الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«المحصي حضرة الإحصاء»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[70] - «المحصي حضرة الإحصاء»

إذا أحصيت أمرك في كتاب *** تكن أنت الذي تحصى وتحصى‏

وقلت لأمنا مهلا علينا *** وقلت لاختنا بالله قصي‏

إذا ما جئت يا نفسي إليه *** فقولي ما تشاء له وقصي‏

مضى عني ولم أشهد سواه *** فقلت لهمتي بالله قصي‏

وخصي من تعبده هواه *** ولا تكتمه ما تدريه خصي‏

[الديوان الإلهي الوجودي رأسه العقل الأول وهو القلم‏]

يدعى صاحبها عبد المحصي وهي حضرة الإحاطة أو أختها لا بل هي أختها لا عينها قال تعالى وأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وأَحْصى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ عَدَداً وقال في الكتاب لا يُغادِرُ صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وهذا مقام كاتب صاحب الديوان كاتب الحضرة الإلهية وهذا الكاتب هو الإمام المبين قال تعالى وكُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ في إِمامٍ مُبِينٍ فالديوان الإلهي الوجودي رأسه العقل الأول وهو القلم وأما الإمام فهو الكتاب وهو اللوح المحفوظ ثم تنزل الكتبة مراتبها في الديوان بأقلامها لكل كاتب قلم وهوقوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لما ذكر حديث الإسراء فقال حتى ظهرت لمستوي أسمع فيه صريف الأقلام‏

فالقلم الأعلى الذي بيد رأس الديوان لا محو فيه كل أمر فيه ثابت وهو الذي يرفع إلى الحق والذي بأيدي الكتبة فيه ما يمحو الله وفيه ما يثبت على قدر ما تأتي به إليهم رسل الله من عند الله من رأس الديوان من إثبات ما شاء ومحو ما شاء ثم ينقل إلى الدفتر الأعلى فيقابل باللوح المحفوظ فلا يغادر حرفا فيعلمون عند ذلك أَنَّ الله قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً إلا أن الفرق بين الإحصاء والإحاطة إن الإحاطة عامة الحكم في الموجود والمعدوم وفي كل معلوم والإحصاء لا يكون إلا في الموجود فما هو شيئية أحاط بكل شي‏ء علما شيئية أَحْصى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ عَدَداً فشيئية الإحصاء تدخل في شيئية الإحاطة

فكل موجود محصي وهو موجود فهو محصي أن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة لأنها داخلة في الوجود لدلالتها على موجود وهي أمهات كالدرج للفلك ثم إنه لكل عين من أعيان الممكنات اسم إلهي خاص ينظر إليه هو يعطيه وجهه الخاص الذي يمتاز به عن غيره والممكنات غير متناهية فالأسماء غير متناهية لأنها تحدث النسب بحدوث الممكن فهي هذه الأسماء من الأسماء المحصاة كالذي يحوي عليه درج الفلك من الدقائق والثواني والثوالث إلى ما لا يتناهى فلا يدخل ذلك الإحصاء وتحكم عليه الإحاطة بأنه لا يدخله الإحصاء فكل محصي محاط به وما كل محاط به محصي وكل ما يدخله الأجل يدخله الإحصاء مثل قوله سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ فالشغل الإلهي لا ينتهي فإنه عند فراغه بانتهاء حكم الدنيا شرع في الشغل ينافي الآخرة وحكم الآخرة لا نهاية له لأنها إلى غير أجل فشغله بنا لا يقبل الفراغ وإن كان شأنه في الدنيا الذي يفرغ منه إنما هو بنا لكونه خلق الأشياء من أجلنا وهو ما لا بد لنا منه ومن أجله لأن كل شي‏ء يسبح بحمده لا بل من أجله لا بل من أجلنا لما نحن عليه من الجمعية والصورة فالتسبيحة منا تسبيح العالم كله فما أوجد الأشياء إلا من أجلنا فبنا وقع الاكتفاء والواحد منا يكفي في ذلك وإنما كثرت أشخاص هذا النوع الإنساني وإن كانت محصاة فإنها متناهية لكون الأسماء الإلهية كثيرة فكانت الكثرة فينا لكثرتها

فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول في دعائه اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك‏

الحديث فكانت الكثرة فينا لكثرتها وهو قوله مما يزيد على ما ذكر في سؤاله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فكثرت لكثرة الأسماء أشخاص هذا النوع المقصود فإن الأشياء المخلوقة من أجله إن لم يستعملها فيما خلقت له وإلا تبقي مهملة وما في قوة واحد من هذا النوع استعمال الكل فكثر أشخاصه ليعم الاستعمال للأشياء التي خلقها له ولا بد من خلقها فالممكن لا ينتفع إلا بالممكن والحق واسطة بين الممكنين‏

فما لنا شغل إلا به *** وما له شأن إلا بنا

فكلما قلناه فهو له *** وكل ما يقضى فهو لنا

وقد نبهنا على ما لا بد منه مما يختص بهذه الحضرة والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!