المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الرعد: [الآية 39]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة الرعد | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)
" فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً» يعني المكر المضاف إلى عباده والمكر المضاف إليه سبحانه فنفى المكر عنهم «يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ» فأتى بلفظ كل وهي حرف شمول فشملت كل نفس فما تركت شيئا في هذا الموضع «وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ» الكافر الذي ستر عنه هذا العلم في الحياة الدنيا «لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ» في الدار الآخرة حيث ينكشف الغطاء عن الأعين فيعلم من كان يجهل .
------------
(42) الفتوحات ج 1 / 698 - ج 4 / 249تفسير ابن كثير:
وقوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) اختلف المفسرون في ذلك ، فقال الثوري ، ووكيع ، وهشيم ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : يدبر أمر السنة ، فيمحو ما يشاء ، إلا الشقاء والسعادة ، والحياة والموت . وفي رواية : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) قال : كل شيء إلا الحياة والموت ، والشقاء والسعادة فإنهما قد فرغ منهما .
وقال مجاهد : ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت ) إلا الحياة والموت ، والشقاء والسعادة ، فإنهما لا يتغيران .
وقال منصور : سألت مجاهدا فقلت : أرأيت دعاء أحدنا يقول : اللهم ، إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم ، وإن كان في الأشقياء فامحه عنهم واجعله في السعداء . فقال : حسن . ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر ، فسألته عن ذلك ، فقال : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم ) [ الدخان : 3 ، 4 ] قال : يقضي في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة ، ثم يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، فأما كتاب الشقاوة والسعادة فهو ثابت لا يغير .
وقال الأعمش ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة : إنه كان يكثر أن يدعو بهذا الدعاء : اللهم ، إن كنت كتبتنا أشقياء فامحه ، واكتبنا سعداء ، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب . رواه ابن جرير .
وقال ابن جرير أيضا : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن أبي حكيمة عصمة ، عن أبي عثمان النهدي; أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال وهو يطوف بالبيت وهو يبكي : اللهم ، إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب ، فاجعله سعادة ومغفرة .
وقال حماد عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة عن ابن مسعود أنه كان يدعو بهذا الدعاء أيضا .
ورواه شريك ، عن هلال بن حميد ، عن عبد الله بن عكيم ، عن ابن مسعود ، بمثله .
وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا حجاج ، حدثنا خصاف ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم; أن كعبا قال لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين ، لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة . قال : وما هي ؟ قال : قول الله تعالى : ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) .
ومعنى هذه الأقوال : أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها ، ويثبت منها ما يشاء ، وقد يستأنس لهذا القول بما رواه الإمام أحمد :
حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، وهو الثوري ، عن عبد الله بن عيسى ، عن عبد الله بن أبي الجعد ، عن ثوبان قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ، ولا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر " .
ورواه النسائي وابن ماجه ، من حديث سفيان الثوري ، به .
وثبت في الصحيح أن صلة الرحم تزيد في العمر وفي الحديث الآخر : " إن الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السماء والأرض " .
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن سهل بن عسكر ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام ، من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت - والدفتان لوحان - لله ، عز وجل [ كل يوم ثلاثمائة ] وستون لحظة ، يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .
وقال الليث بن سعد ، عن زياد بن محمد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن فضالة بن عبيد ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " [ إن الله ] يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل ، في الساعة الأولى منها ينظر في الذكر الذي لا ينظر فيه أحد غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت " . وذكر تمام الحديث . رواه ابن جرير .
وقال الكلبي : ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت ) قال : يمحو من الرزق ويزيد فيه ، ويمحو من الأجل ويزيد فيه . فقيل له : من حدثك بهذا ؟ فقال : أبو صالح ، عن جابر بن عبد الله بن رئاب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم سئل بعد ذلك عن هذه الآية فقال : يكتب القول كله ، حتى إذا كان يوم الخميس ، طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قولك : أكلت وشربت ، دخلت وخرجت ونحوه من الكلام ، وهو صادق ، ويثبت ما كان فيه الثواب ، وعليه العقاب .
وقال عكرمة ، عن ابن عباس : الكتاب كتابان : فكتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) يقول : هو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ، ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة ، فهو الذي يمحو ، والذي يثبت : الرجل يعمل بمعصية الله ، وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله ، وهو الذي يثبت .
وروي عن سعيد بن جبير : أنها بمعنى : ( فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير ) [ البقرة : 284 ] .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) يقول : يبدل ما يشاء فينسخه ، ويثبت ما يشاء فلا يبدله ، ( وعنده أم الكتاب ) يقول : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ، الناسخ والمنسوخ ، وما يبدل ، وما يثبت كل ذلك في كتاب .
وقال قتادة في قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) كقوله ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) [ البقرة : 106 ]
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) قال : قالت كفار قريش حين أنزلت : ( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) ما نراك يا محمد تملك من شيء ، ولقد فرغ من الأمر . فأنزلت هذه الآية تخويفا ، ووعيدا لهم : إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا ، ونحدث في كل رمضان ، فنمحو ونثبت ما نشاء من أرزاق الناس ومصائبهم ، وما نعطيهم ، وما نقسم لهم .
وقال الحسن البصري : ( يمحو الله ما يشاء ) قال : من جاء أجله ، فذهب ، ويثبت الذي هو حي يجري إلى أجله .
وقد اختار هذا القول أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله .
وقوله : ( وعنده أم الكتاب ) قال : الحلال والحرام .
وقال قتادة : أي جملة الكتاب وأصله .
وقال الضحاك : ( وعنده أم الكتاب ) قال : كتاب عند رب العالمين .
وقال سنيد بن داود ، حدثني معتمر ، عن أبيه ، عن سيار ، عن ابن عباس; أنه سأل كعبا عن " أم الكتاب " ، فقال : علم الله ، ما هو خالق ، وما خلقه عاملون ، ثم قال لعلمه : " كن كتابا " . فكانا كتابا .
وقال ابن جرير ، عن ابن عباس : ( وعنده أم الكتاب ) قال : الذكر ، [ والله أعلم ] .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ } من الأقدار { وَيُثْبِتُ } ما يشاء منها، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه وكتبه قلمه فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير لأن ذلك محال على الله، أن يقع في علمه نقص أو خلل ولهذا قال: { وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } أي: اللوح المحفوظ الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها، وهي فروع له وشعب.
فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسبابا ولمحوها أسبابا، لا تتعدى تلك الأسباب، ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل الله البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي سببا لمحق بركة الرزق والعمر، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سببا للسلامة، وجعل التعرض لذلك سببا للعطب، فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ.
تفسير البغوي
( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، ويعقوب " ويثبت " بالتخفيف وقرأ الآخرون بالتشديد . واختلفوا في معنى الآية :
فقال سعيد بن جبير ، وقتادة : يمحو الله ما يشاء من الشرائع ، والفرائض فينسخه ويبدله ، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه .
وقال ابن عباس : يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا الرزق والأجل والسعادة والشقاوة .
وروينا عن حذيفة بن أسيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين ، أو خمس وأربعين ليلة ، فيقول : يا رب أشقي أم سعيد ؟ فيكتبان ، فيقول : أي رب ، أذكر أم أنثى ؟ فيكتبان ، ويكتب عمله وأثره ، وأجله ، ورزقه ، ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ، ولا ينقص " .
وعن عمر ، وابن مسعود - رضي الله عنهما - أنهما قالا يمحو السعادة ، والشقاوة أيضا ، ويمحو الرزق والأجل ويثبت ما يشاء .
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول : اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها ، وإن كنت كتبت علي الشقاوة فامحني ، وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب . ومثله عن ابن مسعود .
وفي بعض الآثار : أن الرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثون سنة فيقطع رحمه فترد إلى ثلاثة أيام ، والرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثة أيام فيصل رحمه فيمد إلى ثلاثين سنة .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، حدثنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث بن سعد ، حدثني زيادة بن محمد الأنصاري ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن فضالة بن عبيد ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينزل الله عز وجل في آخر ثلاث ساعات يبقين من الليل ، فينظر في الساعة الأولى منهن في أم الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت " .
وقيل : معنى الآية : إن الحفظة يكتبون جميع أعمال بني آدم وأقوالهم ، فيمحو الله من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قوله : أكلت ، شربت ، دخلت ، خرجت ، ونحوها من كلام هو صادق فيه ، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب ، هذا قول الضحاك والكلبي .
وقال الكلبي : يكتب القول كله ، حتى إذا كان يوم الخميس طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب .
وقال عطية ، عن ابن عباس : هو الرجل يعمل بطاعة الله عز وجل ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة فهو الذي يمحو ، والذي يثبت : الرجل يعمل بطاعة الله ، فيموت وهو في طاعة الله عز وجل فهو الذي يثبت .
وقال الحسن : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) أي من جاء أجله يذهب به ، ويثبت من لم يجئ أجله إلى أجله .
وعن سعيد بن جبير قال : ( يمحو الله ما يشاء ) من ذنوب العباد فيغفرها ويثبت ما يشاء فلا يغفرها .
وقال عكرمة : ( يمحو الله ما يشاء ) من الذنوب بالتوبة ، ويثبت بدل الذنوب حسنات ، كما قال الله تعالى : ( فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) ( الفرقان - 70 ) . وقال السدي : ( يمحو الله ما يشاء ) يعني القمر ( ويثبت ) يعني الشمس ، بيانه قوله تعالى : ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) ( الإسراء - 12 ) .
وقال الربيع : هذا في الأرواح يقبضها الله عند النوم ، فمن أراد موته محاه فأمسكه ومن أراد بقاءه أثبته ورده إلى صاحبه ، بيانه قوله عز وجل : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) الآية ( الزمر - 42 ) . ( وعنده أم الكتاب ) أي : أصل الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير .
وقال عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : هما كتابان : كتاب سوى أم الكتاب ، يمحو منه ما يشاء ويثبت ، وأم الكتاب الذي لا يغير منه شيء .
وعن عطاء ، عن ابن عباس قال : إن لله تعالى لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام ، من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت ، لله في كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) وسأل ابن عباس كعبا عن أم الكتاب ؟ فقال : علم الله ، ما هو خالق ، وما خلقه عاملون .
الإعراب:
(يَمْحُوا اللَّهُ) مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل ولفظ الجلالة فاعل والجملة مستأنفة (ما) موصولية مفعول به (يَشاءُ) مضارع فاعله مستتر والجملة صلة (وَيُثْبِتُ) مضارع فاعله مستتر والجملة معطوفة (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) أم مبتدأ مؤخر وعند ظرف مكان متعلق بالخبر المقدم والهاء مضاف إليه والكتاب مضاف إليه والجملة مستأنفة