الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة العظمة»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[34] - «حضرة العظمة»

إن العظيم الذي تعظمه *** أفعاله ليس من يقول أنا

ومن يقل إنما تعظمه *** أحسابه لا أرى له ثمنا

فلا تعظمه أنه رجل *** يحشر يوم الحساب في الجبنا

يدعى صاحبها عبد العظيم وحال هذا العبد الاحتقار التام مع كونه محلا للعظمة فيفنيه عند نفسه وما رأيت أحدا يحكم هذا المقام إلا شخصا واحدا من حديثه الموصل وأخبرني شيخي أبو العباس العريبي من أهل العليا من غرب الأندلس أنه رأى واحدا أيضا من أهل هذه الحضرة وقد تلبس كالحلاج فيعظم جسمه في أعين الناظرين بالأبصار وأما حكمها في النفوس فكثير الوقوع فإنه تقع أمور كثيرة يعظم في النفوس قدرها بحيث لا تتسع النفس لغيرها ولا سيما في الأمور الهائلة التي تؤثر الخوف في النفوس ومن يُعَظِّمْ شَعائِرَ الله فَإِنَّها من تَقْوَى الْقُلُوبِ ومن يُعَظِّمْ حُرُماتِ الله فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وإِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ولكن في نفس الموحد يشاهد عظمته في نفس المشرك لا في نفسه فيشاهده ظلمة عظيمة إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ فيها لَمْ يَكَدْ يَراها و

[أن العظمة حال المعظم اسم فاعل لا حال المعظم اسم مفعول‏]

اعلم أن العظمة حال المعظم اسم فاعل لا حال المعظم اسم مفعول إلا أن يكون الشي‏ء يعظم عنده ذاته فعند ذلك تكون العظمة حال المعظم لأن المعظم اسم فاعل ما عظمت عنده إلا نفسه فهو من كونه معظما نفسه كانت الحال صفته وما عظم سوى نفسه فالعظمة حال نفسه وهذه الحالة توجب إلهية والإجلال والخوف فيمن قامت بنفسه قال بعضهم‏

كأنما الطير منهم فوق أرؤسهم *** لا خوف ظلم ولكن خوف إجلال‏

لما في قلوبهم من هيبته وعظمته وقال الآخر

أشتاقه فإذا بدا *** أطرقت من إجلاله‏

لا خيفة بل هيبة *** وصيانة لجماله‏

وهذه الأسباب كلها موجبات لحصول العظمة في نفس هذا المعظم إلا أن عظمة الحق في القلوب لا توجبها إلا المعرفة في قلوب المؤمنين وهي من آثار الأسماء الإلهية فإن الأمر يعظم بقدر ما ينسب إلى هذه الذات المعظمة من نفوذ الاقتدار وكونها نفعل ما تريد وراد لحكمها ولا يقف شي‏ء لأمرها فبالضرورة تعظم في قلب العارف بهذه الأمور وهي العظمة الأولى الحاصلة لمن حصلت عنده من الايمان والمرتبة الثانية من العظمة هي ما يعطيه التجلي في قلوب أهل الشهود والوجود من غير إن يخطر لهم شي‏ء من تأثير الأسماء ولا من الأحكام الإلهية بل بمجرد التجلي تحصل العظمة في نفس من يشاهده وهذه العظمة الذاتية ولا تحصل إلا لمن شاهده به لا بنفسه وهو الذي يكون الحق بصره ولا أعظم من الحق عند نفسه فلا أعظم من الحق عند من يشهده في تجليه ببصر الحق لا ببصره فإن بصر كل إنسان وكل مشاهد بحسب عقده وما أعطاه دليله في الله وهذا الصنف من أهل العظمة خارج عما ارتبطت عليه أفئدة العارفين من العقائد فيرونه من غير تقييد فذلك هو الحق المشهود فلا يلحق عظمتهم عظمة معظم أصلا وما أحسن ما جاء هذا الاسم حيث جاء في كلام الله ببنية فعيل فقال عظيم وهي بنية لها وجه إلى الفاعل ووجه إلى المفعول ولما كان الحق عظيما عند نفسه كان هو المعظم والمعظم فأتى بلفظ يجمع الوجهين كالعليم سواء وقد يرد هذا البناء ويراد به الوجه الواحد من الوجهين‏

كالاسم الحليم هذا لسان الظاهر وعلم الرسم وأما علم الحقيقة المعتمد عليه عند العارفين فكل فعيل في أسماء الحق وصفاته ونعوته كالحليم والعليم والكريم فلا فرق بين هذه الأسماء وبين العظيم في دلالتها على الوجهين وذلك لكونه هو الظاهر في مظاهر أعيان الممكنات فما حلم إلا عنه ولا تكرم إلا عليه أ لا ترى حكم إيجاد المرجح لا يكون إيجاده عند المتكلمين إلا بالقدرة أو القادرية عند بعضهم أو بكونه قادرا عند طائفة فهو القادر ولا يترجح الممكن إلا بالإرادة كما قلنا في القدرة على ذلك الترتيب والمساق فهو المريد فالمريد إذا أراد ترجيح الوجود على العدم في المخلوق إن لم يكن هو القادر على ذلك وإلا فعدم الإرادة أو وجودها على السواء فيحتاج المريد إلى القادر بلا شك والعين واحدة ما ثم عين زائدة مع اختلاف الحكم فلهذا قلنا في هذا البناء في حق الحق بطلب الوجهين ولا يقدر أحد من الطوائف من العلماء بالله على مثل هذا العلم الإلهي إلا العلماء الراسخون من أهل الله الذين هوية الحق علمهم كما هي سمعهم وبصرهم فاعلم ذلك والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!