المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الأنبياء: [الآية 105]
سورة الأنبياء | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (111) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (112 (
[ "قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ " ]
«قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ» أي الحق الذي شرعت لنا ليثبت صدقي عند من أرسلتني إليهم فيما أرسلتني به ، فجاء بلفظ يدل على أنه وقع فقال تعالى مخبرا «قالَ» وهو عند العامة ما وقع ، فإنه يوم القيامة ، وما أخبر اللّه إلا بالواقع ، فلا بد أن يكون ثم حضرة إلهية فيها وقوع الأشياء دائما ، لا يتقيد بالماضي فيقال قد وقعت ، ولا بالمستقبل فيقال تقع ، ولكن
متعلقها الحال الدائم ، والحال له الوجود ، ومن هذه الحضرة الإلهية عنها تقع الإخبارات بالماضي والمستقبل ، والألف واللام في الحق للحق المعهود الذي بعث به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، أي بما شرعت لي وأرسلتني به ، فإن اللّه لا يعاملنا إلا بما شرع لنا لا بغير ذلك ، ألا تراه قد أمر نبيه صلّى اللّه عليه وسلم أن يسأله يوم القيامة أن يحكم بالحق الذي بعثه به بين عباده وبيده ، فقال تعالى آمرا «قل» يا محمد ، وهي قراءة «رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ» أي فليكن حكمك في الأمم يوم القيامة بما شرعت لهم وبعثتنا به إليهم .
فإن ذلك مما يراد ، فإنك ما أرسلتنا إلا بما تريد حتى يثبت صدقنا عندهم ، وتقوم الحجة عليهم إذا حكم الحق في كل أمة بما أرسل به نبيه إليهم ، وبهذا تكون للّه الحجة البالغة ، فما حكم إلا بما شرع وأمر عبده أن يسأله تعالى في ذلك حتى يكون حكمه فيه عن سؤال عبده ، كما كان حكم العبد بما قيده من الشرع عن أمر ربه ، وأكثر من هذا التنزل الإلهي إلى العباد ما يكون ، وهل يحكم اللّه إلا بالحق ، فجعل الحق نفسه في هذه الآية مأمورا لنبيه عليه السلام ، فإن لفظة احكم أمر ، وأمره سبحانه أن يقول له ذلك ، فإن اللّه ما يعامل العبد بأمر إلا قد عامل به نفسه ، فأوجب على نفسه كما أوجب عليك ، ودخل لك تحت العهد كما أدخلك تحت العهد ، فما أمرك بشيء إلّا وقد جعل على نفسه مثل ذلك ، هذا لتكون له الحجة البالغة ، ووفى بكل ما أوجبه على نفسه ، وطلب منك الوفاء بما أوجبه عليك ،
أليس هذا من لطفه ؟ أليس هذا من كرمه ؟
ألا تراه تعالى لما قال لنبيه داود «فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوىقال تعالى جبرا لقلب خلفائه «قل» يا محمد «رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ» فيحكم بنفسه تعالى بالحق الذي بعث به رسله ليصدقهم عند عبيده فعلا بحكمه ، كما صدقهم في حال احتجابه بما أيدهم به من الآيات ، ولما كان الأصل في الحكم المشروع غلبة الظنّ ،
فإن الحاكم لا يحكم إلا بشهادة الشاهد ، وهو ليس قاطعا فيما شهد به من ذلك ، فما اختلف العلماء في حكم الحاكم بين الخصمين بغلبة الظن ، واختلفوا في حكمه بعلمه ، فكانت غلبة الظن في هذا النوع أصلا متفقا عليه ويرجع إليه ،
وكان العلم في ذلك مختلفا فيه ، والحق تعالى وإن لم يكن عنده إلا العلم فإنه يحكم بالشهود ، ولذلك جاء «قل رب احكم بالحق» أي بما شرعت لي وأرسلتني به ، فمع علمه تعالى يقيم على خلقه يوم القيامة الشهود ، فلا يعاقبهم إلا بعد إقامة البينة عليهم مع علمه ، وبهذا قال من قال : إنه ليس للحاكم أن يحكم بعلمه ، أما في العالم فللتهمة بما له
من الغرض ، وأما في جانب الحق فلإقامة الحجة على المحكوم عليه ، حتى لا يأخذه في الآخرة إلا بما شرع له من الحكم في الدنيا على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلم ، ولهذا يقول الرسول لربه عن أمر ربه" رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ "
يعني بالحق الذي بعثتني به وشرعت لي أن أحكم به فيهم «وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ» لولا ما هو الرحمن ما اجترأ العبد أن يقول رب احكم بالحق ، فإنه تعالى ما يحكم إلا بالحق
- الوجه الثاني -جعل اللّه في الوجود كتابين ، كتابا سماه أمّا ، فيه ما كان قبل إيجاده وما يكون ، كتبه بحكم الاسم المقيت ، فهو كتاب ذو قدر معلوم فيه بعض أعيان الممكنات وما يتكون عنها ،
وكتابا آخر ليس فيه سوى ما يتكون عن المكلفين خاصة ، فلا تزال الكتابة فيه ما دام التكليف ، وبه تقوم الحجة للّه على المكلفين ، وبه يطالبهم لا بالأم ، وهذا هو الإمام الحق المبين الذي يحكم به الحق تعالى الذي أخبرنا اللّه في كتابه أنه أمر نبيه أن يقول لربه «احْكُمْ بِالْحَقِّ» ، يريد هذا الكتاب ،
وهو كتاب الإحصاء فلا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وكل صغير وكبير مستطر ، وهو منصوص عليه في الأم .
(22) سورة الحج مدنيّة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
------------
(112) الفتوحات ج 2 / 52 ، 92 - ج 4 / 235 - ج 2 / 92 - ج 1 / 579">579 - ج 4 / 235 - ج 1 / 579">579 - ج 3 / 364 ، 76 ، 364 -ح 4 / 26 - ج 1 / 597 - ج 3 / 476 - ج 4 / 54 - ج 3 / 112تفسير ابن كثير:
يقول تعالى مخبرا عما حتمه وقضاه لعباده الصالحين ، من السعادة في الدنيا والآخرة ، ووراثة الأرض في الدنيا والآخرة ، كقوله تعالى : ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) [ الأعراف : 128 ] . وقال : ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) [ غافر : 51 ] . وقال : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم [ وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ] ) ، الآية [ النور : 55 ] . وأخبر تعالى أن هذا مكتوب مسطور في الكتب الشرعية والقدرية فهو كائن لا محالة; ولهذا قال تعالى : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) ، قال الأعمش : سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) فقال الزبور : التوراة ، والإنجيل ، والقرآن .
وقال مجاهد : الزبور : الكتاب .
وقال ابن عباس ، والشعبي ، والحسن ، وقتادة ، وغير واحد : الزبور : الذي أنزل على داود ، والذكر : التوراة ، وعن ابن عباس : الزبور : القرآن .
وقال سعيد بن جبير : الذكر : الذي في السماء .
وقال مجاهد : الزبور : الكتب بعد الذكر ، والذكر : أم الكتاب عند الله .
واختار ذلك ابن جرير رحمه الله ، وكذا قال زيد بن أسلم : هو الكتاب الأول . وقال الثوري : هو اللوح المحفوظ . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الزبور : الكتب التي نزلت على الأنبياء ، والذكر : أم الكتاب الذي يكتب فيه الأشياء قبل ذلك .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض ، أن يورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأرض ويدخلهم الجنة ، وهم الصالحون .
وقال مجاهد ، عن ابن عباس : ( أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قال : أرض الجنة . وكذا قال أبو العالية ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، وقتادة ، والسدي ، وأبو صالح ، والربيع بن أنس ، والثوري [ رحمهم الله تعالى ] .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ } وهو الكتاب المزبور، والمراد: الكتب المنزلة، كالتوراة ونحوها { مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ } أي: كتبناه في الكتب المنزلة، بعد ما كتبنا في الكتاب السابق، الذي هو اللوح المحفوظ، وأم الكتاب الذي توافقه جميع التقادير المتأخرة عنه والمكتوب في ذلك: { أَنَّ الْأَرْضَ } أي: أرض الجنة { يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } الذين قاموا بالمأمورات، واجتنبوا المنهيات، فهم الذين يورثهم الله الجنات، كقول أهل الجنة: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ }
ويحتمل أن المراد: الاستخلاف في الأرض، وأن الصالحين يمكن الله لهم في الأرض، ويوليهم عليها كقوله تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } الآية.
تفسير البغوي
قوله عز وجل ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) قال سعيد بن جبير ومجاهد : الزبور جميع الكتب المنزلة والذكر أم الكتاب الذي عنده والمعنى من بعد ما كتب ذكره في اللوح المحفوظ .
وقال ابن عباس والضحاك : الزبور التوراة والذكر الكتب المنزلة من بعد التوراة .
وقال الشعبي : الزبور كتاب داود ، [ والذكر التوراة وقيل الزبور زبور داود ] والذكر القرآن وبعد بمعنى قبل كقوله تعالى : ( وكان وراءهم ملك ) ( الكهف 97 ) : أي أمامهم ( والأرض بعد ذلك دحاها ) ( النازعات 30 ) قبله ، ( أن الأرض ) يعني أرض الجنة ( يرثها عبادي الصالحون ) قال مجاهد : يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم دليله قوله تعالى : ( وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض ) ( الزمر 74 ) ، وقال ابن عباس : أراد أن أراضي الكفار يفتحها المسلمون وهذا حكم من الله بإظهار الدين وإعزاز المسلمين وقيل أراد بالأرض الأرض المقدسة
الإعراب:
(وَلَقَدْ) الواو استئنافية واللام واقعة في جواب قسم محذوف وقد حرف تحقيق (كَتَبْنا) ماض وفاعله (فِي الزَّبُورِ) متعلقان بكتبنا والجملة لا محل لها لأنها جواب قسم (مِنْ بَعْدِ) متعلقان بالفعل السابق (الذِّكْرِ) مضاف إليه (أَنَّ الْأَرْضَ) أن واسمها وجملتها في محل نصب مفعول به (يَرِثُها) مضارع ومفعوله (عِبادِيَ) فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم والياء مضاف إليه والجملة خبر أن (الصَّالِحُونَ) صفة مرفوعة بالواو لأنه جمع مذكر سالم