الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

(الوالي حضرة الإمامة)

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[90] - (الوالي حضرة الإمامة)

إن الإمام هو الوالي فلا تكني *** فإنني عالم بما بدا مني‏

هذا الذي قلته لكم أقول به *** في كل حال أكون فيه لا أكني‏

[الوالي هو الذي يلي الأمور بنفسه‏]

يدعى صاحبها عبد الوالي وعبد الولي وعبد الوالي هو الذي يلي الأمور بنفسه فإن وليها غيره بأمره فليس بوال ولا إمام وإنما الوالي والإمام هو المنصوب للولاية وإنما سمي واليا لأنه يوالي الأمر من غير إهمال لأمر ما مما له عليه ولاية وإن لم يفعل فليس بوال وإنما هو حاكم هوى وقد قيل له ولا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الله فأنفاس الوالي وحركاته وتصرفاته عليه معدودة والوالي لا يكون أبدا إلا في الخير لا بد من ذلك فإنه موجد على الدوام فلا تراه أبدا إلا في فضل وإنعام وإقامة حد لتطهير والتطهير خير فإن الوالي على الحقيقة هو الله فإن المنصوب للولاية بحكم الله يحكم وبما أراه الله وهو الحق‏

وقد أخبر الرسول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في دعائه معلما إيانا فقال والخير كله في يديك‏

فلا يوالي إلا الخير ولا يأمر إلا بالخير ولا يكون عنه في العقوبة والمثوبة إلا الخير

ثم قال والشر ليس إليك‏

فالوالي لا يوالي الشر بل لا يفعله أصلا لأنه ليس إليه فالوالي إذا كان من نصب الحق فالشر ليس إليه إلا إذا ترك ولاية الحق وحكم بالهوى فضل عن سبيل الله فله عذاب شديد بما نسي يوم الحساب فيكون ديوان الحكم الإلهي يأخذه إذا حاسبه فالشقي من تأخر تطهيره إلى ذلك المقام الأخراوي والسعيد من تقدم تطهيره في الدنيا إما بتوبة يتوبها وإما بإنصاف وأخذ منه في الدنيا حتى ينقلب إلى الآخرة وليس عليه حق وربما يكون ممن يمشي في الدار الدنيا وما عليه خطيئة لكثرة ما يبتليه الله به مما يقع له به الكفارة

فوالي الحق من والى *** جميع الخير في نسق‏

فما ينفك عن طبق *** بغير الحكم في طبق‏

له نور إذا يفضي *** كنور البدر في الغسق‏

إذا غسقت مسائله *** أتى في الحكم كالفلق‏

فجلى عنك ظلمتها *** وما تلقى من الحرق‏

وأيضا

تعوذوا بالله رب الفلق *** من شر ديجور إذا ما غسق‏

فإنه آلى علينا كما *** آلى لمن قد جاءنا بالشفق‏

وليلة المظلم مهما وسق *** والقمر العالي إذا ما اتسق‏

لتركبن اليوم في ذاتكم *** عند شهودي طبقا عن طبق‏

فالحمد لله على ما خلق *** وأخلق الخلق الذي قد خلق‏

أوجدنا ماء إلى نطفة *** مكنونة في مضغة من علق‏

أودع فيها ولديها بنا *** جميع ما اختص بنا من علق‏

[الغلول في الدين‏]

وقد نصحتك أيها الوالي المتغالي فلا تغل في الدين ولا تقل على الله إلا الحق ولا على الخلق إلا الحق فإنك المطلوب بما أنت وال عليه وعنه‏

فإذا وليت أمرا *** فلتقم فيه بحق‏

إنما الوالي بحق *** هو مقعد صدق‏

فتراه بين حق *** حاكما وبين خلق‏

رتبة يسمو إليها *** كل ذي عقل ونطق‏

هو للفناء مفن *** وهو للبقاء مبق‏

فإذا أفنى فناء *** جاء حكم الضد يبق‏

قال الله تعالى لخليله إبراهيم عليه السلام إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ابتداء منه من غير طلب من إبراهيم عليه السلام ليكون معنا مسددا وعلمنا أنه ليس بظالم قطعا لأن الإمامة عهد من الله وقال إبراهيم لربه تعالى ومن ذُرِّيَّتِي فقال‏

لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ فأمرنا الحق أن نتبع ملة إبراهيم لأن العصمة مقرونة بها فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قد نبه على أنه من طلب الإمارة وكل إليها ومن أعطيها من غير مسألة أعين عليها وبعث الله ملكا يسدده والملك معصوم من الخطاء في الأحكام المشروعة في عالم التكليف فكان الخليل حنيفا أي مائلا إلى الحق مسلما منقادا إليه في كل أمر فكان يوالي الخير حيثما كان قالوا لي الكامل من والى بين الأسماء الإلهية فيحكم بينها بالحق كما يحكم الوالي الكامل الولاية من البشر بين بِالْمَلَإِ الْأَعْلى‏ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ولهذا أمروا بالسجود لآدم عليه السلام فإن الاعتراض خصام في المعنى والخصم قوي فلما أعطى الإمامة والخلافة وأسجدت له الملائكة وعوقب من أساء الأدب عليه وتكبر عليه بنشأته وأبان عن رتبة نفسه بأنها عين نشأته فجهل نفسه أولا فكان بغيره أجهل ولا شك أن هذا المقام يعطي الزهو والافتخار لعلو المرتبة والزهو والفخر داء معضل وإن كان بالله تعالى فأنزل الله لهذا الداء دواء شافيا فأمر الإمام بالسجود للكعبة فلما شرب هذا الدواء بري‏ء من علة الزهو وعلم إِنَّ الله يَفْعَلُ ما يُرِيدُ وما تقدم على من تقدم عليه من الملائكة بالصفة التي أعطاه الله لعلو رتبته على الملائكة وإنما كان ذلك تأديبا من الله لملائكته في اعتراضهم وهو على ما هو عليه من البشرية كما أنه قد علم أنه ما سجد للكعبة لكون هذا البيت أشرف منه وإنما كان دواء لعلة هذه الرتبة فكان الله حفظ على آدم صحته قبل قيام العلة به فإنه من الطب حفظ الصحة وهو أن يحفظ المحل أن يقوم به مرض لأنه في منصب الاستعداد لقبول المرض وقد علم أنه وإن سجد للبيت فإنه أتم من البيت في رتبته فعلم إن الملائكة ما سجدت له لفضله عليهم وإنما سجدت لأمر الله وما أمرها الله إلا عناية بها لما وقع منهم مما يوجب وهنهم ولكن لما لم يقصدوا بذلك إلا الخير اعتنى الله بهم في سرعة تركيب الدواء لهم بما علمهم آدم من الأسماء وبما أمروا به من السجود له وكل لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ أمرت الملائكة بالسجود فامتثلت وبادرت فأثنى الله عليهم بقوله لا يَعْصُونَ الله ما أَمَرَهُمْ ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ونهى آدم فعصى فلما غوى أي خاف قال الشاعر

ومن يغو لا يقدم على الغي لائما *** ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وهَدى‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!