«قال قائل منهم» هو يهوذا «لا تقتلوا يوسف وألقوه» اطرحوه «في غيابت الجب» مظلم البئر في قراءة بالجمع «يلتقطه بعض السيارة» المسافرين «إن كنتم فاعلين» ما أردتم من التفريق فاكتفوا بذلك.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْ فَلا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)
اعلم أن جميع هذا القصص إنما هو قناطر وجسور موضوعة نعبر عليها إلى ذواتنا وأحوالنا المختصة بنا ، فإن فيها منفعتنا ، إذ كان اللّه نصبها لنا معبرا ، لذلك قال تعالى «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ» فإن اللب يحجب بصورة القشر ، فلا يعلم اللب إلا من علم أن ثم لبا ، ولولا ذلك ما كسر القشر ، فيكون هذا القصص يذكرك بما فيك «ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» .
(13) سورة الرّعد مدنيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(111) كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار - الفتوحات ج 3 /
471 - كتاب الإسفار
( قال قائل منهم ) قال قتادة ، ومحمد بن إسحاق : كان أكبرهم واسمه روبيل . وقال السدي : الذي قال ذلك يهوذا . وقال مجاهد : هو شمعون ( لا تقتلوا يوسف ) أي : لا تصلوا في عداوته وبغضه إلى قتله ، ولم يكن لهم سبيل إلى قتله; لأن الله تعالى كان يريد منه أمرا لا بد من إمضائه وإتمامه ، من الإيحاء إليه بالنبوة ، ومن التمكين له ببلاد مصر والحكم بها ، فصرفهم الله عنه بمقالة روبيل فيه وإشارته عليهم بأن يلقوه في غيابة الجب ، وهو أسفله .
قال قتادة : وهي بئر بيت المقدس .
( يلتقطه بعض السيارة ) أي : المارة من المسافرين ، فتستريحوا بهذا ، ولا حاجة إلى قتله .
( إن كنتم فاعلين ) أي : إن كنتم عازمين على ما تقولون .
قال محمد بن إسحاق بن يسار : لقد اجتمعوا على أمر عظيم ، من قطيعة الرحم ، وعقوق الوالد ، وقلة الرأفة بالصغير الضرع الذي لا ذنب له ، وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة والفضل ، وخطره عند الله ، مع حق الوالد على ولده ، ليفرقوا بينه وبين ابنه وحبيبه ، على كبر سنه ، ورقة عظمه ، مع مكانه من الله فيمن أحبه طفلا صغيرا ، وبين أبيه على ضعف قوته وصغر سنه ، وحاجته إلى لطف والده وسكونه إليه ، يغفر الله لهم وهو أرحم الراحمين ، فقد احتملوا أمرا عظيما .
رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن الفضل ، عنه .
فيه ثلاث عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى{قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف} القائل هو يهوذا، وهو أكبر ولد يعقوب؛ قاله ابن عباس. وقيل : روبيل، وهو ابن خالته، وهو الذي قال {فلن أبرح الأرض} [
يوسف : 80] الآية. وقيل : شمعون. {وألقوه في غيابة الجب} قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة {في غيابة الجب}. وقرأ أهل المدينة {في غيابات الجب} واختار أبو عبيد التوحيد؛ لأنه على موضع واحد ألقوه فيه، وأنكر الجمع لهذا. قال النحاس : وهذا تضييق في اللغة؛ {وغيابات} على الجمع يجوز من وجهين : حكى سيبويه سِير عليه عشيانات وأصيلانات، يريد عشية وأصيلا، فجعل كل وقت منها عشية وأصيلا؛ فكذا جعل كل موضع مما يغيب غيابة. والآخر - أن يكون في الجب غيابات (جماعة). ويقال : غاب يغيب غيبا وغيابة وغيابا؛ كما قال الشاعر : ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث ** أنا ذاكما قد غيبتني غيابيا قال الهروي : والغيابة شبه لجف أو طاق في البئر فويق الماء، يغيب الشيء عن العين. وقال ابن عزيز : كل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة. قلت : ومنه قيل للقبر غيابة؛ قال الشاعر : فإن أنا يوما غيبتني غيابتي ** فسيروا بسيري في العشيرة والأهل والجب: الركية التي لم تطو، فإذا طويت فهي بئر؛ قال الأعشى : لئن كنت في جب ثمانين قامة ** ورقيت أسباب السماء بسلم وسميت جبا لأنها قطعت في الأرض قطعا؛ وجمع الجب: جِببة وجِباب وأجباب؛ وجمع بين الغيابة والجب لأنه أراد القوة في موضع مظلم من الجب حتى لا يلحقه نظر الناظرين. قيل: هو بئر بيت المقدس، وقيل: هو بالأردن؛ قاله وهب بن منبه، مقاتل : وهو على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب. الثانية: قوله تعالى{يلتقطه بعض السيارة} جزم على جواب الأمر. وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن وقتادة {تلتقطه} بالتاء، وهذا محمول على المعنى؛ لأن بعض السيارة سيارة؛ وقال سيبويه : سقطت بعض أصابعه، وأنشد : وتشرق بالقول الذي قد أذعته ** كما شرقت صدر القناة من الدم وقال آخر : أرى مر السنين أخذن مني ** كما أخذ السرار من الهلال ولم يقل شرق ولا أخذت. والسيارة الجمع الذي يسيرون في الطريق للسفر؛ وإنما قال القائل هذا حتى لا يحتاجوا إلى حمله إلى موضع بعيد ويحصل المقصود؛ فإن من التقطه من السيارة يحمله إلى موضع بعيد؛ وكان هذا وجها في التدبير حتى لا يحتاجوا إلى الحركة بأنفسهم، فربما لا يأذن لهم أبوهم، وربما يطلع على قصدهم. الثالثة: وفي هذا ما يدل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء لا أولاً ولا آخراً؛ لأن الأنبياء لا يدبرون في قتل مسلم، بل كانوا مسلمين، فارتكبوا معصية ثم تابوا. وقيل : كانوا أنبياء، ولا يستحيل في العقل زلة نبي، فكانت هذه زلة منهم؛ وهذا يرده أن الأنبياء معصومون من الكبائر على ما قدمناه. وقيل : ما كانوا في ذلك الوقت أنبياء ثم نبأهم الله؛ وهذا أشبه، والله أعلم. الرابعة: قال ابن وهب قال مالك : طرح يوسف في الجب وهو غلام، وكذلك روى ابن القاسم عنه، يعني أنه كان صغيرا؛ والدليل عليه قوله تعالى {لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة} قال : ولا يلتقط إلا الصغير؛ وقوله {وأخاف أن يأكله الذئب} [
يوسف : 13] وذلك أمر يختص بالصغار؛ وقولهم {أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون} [
يوسف : 12]. الخامسة: الالتقاط تناول الشيء من الطريق؛ ومنه اللقيط واللقطة، ونحن نذكر من أحكامها ما دلت عليه الآية والسنة، وما قال في ذلك أهل العلم واللغة؛ قال ابن عرفة : الالتقاط وجود الشيء على غير طلب، ومنه قوله تعالى{يلتقطه بعض السيارة} أي يجده من غير أن يحتسبه. وقد اختلف العلماء في اللقيط؛ فقيل : أصله الحرية لغلبة الأحرار على العبيد؛ وروي عن الحسن بن علي أنه قضى بأن اللقيط حر، وتلا {وشروه بثمن بخس دراهم معدودة} [
يوسف : 20] وإلى هذا ذهب أشهب صاحب مالك؛ وهو قول عمر بن الخطاب، وكذلك روي عن علي وجماعة. وقال إبراهيم النخعي: إن نوى رقه فهو مملوك، وإن نوى الحسبة فهو حر. وقال مالك في موطئه : الأمر عندنا في المنبوذ أنه حر، وأن ولاءه لجماعة المسلمين، هم يرثونه ويعقلون عنه، وبه قال الشافعي؛ واحتج بقوله عليه السلام : (وإنما الولاء لمن أعتق) قال : فنفى الولاء عن غير المعتق. واتفق مالك والشافعي وأصحابهما على أن اللقيط لا يوالي أحدا، ولا يرثه أحد بالولاء. وقال أبو حنيفة وأصحابه وأكثر الكوفيين : اللقيط يوالي من شاء، فمن ولاه فهو يرثه ويعقل عنه؛ وعند أبي حنيفة له أن ينتقل بولائه حيث شاء، ما لم يعقل عنه الذي والاه، فإن عقل عنه جناية لم يكن له أن ينتقل عنه بولائه أبدا. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه : المنبوذ حر، فان أحب أن يوالي الذي التقطه والاه، وإن أحب أن يوالي غيره والاه؛ ونحوه عن عطاء، وهو قول ابن شهاب وطائفة من أهل المدينة، وهو حر. قال ابن العربي : إنما كان أصل اللقيط الحرية لغلبة الأحرار على العبيد، فقضى بالغالب، كما حكم أنه مسلم أخذا بالغالب؛ فإن كان في قرية فيها نصارى ومسلمون قال ابن القاسم : يحكم بالأغلب؛ فإن وجد عليه زي اليهود فهو يهودي، وإن وجد عليه زي النصارى فهو نصراني، وإلا فهو مسلم، إلا أن يكون أكثر أهل القرية على غير الإسلام. وقال غيره : لو لم يكن فيها إلا مسلم واحد قضي للقيط بالإسلام تغليبا لحكم الإسلام الذي يعلو ولا يعلى عليه، وهو مقتضى قول أشهب؛ قال أشهب : هو مسلم أبدا. لأني أجعله مسلما على كل حال، كما أجعله حرا على كل حال. واختلف الفقهاء في المنبوذ تدل البينة على أنه عبد؛ فقالت طائفة من أهل المدينة : لا يقبل قولها في ذلك، وإلى هذا ذهب أشهب لقول عمر : هو حر؛ ومن قضى بحريته لم تقبل البينة في أنه عبد. وقال ابن القاسم : تقبل البينة في ذلك وهو قول الشافعي والكوفي. السادسة: قال مالك في اللقيط : إذا اتفق عليه الملتقط ثم أقام رجل البينة أنه ابنه فإن الملتقط يرجع على الأب إن كان طرحه متعمدا، وإن لم يكن طرحه ولكنه ضل منه فلا شيء على الأب، والملتقط متطوع بالنفقة. وقال أبو حنيفة : إذا أنفق على اللقيط فهو متطوع، إلا أن يأمره الحاكم. وقال الأوزاعي : كل من أنفق علي من لا تجب عليه نفقة رجع بما أنفق. وقال الشافعي : إن لم يكن للقيط مال وجبت نفقته في بيت المال، فإن لم يكن ففيه قولان : أحدهما - يستقرض له في ذمته. والثاني - يُقَسَّط على المسلمين من غير عوض. السابعة: وأما اللقطة والضوال فقد اختلف العلماء في حكمهما؛ فقالت طائفة من أهل العلم : اللقطة والضوال سواء في المعنى، والحكم فيهما سواء؛ وإلى هذا ذهب أبو جعفر الطحاوي، وأنكر قول أبي عبيد القاسم بن سلام - أن الضالة لا تكون إلا في الحيوان واللقطة في غير الحيوان - وقال هذا غلط؛ واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الإفك للمسلمين : (إن أمكم ضلت قلادتها) فأطلق ذلك على القلادة. الثامنة: أجمع العلماء على أن اللقطة ما لم تكن تافها يسيرا أو شيئا لا بقاء لها فإنها تعرف حولا كاملا، وأجمعوا أن صاحبها إن جاء فهو أحق بها من ملتقطها إذا ثبت له أنه صاحبها، وأجمعوا أن ملتقطها إن أكلها بعد الحول وأراد صاحبها أن يضمِّنه فإن ذلك له، وإن تصدق بها فصاحبها مخير بين التضمين وبين أن ينزل على أجرها، فأي ذلك تخير كان ذلك له بإجماع؛ ولا تنطلق يد ملتقطها عليها بصدقة، ولا تصرف قبل الحول. وأجمعوا أن ضالة الغنم المخوف عليها له أكلها. التاسعة: واختلف الفقهاء في الأفضل من تركها أو أخذها؛ فمن ذلك أن في الحديث دليلا على إباحة التقاط اللقطة وأخذ الضالة ما لم تكن إبلا. وقال في الشاة : (لك أو لأخيك أو للذئب) يحضه على أخذها، ولم يقل في شيء دعوه حتى يضيع أو يأتيه ربه. ولو كان ترك اللقطة أفضل لأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال في ضالة الإبل، والله أعلم. وجملة مذهب أصحاب مالك أنه في سعة، إن شاء أخذها وإن شاء تركها؛ هذا قول إسماعيل بن إسحاق رحمه الله. وقال المزني عن الشافعي : لا أحب لأحد ترك اللقطة إن وجدها إذا كان أمينا عليها؛ قال : وسواء قليل اللقطة وكثيرها. العاشرة: روى الأئمة مالك وغيره عن زيد بن خالد الجهني قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة فقال : (اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها) قال : فضالّة الغنم يا رسول الله؟ قال : (لك أو لأخيك أو للذئب) قال : فضالّة الإبل؟ قال : (ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها). وفي حديث أبُيّ قال : (احفظ عددها ووعاءها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها) ففي هذا الحديث زيادة العدد؛ خرجه مسلم وغيره. وأجمع العلماء أن عفاص اللقطة ووكاءها من إحدى علاماتها وأدلها عليها؛ فإذا أتى صاحب اللقطة بجميع أوصافها دفعت له؛ قال ابن القاسم : يجبر على دفعها؛ فإن جاء مستحق يستحقها ببينة أنها كانت له لم يضمن الملتقط شيئا، وهل يحلف مع الأوصاف أو لا؟ قولان : الأول لأشهب، والثاني لابن القاسم، ولا تلزمه بينة عند مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل وغيرهم. وقال أبو حنيفة والشافعي : لا تدفع له إلا إذا أقام بينة أنها له؛ وهو بخلاف نص الحديث؛ ولو كانت البينة شرطا في الدفع لما كان لذكر العفاص والوكاء والعدد معنى؛ فإنه يستحقها بالبينة على كل حال؛ ولما جاز سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فإنه تأخير البيان عن وقت الحاجة. والله أعلم. الحادية عشرة: نص الحديث على الإبل والغنم وبين حكمهما، وسكت عما عداهما من الحيوان. وقد اختلف علماؤنا في البقر هل تلحق بالإبل أو بالغنم؟ قولان؛ وكذلك اختلف أئمتنا في التقاط الخيل والبغال والحمير، وظاهر قول ابن القاسم أنها تلتقط، وقال أشهب وابن كنانة : لا تلتقط؛ وقول ابن القاسم أصح؛ لقول عليه السلام : (احفظ على أخيك المؤمن ضالته). الثانية عشرة: واختلف العلماء في النفقة على الضوال؛ فقال مالك فيما ذكر عنه ابن القاسم : إن أنفق الملتقط على الدواب والإبل وغيرها فله أن يرجع على صاحبها بالنفقة، وسواء أنفق عليها بأمر السلطان أو بغير أمره؛ قال : وله أن يحبس بالنفقة ما أنفق عليه ويكون أحق به كالرهن. وقال الشافعي : إذا أنفق على الضوال من أخذها فهو متطوع؛ حكاه عنه الربيع. وقال المزني عنه : إذا أمره الحاكم بالنفقة كانت دينا، وما ادعى قبل منه إذا كان مثله قصدا. وقال أبو حنيفة : إذا أنفق على اللقطة والإبل بغير أمر القاضي فهو متطوع، وإن أنفق بأمر القاضي فذلك دين على صاحبها إذا جاء، وله أن يحبسها إذا حضر صاحبها، والنفقة عليها ثلاثة أيام ونحوها، حتى يأمر القاضي ببيع الشاة وما أشبهها ويقضي بالنفقة. الثالثة عشرة: ليس في قوله صلى الله عليه وسلم في اللقطة بعد التعريف : (فاستمتع بها) أو (فشأنك بها) أو (فهي لك) أو (فاستنفقها) أو (ثم كلها) أو (فهو مال الله يؤتيه من يشاء) على ما في صحيح مسلم وغيره، ما يدل على التمليك، وسقوط الضمان عن الملتقط إذا جاء ربها؛ فان في حديث زيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم : (فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه) في رواية (ثم كلها فإن جاء صاحبها فأدها إليه) خرجه البخاري ومسلم. وأجمع العلماء على أن صاحبها متى جاء فهو أحق بها، إلا ما ذهب إليه داود من أن الملتقط يملك اللقطة بعد التعريف؛ لتلك الظواهر، ولا التفات لقوله؛ لمخالفة الناس، ولقوله عليه السلام : (فأدها إليه).
قال قائل من إخوة يوسف: لا تقتلوا يوسف وألقوه في جوف البئر يلتقطه بعض المارَّة من المسافرين فتستريحوا منه، ولا حاجة إلى قتله، إن كنتم عازمين على فعل ما تقولون.
أي: { قَالَ قَائِلٌ ْ} من إخوة يوسف الذين أرادوا قتله أو تبعيده: { لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ ْ} فإن قتله أعظم إثما وأشنع، والمقصود يحصل بتبعيده عن أبيه من غير قتل، ولكن توصلوا إلى تبعيده بأن تلقوه { فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ْ} وتتوعدوه على أنه لا يخبر بشأنكم، بل على أنه عبد مملوك آبق منكم، لأجل أن { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ ْ} الذين يريدون مكانا بعيدا، فيحتفظون فيه.
وهذا القائل أحسنهم رأيا في يوسف، وأبرهم وأتقاهم في هذه القضية، فإن بعض الشر أهون من بعض، والضرر الخفيف يدفع به الضرر الثقيل، .فلما اتفقوا على هذا الرأي.
( قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف ) وهو يهوذا وقال [ قتادة ] : روبيل وكان ابن خالة يوسف وكان أكبرهم سنا وأحسنهم رأيا فيه . والأول أصح أنه يهوذا نهاهم عن قتله ، وقال : القتل كبيرة عظيمة . ( وألقوه في غيابة الجب ( قرأ أبو جعفر ونافع : " غيابات الجب " على الجمع في الحرفين ، وقرأ الباقون " غيابة الجب " على الواحد ، أي : في أسفل الجب وظلمته . والغيابة : كل موضع ستر عنك الشيء وغيبه . والجب : البئر غير المطوية لأنه جب ، أي : قطع ولم يطو .
( يلتقطه ) يأخذه ، والالتقاط : أخذ الشيء من حيث لا يحتسبه ( بعض السيارة ) أي : بعض المسافرين ، فيذهب به إلى ناحية أخرى ، فتستريحوا منه ( إن كنتم فاعلين ) أي : إن عزمتم على فعلكم ، وهم كانوا يومئذ بالغين ، ولم يكونوا أنبياء بعد .
وقيل : لم يكونوا بالغين ، وليس بصحيح; بدليل أنهم قالوا : " وتكونوا من بعده قوما صالحين " .
" قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا " والصغير لا ذنب له .
وقال محمد بن إسحاق : اشتمل فعلهم على جرائم من قطع الرحم ، وعقوق الوالدين ، وقلة الرأفة بالصغير الذي لا ذنب له ، والغدر بالأمانة ، وترك العهد ، والكذب مع أبيهم . وعفا الله عنهم ذلك كله حتى لا ييئس أحد من رحمة الله .
وقال بعض [ أهل العلم ] إنهم عزموا على قتله وعصمهم الله رحمة بهم ، ولو فعلوا لهلكوا أجمعين ، وكل ذلك كان قبل أن أنبأهم الله تعالى .
وسئل أبو عمرو بن العلاء : كيف قالوا : " نرتع ونلعب " وهم أنبياء ؟ قال : كان ذلك قبل أن نبأهم الله تعالى ، فلما أجمعوا على التفريق بينه وبين والده بضرب من الحيل .
(قالَ قائِلٌ) ماض وفاعله والجملة مستأنفة (مِنْهُمْ) متعلقان بقائل (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ) لا ناهية ومضارع مجزوم بحذف النون والواو فاعل ويوسف مفعوله والجملة مقول القول (وَأَلْقُوهُ) الواو عاطفة وأمر وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة (فِي غَيابَتِ) متعلقان بألقوه (الْجُبِّ) مضاف إليه (يَلْتَقِطْهُ) مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب والهاء مفعوله (بَعْضُ) فاعل (السَّيَّارَةِ) مضاف إليه (إِنْ) شرطية (كُنْتُمْ فاعِلِينَ) كان واسمها وخبرها والجملة ابتدائية لأنها فعل الشرط وجوابه محذوف دل عليه ما قبله.
Traslation and Transliteration:
Qala qailun minhum la taqtuloo yoosufa waalqoohu fee ghayabati aljubbi yaltaqithu baAAdu alssayyarati in kuntum faAAileena
One among them said: Kill not Joseph but, if ye must be doing, fling him into the depth of the pit; some caravan will find him.
İçlerinden biri Yusuf'u öldürmeyin demişti, mutlaka bir şey yapacaksınız bir kuyuya atın bari de gelip geçenlerden onu bulup alan olsun.
L'un d'eux dit: «Ne tuez pas Joseph, mais jetez-le si vous êtes disposés à agir, au fond du puits afin que quelque caravane le recueille».
Alsdann sagte einer von ihnen: "Tötet Yusuf nicht, sondern werft ihn in die Tiefe des Brunnens hinein, so finden ihn einige Reisende, solltet ihr dies tun wollen."
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة يوسف (Yusuf - Joseph) |
ترتيبها |
12 |
عدد آياتها |
111 |
عدد كلماتها |
1795 |
عدد حروفها |
7125 |
معنى اسمها |
(يُوسُفُ عليه السلام): هُوَ نَبِيُّ اللهِ يُوسُفُ بِنُ يعقُوبَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، ابنُ ثلاثةِ أنْبِيَاءَ، ويُوصَفُ بأنَّه الكَريمُ ابنُ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ |
سبب تسميتها |
أنَّ السُّورةَ كُلَّهَا تَتَحَدَّثُ عَنْ قِصَّةِ (يُوسُفَ عليه السلام)؛ فَسُمِّيَت بِهِ |
أسماؤها الأخرى |
لَا يُعْرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) |
مقاصدها |
ذِكْرُ قِصَّةِ يُوسُفَ عليه السلام كَامِلَةً لِتَكُونَ زَادًا لِلدُّعَاةِ إِلى اللهِ تَعَالَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، فَعَنْ سَعدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: «أُنزِل القرآنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَتَلَا عَلَيهِم زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: لَو قَصَصْتَ عَلَينَا، فَأنزَلَ اللهُ: ﴿الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ١﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ ابنُ حِبَّان) |
فضلها |
هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾، فَفِي الحَدِيثِ الطَّوِيْلِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) بِآخِرِهَا:
الحَدِيثُ عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ عليه السلام وَأَهَمِيَّتِها، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ ...٣﴾،
وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا:
﴿لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ ...١١١﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (هُودٍ عليه السلام):
خَاطَبَ اللهُ النَّبِيَّ ﷺ فِي أَوَاخِرِ (هُودٍعليه السلام): فَقَالَ: ﴿وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ ...١٢٠﴾، فَكَانَ مِمَّا ثَبَّتَ بِهِ فُؤَادَهُ ﷺ قِصَّةُ (يُوسُفَ عليه السلام)؛ فَقَالَ: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ ...٣﴾. |