الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة الحلم»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[33] - «حضرة الحلم»

ليس الحليم الذي تجني فيهملكم *** إن الحليم الذي تجني فيمهلكم‏

فضلا عليكم وإحسانا لعلكم *** في شأن حال يرى منكم تململكم‏

فإن رآه على قول فإن له *** شكرا على حال أعطاه تفضلكم‏

عليكم لا عليه حين يشكركم *** لديه في حقه منكم يبدلكم‏

[إن الإمهال من القادر عبارة عن تأخير الأخذ العبد]

يدعى صاحبها عبد الحليم وهي حضرة الإمهال من القادر على الأخذ فيؤخر الأمر ويمهل العبد ولا يهمله وإنما يؤخره لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ولا يمحوه لأنه يبدله بالحسنى فيكسوه حلة الحسن وهو هو بعينه ليظهر فضل الله وكرمه على عبيده ولهذا وصف الذنوب بالمغفرة وهي الستر وما وصفها بذهاب العين وإنما يسترها بثوب الحسن الذي يكسوها به لأنه تعالى لا يرد ما أوجده إلى عدم بل هو يوجد على الدوام ولا يعدم فالقدرة فعالة دائما ولهذا يكسو الأعراض التي لا تقوم بنفسها صور القائمين بأنفسهم ويجعل ذلك خلعا عليها وقد جاء وزن الأعمال وشبهها بمثاقيل الذر ويؤتى بالموت وهو نسبة والنسب أخفى من الأعراض في صورة كبش أملح فقد خلع على هذه النسبة صورة كبش أبيض فما أعدم النسبة بعد تحققها بنعت من نعوت الوجود بما لها من الحكم في الموجودات فلم يردها إلى حكم العدم فأحرى ما هو موصوف بالوجود العيني فلهذا وصف نفسه بالغفار والحليم وهو الإمهال فما أهمل حين أمهل ولا أعدم حين حكم فإنه ما شأنه إلا الإيجاد ولهذا قال إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ والذهاب انتقالكم من الحال التي أنتم فيها إلى حال تكونون فيها ويكسو الخلق الجديد عين هذه الأحوال التي كانت لكم لو شاء لكنه ما شاء فليس الأمر إلا كما هو فإنه لا يشاء إلا ما هي الأمور عليه لأن الإرادة لا تخالف العلم والعلم لا يخالف المعلوم والمعلوم ما ظهر ووقع ف لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ الله فإنها على ما هو عليه ومن شأن هذه الحضرة إثبات الاقتدار فإن صاحب العجز عن إنفاذ اقتداره لا يكون حليما ولا يكون ذلك حلما فلا حليم إلا أن يكون ذا اقتدار ولما كانت المخالفة تقتضي المؤاخذة فأفسد الحلم حكمها في بعض المذاهب ولذلك يقال حلم الأديم إذا فسد وتشقق وكذلك حلم النوم أفسد المعنى عن صورته لأنه ألحقه بالحس وليس بمحسوس حتى يراه من لا علم له بأصله فيحكم عليه بما رآه من الصورة التي رآه عليها ويجي‏ء العارف بذلك فيعبر تلك الصورة إلى المعنى الذي جاءت له وظهر بها فيردها إلى أصلها كما أفسد الحلم العلم فأظهره في صورة اللبن وليس بلبن فرده رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بتأويل رؤياه إلى أصله وهو العلم فجرد عنه تلك الصورة وفي تلك الصورة يكون حكم الحلم فلذلك نقول إنه أفسد صورة العلم فرده رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم والعابر المصيب كان من كان إلى أصله وأزال عنه ما أفسده الحلم ومن هنا تعرف ما للحق من رتبة الأحلام جاء رجل إلى ابن سيرين وكان إماما في التعبير للرؤيا فقال له إني رأيت أرد الزيت في الزيتون فقال أمك تحتك فبحث الرجل عن ذلك فإذا به قد تزوج أمه وما عنده ولا عندها خبر بذلك وأين صورة نكاح الرجل أمه‏

من صب الزيت في الزيتون وإذا رأى صاحب الرؤيا الأمر كما هو عليه في نفسه فليس بحلم وإنما ذلك كشف لا حلم سواء كان في نوم أو يقظة كما إن الحلم قد يكون في اليقظة كما هو في النوم كصورة دحية التي ظهر بها جبريل عليه السلام في اليقظة فدخلها التأويل ولا يدخل التأويل النصوص وأما قول إبراهيم لابنه وقد رأى أنه يذبح ابنه فأخذ بالظاهر على إن الأمر كما رآه وما كان إلا الكبش وهو الذبح العظيم ظهر في صورة ابنه فرأى أنه يذبح ابنه فذبح الكبش فهو تأويل رؤياه على غير علم منه وفَدَيْناهُ يعني تلك الصورة وهي ابنه التي رآها إبراهيم عليه السلام بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وهو الكبش فما ذبح لا كبشا في صورة ولده فأفسد الحلم صورة الكبش في المنام فَانْظُرْ ما ذا تَرى‏ وكيف ترى وأين ترى وكن على علم في أحوالك كلها والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!