المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الإسراء: [الآية 78]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة الإسراء | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111)
أمرك الحق في هذه الآية أن تكبره تكبيرا عن الولد والشريك والولي ، فإذا كبرت ربك فقيّده في ذلك بما قيده الحق ، ولا تطلق فيفتك خير كثير وعلم كبير ، فتكبيرك للحق عن أن يتخذ ولدا ، فإن الولد للوالد ليس بمتخذ ، لأنه لا عمل له فيه على الحقيقة ، وإنما وضع ماء في رحم صاحبته ، وتولى إيجاد عين الولد سبب آخر ، والمتخذ الولد إنما هو المتبني ،
[ «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً» ]
فقال تعالى لنا «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً» لأنه لو اتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء ، فكان يتبنى ما شاء ، فما فعل فعل من لم يتخذ ولدا ،
وقوله تعالى (لَمْ يَلِدْ)
ذلك ولد الصلب ، فليس له تعالى ولد ولا تبنى أحدا ، فنفى عنه الولد من الجهتين ، لما ادعت طائفة من اليهود والنصارى أنهم أبناء اللّه ، وأرادوا التبني ، فإنهم عالمون بآبائهم ، وقالوا في المسيح : إنه ابن اللّه ، إذ لم يعرفوا له أبا ولا تكوّن عن أب «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ» وقيد تعالى التكبير عن الشريك في الملك لا في الإيجاد ، لأن اللّه تعالى أوجد الأشياء على ضربين : ضرب أوجده بوجود أسبابه ، وضرب أوجده بلا سبب ، وهو إيجاد أعيان الأسباب الأول ، ولما كان السبب من الملك لم يثبت الشريك في الملك ، ولهذا قيد التكبير عن الشريك في الملك ، وهو كل ما سوى اللّه ، وقد ثبت شرعا وعقلا أن اللّه تعالى أحدي المرتبة ، فلا إله إلا هو وحده لا شريك له في الملك ، فما هو مثل الشريك في الملك ، فإن ذلك منفي على الإطلاق ، لأنه في نفس الأمر منفي العين «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ» أي ناصر من أجل الذل ، فإن الولي موجود العين ، وهو ينصر اللّه ابتغاء القربة إليه والتحبب ، عسى يصطفيه ويدنيه ، لا لذل ناله فينصره على من أذله ، أو ينصره لضعفه تعالى ، فأمرنا أن نكبره أن يكون له ولي من الذل ، فقيد بقوله تعالى «مِنَ الذُّلِّ»
لأنه تعالى يقول : (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) فما نصرناه من ذل وهو سبحانه الناصر ،
وقد قال تعالى : (كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ) والناصر هو الولي ، فلهذا قيده ، فإذا كبرته عن الولي فاعلم عن أي ولي تكبره «وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً» عن هذين الوصفين ، فإذا كبرت ربك فكبره كما كبر نفسه ، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وهم الذين يكبرونه عما لم يكبر نفسه ، في قوله : يفرح بتوبة عبده ، ويتبشش إلى من جاء إلى بيته ، ويباهي ملائكته بأهل الموقف ،
ويقول : جعت فلم تطعمني ، فأنزل نفسه منزلة عبده ، فإن كبرته بأن تنزهه عن هذه المواطن فلم تكبره بتكبيره ، بل أكذبته ، فهؤلاء هم الظالمون على الحقيقة ، فليس تكبيره إلا ما يكبر به نفسه ، فقف عند حدّك ولا تحكم على ربك بعقلك - بحث في الحمد - قال اللّه تعالى آمرا «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ»
اعلم أن الحمد والمحامد هي عواقب الثناء ، ولهذا يكون آخرا في الأمور ، كما ورد أن آخر دعواهم أن الحمد للّه رب العالمين ،
وقوله صلّى اللّه عليه وسلم في الحمد : إنها تملأ الميزان ، أي هي آخر ما يجعل في الميزان ، وذلك لأن التحميد يأتي عقيب الأمور ،
ففي السراء يقول : [ الحمد للّه المنعم المفضل ]
وفي الضراء يقال : [ الحمد للّه على كل حال ] والحمد هو الثناء على اللّه ، وهو على قسمين ، ثناء عليه بما هو له ، كالثناء بالتسبيح
والتكبير والتهليل ، وثناء عليه بما يكون منه ، وهو الشكر على ما أسبغ من الآلاء والنعم ، وله العواقب فإن مرجع الحمد ليس إلا إلى اللّه ، فإنه المثني على العبد والمثنى عليه ، وهو قوله صلّى اللّه عليه وسلم : [ أنت كما أثنيت على نفسك ] وهو الذي أثنى به العبد عليه ، فرد الثناء له من كونه مثنيا اسم فاعل ومن كونه مثنيا عليه اسم مفعول ، فعاقبة الحمد في الأمرين له تعالى ،
وتقسيم آخر : وهو أن الحمد يرد من اللّه مطلقا ومقيدا في اللفظ ، وإن كان مقيدا بالحال فإنه لا يصح في الوجود الإطلاق فيه ، لأنه لا بد من باعث على الحمد ، وذلك الباعث هو الذي قيده وإن لم يتقيد لفظا ، كأمره في قوله تعالى «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ» فلم يقيد ، وأما المقيد فلا بد أن يكون مقيدا بصفة فعل كقوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ)
وكقوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) و (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ) وقد يكون مقيدا بصفة تنزيه كقوله : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً» واعلم أن الحمد لما كان يعطي المزيد للحامد ، علمنا أن الحمد بكل وجه شكر ، لأنه ثناء على اللّه ، ولا نحمده تعالى إلا بما أعلمنا أن نحمده به ، فحمده مبناه على التوقيف ، وقد خالفنا في ذلك جماعة من علماء الرسوم ، فإن التلفظ بالحمد على جهة القربة لا يصح إلا من جهة الشرع
- مسألة -قوله تعالى" وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ " على هذه المسألة تبتني مسألة : العبد هل يملك أم لا يملك ؟
فمن رأى شركة الأسباب التي لا يمكن وجود المسببات إلا بها لم يثبت الشريك في الملك ، لأن السبب من الملك ، وهو كالآلة ، والآلة يوجد بها ما هو ملك للموجد ، كما هي الآلة ملك للموجد ، وما تملك الآلة شيئا ، فنفى الشريك في الملك لا في الإيجاد ، فيضاف التابوت إلى النجار من كونه صنعة لصانعه - ولم يصنع إلا بالآلة ،
ثم ثمّ إضافة أخرى ، وهو إن كان النجار صنع في حق نفسه أضيف التابوت إليه لأنه ملكه ، وإن كان الخشب لغيره فالتابوت من حيث صنعته يضاف إلى النجار ومن حيث الملك يضاف للمالك لا إلى النجار ، فالنجار آلة للمالك ، واللّه ما نفى إلا الشريك في الملك لا الشريك في الصنعة .
------------
(111) الفتوحات ج 2 / 404 ، 405 - ج 3 / 483 - ج 2 / 405 - ج 4 / 96تفسير ابن كثير:
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم آمرا له بإقامة الصلوات المكتوبات في أوقاتها : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) قيل لغروبها . قاله ابن مسعود ، ومجاهد ، وابن زيد .
وقال هشيم ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، عن ابن عباس : " دلوكها " : زوالها . ورواه نافع ، عن ابن عمر . ورواه مالك في تفسيره ، عن الزهري ، عن ابن عمر . وقاله أبو برزة الأسلمي وهو رواية أيضا عن ابن مسعود . ومجاهد . وبه قال الحسن ، والضحاك ، وأبو جعفر الباقر ، وقتادة . واختاره ابن جرير ، ومما استشهد عليه ما رواه عن ابن حميد ، عن الحكم بن بشير ، حدثنا عمرو بن قيس ، عن ابن أبي ليلى ، [ عن رجل ] ، عن جابر بن عبد الله قال : دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شاء من أصحابه فطعموا عندي ، ثم خرجوا حين زالت الشمس ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اخرج يا أبا بكر ، فهذا حين دلكت الشمس " .
ثم رواه عن سهل بن بكار ، عن أبي عوانة ، عن الأسود بن قيس ، عن نبيح العنزي ، عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نحوه . فعلى هذا تكون هذه الآية دخل فيها أوقات الصلاة الخمسة فمن قوله : ( لدلوك الشمس إلى غسق الليل ) وهو : ظلامه ، وقيل : غروب الشمس ، أخذ منه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وقوله [ تعالى ] : ( وقرآن الفجر ) يعني صلاة الفجر .
وقد ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تواترا من أفعاله وأقواله بتفاصيل هذه الأوقات ، على ما عليه عمل أهل الإسلام اليوم ، مما تلقوه خلفا عن سلف ، وقرنا بعد قرن ، كما هو مقرر في مواضعه ، ولله الحمد .
( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال الأعمش ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود - وعن أبي صالح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية : ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال : " تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار " .
وقال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة - وسعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة ، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر " . ويقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أسباط ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم - وحدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال : " تشهده ملائكة الليل ، وملائكة النهار " .
ورواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، ثلاثتهم عن عبيد بن أسباط بن محمد ، عن أبيه ، به وقال الترمذي : حسن صحيح .
وفي لفظ في الصحيحين ، من طريق مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يتعاقبون فيكم ملائكة الليل وملائكة النهار ، ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر ، فيعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم - وهو أعلم بكم - كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : أتيناهم وهم يصلون ، وتركناهم وهم يصلون " وقال عبد الله بن مسعود : يجتمع الحرسان في صلاة الفجر ، فيصعد هؤلاء ويقيم هؤلاء . وكذا قال إبراهيم النخعي ، ومجاهد ، وقتادة ، وغير واحد في تفسير هذه الآية .
وأما الحديث الذي رواه ابن جرير هاهنا - من حديث الليث بن سعد ، عن زيادة ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن فضالة بن عبيد ، عن أبي الدرداء ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر حديث النزول وأنه تعالى يقول : " من يستغفرني أغفر له ، من يسألني أعطه ، من يدعني فأستجيب له حتى يطلع الفجر " . فلذلك يقول : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) فيشهده الله ، وملائكة الليل ، وملائكة النهار - فإنه تفرد به زيادة ، وله بهذا حديث في سنن أبي داود .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
يأمر تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بإقامة الصلاة تامة، ظاهرًا وباطنًا، في أوقاتها. { لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } أي: ميلانها إلى الأفق الغربي بعد الزوال، فيدخل في ذلك صلاة الظهر وصلاة العصر.
{ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ } أي: ظلمته، فدخل في ذلك صلاة المغرب وصلاة العشاء. { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } أي: صلاة الفجر، وسميت قرآنا، لمشروعية إطالة القرآن فيها أطول من غيرها، ولفضل القراءة فيها حيث شهدها الله، وملائكة الليل وملائكة والنهار.
ففي هذه الآية، ذكر الأوقات الخمسة، للصلوات المكتوبات، وأن الصلوات الموقعة فيه فرائض لتخصيصها بالأمر.
وفيها: أن الوقت شرط لصحة الصلاة، وأنه سبب لوجوبها، لأن الله أمر بإقامتها لهذه الأوقات.
وأن الظهر والعصر يجمعان، والمغرب والعشاء كذلك، للعذر، لأن الله جمع وقتهما جميعًا.
وفيه: فضيلة صلاة الفجر، وفضيلة إطالة القراءة فيها، وأن القراءة فيها، ركن لأن العبادة إذا سميت ببعض أجزائها، دل على فرضية ذلك.
تفسير البغوي
قوله : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) اختلفوا في الدلوك : روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : الدلوك هو الغروب وهو قول إبراهيم النخعي ومقاتل بن حيان والضحاك والسدي .
وقال ابن عباس : وابن عمر وجابر : هو زوال الشمس وهو قول عطاء وقتادة ومجاهد والحسن وأكثر التابعين .
ومعنى اللفظ يجمعهما لأن أصل الدلوك الميل والشمس تميل إذا زالت وغربت .
والحمل على الزوال أولى القولين لكثرة القائلين به ولأنا إذا حملناه عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلها " فدلوك الشمس " : يتناول صلاة الظهر والعصر و " إلى غسق الليل " : يتناول المغرب والعشاء و " قرآن الفجر " : هو صلاة الصبح .
قوله عز وجل : ( إلى غسق الليل ) أي : ظهور ظلمته وقال ابن عباس : بدو الليل وقال قتادة : وقت صلاة المغرب وقال مجاهد : غروب الشمس .
( وقرآن الفجر ) يعني : صلاة الفجر سمى صلاة الفجر قرآنا لأنها لا تجوز إلا بقرآن وانتصاب القرآن من وجهين : أحدهما : أنه عطف على الصلاة أي : وأقم قرآن الفجر قاله الفراء وقال أهل البصرة : على الإغراء أي وعليك قرآن الفجر .
( ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) أي : يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تفضل صلاة الجميع على صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءا وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر " ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) .
الإعراب:
(أَقِمِ) أمر فاعله مستتر (الصَّلاةَ) مفعول به (لِدُلُوكِ) متعلقان بأقم والكاف مضاف إليه (الشَّمْسِ) مضاف إليه (إِلى غَسَقِ) متعلقان بأقم (اللَّيْلِ) مضاف إليه (وَقُرْآنَ) عطف على الصلاة (الْفَجْرِ) مضاف إليه (إِنَّ قُرْآنَ) إن واسمها (الْفَجْرِ) مضاف إليه (كانَ مَشْهُوداً) كان وخبرها واسمها محذوف والجملة خبر إن وجملة إن تعليل لا محل لها.