الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة الخبرة والاختبار وهي حضرة الابتلاء بالنعم والنقم»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[32] - «حضرة الخبرة والاختبار وهي حضرة الابتلاء بالنعم والنقم»

إن الخبير هو المبلى إذا نظرت *** عيناك نعمة من يبلي بها البشرا

وإن يكن نقمة منه حباك بها *** إن السعيد الذي ما زال مفتقرا

[الخبير وهو كل علم حصل بعد الابتلاء]

يدعى صاحبها عبد الخبير قال تعالى فاسأل به خبيرا وهو كل علم حصل بعد الابتلاء قال تعالى ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ وقال ونَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ وقال لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا بخلقه الموت والحياة وهذا لإقامة الحجة فإنه يعلم ما يكون قبل كونه لأنه علمه في ثبوته أزلا وأنه لا يقع في الكون إلا كما ثبت في العين وما كل أحد في العلم الإلهي له هذا الذوق فتعلق علم الخبرة تعلق خاص وأصل الابتلاء الدعوى كانت ممن كانت فمن لا دعوى له لا يبتلى وما ثم إلا من له دعوى والتكليف ابتلاء فأصله عن دعوى وقد عم من يدعي ومن لا يدعي أي من لا دعوى له عامة فلا يبالي من لا دعوى له فإنه يحشر مع من لا دعوى له أصلا وما هو ثم أعني في الوجود ولا تكليف عليه كالمغصوب على نفسه يجازى بنيته لا بما ظهر منه‏

كالجيش الذي يخسف به بين مكة والمدينة وفيه من غصب على نفسه في المجي‏ء فقالت عائشة في ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقال يحشرون على نياتهم وإن عمهم الخسف‏

كما قال واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً بل تعم المحق والظالم وتختلف أحوالهم في القيامة فيحشر المحق سعيد أو الظالم شقيا فحيث كانت الدعوى كان الاختبار ومن وصف نفسه بأمر توجه عليه الاختبار وقد قال الله تعالى يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا من رَحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ والايمان يقطع بصدق هذا القول ولكن لا يظهر حكمه مشاهدة عين إلا في المسرفين وهم المذنبون فكأنه قال لهم اعصوا حتى تعرفوا ذوقا صدق قولي في مغفرتي إذا كان أمير المؤمنين المأمون يقول لو علم الناس حبي في العفو لتقربوا إلي بالجرائم وهو مخلوق فما ظنك بالكريم المطلق الكرم فلا يختبر إلا بإتيان الذنوب وقد قال لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون ويتوبون فيغفر الله لهم وهذا القول من النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الحقيقة فيه تقديم وتأخير

إلا أنه ستره ليبين فضل العالم بأصول الأمور على غير العالم فهو بقول‏

لو لم تذنبوا إلجاء الله بقوم مذنبون فيغفر لهم‏

كما جاء في نص القرآن ثم يقول بعد قوله فيغفر لهم فيتوبون أي يرجعون إلى الله في قوله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً لأنه لا غافر إلا هو وأما إذا تاب قبل المغفرة فالحكم للتوبة لا للكرم الإلهي وإنما يكون الكرم عند ذلك كونه أعطاه التوبة والتوبة محاءة والقرآن ما ذكر توبة والرسول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا يخالف القرآن ولكن ثم قوم يغفر لهم من غير توبة وثم قوم يعطيهم الله التوبة فالتوبة قد جعلها الله تتضمن المغفرة فكأنها للتائب‏

بشرى معجلة في هذه الدار فأدخل الحق نفسه في الدعوى ليمشي حكمها في الخلق ثم طلب بالابتلاء صدق الدعوى ليبين للعباد صدق دعواه فإذا ادعيت فليكن دعواك بحق وانتظر البلاء وإن لم تدع فهو أولى بك ولكن كن محلا لجريان الأقدار عليك وكن على علم أنه لا يجري عليك إلا ما كنت عليه حتى تعلم أن الحجة البالغة لله فإنه يقول كذا علمتك وما علمتك إلا منك ولو كان كما يتخيله بعض الناس ومن لا علم له بسر القدر يقول لو مكنني الله من الاحتجاج لقلت أنت فعلت كما قال أبو يزيد ولكن قال لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهُمْ يُسْئَلُونَ فسد الباب هذا القول ما يقع إلا من جاهل بالأمر بل فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ في قوله لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ فإنه ما فعل من نفسه ابتداء وإنما فعل بك في وجودك ما كنت عليه في ثبوتك ولهذا قال وهُمْ يُسْئَلُونَ وقد أطلعهم الله عند ذلك على ما كانوا عليه وإن علمه ما تعلق بهم إلا بحسب ما هم عليه فيعرفون إذا سألوا أنه تعالى ما حكم فيهم إلا بما كانوا عليه وإذا سألوا وهم يشهدون اعترفوا فيصدق قوله فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ فيأخذها الناس إيمانا ونحن وأمثالنا نأخذها عيانا فنعلم موقعها ومن أين جاء بها الحق لا إله إلا هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!