميعاد فغضب والمغاضبة هاهنا كالمفاعلة التي تكون من واحد كالمسافرة والمعاقبة فمعنى قوله مغاضبا أي : غضبان

وقال الحسن : إنما غضب ربه عز وجل من أجل أنه أمره بالمسير إلى قومه لينذرهم بأسه ويدعوهم إليه فسأل ربه أن ينظره ليتأهب للشخوص إليهم فقيل له إن الأمر أسرع من ذلك حتى سأل أن ينظر إلا أن يأخذ نعلا يلبسها فلم ينظر وكان في خلقه ضيق [ فذهب مغاضبا ] .

وعن ابن عباس ، قال أتى جبريل يونس فقال انطلق إلى أهل نينوى فأنذرهم قال ألتمس دابة قال الأمر أعجل من ذلك فغضب فانطلق إلى السفينة .

وقال وهب بن منبه : إن يونس بن متى كان عبدا صالحا وكان في خلقه ضيق فلما حمل عليه أثقال النبوة تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل فقذفها من يده وخرج هاربا منها فلذلك أخرجه الله من أولي العزم من الرسل وقال لنبيه [ محمد صلى الله عليه وسلم ] ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) ( الأحقاف 35 ) ، وقال : ( ولا تكن كصاحب الحوت ) ( القلم 48 ) .

قوله عز وجل ( فظن أن لن نقدر عليه ) أي لن نقضي بالعقوبة قاله مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي ، وهو رواية العوفي عن ابن عباس يقال قدر الله الشيء تقديرا وقدر يقدر قدرا بمعنى واحد ومنه قوله : ( نحن قدرنا بينكم الموت ) ( الواقعة 60 ) في قراءة من قرأها بالتخفيف دليل هذا التأويل قراءة عمر بن عبد العزيز والزهري : " فظن أن لن نقدر عليه " بالتشديد وقال عطاء وكثير من العلماء معناه فظن أن لن نضيق عليه الحبس من قوله تعالى : ( الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) ( الرعد : 26 ) ، أي يضيق وقال ابن زيد : هو استفهام معناه أفظن أنه يعجز ربه فلا يقدر عليه وقرأ يعقوب يقدر [ بضم الياء ] على المجهول خفيفا

وعن الحسن قال بلغني أن يونس لما أصاب الذنب انطلق مغاضبا لربه واستزله الشيطان حتى ظن أن لن نقدر عليه وكان له سلف وعبادة فأبى الله أن يدعه للشيطان فقذفه في بطن الحوت فمكث فيه أربعين من بين يوم وليلة . وقال عطاء : سبعة أيام [ وقيل ثلاثة أيام ] . وقيل إن الحوت ذهب به مسيرة ستة آلاف سنة . وقيل بلغ به تخوم الأرض السابعة فتاب إلى ربه تعالى في بطن الحوت وراجع نفسه فقال لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين حين عصيتك وما صنعت من شيء فلن أعبد غيرك فأخرجه الله من بطن الحوت برحمته والتأويلات المتقدمة أولى بحال الأنبياء أنه ذهب مغاضبا لقومه أو للملك ( فنادى في الظلمات ) أي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت ( أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )

وروي عن أبي هريرة مرفوعا أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحما ولا تكسر له عظما فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه في البحر فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسا فقال في نفسه ما هذا؟ فأوحى الله إليه أن هذا تسبيح دواب البحر ، قال فسبح وهو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا يا ربنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة وفي رواية صوتا معروفا من مكان مجهول ، فقال ذاك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت فقالوا العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال نعم فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت فقذفه إلى الساحل كما قال الله تعالى ( فنبذناه بالعراء وهو سقيم ) ( الصافات 145 ) .


الإعراب:

(وَذَا النُّونِ) معطوف على من ذكر من الأنبياء أو ذا مفعول به لفعل اذكر منصوب بالألف لأنه من الأسماء الخمسة والنون معناه الحوت مضاف إليه (إِذْ) ظرف زمان متعلق بالفعل المقدر اذكر (ذَهَبَ) ماض فاعله مستتر والجملة مضاف إليه (مُغاضِباً) حال منصوبة من الفاعل المستتر (فَظَنَّ) الفاء عاطفة وماض فاعله مستتر والجملة معطوفة (أَنْ) مخففة من أن الثقيلة واسمها ضمير الشأن (لَنْ) حرف نفي ونصب واستقبال (نَقْدِرَ) مضارع منصوب بلن فاعله مستتر (عَلَيْهِ) متعلقان بنقدر وأن وما بعدها سدت مسد مفعولي ظن (فَنادى) ماض مبني على الفتح المقدر على الألف فاعله مستتر تقديره هو والجملة معطوفة بالفاء على ما سبق (فِي الظُّلُماتِ) متعلقان بنادى (أَنْ) حرف مشبه بالفعل مخفف من أن الثقيلة واسمها ضمير الشأن تقديره أنه (لا) نافية للجنس (إِلهَ) اسمها (إِلَّا) أداة حصر (الله) لفظ الجلالة بدل والجملة خبر أن (سُبْحانَكَ) مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أسبح والكاف مضاف إليه والجملة مؤكدة للجملة السابقة (إِنِّي) إن واسمها (كُنْتُ) كان واسمها (مِنَ الظَّالِمِينَ) متعلقان بخبر كنت والجملة خبر إني وجملة إني تعليلية لا محل لها من الإعراب

---

Traslation and Transliteration:

Watha alnnooni ith thahaba mughadiban fathanna an lan naqdira AAalayhi fanada fee alththulumati an la ilaha illa anta subhanaka innee kuntu mina alththalimeena

بيانات السورة

اسم السورة سورة الأنبياء (Al-Anbiyaa - The Prophets)
ترتيبها 21
عدد آياتها 112
عدد كلماتها 1174
عدد حروفها 4925
معنى اسمها (الأَنْبِيَاءُ): جَمْعُ (نَبِيٍّ)، وَهُوَ مَنْ أُوْحِيَ إِلَيهِ لِتَقْرِيرِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ، وَالرَّسُولُ: مَنْ أُوْحِيَ إِلَيهِ بِشَرْعٍ جَدِيدٍ
سبب تسميتها لَمْ تُذْكَرْ مُفْرَدَةُ (الأَنْبِيَاءِ) فِي السُّورَة، وَلَكِنَّهَا انْفَرَدَتْ بِذِكْرِ قَصَصِ سِتَّةَ عَشْرَ نَبِيًّا؛ فَسُمِّيَتْ بِهِم (1)
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الأَنْبِيَاءِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ ﴿ٱقۡتَرَبَ﴾
مقاصدها بَيَانُ مُهِمَّةِ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ، وَرِعَايَةِ اللهِ وَلُطْفِهِ بِهِم
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِن صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ، فَعَنِ ابْنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: فِي (بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالكَهْفِ، وَمَرْيَمَ، وَطَهَ، وَالأنْبِيَاءِ) - «هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي». (رَوَاهُ البُخَارِيّ)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الأَنْبِيَاءَ عليه السلام) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ السَّاعَةِ وَعَلامَاتِهَا، فقَالَ تَعَالَى فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ ١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿هَٰذَا يَوۡمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ ١٠٣﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الأَنْبِيَاءَ عليه السلام) لِمَا قََبْلَهَا مِنْ سُورَةِ (طَهَ): لَمَّا خَتَمَ سُبحَانَهُ (طَهَ) بِذِكْرِ أَهْلِ الاسْتِقَامَةِ وَالهِدَايَةِ بِقَولِهِ: ﴿فَسَتَعۡلَمُونَ مَنۡ أَصۡحَٰبُ ٱلصِّرَٰطِ ٱلسَّوِيِّ وَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ ١٣٥﴾ افْتَتَحَ (الأَنْبِيَاءَ) بِذِكْرِ الغافلينَ عَنِ الهِدايَةِ، فَقَالَ: ﴿ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ ١﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!