الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

(الرءوف حضرة الرأفة)

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[89] - (الرءوف حضرة الرأفة)

رءوف رحيم لا يكون مؤاخذا *** عبيدا أتاه راجيا متلهفا

من أجل ذنوب قد أتاها بغفلة *** ولو كانت الأخرى أتى متكلفا

فإن شئت عفوا لا تؤاخذه إنه *** أتى مستجيرا سائلا متكففا

وما جاء إلا من غنى سؤاله *** لذاك يراه سائلا متلطفا

فيقنع منا باليسير لفقرنا *** فنثرى له من كونه متعففا

[الإيمان بالله‏]

هي لعبد الرءوف وصف الحق عبده محمدا صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بأنه بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فقيده بالإيمان ولم يقيد الايمان فهذا تقييد في إطلاق فإنه قال في الايمان إنه مؤمن صاحبه بالحق والباطل وهو قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وذكر ما ذكر فسماهم مؤمنين وما كانوا مؤمنين إلا بالباطل فأمرهم أن يؤمنوا بالله وهو الحق ورسوله والْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى‏ رَسُولِهِ والْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ من قَبْلُ فدل على أنه ما خاطب أهل الكتاب فقط فإنه أمرهم بالإيمان بالكتاب الذي أنزل من قبل ولا شك أنهم به مؤمنون أعني علماء أهل الكتاب ثم قيد الكفر هنا ولم يقيد الايمان فقال ومن يَكْفُرْ بِاللَّهِ فقيد في الذكر ما أمر به عبده أن يؤمن به وما تعرض في الذكر للكفر المطلق كما أطلق الايمان ونعتهم به في قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وما كانوا مؤمنين إلا بالباطل فإن المؤمن بالله لا يقال له آمن بالله فإنه به مؤمن وإن احتمل أن يؤمن به لقول هذا الرسول الخاص على طريق القربة ولكن التحقيق في ذلك ما ذهبنا إليه ولا سيما والحق قد أطلق اسم الايمان على من آمن بالباطل واسم الكفر على من كفر بالطاغوت‏

[الرأفة من القلوب‏]

واعلم أن الرأفة من القلوب مثل جبذ وجذب كذلك رأف ورفأ وهو من الإصلاح والالتئام فالرأفة التئام الرحمة بالعباد ولذلك نهي عنها في إقامة الحدود لا كل الحدود وإنما ذلك في حد الزاني والزانية إذا كانا بكرين إلا عند من يرى الجمع بين الحدين على الثيب وأكثر العلماء على خلاف هذا القول وليس المقصود إلا قوله ولا تَأْخُذْكُمْ يعني ولاة الأمر بِهِما رَأْفَةٌ في دِينِ الله ودين الله جزاؤه ثم قال إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ فحص لأنه ثم من يؤمن بالباطل والْيَوْمِ الْآخِرِ يقول إقامة الله حدوده في اليوم الآخر كأنه يقول لولاة الأمر طهروا عبادي في الدنيا قبل أن يفضحوا على رءوس الأشهاد ولذلك قال في هؤلاء ولْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ من الْمُؤْمِنِينَ ينبه أن أخذهم في الآخرة على رءوس الأشهاد فتعظم الفضيحة فإقامة الحدود في الدنيا أستر فأمر الوالي بإقامة الحد نكالا من الزاني كما هو نكال في حق السارق وبين ذلك فطهارته كما قال أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والْعاكِفِينَ كذلك إقامة الحد إذا لم يكن نكالا فإنه طهارة وإن كان نكالا فلا بد فيه من معقول الطهارة لأنه يسقط عنه في الآخرة بقدر ما أخذ به في الدنيا فسقط عن الزاني النكال وما سقط عن السارق فإن السارق قطعت يده وبقي مقيدا بما سرق لأنه مال الغير فقطع يده زجر وردع لما يستقبل وبقي حق الغير عليه فلذلك جعله نكالا والنكل القيد فما زال من القيد مع قطع يده وما تعرض في حد الزاني إلى شي‏ء من ذلك وقد ورد

في الخبر أن ما سكت عن الحكم فيه بمنطوق فهو عافية

أي دارس لا أثر له ولا مؤاخذة فيه فإن الله قد بين للناس ما نزل إليهم من الأحكام في كتابه وعلى لسان رسوله ص‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!