«خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها» من ذنوبهم فأخذ ثلث أموالهم وتصدق بها «وصل عليهم» أي ادع لهم «إن صلاتك سكن» رحمة «لهم» وقيل طمأنينة بقبول توبتهم «والله سميع عليم».
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)
«فَإِنْ تَوَلَّوْا» عما دعوتموهم إليه «فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ» أي في اللّه الكفاية يكفيني أمرهم
[ توحيد الاستكفاء ]
«لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» وهذا هو التوحيد الحادي عشر ، وهو توحيد الاستكفاء ، وهو من توحيد الهوية لما قال تعالى : «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» فأحالنا علينا بأمره فبادرنا لامتثال أمره ، فمنا من قال التعاون على البر والتقوى أن يرد كل واحد صاحبه إلى ربه في ذلك ، ويستكفي به فيما كلفه ،
وهو قوله : (واستعينوا بالله) خطاب تحقيق «عليه توكلت» التوكل اعتماد القلب على اللّه تعالى مع عدم الاضطراب عند فقد الأسباب الموضوعة في العالم ، التي من شأن النفوس أن تركن إليها ، فإن اضطرب فليس بمتوكل ، وهو من صفات المؤمنين «وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»
فإذا كان رب العرش والعرش محيط بعالم الأجسام وأنت من حيث جسميتك أقل الأجسام فاستكف باللّه ، الذي هو رب مثل هذا العرش ، ومن كان اللّه حسبه انقلب بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسه سوء ، وجاء في ذلك بما يرضي اللّه ، واللّه ذو فضل عظيم على من جعله حسبه .
(10) سورة يونس مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(129) الفتوحات ج 2 /
409 ، 199 ،
409
أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم ويزكيهم بها ، وهذا عام وإن أعاد بعضهم الضمير في " أموالهم " إلى الذين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ؛ ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى الإمام لا يكون ، وإنما كان هذا خاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا احتجوا بقوله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) وقد رد عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد الصديق أبو بكر وسائر الصحابة ، وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة ، كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى قال الصديق : والله لو منعوني عقالا - وفي رواية : عناقا - يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقاتلنهم على منعه .
وقوله : ( وصل عليهم ) أي : ادع لهم واستغفر لهم ، كما رواه مسلم في صحيحه ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بصدقة قوم صلى عليهم ، فأتاه أبي بصدقته فقال : " اللهم صل على آل أبي أوفى " وفي الحديث الآخر : أن امرأة قالت : يا رسول الله ، صل علي وعلى زوجي . فقال : " صلى الله عليك ، وعلى زوجك " .
وقوله : ( إن صلاتك ) : قرأ بعضهم : " صلواتك " على الجمع ، وآخرون قرءوا : ( إن صلاتك ) على الإفراد .
( سكن لهم ) قال ابن عباس : رحمة لهم . وقال قتادة : وقار .
وقوله : ( والله سميع ) أي : لدعائك ( عليم ) أي : بمن يستحق ذلك منك ومن هو أهل له .
قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا أبو العميس ، عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة ، عن ابن لحذيفة ، عن أبيه ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا لرجل أصابته ، وأصابت ولده ، وولد ولده .
ثم رواه عن أبي نعيم ، عن مسعر ، عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة ، عن ابن لحذيفة - قال مسعر : وقد ذكره مرة عن حذيفة - : إن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لتدرك الرجل وولده وولد ولده .
فيه ثماني مسائل: الأولى: قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} اختلف في هذه الصدقة المأمور بها؛ فقيل : هي صدقة الفرض؛ قال جويبر عن ابن عباس، وهو قول عكرمة فيما ذكر القشيري. وقيل : هو مخصوص بمن نزلت فيه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم ثلث أموالهم، وليس هذا من الزكاة المفروضة في شيء؛ ولهذا قال مالك : إذا تصدق الرجل بجميع ماله أجزأه إخراج الثلث؛ متمسكا بحديث أبي لبابة. وعلى القول الأول فهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يقتضي بظاهره اقتصاره عليه فلا يأخذ الصدقة سواه، ويلزم على هذا سقوطها بسقوطه وزوالها بموته. وبهذا تعلق مانعو الزكاة على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقالوا : إنه كان يعطينا عوضا منها التطهير والتزكية والصلاة علينا وقد عدمناها من غيره. ونظم في ذلك شاعرهم فقال : أطعنا رسول الله ما كان بيننا ** فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر وإن الذي سألوكم فمنعتــم ** لكالتمر أو أحلى لديهم من التمر سنمنعهم ما دام فينا بقيــة ** كرام على الضراء في العسر واليسر وهذا صنف من القائمين على أبي بكر أمثلهم طريقة، وفي حقهم قال أبو بكر : (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة). ابن العربي : أما قولهم إن هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يلتحق به غيره فهو كلام جاهل بالقرآن غافل عن مأخذ الشريعة متلاعب بالدين؛ فإن الخطاب في القرآن لم يرد بابا واحدا ولكن اختلفت موارده على وجوه، فمنها خطاب توجه إلى جميع الأمة كقوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} [
المائدة : 6] وقوله: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} [
البقرة : 183] ونحوه. ومنها خطاب خص به ولم يشركه فيه غيره لفظا ولا معنى كقوله: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} [
الإسراء : 79] وقوله: {خالصة لك} [
الأحزاب : 50]. ومنها خطاب خص به لفظا وشركه جميع الأمة معنى وفعلا؛ كقوله {أقم الصلاة لدلوك الشمس}[
الإسراء : 78] الآية. وقوله: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} [
النحل : 98] وقوله: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} [
النساء : 102] فكل من دلكت عليه الشمس مخاطب بالصلاة. وكذلك كل من قرأ القرآن مخاطب بالاستعاذة. وكذلك كل من خاف يقيم الصلاة بتلك الصفة. ومن هذا القبيل قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}. وعلى هذا المعنى جاء قوله تعالى: {يا أيها النبي اتق الله} [
الأحزاب : 1] و{يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} [
الطلاق : 1]. الثانية: قوله تعالى: {من أموالهم} ذهب بعض العرب وهم دوس : إلى أن المال الثياب والمتاع والعروض. ولا تسمي العين مالا. وقد جاء هذا المعنى في السنة من رواية مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع عن أبي هريرة قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إلا الأموال الثياب والمتاع. الحديث. وذهب غيرهم إلى أن المال الصامت من الذهب والورق. وقيل : الإبل خاصة؛ ومنه قولهم : المال الإبل. وقيل : جميع الماشية. وذكر ابن الأنباري عن أحمد بن يحيى ثعلب النحوي قال : ما قصر عن بلوغ ما تجب فيه الزكاة من الذهب والورق فليس بمال؛ وأنشد : والله ما بلغت لي قط ماشية ** حد الزكاة ولا إبل ولا مال قال أبو عمر : والمعروف من كلام العرب أن كل ما تمول وتملك هو مال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (يقول ابن آدم مالي مالي وإنما له من ماله ما أكل فأفنى أو لبس فأبلي أو تصدق فأمضي). وقال أبو قتادة : فأعطاني الدرع فابتعث به مخرفا في بني سلمة؛ فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام. فمن حلف بصدقة ماله كله فذلك على كل نوع من ماله، سواء كان مما تجب فيه الزكاة أو لم يكن؛ إلا أن ينوي شيئا بعينه فيكون على ما نواه. وقد قيل : إن ذلك على أموال الزكاة. والعلم محيط واللسان شاهد بأن ما تملك يسمى مالا. والله أعلم. الثالثة: قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} مطلق غير مقيد بشرط في المأخوذ والمأخوذ منه، ولا تبيين مقدار المأخوذ ولا المأخوذ منه. وإنما بيان ذلك في السنة والإجماع. حسب ما نذكره فتؤخذ الزكاة من جميع الأموال. وقد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة في المواشي والحبوب والعين، وهذا ما لا خلاف فيه. واختلفوا فيما سوى ذلك كالخيل وسائر العروض. وسيأتي ذكر الخيل والعسل في {النحل} إن شاء الله. روى الأئمة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة). وقد مضى الكلام في {الأنعام} في زكاة الحبوب وما تنبته الأرض مستوفى. وفي المعادن في {البقرة} وفي الحلي في هذه السورة. وأجمع العلماء على أن الأوقية أربعون درهما؛ فإذا ملك الحر المسلم مائتي درهم من فضة مضروبة - وهي الخمس أواق المنصوصة في الحديث - حولا كاملا فقد وجبت عليه صدقتها، وذلك ربع عشرها خمسة دراهم. وإنما اشترط الحول لقوله عليه السلام : (ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول). أخرجه الترمذي. وما زاد على المائتي درهم من الورق فبحساب ذلك من كل شيء منه ربع عشره قل أو كثر؛ هذا قول مالك والليث والشافعي وأكثر أصحاب أبي حنيفة وابن أبي ليلى والثوري والأوزاعي وأحمد ابن حنبل وأبي ثور وإسحاق وأبي عبيد. وروي ذلك عن علي وابن عمر. وقالت طائفة : لا شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى تبلغ الزيادة أربعين درهما؛ فإذا بلغتها كان فيها درهم وذلك ربع عشرها. هذا قول سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وطاوس والشعبي والزهري ومكحول وعمرو بن دينار وأبي حنيفة. الرابعة: وأما زكاة الذهب فالجمهور من العلماء على أن الذهب إذا كان عشرين دينارا قيمتها مائتا درهم فما زاد أن الزكاة فيها واجبة؛ على حديث علي، أخرجه الترمذي عن ضمرة والحارث عن علي. قال الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال كلاهما عندي صحيح عن أبي إسحاق، يحتمل أن يكون عنهما جميعا. وقال الباجي في المنتقى : وهذا الحديث ليس إسناده هناك، غير أن اتفاق العلماء على الأخذ به دليل على صحة حكمه، والله أعلم. وروي عن الحسن والثوري، وإليه مال بعض أصحاب داود بن علي على أن الذهب لا زكاة فيه حتى يبلغ أربعين دينارا. وهذا يرده حديث علي وحديث ابن عمر وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من كل عشرين دينارا نصف دينار، ومن الأربعين دينارا دينارا؛ على هذا جماعة أهل العلم إلا من ذكر. الخامسة: اتفقت الأمة على أن ما كان دون خمس ذَود من الإبل فلا زكاة فيه. فإذا بلغت خمسا ففيها شاة. والشاة تقع على واحدة من الغنم، والغنم الضأن والمعز جميعا. وهذا أيضا اتفاق من العلماء أنه ليس في خمس إلا شاة واحدة؛ وهي فريضتها. وصدقة المواشي مبينة في الكتاب الذي كتبه الصديق لأنس لما وجهه إلى البحرين؛ أخرجه البخاري وأبو داود والدارقطني والنسائي وابن ماجة وغيرهم، وكله متفق عليه. والخلاف فيه في موضعين أحدهما في زكاة الإبل، وهي إذا بلغت إحدى وعشرين ومائة فقال مالك : المصدق بالخيار إن شاء أخذ ثلاث بنات لبون، وإن شاء أخذ حقتين. وقال ابن القاسم : وقال ابن شهاب : فيها ثلاث بنات لبون إلى أن تبلغ ثلاثين ومائة فتكون فيها حقة وابنتا لبون. قال ابن القاسم : ورأيي على قول ابن شهاب. وذكر ابن حبيب أن عبدالعزيز بن أبي سلمة وعبدالعزيز بن ابن حازم وابن دينار يقولون بقول مالك. وأما الموضع الثاني فهو في صدقة الغنم، وهي إذا زادت على ثلاثمائة شاة وشاة؛ فإن الحسن بن صالح بن حي قال : فيها أربع شياه. وإذا كانت أربعمائة شاة وشاة ففيها خمس شياه؛ وهكذا كلما زادت، في كل مائة شاة. وروي عن إبراهيم النخعي مثله. وقال الجمهور : في مائتي شاة وشاة ثلاث شياه، ثم لا شيء فيها إلى أربعمائة فيكون فيها أربع شياه؛ ثم كلما زادت مائة ففيها شاة؛ إجماعا واتفاقا. قال ابن عبدالبر : وهذه مسألة وهم فيها ابن المنذر، وحكى فيها عن العلماء الخطأ، وخلط وأكثر الغلط. السادسة: لم يذكر البخاري ولا مسلم في صحيحهما تفصيل زكاة البقر. وخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والدارقطني ومالك في موطئه وهي مرسلة ومقطوعة وموقوفة. قال أبو عمر : وقد رواه قوم عن طاوس عن معاذ، إلا أن الذين أرسلوه أثبت من الذين أسندوه. وممن أسنده بقية عن المسعودي عن الحكم عن طاوس. وقد اختلفوا فيما ينفرد به بقية عن الثقات. ورواه الحسن بن عمارة عن الحكم كما رواه بقية عن المسعودي عن الحكم، والحسن مجتمع على ضعفه. وقد روي هذا الخبر بإسناد متصل صحيح ثابت من غير رواية طاوس؛ ذكره عبدالرزاق قال : أخبرنا معمر والثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة، ومن أربعين مسنة، ومن كل حالم دينارا أو عدله معافر؛ ذكره الدارقطني وأبو عيسى الترمذي وصححه. قال أبو عمر. ولا خلاف بين العلماء أن الزكاة في زكاة البقر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما قال معاذ بن جبل : في ثلاثين بقرة تبيع، وفي أربعين مسنة إلا شيء روي عن سعيد بن المسيب وأبي قلابة والزهري وقتادة؛ فإنهم يوجبون في كل خمس من البقر شاة إلى ثلاثين. فهذه جملة من تفصيل الزكاة بأصولها وفروعها في كتب الفقه. ويأتي ذكر الخلطة في سورة [ص] إن شاء الله تعالى. السابعة: قوله تعالى: {صدقة} مأخوذ من الصدق؛ إذ هي دليل على صحة إيمانه، وصدق باطنه مع ظاهره، وأنه ليس من المنافقين الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات. {تطهرهم وتزكيهم بها} حالين للمخاطب؛ التقدير : خذها مطهرا لهم ومزكيا لهم بها. ويجوز أن يجعلهما صفتين للصدقة؛ أي صدقة مطهرة لهم مزكية، ويكون فاعل تزكيهم المخاطب، ويعود الضمير الذي في {بها} على الموصوف المنكر. وحكى النحاس ومكي أن {تطهرهم} من صفة الصدقة {وتزكيهم بها} حال من الضمير في {خذ} وهو النبي صلى الله عليه وسلم. ويحتمل أن تكون حالا من الصدقة، وذلك ضعيف لأنها حال من نكرة. وقال الزجاج : والأجود أن تكون المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أي فإنك تطهرهم وتزكيهم بها، على القطع والاستئناف. ويجوز الجزم على جواب الأمر، والمعنى : إن تأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم؛ ومنه قول امرئ القيس : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل وقرأ الحسن تطهرهم {بسكون الطاء} وهو منقول بالهمزة من طهر وأطهرته، مثل ظهر وأظهرته. الثامنة: قوله تعالى: {وصل عليهم} أصلٌ في فعل كل إمام يأخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق بالبركة. روى مسلم عن عبدالله بن أبي أوفى قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : (اللهم صل عليهم) فأتاه ابن أبي أوفى بصدقته فقال : (اللهم صل على آل أبي أوفى). ذهب قوم إلى هذا، وذهب آخرون إلى أن هذا منسوخ بقوله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} [
التوبة : 84]. قالوا : فلا يجوز أن يُصلى على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده خاصة؛ لأنه خص بذلك. واستدلوا بقوله تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} [
النور : 63] الآية. وبأن عبدالله بن عباس كان يقول : لا يُصلى على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم. والأول أصح؛ فإن الخطاب ليس مقصورا عليه كما تقدم؛ ويأتي في الآية بعد هذا. فيجب الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، والتأسي به؛ لأنه كان يمتثل قوله{وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} أي إذا دعوت لهم حين يأتون بصدقاتهم سكن ذلك قلوبهم وفرحوا به. وقد روى جابر بن عبدالله قال : أتاني النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لامرأتي : لا تسألي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا؛ فقالت : يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندنا ولا نسأله شيئا! فقالت : يا رسول الله؛ صل على زوجي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (صلى الله عليك وعلى زوجك). والصلاة هنا الرحمة والترحم. قال النحاس : وحكى أهل اللغة جميعا فيما علمناه أن الصلاة في كلام العرب الدعاء؛ ومنه الصلاة على الجنائز. وقرأ حفص وحمزة والكسائي {إن صلاتك} بالتوحيد. وجمع الباقون. وكذلك الاختلاف في {أصلاتك تأمرك} [
هود : 87] وقرئ {سكن} بسكون الكاف. قال قتادة : معناه وقار لهم. والسكن : ما تسكن به النفوس وتطمئن به القلوب.
خذ -أيها النبي- من أموال هؤلاء التائبين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا صدقة تطهرهم مِن دنس ذنوبهم، وترفعهم عن منازل المنافقين إلى منازل المخلصين، وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم واستغفر لهم منها، إن دعاءك واستغفارك رحمة وطمأنينة لهم. والله سميع لكل دعاء وقول، عليم بأحوال العباد ونياتهم، وسيجازي كلَّ عامل بعمله.
قال تعالى لرسوله ومن قام مقامه، آمرا له بما يطهر المؤمنين، ويتمم إيمانهم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وهي الزكاة المفروضة، {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} أي: تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة.
{وَتُزَكِّيهِمْ} أي: تنميهم، وتزيد في أخلاقهم الحسنة، وأعمالهم الصالحة، وتزيد في ثوابهم الدنيوي والأخروي، وتنمي أموالهم.
{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي: ادع لهم، أي: للمؤمنين عموما وخصوصا عندما يدفعون إليك زكاة أموالهم.
{إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} أي: طمأنينة لقلوبهم، واستبشار لهم، {وَاللَّهُ سَمِيعٌ} لدعائك، سمع إجابة وقبول.
{عَلِيمٌ} بأحوال العباد ونياتهم، فيجازي كل عامل بعمله، وعلى قدر نيته، فكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمتثل لأمر اللّه، ويأمرهم بالصدقة، ويبعث عماله لجبايتها، فإذا أتاه أحد بصدقته دعا له وبرَّك.
ففي هذه الآية، دلالة على وجوب الزكاة، في جميع الأموال، وهذا إذا كانت للتجارة ظاهرة، فإنها أموال تنمى ويكتسب بها، فمن العدل أن يواسى منها الفقراء، بأداء ما أوجب اللّه فيها من الزكاة.
وما عدا أموال التجارة، فإن كان المال ينمى، كالحبوب، والثمار، والماشية المتخذة للنماء والدر والنسل، فإنها تجب فيها الزكاة، وإلا لم تجب فيها، لأنها إذا كانت للقنية، لم تكن بمنزلة الأموال التي يتخذها الإنسان في العادة، مالا يتمول، ويطلب منه المقاصد المالية، وإنما صرف عن المالية بالقنية ونحوها.
وفيها: أن العبد لا يمكنه أن يتطهر ويتزكى حتى يخرج زكاة ماله، وأنه لا يكفرها شيء سوى أدائها، لأن الزكاة والتطهير متوقف على إخراجها.
وفيها: استحباب الدعاء من الإمام أو نائبه لمن أدى زكاته بالبركة، وأن ذلك ينبغي، أن يكون جهرا، بحيث يسمعه المتصدق فيسكن إليه.
ويؤخذ من المعنى، أنه ينبغي إدخال السرور على المؤمن بالكلام اللين، والدعاء له، ونحو ذلك مما يكون فيه طمأنينة، وسكون لقلبه. وأنه ينبغي تنشيط من أنفق نفقة وعمل عملا صالحا بالدعاء له والثناء، ونحو ذلك.
قوله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم ) بها من ذنوبهم ، ( وتزكيهم بها ) أي : ترفعهم من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين . وقيل : تنمي أموالهم ( وصل عليهم ) أي : ادع لهم واستغفر لهم . وقيل : هو قول الساعي للمصدق إذا أخذ الصدقة منه : آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت . والصلاة في اللغة : الدعاء . ( إن صلاتك ) قرأ حمزة والكسائي : " صلاتك " على التوحيد ؛ ونصب التاء هاهنا وفي سورة هود " أصلاتك " وفي سورة المؤمنين " على صلاتهم " كلهن على التوحيد وافقهما حفص هاهنا وفي سورة هود . وقرأ الآخرون بالجمع فيهن ويكسرون التاء هاهنا .
( سكن لهم ) أي : إن دعاءك رحمة لهم . قاله ابن عباس . وقيل : طمأنينة لهم ، وسكون لهم ، أن الله عز وجل قد قبل منهم . وقال أبو عبيدة : تثبيت لقلوبهم . ( والله سميع عليم ) .
واختلفوا في وجوب الدعاء على الإمام عند أخذ الصدقة : قال بعضهم : يجب . وقال بعضهم : يستحب . وقال بعضهم : يجب في صدقة الفرض ويستحب في صدقة التطوع . وقيل : يجب على الإمام ، ويستحب للفقير أن يدعو للمعطي .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال : سمعت عبد الله بن أبي أوفى - وكان من أصحاب الشجرة - قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قومه بصدقة قال : " اللهم صل عليهم " ، فأتاه أبي بصدقته فقال : " اللهم صل على آل أبي أوفى " . وقال ابن كيسان : ليس هذا في صدقة الفرض إنما هو في صدقة كفارة اليمين .
وقال عكرمة : هي صدقة الفرض ، فلما نزلت توبة هؤلاء قال الذين لم يتوبوا من المتخلفين : هؤلاء كانوا معنا بالأمس لا يكلمون ولا يجالسون ، فما لهم؟
(خُذْ) أمر فاعله مستتر والجملة مستأنفة (مِنْ أَمْوالِهِمْ) متعلقان بخذ والهاء مضاف إليه (صَدَقَةً) مفعول به (تُطَهِّرُهم)...............................
خذ وهو أمر مبني على حذف حرف العلة وفاعله مستتر (عَلَيْهِمْ) متعلقان بصل (إِنَّ صَلاتَكَ) إن واسمها (سَكَنٌ) خبرها والجملة تعليل (لَهُمْ) متعلقان بسكن (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) مبتدأ وخبراه والجملة مستأنفة
Traslation and Transliteration:
Khuth min amwalihim sadaqatan tutahhiruhum watuzakkeehim biha wasalli AAalayhim inna salataka sakanun lahum waAllahu sameeAAun AAaleemun
Take alms of their wealth, wherewith thou mayst purify them and mayst make them grow, and pray for them. Lo! thy prayer is an assuagement for them. Allah is Hearer, Knower.
Mallarından sadaka al da temizle, arıt onları o sadakayla ve dua et onlara. Şüphe yok ki senin duan, onlara bir sükun, bir huzur verir ve Allah, her şeyi duyar, bilir.
Prélève de leurs biens une Sadaqa par laquelle tu les purifies et les bénis, et prie pour eux. Ta prière est une quiétude pour eux. Et Allah est Audient et Omniscient.
Nimm von ihrem Vermögen eine Sadaqa, mit der du sie reinigst und (ihre Belohnung) vermehrst, und sprich für sie Bittgebete, denn dein Bittgebet ist eine Beruhigung für sie. Und ALLAH ist allhörend, allwissend.