الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة اللطف»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[31] - «حضرة اللطف»

إنما اللطف خفاء *** ليس في اللطف ظهور

وبه أبرز كوني *** وبه تجري الأمور

كن عبيدا للطيف *** هو بالأمر خبير

إن دين الله يسر *** وهو بالهوى عسير

لا تخالف لا توافق *** إنه الخير الكثير

والذي يفهم قولي *** هو بالأمر بصير

يدعى صاحب هذه الحضرة عبد اللطيف وما لطفه وأخفاه عن الإدراك إلا شدة ظهوره فلما لم تقع عين إلا عليه ولا نظرت إلا به فإنه البصر لكل عين تبصر فما الفائدة إلا لمن يشهد ذلك ويعرفه ذوقا ومشاهدة فإن التقليد في ذلك ما يقع موقع الشهود فإنه ما ثم إلا هو لم يتميز عن غير لأنه لم يكن غير فيمتاز عنه فعمن خفي وما ثم غير

فليس للطف حكم *** إلا إذا كنت ثمة

ولست ثم فقل لي *** من ذا يعين حكمه‏

وإن في القلب منه *** إذا تفكرت غمه‏

تجي‏ء منه سحاب *** على القلوب وظلمه‏

جاءت الحيرة تجري *** يا عبيدي ضاع قدري‏

أين أسمائي وحكمي *** أين نهيي أين أمري‏

ارقبوني تجدوني *** في خفايا الكون أسرى‏

إنه لا بد مني *** فلذا أمرك أمري‏

من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله‏

[سريان اللطف الإلهي‏]

فانظر إلى سريان هذا اللطف الإلهي ما أعجبه وحكمه الظاهر في هذه الكثافة كيف أبان أن طاعة رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم طاعته إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ الله والحجر الأسود يمين الله للبيعة وجعله في الحجر حتى لا يقع في ذلك دعوى فهي بيعة خالصة مخلصة فمن بايعه بايع الله فانظر إلى ما يشهده البصر وانظر إلى ما يشهده الايمان فمن نظر بعين الايمان رأى قوة نفوذه في الكثيف حتى سرى إلى اللطيف الخبير فيحصل له المعرفة بالأمر على ما هو عليه فاذن عين اللطيف الذي سار إليه عين الكثيف الذي سار منه يبين ذلك في الحدود مثاله الجوهر قائم بنفسه ظاهر شخصه من أعيان غير ظاهرة هي مجموعة وليست سوى عينه وما لها وجودا لا عينه فمن الجوهر ومن الصفات النفيسة له فالأمر هكذا في هذه الحضرة فهو حق وعين ما هو حق إذا ظهر كان خلقا ولا يصح حكم لحضرة اللطف إلا بوجود الخلق البخار يصعد لا يدركه البصر للطفه ورقته فينضم بعضه إلى بعضه ويتراكم فيظهر غماما أنشأه الحق فظهر وهو من شي‏ء لا يظهر فأعطاه هذا المزاج الخاص حكما لم يكن له قبل ذلك وأعطاه اسما وظهر عنه أثر في الجو لم يكن له شي‏ء من هذا كله قبل ذلك فأمطر وأحيى وأضحك الأرض بالنبات وأروى وهو ما عمل شيئا إلا بذلك السر اللطيف الذي نشأت منه صورته وفي قبض الظل ومده من اللطف ما إذا فكر فيه الإنسان رأى عظيم أمر ولهذا نصبه الله دليلا على معرفته فقال أَ لَمْ تَرَ إِلى‏ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ فلا يدرك البصر عين امتداده حالا بعد حال فإنه لا يشهد له حركة مع شهود انتقاله فهو عنده متحرك لا متحرك وكذلك في فيئه وهو قوله ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً فمنه خرج فإنه لا ينقبض إلا إلى ما منه خرج كذلك تشهده العين وقد قال تعالى وهو الصادق إنه قبضه إليه فعلمنا إن عين ما خرج منه هو الحق ظهر بصورة خلق فيه ظل يبرزه إذا شاء ويقبضه إذا شاء لكن جعل الشمس عليه دليلا ولم يتعرض لتمام الدلالة وهو كثافة الجسم الخارج الممتد عنه الظل فبالمجموع كان امتداد الظل فهذا شمس وهذا جدار وهذا ظل وهذا حكم امتداد وقبض بفي‏ء ورجوع إلى ما منه بدأ فإليه عاد والعين واحدة فهل يكون شي‏ء ألطف من هذا فالأبصار وإن لم تدركه فما أدركت إلا هو فإنه ما أحالنا إلا على مشهود بقوله أَ لَمْ تَرَ إِلى‏ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وما مده إلا بشمس وذات كثيفة تحجب وصول نور الشمس إلى ما امتد عليه ظل هذه الذات وجهة خاصة ثم قبضه كذلك فهذه كيفية ما خاطبنا بها أن ننظر إليها وما قال فيها فكنا نصرف النظر تألقا إلى الفكر ولكن بأداة إلى أراد شهود البصر وإن كانت الأدوات يدخل بعضها في مكان بعض ولكن لا يعرف ذلك إلا بقرائن الأحوال وهي‏

إذا استحال أن يكون حكم هذه الأداة بالوضع في هذا الموضع علمنا أنها بدل وعوض من أداة ما يستحقه ذلك الوضع وهذا معلوم في اللسان وبهذا اللسان أنزل القرآن كما

قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إنما أنزل القرآن بلساني لسان عربي مبين‏

وقال تعالى وما أَرْسَلْنا من رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فلا بد أن يجري به على ما تواطئوا عليه في لحنهم فاعلم ذلك فتأمل فيما أوردناه في نظمنا هذا الذي أذكره‏

فلا يدري اللطيف سوى لطيف *** وعين اللطف في عين الكثافة

فهذا عين هذا يا خليلي *** فقف بين الكثافة واللطافة

تحز قصب السباق بكل وجه *** كما قد حازه أهل العيافة

وكن عبد عبد اللطيف بكل وجه *** تنل ما ناله أهل القيافة

من إدخال السرور على رسول *** نقي الثوب من أهل النظافة

وهذه حضرة نلت منها في خلقي الحظ الوافر بحيث إني لم أجد أحدا فيمن رأيت وضع قدمه فيها حيث وضعت لا إن كان وما رأيته لكني أقول أو أكاد أقول إنه إن كان ثم فغايته أن يكون معي في درجتي فيها وأما أن يكون أتم فما أظن ولا أقطع على الله تعالى فإسراره لا تحد وعطاياه لا تعد وقد بينا في الأحوال من هذا الكتاب في باب اللطيفة ما يقتضيه هذا الاسم الإلهي في أهل الله وما يطلبه بالوضع في اللسان والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!