الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة الكبرياء الإلهي»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[37] - «حضرة الكبرياء الإلهي»

كبير القدر ليس له نظير *** كبير في النفوس وفي العقول‏

له في أنفس عندي قبول *** وليس لذاته بي من قبول‏

[الكبرياء رداء الله‏]

يدعى صاحبها عبد الكبير وهو عين العبد لأن الكبرياء رداء الحق وليس سواك فإن الحق تردى بك إذ كنت صورته فإن الرداء بصورة المرتدي ولهذا ما يتجلى لك إلا بك وقال من عرف نفسه عرف ربه‏

فمن عرف الرداء عرف المرتدي ما يتوقف معرفة الرداء على معرفة المرتدي وفي هذا غلط عظيم عند العلماء وما تفطنوا لمراد الحق في التعريف بنفسه فما وصف نفسه إلا بما نعرفه ونتحققه على حد ما نعرفه ونتحققه فإنه بلساني خاطبني لنعقل عنه فلو أحالنا عليه ابتداء لما عرفناه فلما أنزل كبرياءه منزلة الرداء المعروف عندنا علمنا ما الكبرياء ثم زاد رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في تجليه يوم القيامة في الزور الأعظم على كثيب المشاهدة في جنة عدن وذلك اليوم الكبير إنه تعالى يتجلى لعباده ورداء الكبرياء على وجهه ووجه الشي‏ء ذاته فحال الحجاب بينك وبينه فلم تصل إليه الرؤية فصدق لَنْ تَرانِي وصدقت المعتزلة فما وصلت الأعين إلا إلى الرداء وهو الكبرياء وما تجلى لك إلا بنا فما وصلت الرؤية إلا إلينا ولا تعلقت إلا بنا فنحن عين الكبرياء على ذاته‏

قال وسعني قلب عبدي‏

فإذا قلبت الإنسان الكامل رأيت الحق والإنسان لا ينقلب فلا يرجع الرداء مرتديا لمن هو له رداء فهذا معنى الكبير فإنه كبير لذاته والكبرياء نحن فمن نازعه منا فينا قصمه الحق لأنه جهل فإنه له ما رأيناه قط ولا نراه من حيث هو ونحن لنا فما نرى قط سوانا فلا يزال الكبرياء على وجهه في الدنيا والآخرة لأنا ما نزال وهذا عين افتقارنا واحتقارنا ووقارنا

لله يوم كبير لا يمتري فيه مؤمن *** له التحكم فينا بالاسم منه المهيمن‏

قال الله تعالى لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولكل رسول أن يقول لنا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ولا خوف علينا إلا منا فإن أعمالنا ترد علينا فنحن اليوم الكبير إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً يعني مرجع اليوم ونعته بالكبرياء والشي‏ء لا ينازع في نفسه ولا فيما هو له فمن نازع الحق في كبريائه فما نازع إلا نفسه فعذابه عين جهله به ومن هنا تعرف أن الإحاطة لنا وليس سوى ما حزناه من صورته فإن الرداء يحيط بالمرتدي‏

فظاهر الحق خلق *** وباطن الخلق حق‏

ومن ذلك‏

إذا حزنا مقام الكبرياء *** فنحن له بمنزلة الوعاء

فلم ير غيرنا لما شهدنا *** فكنا منه عين الكبرياء

ولما كنا عين كبرياء الحق على وجهه والحجاب يشهد المحجوب فأثبت إنا نراه كما وسعناه فصدق الأشعري وصدق‏

قوله ترون ربكم‏

كما صدق لَنْ تَرانِي وللرداء ظاهر وباطن فيراه الرداء بباطنه فيصدق‏

ترون ربكم‏

ويصدق مثبت الرؤية ولا يراه ظاهر الرداء فيصدق المعتزلي ويصدق لَنْ تَرانِي والرداء عين واحدة وكان الفضل لهذه النشأة الإنسانية على جميع العالم فإن العالم كله دون الإنسان منحاز عن الإنسان متميز عنه فلا يشهد العالم سوى الإنسان الذي هو الرداء والرداء من حيث ظاهره يشهد من يشهده وهو العالم فيرى الحق ظاهر الرداء بما هو الحق العالم وهي رؤية دون رؤية باطن الرداء فالعالم له الإحاطة لأنه لا يتقيد بجهة خاصة فالحق وجه كله والرداء وجه كله فهو الظاهر تعالى للعبد من حيث العالم وهو الباطن لنفسه عن العالم من حيث ما له صورة في العالم ومن حيث إن الرداء بينه وبين العالم فإن الصورة التي للحق في عين العالم الحق لها باطن من حيث إن الرداء حائل بينه وبين الحق الذي العالم به فهو باطن لنفسه وللعالم ولا يصح أن يكون باطنا لباطن الرداء لكن لظاهره فالإنسان الكامل يشهده تعالى في الظاهر بما هو في العالم وفي الباطن بما هو مرتد فتختلف الرؤية على الإنسان الكامل والعين واحدة ولهذا ينكره بعض الناس في القيامة إذا تجلى والكامل لا ينكره فإنه ما كل إنسان له الكمال فما ينكره إلا الإنسان الحيوان لأنه جزء من العالم فإذا تجلى له في العلامة وتحول فيها عرفه لأنه ما يعرفه إلا مقيدا فالإمام تابع للمأموم في الأحوال والمأموم يتبع الإمام في الأفعال وفي بعض الأقوال فلو لا الكبرياء ما عرف الكبير

فقد بان عين الحق في عين نفسه *** وبان لذي عينين من كبرياؤه‏

وهذا وجود الجود ما ثم غيره *** وهذا صباح قد تلاه مساؤه‏

فإن كان وسمي فذاك ابتداؤه *** وما ولي الوسمي فهو انتهاؤه‏

فتبدو ثغور الروض ضاحكة به *** بما جاد من جود عليه عطاؤه‏

فما كان من روض فذاك وطاؤه *** وما كان من غيم فذاك غطاؤه‏

وما كان من مزن فعين نكاحه *** وما كان من شرب فذاك وعاؤه‏

فلاح لنا في قابل عند صيب *** بحيث يرى أبناؤه وابتناؤه‏

والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ وحَسْبُنَا الله في كل موطن ونِعْمَ الْوَكِيلُ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!