الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«الحميد حضرة الحمد»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[69] - «الحميد حضرة الحمد»

أنت الحميد اسم مفعول لحامدنا *** وفاعل ولهذا أنت محمود

وحامد فإذا جئنا لنحمده *** هو الشهيد لنا والقلب مشهود

من غير كيف ولا كم ولا شبه *** وليس يأخذه حصر وتحديد

إني لأعبده بي لا به فإنا *** بالله أعبده والله معبود

إني لأعرفه إذا أشبهه *** شرعا وعقلا فإطلاق وتقييد

[لواء الحمد]

يدعى صاحبها عبد الحميد وهو فعيل فعم اسم الفاعل بالدلالة الوضعية واسم المفعول فهو الحامد والمحمود وإليه ترجع عواقب الثناء كلها ومحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بيده لواء الحمد فلآدم عليه السلام علم الأسماء ولمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم علم الثناء بها والتلفظ بالمقام المحمود فأعطى في القيامة لأجل المقام المحمود العمل بالعلم ولم يعظ لغيره في ذلك الموطن فصحت له السيادة فقال آدم فمن دونه تحت لوائي وما له لواء إلا الحمد وهو رجوع عواقب الثناء إلى الله وهو قوله الحمد لله لا لغيره وما في العالم لفظ لا يدل على ثناء البتة أعني ثناء جميلا وإن مرجعه إلى الله فإنه لا يخلو أن يثني المثنى على الله أو على غير الله فإذا حمد الله فحمد من هو أهل الحمد وإذا حمد غير الله فما يحمده إلا بما يكون فيه من نعوت المحامد وتلك النعوت مما منحه الله إياها وأوجده عليها إما في جبلته وإما في تخلقه فتكون مكتسبة له وعلى كل وجه فهي من الله فكان الحق معدن كل خير وجميل فرجع عاقبة الثناء على المخلوق بتلك المحامد على من أوجدها وهو الله فلا محمود إلا الله وما من لفظ يكون له وجه إلى مذموم إلا وفيه وجه إلى محمود فهو من حيث إنه محمود يرجع إلى الله ومن حيث ما هو مذموم لا حكم له لأن مستند الذم عدم فلا يجد متعلقا فيذهب ويبقى الحمد لمن هو له فلا يبقى لهذا اللفظ المعين إلا وجه الحمد عند الكشف ويذهب عنه وجه الذم أي ينكشف له أن لا وجه للذم ولقد أخبرني في هذا اليوم الذي قيدت فيه هذه الحضرة في هذا الكتاب صاحبنا سيف الدين ابن الأمير عزيز رحمه الله أنه رأى والي البلد يضرب إنسانا ضربا مبرحا فوقف في جملة الناس وهو يمقت الوالي في نفسه لضربه ذلك الشخص فأخذ عن نفسه فشاهد الوالي مثله واحدا من الجماعة ينظر إلى المضروب مثل ما تنظر إليه الجماعة والآمر بالضرب ليس الوالي فعذره وسرى عنه وانصرف وكان سبب هذه الحكاية أن الوالي جار عليه في حكومة فقلت له ارفعه إلى السلطان فقال لي ما بيد الوالي شي‏ء ثم ذكر لي ما رأى وهكذا الأمر في نفسه فهذا شخص قد كان مع الحجاب ينسب الجور إلى الوالي فلما كشف الله عن بصره الغطاء زال كون ذلك جورا عنده وقام عذر الجائر عنده فصار حمد أو ثناء خير وبرئت ساحة من أضيف الذم إليه فعادت عواقب الثناء إلى الله عز وجل أ لا تراه يقول يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى الله وقد افتقر إلى مذموم ومحمود ودخل تحت مسمى الله ثم قال والله هُوَ الْغَنِيُّ يقول الذي لا يفتقر الحميد أي الذي ترجع إليه عواقب الثناء من الحامد والمحمود وإن كان مذموما بنسبة

ما فهو محمود بنسبة أقوى لها الحكم فيه فالحمد لله تملأ الميزان لأنه كل ما في الميزان فهو ثناء على الله وحمد لله فما ملأ الميزان إلا الحمد فالتسبيح حمد وكذلك التهليل والتكبير والتمجيد والتعظيم والتوقير والتعزيز وأمثال ذلك كله حمد فالحمد لله هو العالم الذي لا أعم منه وكل ذكر فهو جزء منه كالأعضاء للإنسان والحمد كالإنسان بجملته‏

فقد بان لك الحمد *** فلا يحجبنك الذم‏

وقد لاح لك السر *** فما غيبه الكتم‏

وحكم هذه الحضرة على ثلاثة أنحاء في التمام والكمال وأتمها واحد منها وذلك حمد الحامد نفسه يتطرق إليه الاحتمال فلا يكون له ذلك الكمال فيحتاج إلى قرينة حال وعلم يصدق الحامد فيما حمد به نفسه فإنه قد يصف واصف نفسه بما ليس هو عليه وكذلك حكمه إذا حمده غيره يتطرق أيضا إليه الاحتمال حتى يستكشف عن ذلك فينقص عن درجة الإبانة والتحقيق والحمد الثالث حمد الحمد وما في المحامد أصدق منه فإنه عين قيام الصفة به فلا محمود إلا من حمده الحمد لا من حمد نفسه ولا من حمده غيره فإذا كان عين الصفة عين الموصوف عين الواصف كان الحمد عين الحامد والمحمود وليس إلا الله فهو عين حمده سواء أضيف ذلك الحمد إليه أو إلى غيره‏

فما ثم إلا الله فاحمد نقل حقا *** ولا تعتبر في الحمد كونا ولا خلقا

وراقب ثناء الحق في كل لفظة *** فإن له في كل محمدة مرقى‏

فمن نال هذا العلم نال مكانة *** تنزله من ربه المنزل الصدقا

وسابق إلى هذا المقام بعزمة *** مع السابقات الغر في حمده سبقا

ولا بد من تقسيم ربك خلقه *** فلا بد من أتقى ولا بد من أشقى‏

وقد جاء في نص الكتاب مسطرا *** بليل وأعلى فاعتبر ذلك النطقا

فإن كتاب الله ينطق بالذي *** قد أودعه الرحمن في خلقه حقا

وقد وضح العلم الجلي لذي حجى *** فإن شئت أن تردى وإن شئت أن ترقى‏

والحمد لله المنعم المفضل والحمد لله على كل حال فعم وخص والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!