المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الرعد: [تفسير البغوي]
كتاب معالم التنزيل، للحسين بن مسعود البغوي، المحدّث والفقيه الشافعي، توفي (510 هـ). وهو تفسير متوسط نقل فيه مصنفه الصحيح من تفسير الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولا يذكر الضعيف.سورة الرعد | ||
مكية إلا قوله : " ولا يزال الذين كفروا " ، وقوله : " ويقول الذين كفروا لست مرسلا " [ وهي ثلاث وأربعون آية ] .
( المر ) قال ابن عباس : معناه : أنا الله أعلم وأرى ( تلك آيات الكتاب ) يعني : تلك الأخبار التي قصصتها [ عليك ] آيات التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة ( والذي أنزل إليك ) يعني : وهذا القرآن الذي أنزل إليك ( من ربك الحق ) أي : هو الحق فاعتصم به . فيكون محل " الذي " رفعا على الابتداء ، والحق خبره .
وقيل : محله خفض ، يعني : تلك آيات الكتاب وآيات الذي أنزل إليك ، ثم ابتدأ : " الحق " ، يعني : ذلك الحق .
وقال ابن عباس : أراد بالكتاب القرآن ، ومعناه : هذه آيات الكتاب ، يعني القرآن ، ثم قال : وهذا القرآن الذي أنزل إليك من ربك هو الحق .
( ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ) قال مقاتل : نزلت في مشركي مكة حين قالوا : إن محمدا يقوله من تلقاء نفسه فرد قولهم ثم بين دلائل ربوبيته ، فقال عز من قائل : ( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ) .
( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ) يعني : السواري ، واحدها عمود ، مثل : أديم وأدم ، وعمد أيضا جمعه ، مثل : رسول ورسل .
ومعناه نفي العمد أصلا وهو الأصح ، يعني : ليس من دونها دعامة تدعمها ولا فوقها علاقة تمسكها .
قال إياس بن معاوية : السماء مقببة على الأرض مثل القبة
وقيل : " ترونها " راجعة إلى العمد ، [ معناه ] لها عمد ولكن لا ترونها
وزعم : أن عمدها جبل قاف ، وهو محيط بالدنيا ، والسماء عليه مثل القبة .
( ثم استوى على العرش ) علا [ عليه ] ( وسخر الشمس والقمر ) ذللهما لمنافع خلقه فهما مقهوران ( كل يجري ) أي : يجريان على ما يريد الله عز وجل ( لأجل مسمى ) أي : إلى وقت معلوم وهو فناء الدنيا . [ وقال ابن عباس ] : أراد بالأجل المسمى درجاتهما ومنازلهما ينتهيان إليها لا يجاوزانها ( يدبر الأمر ) يقضيه وحده ( يفصل الآيات ) يبين الدلالات ( لعلكم بلقاء ربكم توقنون ) لكي توقنوا بوعده وتصدقوه .
( وهو الذي مد الأرض ) بسطها ( وجعل فيها رواسي ) جبالا ثابتة ، واحدتها راسية ، قال ابن عباس : كان أبو قبيس أول جبل وضع على الأرض ( وأنهارا ) وجعل فيها أنهارا . ( ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ) أي : [ صنفين اثنين ] أحمر وأصفر ، وحلوا وحامضا ( يغشي الليل النهار ) أي : يلبس النهار بظلمة الليل ، ويلبس الليل بضوء النهار ( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) فيستدلون . والتفكر تصرف القلب في طلب معاني الأشياء .
وفي الأرض قطع متجاورات ) متقاربات يقرب بعضها من بعض ، وهي مختلفة : هذه طيبة تنبت ، وهذه سبخة لا تنبت ، وهذه قليلة الريع ، وهذه كثيرة الريع ( وجنات ) بساتين ( من أعناب وزرع ونخيل صنوان ) رفعها كلها ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص ، ويعقوب ، عطفا على الجنات ، وجرها الآخرون نسقا على الأعناب . والصنوان : جمع صنو ، وهو النخلات يجمعهن أصل واحد .
( وغير صنوان ) هي النخلة المنفردة بأصلها . وقال أهل التفسير صنوان : مجتمع ، وغير صنوان : متفرق . نظيره من الكلام : قنوان جمع قنو . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في العباس : " عم الرجل صنو أبيه " . ولا فرق في الصنوان والقنوان بين التثنية والجمع إلا في الإعراب ، وذلك أن النون في التثنية مكسورة غير منونة ، وفي الجمع منونة .
( يسقى بماء واحد ) قرأ ابن عامر ، وعاصم ، ويعقوب " يسقى " بالياء أي يسقى ذلك كله بماء واحد ، وقرأ الآخرون بالتاء لقوله تعالى : ( وجنات ) ولقوله تعالى من بعد : " بعضها على بعض " ، ولم يقل : " بعضه " . والماء جسم رقيق مائع به حياة كل نام .
( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) في الثمر والطعم . قرأ حمزة ، والكسائي " ويفضل " بالياء ، لقوله تعالى : ( يدبر الأمر يفصل الآيات ) ( الرعد - 2 ) .
وقرأ الآخرون بالنون على معنى : ونحن نفضل بعضها على بعض في الأكل ، وجاء في الحديث [ في قوله ] : " ونفضل بعضها على بعض في الأكل " ، قال : " الفارسي ، والدقل ، والحلو ، والحامض " .
قال مجاهد : كمثل بني آدم ، صالحهم وخبيثهم ، وأبوهم واحد .
قال الحسن : هذا مثل ضربه الله تعالى لقلوب بني آدم ، ويقول : كانت الأرض طينة واحدة في يد الرحمن عز وجل ، فسطحها ، فصارت قطعا متجاورة ، فينزل عليها المطر من السماء ، فتخرج هذه زهرتها ، وشجرها وثمرها ونباتها ، وتخرج هذه سبخها وملحها وخبيثها ، وكل يسقى بماء واحد ، كذلك الناس خلقوا من آدم عليه السلام فينزل من السماء تذكرة فترق قلوب فتخشع ، وتقسو قلوب فتلهو .
قال الحسن : والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان ، قال الله تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) ( الإسراء - 82 ) .
( إن في ذلك ) الذي ذكرت ( لآيات لقوم يعقلون ) .
( وإن تعجب فعجب قولهم ) العجب تغير النفس برؤية المستبعد في العادة ، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعناه : إنك إن تعجب من إنكارهم النشأة الآخرة مع إقرارهم بابتداء الخلق [ من الله عز وجل ] فعجب أمرهم .
وكان المشركون ينكرون البعث ، مع إقرارهم بابتداء الخلق من الله تعالى ، وقد تقرر في القلوب أن الإعادة أهون من الابتداء ، فهذا موضع العجب .
وقيل : معناه : وإن تعجب من تكذيب المشركين واتخاذهم ما لا يضر ولا ينفع آلهة يعبدونها وهم قد رأوا من قدرة الله تعالى ما ضرب لهم به الأمثال فعجب قولهم ، أي : فتعجب أيضا من قولهم : ( أئذا كنا ترابا ) بعد الموت ( أئنا لفي خلق جديد ) أي : نعاد خلقا جديدا كما كنا قبل الموت .
قرأ نافع ، والكسائي ، ويعقوب " أئذا " مستفهما " إنا " بتركه على الخبر ضده : أبو جعفر وابن عامر . وكذلك في " سبحان " في موضعين؛ المؤمنون ، والم السجدة ، وقرأ الباقون بالاستفهام فيهما وفي الصافات في موضعين هكذا إلا أن أبا جعفر يوافق نافعا في أول الصافات فيقدم الاستفهام ويعقوب لا يستفهم الثانية ( أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون ) ( الصافات - 53 ) .
قال الله تعالى : ( أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم ) يوم القيامة ( وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .
قوله عز وجل : ( ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة ) الاستعجال : طلب تعجيل الأمر قبل مجيء وقته ، والسيئة ها هنا هي : العقوبة ، والحسنة : العافية . وذلك أن مشركي مكة كانوا يطلبون العقوبة بدلا من العافية استهزاء منهم يقولون : " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " ( الأنفال - 32 ) .
( وقد خلت من قبلهم المثلات ) أي : مضت من قبلهم في الأمم التي عصت ربها وكذبت رسلها العقوبات . والمثلات جمع المثلة بفتح الميم وضم الثاء ، مثل : صدقة وصدقات .
( وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب ) .
( ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه ) أي : على محمد صلى الله عليه وسلم ( آية من ربه ) أي : علامة وحجة على نبوته ، قال الله تعالى : ( إنما أنت منذر ) مخوف ( ولكل قوم هاد ) أي : لكل قوم نبي يدعوهم إلى الله تعالى . وقال الكلبي : داع يدعوهم إلى الحق أو إلى الضلالة .
وقال عكرمة : الهادي محمد صلى الله عليه وسلم ، يقول : إنما أنت منذر وأنت هاد لكل قوم ، أي : داع . وقال سعيد بن جبير : الهادي هو الله تعالى .
قوله تعالى : ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى ) من ذكر أو أنثى ، سوي الخلق أو ناقص الخلق ، واحدا أو اثنين أو أكثر ( وما تغيض الأرحام ) أي ما تنقص ( وما تزداد ) .
قال أهل التفسير غيض الأرحام : الحيض على الحمل; فإذا حاضت الحامل كان نقصانا في الولد ، لأن دم الحيض غذاء الولد في الرحم ، فإذا أهرقت الدم ينقص الغذاء فينتقص الولد ، وإذا لم تحض يزداد الولد ويتم ، فالنقصان نقصان خلقة الولد بخروج الدم ، والزيادة تمام خلقته باستمساك الدم .
وقيل : إذا حاضت ينتقص الغذاء وتزداد مدة الحمل حتى تستكمل تسعة أشهر ظاهرا ، فإن رأت خمسة أيام دما وضعت لتسعة أشهر وخمسة أيام ، فالنقصان في الغذاء ، والزيادة في المدة .
وقال الحسن : غيضها : نقصانها من تسعة أشهر ، والزيادة زيادتها على تسعة أشهر . وقيل النقصان : السقط ، والزيادة : تمام الخلق . وأقل مدة الحمل : ستة أشهر ، فقد يولد المولود لهذه المدة ويعيش .
واختلفوا في أكثرها : فقال قوم : أكثرها سنتان ، وهو قول عائشة رضي الله عنها ، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله . وذهب جماعة إلى أن أكثرها أربع سنين ، وإليه ذهب الشافعي رحمه الله ، قال حماد بن سلمة . إنما سمي هرم بن حيان هرما لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين . ( وكل شيء عنده بمقدار ) أي : بتقدير وحد لا يجاوزه ولا يقصر عنه .
( عالم الغيب والشهادة الكبير ) الذي كل شيء دونه ( المتعال ) المستعلي على كل شيء بقدرته .
قوله تعالى : ( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ) أي : يستوي في علم الله المسر بالقول والجاهر به ( ومن هو مستخف بالليل ) أي : مستتر بظلمة الليل ( وسارب بالنهار ) أي : ذاهب في سربه ظاهر . والسرب - بفتح السين وسكون الراء - : الطريق .
قال القتيبي : سارب بالنهار : أي متصرف في حوائجه . قال ابن عباس [ في هذه الآية ] هو صاحب ريبة ، مستخف بالليل ، فإذا خرج بالنهار أرى الناس أنه بريء من الإثم . وقيل : مستخف بالليل ، أي : ظاهر ، من قولهم : خفيت الشيء ; إذا أظهرته ، وأخفيته : إذا كتمته . وسارب بالنهار : أي متوار داخل في سرب .
( له معقبات ) أي : لله تعالى ملائكة يتعاقبون فيكم بالليل والنهار ، فإذا صعدت ملائكة الليل جاء في عقبها ملائكة النهار ، وإذا صعدت ملائكة النهار جاء في عقبها ملائكة الليل . والتعقيب : العود بعد البدء ، وإنما ذكر بلفظ التأنيث لأن واحدها معقب ، وجمعه معقبة ، ثم جمع الجمع معقبات ، كما قيل : أبناوات سعد ورجالات بكر . أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم ، فيسألهم ربهم - وهو أعلم بهم - : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون " .
قوله تعالى : ( من بين يديه ومن خلفه ) يعني : من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار ، ومن خلفه : من وراء ظهره ( يحفظونه من أمر الله ) يعني : بأمر الله ، أي : يحفظونه بإذن الله ما لم يجئ المقدور ، فإذا جاء المقدور خلوا عنه . وقيل : يحفظونه من أمر الله : أي مما أمر الله به من الحفظ عنه .
قال مجاهد : ما من عبد إلا وله ملك موكل به ، يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام ، فما منهم شيء يأتيه يريده إلا قال وراءك ! إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه . قال كعب الأحبار : لولا أن الله عز وجل وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفكم الجن . وقال عكرمة : الآية في الأمراء وحرسهم يحفظونهم من بين أيديهم ومن خلفهم .
وقيل : الآية في الملكين القاعدين عن اليمين وعن الشمال يكتبان الحسنات والسيئات ، كما قال الله تعالى : ( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ) ( ق - 17 ) . قال ابن جريج : معنى يحفظونه أي : يحفظون عليه أعماله من أمر الله ، يعني : الحسنات والسيئات . وقيل : الهاء في قوله " له " : راجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . روى جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس أنه قال : له معقبات يعني لمحمد صلى الله عليه وسلم حراس من الرحمن من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله [ يعني : من شر الجن ] وطوارق الليل والنهار .
وقال عبد الرحمن بن زيد : نزلت هذه الآيات في عامر بن الطفيل ، وأربد بن ربيعة ، وكانت قصتهما على ما روى الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أقبل عامر بن الطفيل ، وأربد بن ربيعة ، وهما عامريان ، يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو جالس في المسجد في نفر من أصحابه ، فدخلا المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور ، وكان من [ أجل ] الناس ، فقال رجل : يا رسول الله ، هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك ، فقال : دعه فإن يرد الله به خيرا يهده .
فأقبل حتى قام عليه ، فقال : يا محمد مالي إن أسلمت ؟
قال : " لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين " .
قال : تجعل لي الأمر بعدك .
قال : ليس ذلك إلي ، إنما ذلك إلى الله عز وجل ، يجعله حيث يشاء .
قال : فتجعلني على الوبر وأنت على المدر ، قال : لا .
قال : فماذا تجعل لي ؟
قال : أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها .
قال : أوليس ذلك إلي اليوم ؟ قم معي أكلمك . فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكان [ عامر ] أوصى إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف ، فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه فدار أربد خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه ، فاخترط من سيفه شبرا ، ثم حبسه الله تعالى عنه ، فلم يقدر على سله ، وجعل عامر يومئ إليه ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى أربد وما صنع بسيفه ، فقال : اللهم اكفنيهما بما شئت . فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم صحو قائظ فأحرقته ، وولى عامر هاربا وقال : يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأنها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يمنعك الله تعالى من ذلك ، وأبناء قيلة ، يريد : الأوس والخزرج . فنزل عامر بيت امرأة سلولية ، فلما أصبح ضم عليه سلاحه وقد تغير لونه ، فجعل يركض في الصحراء ، ويقول : ابرز يا ملك الموت ، ويقول الشعر ، ويقول : واللات والعزى لئن أبصرت محمدا وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذنهما برمحي ، فأرسل الله إليه ملكا فلطمه بجناحه فأرداه في التراب وخرجت على ركبتيه في الوقت غدة عظيمة ، فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول : غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية . ثم دعا بفرسه فركبه ثم أجراه حتى مات على ظهره فأجاب الله دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقتل عامر بن الطفيل بالطعن وأربد بالصاعقة ، وأنزل الله عز وجل في هذه القصة قوله : ( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يديه ) يعني لرسول الله صلى الله عليه وسلم معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من أمر الله . [ يعني تلك المعقبات من أمر الله ] . وفيه تقديم وتأخير .
وقال لهذين : ( إن الله لا يغير ما بقوم ) من العافية والنعمة ( حتى يغيروا ما بأنفسهم ) من الحال الجميلة فيعصوا ربهم .
( وإذا أراد الله بقوم سوءا ) أي : عذابا وهلاكا ( فلا مرد له ) أي : لا راد له ( وما لهم من دونه من وال ) أي : ملجإ يلجئون إليه . وقيل : وال يلي أمرهم ويمنع العذاب عنهم .
قوله عز وجل : ( هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا ) قيل : خوفا من الصاعقة ، طمعا في نفع المطر . وقيل : الخوف للمسافر ، يخاف منه الأذى والمشقة ، والطمع للمقيم يرجو منه البركة والمنفعة .
وقيل : الخوف من المطر في غير مكانه وإبانه ، والطمع إذا كان في مكانه وإبانه ، ومن البلدان ما إذا أمطروا قحطوا وإذا لم يمطروا أخصبوا .
( وينشئ السحاب الثقال ) بالمطر . يقال : أنشأ الله السحابة فنشأت أي : أبداها فبدت ، والسحاب جمع ، واحدتها سحابة قال علي رضي الله عنه : السحاب غربال الماء .
( ويسبح الرعد بحمده ) أكثر المفسرين على أن الرعد اسم ملك يسوق السحاب ، والصوت المسموع منه تسبيحه .
قال ابن عباس : من سمع صوت الرعد فقال : سبحان الذي يسبح الرعد بحمده ، والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير ، فإن أصابته صاعقة فعلي ديته .
وعن عبد الله بن الزبير : أنه كان إذا سمع صوت الرعد ترك الحديث : وقال : " سبحان من يسبح الرعد بحمده ، والملائكة من خيفته ، ويقول : إن هذا الوعيد لأهل الأرض شديد .
وفي بعض الأخبار يقول الله تعالى : " لو أن عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل ، ولأطلعت عليهم الشمس بالنهار ، ولم أسمعهم صوت الرعد "
وقال جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : الرعد ملك موكل بالسحاب يصرفه إلى حيث يؤمر ، وأن بحور الماء في نقرة إبهامه ، وأنه يسبح الله تعالى ، فإذا سبح لا يبقى ملك في السماء إلا رفع صوته بالتسبيح فعندها ينزل القطر . ( والملائكة من خيفته ) أي : تسبح الملائكة من خيفة الله عز وجل وخشيته . وقيل : أراد بهؤلاء الملائكة أعوان الرعد ، جعل الله تعالى له أعوانا ، فهم خائفون خاضعون طائعون .
قوله تعالى : ( ويرسل الصواعق ) جمع صاعقة ، وهي : العذاب المهلك ، ينزل من البرق فيحرق من يصيبه ( فيصيب بها من يشاء ) كما أصاب أربد بن ربيعة . وقال محمد بن علي الباقر : الصاعقة تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب الذاكر .
( وهم يجادلون ) يخاصمون ( في الله ) نزلت في شأن أربد بن ربيعة حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم : مم ربك أمن در أم من ياقوت أم من ذهب ؟ فنزلت صاعقة من السماء فأحرقته .
وسئل الحسن عن قوله عز وجل : ( ويرسل الصواعق ) الآية ، قال : كان رجل من طواغيت العرب بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم نفرا يدعونه إلى الله ورسوله . فقال لهم : أخبروني عن رب محمد هذا الذي تدعونني إليه مم هو ؟ من ذهب أو فضة أو حديد أو نحاس ؟ فاستعظم القوم مقالته فانصرفوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، ما رأينا رجلا أكفر قلبا ولا أعتى على الله منه ؟ فقال : ارجعوا إليه ، فرجعوا إليه فجعل لا يزيدهم على مثل مقالته الأولى ، وقال : أجيب محمدا إلى رب لا أراه ولا أعرفه . فانصرفوا وقالوا : يا رسول الله ما زادنا على مقالته الأولى وأخبث .
فقال : ارجعوا إليه ، فرجعوا ، فبينما هم عنده ينازعونه ويدعونه ، وهو يقول هذه المقالة إذ ارتفعت سحابة ، فكانت فوق رءوسهم ، فرعدت وبرقت ، ورمت بصاعقة ، فاحترق الكافر ، وهم جلوس ، فجاءوا يسعون ليخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستقبلهم قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا لهم : احترق صاحبكم . فقالوا : من أين علمتم فقالوا : أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم : ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله ) .
( وهو شديد المحال ) قال علي رضي الله عنه : شديد الأخذ .
وقال ابن عباس : شديد الحول .
وقال الحسن : شديد الحقد .
وقال مجاهد : شديد القوة .
وقال أبو عبيدة : شديد العقوبة .
وقيل : شديد المكر .
والمحال والمماحلة : المماكرة والمغالبة .
( له دعوة الحق ) أي : لله دعوة الصدق .
قال علي رضي الله عنه : دعوة الحق التوحيد .
وقال ابن عباس : شهادة أن لا إله إلا الله .
وقيل : الدعاء بالإخلاص ، والدعاء الخالص لا يكون إلا لله عز وجل .
( والذين يدعون من دونه ) أي : يعبدون الأصنام من دون الله تعالى . ( لا يستجيبون لهم بشيء ) أي : لا يجيبونهم بشيء يريدونه من نفع أو دفع ضر ( إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه ) أي : إلا كباسط كفيه ليقبض على الماء [ والقابض على الماء ] لا يكون في يده شيء ، ولا يبلغ إلى فيه منه شيء ، كذلك الذي يدعو الأصنام ، وهي لا تضر ولا تنفع ، لا يكون بيده شيء .
وقيل : معناه كالرجل العطشان الذي يرى الماء من بعيد ، فهو يشير بكفه إلى الماء ، ويدعوه بلسانه ، فلا يأتيه أبدا ، هذا معنى قول مجاهد .
ومثله عن علي ، وعطاء : كالعطشان الجالس على شفير البئر ، يمد يده إلى البئر فلا يبلغ قعر البئر إلى الماء ، ولا يرتفع إليه الماء ، فلا ينفعه بسط الكف إلى الماء ودعاؤه له ، ولا هو يبلغ فاه ، كذلك الذين يدعون الأصنام لا ينفعهم دعاؤها ، وهي لا تقدر على شيء .
وعن ابن عباس : كالعطشان إذا بسط كفيه في الماء لا ينفعه ذلك ما لم يغرف بهما الماء ، ولا يبلغ الماء فاه ما دام باسطا كفيه . وهو مثل ضربه لخيبة الكفار .
( وما دعاء الكافرين ) أصنامهم ( إلا في ضلال ) يضل عنهم إذا احتاجوا إليه ، كما قال : ( وضل عنهم ما كانوا يفترون ) ( الأنعام - 24 وغيرها ) .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : وما دعاء الكافرين ربهم إلا في ضلال لأن أصواتهم محجوبة عن الله تعالى .
قوله عز وجل : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا ) يعني : الملائكة والمؤمنين ( وكرها ) يعني : المنافقين والكافرين الذين أكرهوا على السجود بالسيف .
( وظلالهم ) يعني : ظلال الساجدين طوعا وكرها تسجد لله عز وجل طوعا . قال مجاهد : ظل المؤمن يسجد طوعا وهو طائع ، وظل الكافر يسجد طوعا وهو كاره .
( بالغدو والآصال ) يعني إذا سجد بالغدو أو العشي يسجد معه ظله . و " الآصال " : جمع " الأصل " ، و " الأصل " جمع " الأصيل " ، وهو ما بين العصر إلى غروب الشمس .
وقيل : ظلالهم أي : أشخاصهم ، بالغدو والآصال : بالبكر والعشايا . وقيل : سجود الظل تذليله لما أريد له .
قوله تعالى : ( قل من رب السماوات والأرض ) أي : خالقهما ومدبرهما [ فسيقولون الله ] لأنهم يقرون بأن الله خالقهم وخالق السماوات والأرض ، فإذا أجابوك فقل أنت أيضا يا محمد : " الله " . وروي أنه لما قال هذا للمشركين عطفوا عليه فقالوا : أجب أنت ، فأمره الله عز وجل فقال : ( قل الله ) .
ثم قال الله لهم إلزاما للحجة : ( قل أفاتخذتم من دونه أولياء ) معناه : إنكم مع إقراركم بأن الله خالق السماوات والأرض اتخذتم من دونه أولياء فعبدتموها من دون الله ، يعني : الأصنام ، وهم ( لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ) فكيف يملكون لكم ؟
ثم ضرب لهم مثلا فقال : ( قل هل يستوي الأعمى والبصير ) كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن ( أم هل تستوي ) قرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر " يستوي " بالياء ، وقرأ الآخرون بالتاء لأنه لا حائل بين الاسم والفعل المؤنث . ( الظلمات والنور ) أي : كما لا يستوي الظلمات والنور لا يستوي الكفر والإيمان .
( أم جعلوا ) أي : جعلوا ( شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم ) أي : اشتبه ما خلقوه بما خلقه الله تعالى فلا يدرون ما خلق الله وما خلق آلهتهم .
( قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار ) ثم ضرب الله تعالى مثلين للحق والباطل ، فقال عز وجل :
( أنزل ) يعني : الله عز وجل ( من السماء ماء ) يعني : المطر ( فسالت ) من ذلك الماء ( أودية بقدرها ) أي : في الصغر والكبر ( فاحتمل السيل ) الذي حدث من ذلك الماء ( زبدا رابيا ) الزبد : الخبث الذي يظهر على وجه الماء ، وكذلك على وجه القدر ، " رابيا " أي عاليا مرتفعا فوق الماء ، فالماء الصافي الباقي هو الحق ، والذاهب الزائل الذي يتعلق بالأشجار وجوانب الأودية هو الباطل .
وقيل : قوله " أنزل من السماء ماء " : هذا مثل للقرآن ، والأودية مثل للقلوب ، يريد : ينزل القرآن فتحمل منه القلوب على قدر اليقين ، والعقل ، والشك ، والجهل . فهذا أحد المثلين ، والمثل الآخر : قوله عز وجل : ( ومما يوقدون عليه في النار ) .
قرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص ( يوقدون ) بالياء لقوله تعالى : ( ما ينفع الناس ) ولا مخاطبة هاهنا . وقرأ الآخرون بالتاء " ومما توقدون " أي : ومن الذي توقدون عليه في النار . والإيقاد : جعل النار تحت الشيء ليذوب .
( ابتغاء حلية ) أي : لطلب زينة ، وأراد الذهب والفضة ; لأن الحلية تطلب منهما ( أو متاع ) أي : طلب متاع وهو ما ينتفع به ، وذلك مثل الحديد ، والنحاس ، والرصاص ، والصفر تذاب فيتخذ منها الأواني وغيرها مما ينتفع بها ( زبد مثله ) .
( كذلك يضرب الله الحق والباطل ) أي : إذا أذيب فله أيضا زبد مثل زبد الماء ، فالباقي الصافي من هذه الجواهر مثل الحق ، والزبد الذي لا ينتفع به مثل الباطل .
( فأما الزبد ) الذي علا السيل والفلز ( فيذهب جفاء ) أي : ضائعا باطلا ، والجفاء ما رمى به الوادي من الزبد ، والقدر إلى جنباته . يقال : جفا الوادي وأجفأ : إذا ألقى غثاءه ، وأجفأت القدر وجفأت : إذا غلت وألقت زبدها ، فإذا سكنت لم يبق فيها شيء .
معناه : إن الباطل وإن علا في وقت فإنه يضمحل . وقيل : " جفاء " أي : متفرقا . يقال : جفأت الريح الغيم إذا فرقته وذهبت به .
( وأما ما ينفع الناس ) يعني : الماء والفلز من الذهب والفضة والصفر والنحاس ( فيمكث في الأرض ) أي : يبقى ولا يذهب .
( كذلك يضرب الله الأمثال ) جعل الله تعالى هذا مثلا للحق والباطل ، أي : أن الباطل كالزبد يذهب ويضيع ، والحق كالماء والفلز يبقى في القلوب . وقيل : هذا تسلية للمؤمنين ، يعني : أن أمر المشركين كالزبد يرى في الصورة شيئا وليس له حقيقة ، وأمر المؤمنين كالماء المستقر في مكانه له البقاء والثبات .
قوله تعالى : ( للذين استجابوا لربهم ) أجابوا لربهم فأطاعوه ( الحسنى ) الجنة ( والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به ) أي : لبذلوا ذلك يوم القيامة افتداء من النار ( أولئك لهم سوء الحساب ) قال إبراهيم النخعي : سوء الحساب : أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر له من شيء ( ومأواهم ) في الآخرة ( جهنم وبئس المهاد ) الفراش ، أي : بئس ما مهد لهم .
قوله تعالى : ( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق ) فيؤمن به ويعمل بما فيه ( كمن هو أعمى ) عنه لا يعلمه ولا يعمل به . قيل : نزلت في حمزة ، وأبي جهل . وقيل : في عمار ، وأبي جهل .
فالأول حمزة أو عمار والثاني أبو جهل ، وهو الأعمى . أي : لا يستوي من يبصر الحق ويتبعه ومن لا يبصره ولا يتبعه .
( إنما يتذكر ) يتعظ ( أولو الألباب ) ذوو العقول .
( الذين يوفون بعهد الله ) بما أمرهم الله تعالى به وفرضه عليهم فلا يخالفونه ( ولا ينقضون الميثاق ) وقيل : أراد العهد الذي أخذه على ذرية آدم عليه السلام حين أخرجهم من صلبه .
( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ) قيل : أراد به الإيمان بجميع الكتب والرسل ولا يفرقون بينهما . والأكثرون على أنه أراد به صلة الرحم .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أبي سلمة أن عبد الرحمن بن عوف عاد أبا الدرداء فقال - يعني عبد الرحمن - : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فيما يحكي عن ربه عز وجل : " أنا الله ، وأنا الرحمن ، وهي الرحم ، شققت لها من اسمي اسما ، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، حدثني حميد بن زنجويه ، حدثنا ابن أبي أويس ، قال : حدثني سليمان بن بلال ، عن معاوية بن أبي مزرد ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقوي الرحمن ، فقال : مه ، قالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، قال : ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى يا رب ، قال : فذلك لك " ، ثم قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) ( محمد - 22 ) .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، أنبأنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا كثير بن عبد الله اليشكري ، حدثنا الحسن بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة تحت العرش يوم القيامة : القرآن يحاج العباد ، له ظهر وبطن ، والأمانة ، والرحم تنادي ألا من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث بن سعد ، حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، حدثنا شعبة ، عن عيينة بن عبد الرحمن قال : سمعت أبي يحدث عن أبي بكر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من ذنب أحرى أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم " .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، أخبرنا أحمد بن منصور الزيادي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يدخل الجنة قاطع " .
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، حدثنا أحمد بن إسحاق الصيدلاني ، أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد بن نصر ، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، حدثنا عمرو بن عثمان قال سمعت موسى بن طلحة يذكر عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، أن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له فقال : أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار ، قال صلى الله عليه وسلم : " تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، حدثنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه حدثنا أبو يعلى ، وأبو نعيم ، قالا : حدثنا قطر ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها " [ رواه محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن كثير ، عن سفيان عن قطر وقال : إذا قطعت رحمه وصلها ] .
قوله تعالى : ( ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ) .
( والذين صبروا ) على طاعة الله ، وقال ابن عباس : على أمر الله عز وجل . وقال عطاء : على المصائب والنوائب . وقيل : عن الشهوات . وقيل : عن المعاصي .
( ابتغاء وجه ربهم ) طلب تعظيمه أن يخالفوه .
( وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ) يعني يؤدون الزكاة .
( ويدرءون بالحسنة السيئة ) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : يدفعون بالصالح من العمل السيئ من العمل ، وهو معنى قوله : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) ( هود - 114 ) . وجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها ، السر بالسر والعلانية بالعلانية " .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث ، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن ابن لهيعة ، حدثني يزيد بن أبي حبيب ، حدثنا أبو الخير ، أنه سمع عقبة بن عامر رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته ، ثم عمل حسنة ، فانفكت عنه حلقة ، ثم عمل أخرى فانفكت أخرى ، حتى يخرج إلى الأرض " .
وقال ابن كيسان : معنى الآية : يدفعون الذنب بالتوبة .
وقيل : لا يكافئون الشر بالشر ، ولكن يدفعون الشر بالخير .
وقال القتيبي : معناه : إذا سفه عليهم حلموا ، فالسفه : السيئة ، والحلم : الحسنة .
وقال قتادة : ردوا عليهم معروفا ، نظيره قوله تعالى : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) ( الفرقان - 63 ) .
وقال الحسن : إذا حرموا أعطوا ، وإذا ظلموا عفوا ، وإذا قطعوا وصلوا .
قال عبد الله بن المبارك : هذه ثمان خلال مشيرة إلى ثمانية أبواب الجنة .
( أولئك لهم عقبى الدار ) يعني الجنة ، أي : عاقبتهم دار الثواب . ثم بين ذلك فقال : ( جنات عدن ) .
( جنات عدن ) بساتين إقامة ( يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ) قيل : من أبواب الجنة . وقيل : من أبواب القصور .
( سلام عليكم ) أي : يقولون سلام عليكم .
وقيل : يقولون : سلمكم الله من الآفات التي كنتم تخافون منها .
قال مقاتل : يدخلون عليهم في مقدار يوم وليلة من أيام الدنيا ثلاث كرات ، معهم الهدايا والتحف من الله عز وجل ، يقولون سلام عليكم ( بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن بقية بن الوليد ، حدثني أرطاة بن المنذر ، قال : سمعت رجلا من مشيخة الجند يقال له أبو الحجاج يقول : جلست إلى أبي أمامة فقال : إن المؤمن ليكون متكئا على أريكته إذا أدخل الجنة ، وعنده سماطان من خدم ، وعند طرف السماطين باب مبوب . فيقبل ملك من ملائكة الله يستأذن ، فيقوم أقصى الخدم إلى الباب ، فإذا هو بالملك يستأذن ، فيقول للذي يليه : ملك يستأذن ويقول الذي يليه للذي يليه : ملك يستأذن كذلك حتى يبلغ المؤمن ، فيقول : ائذنوا له ، [ فيقول أقربهم إلى المؤمن ] : ائذنوا له ، [ ويقول الذي يليه للذي يليه : ائذنوا له ] كذلك حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب ، فيفتح له فيدخل ، فيسلم ثم ينصرف .
( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ) هذا في الكفار . ( ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) أي : يؤمنون ببعض الأنبياء ويكفرون ببعض . وقيل : يقطعون الرحم . ( ويفسدون في الأرض ) أي : يعملون بالمعاصي ( أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) يعني : النار ، وقيل : سوء المنقلب لأن منقلب الناس دورهم .
قوله عز وجل : ( الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) أي : يوسع على من يشاء ويضيق على من يشاء .
( وفرحوا بالحياة الدنيا ) يعني : مشركي مكة أشروا وبطروا ، والفرح : لذة في القلب بنيل المشتهى ، وفيه دليل على أن الفرح بالدنيا حرام .
( وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ) أي : قليل ذاهب . قال الكلبي : كمثل السكرجة ، والقصعة ، والقدح ، والقدر ينتفع بها [ ثم تذهب ] .
( ويقول الذين كفروا ) من أهل مكة ( لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب ) [ أي : يهدي إليه من يشاء بالإنابة . وقيل : يرشد إلى دينه من يرجع إليه بقلبه ] .
( الذين آمنوا ) في محل النصب ، بدل من قوله : " من أناب " ( وتطمئن ) تسكن ( قلوبهم بذكر الله ) قال مقاتل : بالقرآن ، والسكون يكون باليقين ، والاضطراب يكون بالشك ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) تسكن قلوب المؤمنين ويستقر فيها اليقين .
قال ابن عباس : هذا في الحلف ، يقول : إذا حلف المسلم بالله على شيء تسكن قلوب المؤمنين إليه .
فإن قيل : أليس قد قال الله تعالى : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) ( الأنفال - 2 ) فكيف تكون الطمأنينة والوجل في حالة واحدة ؟
قيل : الوجل عند ذكر الوعيد والعقاب ، والطمأنينة عند ذكر الوعد والثواب ، فالقلوب توجل إذا ذكرت عدل الله وشدة حسابه ، وتطمئن إذا ذكرت فضل الله وثوابه وكرمه .
( الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ابتداء ( طوبى لهم ) خبره .
واختلفوا في تفسير ( طوبى ) .
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما : فرح لهم وقرة عين .
وقال عكرمة : نعم مالهم .
وقال قتادة : حسنى لهم .
وقال معمر عن قتادة : هذه كلمة عربية ، يقول الرجل للرجل : طوبى لك ، أي : أصبت خيرا .
وقال إبراهيم : خير لهم وكرامة .
وقال الفراء : [ أصله من الطيب ، والواو فيه لضمة الطاء ، وفيه لغتان ، تقول العرب : طوباك وطوبى لك أي : لهم الطيب ] .
( وحسن مآب ) أي : حسن المنقلب .
قال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : طوبى اسم الجنة بالحبشية .
قال الربيع : هو البستان بلغة الهند .
وروي عن أبي أمامة ، وأبي هريرة ، وأبي الدرداء قالوا : [ طوبى شجرة في الجنة تظل الجنان كلها . وقال عبيد بن عمير ] : هي شجرة في جنة عدن أصلها في دار النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي كل دار وغرفة غصن منها لم يخلق الله لونا ولا زهرة إلا وفيها منها إلا السواد ، ولم يخلق الله تعالى فاكهة ولا ثمرة إلا وفيها منها ، تنبع من أصلها عينان : الكافور ، والسلسبيل .
قال مقاتل : كل ورقة منها تظل أمة ، عليها ملك يسبح الله عز وجل بأنواع التسبيح .
وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طوبى ؟ قال : " شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " .
وعن معاوية بن قرة ، عن أبيه يرفعه : " طوبى شجرة غرسها الله تعالى بيده ، ونفخ فيها من روحه ، تنبت الحلي والحلل ، وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة " .
أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أخبرنا محمد بن أحمد بن الحارث ، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن زياد مولى بني مخزوم ، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها اقرءوا إن شئتم : ( وظل ممدود ) ( الواقعة - 30 ) فبلغ ذلك كعبا فقال : صدق والذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام والقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ، لو أن رجلا ركب حقة أو جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرما ، إن الله تعالى غرسها بيده ونفخ فيها من روحه ، وإن أفنانها لمن وراء سور الجنة ، ما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة .
وبهذا الإسناد عن عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن الأشعث بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، يقول الله عز وجل لها : تفتقي لعبدي عما شئت ، فتنفتق له عن فرس بسرجه ولجامه وهيئته كما شاء ، يفتق له عن الراحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما شاء وعن الثياب .
قوله عز وجل ( كذلك أرسلناك في أمة ) كما أرسلنا الأنبياء إلى الأمم أرسلناك إلى هذه الأمة ( قد خلت ) مضت ( من قبلها أمم لتتلو ) لتقرأ ( عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن ) .
قال قتادة ، ومقاتل ، وابن جريج : الآية مدنية نزلت في صلح الحديبية ، وذلك أن سهيل بن عمرو لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واتفقوا على أن يكتبوا كتاب الصلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم . قالوا : لا نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة - يعنون مسيلمة الكذاب - اكتب كما كنت تكتب : " باسمك اللهم " ، فهذا معنى قوله : ( وهم يكفرون بالرحمن ) .
والمعروف أن الآية مكية ، وسبب نزولها : أن أبا جهل سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحجر يدعو يا الله ، يا رحمن ، فرجع إلى المشركين فقال : إن محمدا يدعو إلهين; يدعو الله ، ويدعو إلها آخر يسمى الرحمن ، ولا نعرف الرحمن إلا رحمان اليمامة فنزلت هذه الآية ، ونزل قوله تعالى : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) ( الإسراء - 110 ) .
وروى الضحاك ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنها نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : اسجدوا للرحمن ، قالوا : وما الرحمن ؟ قال الله تعالى : ( قل ) لهم يامحمد إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته ( هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت ) اعتمدت ( وإليه متاب ) أي : توبتي ومرجعي .
قوله عز وجل : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) الآية . نزلت في نفر من مشركي مكة; منهم أبو جهل بن هشام ، وعبد الله بن أبي أمية; جلسوا خلف الكعبة وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاهم ، فقال له عبد الله بن أبي أمية : إن سرك أن نتبعك فسير جبال مكة بالقرآن فأذهبها عنا حتى تنفسح ، فإنها أرض ضيقة لمزارعنا ، واجعل لنا فيها عيونا وأنهارا لنغرس فيها الأشجار ونزرع ، ونتخذ البساتين ، فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود عليه السلام حيث سخر له الجبال تسبح معه ، أو سخر لنا الريح فنركبها إلى الشام لميرتنا وحوائجنا ونرجع في يومنا ، فقد سخرت الريح لسليمان كما زعمت ، ولست بأهون على ربك من سليمان ، وأحي لنا جدك قصيا أو من شئت من آبائنا وموتانا لنسأله عن أمرك أحق ما تقول أم باطل ؟ فإن عيسى كان يحيي الموتى ، ولست بأهون على الله منه فأنزل الله عز وجل : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) فأذهبت عن وجه الأرض ( أو قطعت به الأرض ) أي : شققت فجعلت أنهارا وعيونا ( أو كلم به الموتى ) واختلفوا في جواب " لو " :
فقال قوم : جوابه محذوف ، اكتفى بمعرفة السامعين مراده ، وتقديره : لكان هذا القرآن ، كقول الشاعر :
فأقسم لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
أراد : لرددناه ، وهذا معنى قول قتادة قال : لو فعل هذا بقرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم .
وقال آخرون : جواب لو مقدم . وتقدير الكلام : وهم يكفرون بالرحمن " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال " كأنه قال : لو سيرت به الجبال " أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى " لكفروا بالرحمن ولم يؤمنوا ، لما سبق من علمنا فيهم ، كما قال : ( ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا ) ( الأنعام - 111 ) ثم قال :
( بل لله الأمر جميعا ) أي : في هذه الأشياء إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل .
( أفلم ييئس الذين آمنوا ) قال أكثر المفسرين : معناه أفلم يعلم . قال الكلبي : هي لغة النخع .
وقيل : لغة هوازن ، يدل عليه قراءة ابن عباس : " أفلم يتبين الذين آمنوا " .
وأنكر الفراء أن يكون ذلك بمعنى العلم ، وزعم أنه لم يسمع أحدا من العرب يقول : يئست ، بمعنى : علمت ، ولكن معنى العلم فيه مضمر .
وذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا هذا من المشركين طمعوا في أن يفعل الله ما سألوا فيؤمنوا فنزل : ( أفلم ييئس الذين آمنوا ) يعني : الصحابة رضي الله عنهم أجمعين من إيمان هؤلاء ، أي لم ييئسوا علما ، وكل من علم شيئا يئس من خلافه ، يقول : ألم ييئسهم العلم : ( أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ) .
( ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا ) من كفرهم وأعمالهم الخبيثة ( قارعة ) أي : نازلة وداهية تقرعهم من أنواع البلاء ، أحيانا بالجدب ، وأحيانا بالسلب ، وأحيانا بالقتل والأسر .
وقال ابن عباس : أراد بالقارعة : السرايا التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثهم إليهم .
( أو تحل ) يعني السرية والقارعة ( قريبا من دارهم ) وقيل : أو تحل : أي تنزل أنت يا محمد بنفسك قريبا من ديارهم ( حتى يأتي وعد الله ) قيل : يوم القيامة . وقيل : الفتح والنصر وظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه . ( إن الله لا يخلف الميعاد ) وكان الكفار يسألون هذه الأشياء على سبيل الاستهزاء فأنزل الله تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( ولقد استهزئ برسل من قبلك )
( ولقد استهزئ برسل من قبلك ) كما استهزءوا بك ( فأمليت للذين كفروا ) أمهلتهم ، وأطلت لهم المدة ، ومنه " الملوان " ، وهما : الليل والنهار ( ثم أخذتهم ) عاقبتهم في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار ( فكيف كان عقاب ) أي : عقابي لهم .
( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) أي : حافظها ، ورازقها ، وعالم بها ، ومجازيها بما عملت . وجوابه محذوف ، تقديره : كمن ليس بقائم بل عاجز عن نفسه .
( وجعلوا لله شركاء قل سموهم ) بينوا أسماءهم .
وقيل : صفوهم ثم انظروا : هل هي أهل لأن تعبد ؟
( أم تنبئونه ) أي : تخبرون الله تعالى : ( بما لا يعلم في الأرض ) فإنه لا يعلم لنفسه شريكا ولا في الأرض إلها غيره ( أم بظاهر ) يعني : أم تتعلقون بظاهر ( من القول ) مسموع ، وهو في الحقيقة باطل لا أصل له .
وقيل : بباطل من القول : قال الشاعر :
وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
أي : زائل .
( بل زين للذين كفروا مكرهم ) كيدهم . وقال مجاهد : شركهم وكذبهم على الله .
( وصدوا عن السبيل ) أي : صرفوا عن الدين .
قرأ أهل الكوفة ، ويعقوب ( وصدوا ) وفي حم المؤمن ( وصد ) بضم الصاد فيهما ، وقرأ الآخرون بالفتح لقوله تعالى : ( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ) ( الحج - 25 ) ، وقوله ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ) ( النحل - 88 وغيرها ) .
( ومن يضلل الله ) بخذلانه إياه ( فما له من هاد ) .
( لهم عذاب في الحياة الدنيا ) بالقتل والأسر ( ولعذاب الآخرة أشق ) أشد ( وما لهم من الله من واق ) مانع يمنعهم من العذاب .
قوله عز وجل : ( مثل الجنة التي وعد المتقون ) أي : صفة الجنة ، كقوله تعالى : ( ولله المثل الأعلى ) ( النحل - 60 ) أي : الصفة العليا ( تجري من تحتها الأنهار ) أي : صفة الجنة التي وعد المتقون أن الأنهار تجري من تحتها .
وقيل : " مثل " صلة مجازها " الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار " .
( أكلها دائم ) أي : لا ينقطع ثمرها ونعيمها ( وظلها ) أي : ظلها ظليل ، لا يزول ، وهو رد على الجهمية حيث قالوا إن نعيم الجنة يفنى .
( تلك عقبى ) أي : عاقبة ( الذين اتقوا ) يعني : الجنة ( وعقبى الكافرين النار ) .
قوله عز وجل : ( والذين آتيناهم الكتاب ) يعني : القرآن ، وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ( يفرحون بما أنزل إليك ) من القرآن ( ومن الأحزاب ) يعني : الكفار الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم اليهود ، والنصارى ( من ينكر بعضه ) هذا قول مجاهد ، وقتادة .
وقال الآخرون : كان ذكر الرحمن قليلا في القرآن في الابتداء فلما أسلم عبد الله بن سلام ، وأصحابه ساءهم قلة ذكره في القرآن مع كثرة ذكره في التوراة ، فلما كرر الله ذكره في القرآن فرحوا به فأنزل الله سبحانه وتعالى : ( والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه ) يعني : مشركي مكة حين كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الصلح : بسم الله الرحمن الرحيم ، قالوا : ما نعرف الرحمن إلا رحمان اليمامة ، يعنون مسيلمة الكذاب ، فأنزل الله عز وجل ( وهم بذكر الرحمن هم كافرون ) ( الأنبياء - 36 ( وهم يكفرون بالرحمن ) ( الرعد - 30 ) . وإنما قال : " بعضه " لأنهم كانوا لا ينكرون ذكر الله وينكرون ذكر الرحمن .
( قل ) يا محمد ( إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب ) أي : مرجعي .
( وكذلك أنزلناه حكما عربيا ) يقول : كما أنزلنا إليك الكتاب يا محمد ، فأنكره الأحزاب ، كذلك أنزلنا الحكم والدين عربيا . نسب إلى العرب لأنه نزل بلغتهم فكذب به الأحزاب . وقيل : نظم الآية : كما أنزلت الكتب على الرسل بلغاتهم ، فكذلك أنزلنا عليك الكتاب حكما عربيا .
( ولئن اتبعت أهواءهم ) في الملة . وقيل : في القبلة ( بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق ) يعني : من ناصر ولا حافظ .
قوله تعالى : ( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك ) روي أن اليهود ، - وقيل : إن المشركين - قالوا : إن هذا الرجل ليست له همة إلا في النساء فأنزل الله تعالى : ( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية ) وما جعلناهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون .
( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) هذا جواب عبد الله بن أبي أمية . ثم قال :
( لكل أجل كتاب ) يقول : لكل أمر قضاه الله كتاب قد كتبه فيه ووقت يقع فيه .
وقيل : لكل آجل أجله الله كتاب أثبت فيه . وقيل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : أي لكل كتاب أجل ومدة ، أي : الكتب المنزلة لكل واحد منها وقت ينزل فيه .
( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، ويعقوب " ويثبت " بالتخفيف وقرأ الآخرون بالتشديد . واختلفوا في معنى الآية :
فقال سعيد بن جبير ، وقتادة : يمحو الله ما يشاء من الشرائع ، والفرائض فينسخه ويبدله ، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه .
وقال ابن عباس : يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا الرزق والأجل والسعادة والشقاوة .
وروينا عن حذيفة بن أسيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين ، أو خمس وأربعين ليلة ، فيقول : يا رب أشقي أم سعيد ؟ فيكتبان ، فيقول : أي رب ، أذكر أم أنثى ؟ فيكتبان ، ويكتب عمله وأثره ، وأجله ، ورزقه ، ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ، ولا ينقص " .
وعن عمر ، وابن مسعود - رضي الله عنهما - أنهما قالا يمحو السعادة ، والشقاوة أيضا ، ويمحو الرزق والأجل ويثبت ما يشاء .
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول : اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها ، وإن كنت كتبت علي الشقاوة فامحني ، وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب . ومثله عن ابن مسعود .
وفي بعض الآثار : أن الرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثون سنة فيقطع رحمه فترد إلى ثلاثة أيام ، والرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثة أيام فيصل رحمه فيمد إلى ثلاثين سنة .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، حدثنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث بن سعد ، حدثني زيادة بن محمد الأنصاري ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن فضالة بن عبيد ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينزل الله عز وجل في آخر ثلاث ساعات يبقين من الليل ، فينظر في الساعة الأولى منهن في أم الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت " .
وقيل : معنى الآية : إن الحفظة يكتبون جميع أعمال بني آدم وأقوالهم ، فيمحو الله من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قوله : أكلت ، شربت ، دخلت ، خرجت ، ونحوها من كلام هو صادق فيه ، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب ، هذا قول الضحاك والكلبي .
وقال الكلبي : يكتب القول كله ، حتى إذا كان يوم الخميس طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب .
وقال عطية ، عن ابن عباس : هو الرجل يعمل بطاعة الله عز وجل ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة فهو الذي يمحو ، والذي يثبت : الرجل يعمل بطاعة الله ، فيموت وهو في طاعة الله عز وجل فهو الذي يثبت .
وقال الحسن : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) أي من جاء أجله يذهب به ، ويثبت من لم يجئ أجله إلى أجله .
وعن سعيد بن جبير قال : ( يمحو الله ما يشاء ) من ذنوب العباد فيغفرها ويثبت ما يشاء فلا يغفرها .
وقال عكرمة : ( يمحو الله ما يشاء ) من الذنوب بالتوبة ، ويثبت بدل الذنوب حسنات ، كما قال الله تعالى : ( فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) ( الفرقان - 70 ) . وقال السدي : ( يمحو الله ما يشاء ) يعني القمر ( ويثبت ) يعني الشمس ، بيانه قوله تعالى : ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) ( الإسراء - 12 ) .
وقال الربيع : هذا في الأرواح يقبضها الله عند النوم ، فمن أراد موته محاه فأمسكه ومن أراد بقاءه أثبته ورده إلى صاحبه ، بيانه قوله عز وجل : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) الآية ( الزمر - 42 ) . ( وعنده أم الكتاب ) أي : أصل الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير .
وقال عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : هما كتابان : كتاب سوى أم الكتاب ، يمحو منه ما يشاء ويثبت ، وأم الكتاب الذي لا يغير منه شيء .
وعن عطاء ، عن ابن عباس قال : إن لله تعالى لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام ، من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت ، لله في كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) وسأل ابن عباس كعبا عن أم الكتاب ؟ فقال : علم الله ، ما هو خالق ، وما خلقه عاملون .
( وإما نرينك بعض الذي نعدهم ) من العذاب قبل وفاتك ( أو نتوفينك ) قبل ذلك ( فإنما عليك البلاغ ) ليس عليك إلا ذلك ( وعلينا الحساب ) الجزاء يوم القيامة .
قوله تعالى ( أولم يروا ) يعني : أهل مكة ، الذين يسألون محمدا صلى الله عليه وسلم الآيات ( أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) أكثر المفسرين على أن المراد منه فتح ديار الشرك ، فإن ما زاد في ديار الإسلام فقد نقص من ديار الشرك ، يقول : ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) فنفتحها لمحمد أرضا بعد أرض حوالي أرضهم ، أفلا يعتبرون ؟ هذا قول ابن عباس ، وقتادة ، وجماعة .
وقال قوم : هو خراب الأرض ، معناه : أو لم يروا أنا نأتي الأرض فنخربها ، ونهلك أهلها ، أفلا يخافون أن نفعل بهم ذلك ؟
وقال مجاهد : هو خراب الأرض وقبض أهلها .
وعن عكرمة قال : قبض الناس . وعن الشعبي مثله .
وقال عطاء ، وجماعة : نقصانها موت العلماء ، وذهاب الفقهاء .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " .
وقال الحسن : قال عبد الله بن مسعود : موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : عليكم بالعلم قبل أن يقبض وقبضه ذهاب أهله .
وقال علي رضي الله عنه : إنما مثل الفقهاء كمثل الأكف إذا قطعت كف لم تعد .
وقال سليمان : لا يزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلم الآخر ، فإذا هلك الأول قبل أن يتعلم الآخر هلك الناس .
وقيل لسعيد بن جبير : ما علامة هلاك الناس ؟ قال : هلاك علمائهم .
( والله يحكم لا معقب لحكمه ) لا راد لقضائه ، ولا ناقض لحكمه ( وهو سريع الحساب ) .
( وقد مكر الذين من قبلهم ) يعني : من قبل مشركي مكة ، والمكر : إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر .
( فلله المكر جميعا ) أي : عند الله جزاء مكرهم وقيل : إن الله خالق مكرهم جميعا ، بيده الخير والشر ، وإليه النفع والضر ، فلا يضر مكر أحد أحدا إلا بإذنه .
( يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار ) قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو " الكافر " على التوحيد ، وقرأ الآخرون : ( الكفار ) على الجمع . ( لمن عقبى الدار ) أي : عاقبة الدار الآخرة حين يدخلون النار ، ويدخل المؤمنون الجنة .
( ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ) إني رسوله إليكم ( ومن عنده علم الكتاب ) يريد : مؤمني أهل الكتاب يشهدون أيضا على ذلك .
قال قتادة : هو عبد الله بن سلام .
وأنكر الشعبي هذا وقال : السورة مكية وعبد الله بن سلام أسلم بالمدينة .
وقال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير ( ومن عنده علم الكتاب ) أهو عبد الله بن سلام ؟ فقال : وكيف يكون عبد الله بن سلام وهذه السورة مكية ؟
وقال الحسن ، ومجاهد : ( ومن عنده علم الكتاب ) هو الله عز وجل يدل عليه : قراءة عبد الله بن عباس ( ومن عنده ) بكسر الميم والدال ، أي : من عند الله عز وجل ، وقرأ الحسن ، وسعيد بن جبير : ( ومن عنده ) بكسر الميم والدال ( علم الكتاب ) على الفعل المجهول دليل هذه القراءة قوله تعالى : ( وعلمناه من لدنا علما ) ( الكهف - 65 ) وقوله : ( الرحمن علم القرآن ) ( الرحمن - 1 ، 2 ) .
اسم السورة | سورة الرعد (Ar-Ra'd - The Thunder) |
ترتيبها | 13 |
عدد آياتها | 43 |
عدد كلماتها | 854 |
عدد حروفها | 3450 |
معنى اسمها | (الرَّعْدُ): الصَّوتُ القَوِيُّ الَّذِي يُسْمَعُ مِنَ السَّحَابِ |
سبب تسميتها | انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ صِفَةِ تَسْبِيحِ الرَّعْدِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقْصِدِ العَامِّ للسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى | لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الرَّعْدِ) |
مقاصدها | بَيَانُ الأَدِلَّةِ العَدِيدَةِ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ تعَالَى وَتَوحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ |
أسباب نزولها | سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِن صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها | هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾، فَفِي الحَدِيثِ الطَّوِيْلِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ﴿الٓر﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها | مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الرَّعْدِ) بِآخِرِهَا: ذِكْرُ القُرْآنِ الكَرِيمِ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ...١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ ...٤٣﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الرَّعْدِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام): قَالَ عَنِ القُرْآنِ فِي آخِرِ (يُوسُفَ عليه السلام): ﴿مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ ...١١١﴾، وَوَصَفَ المُعْرِضِينَ عَنْهُ فِي أَوَّلِ (الرَّعْدِ) فَقَالَ: ﴿الٓمٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِۗ وَٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ ١﴾. |