Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

Parcourir les Titres Section I: les Connaissances (Maarif) Section II: les Interactions (Muamalat) Section IV: les Demeures (Manazil)
Présentations Section V: les Controverses (Munazalat) Section III: les États (Ahwal) Section VI : les Stations (Maqamat du Pôle)
Première Partie Deuxième Partie Troisième Partie Quatrième Partie

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة الفرائض والسنن

الله ونافلة الذكر الذي فرضه لا إله إلا الله وتكبيرة الإحرام والسلام من الصلاة وشهادة التعيين وكل فرض يتعلق بالقول فإنه يعطيك نافلته والمواظبة عليه أن تقول لما تريده في الكون كُنْ فَيَكُونُ كما يعطيك الفرض أن تقول للحق تعالى افعل فيفعل‏

[المحبة هي ثمرة عطاء النوافل‏]

والباب الجامع لما يعطى جميع النوافل أن يكون الحق يحبه فأنتجت النوافل محبة الله لعبده ولكن ما كل محبة بل المحبة التي بها يكون الحق سمعك الذي تسمع به وبصرك الذي تبصر به ويديك التي تبطش بها ورجلك الذي تسعى به وهذا منعنا أن نقول في المفاضلة في الأشياء لأن العرف يعطي أن البصر أفضل من الرجل عند الجماعة وهنا قد أنزل الحق نفسه أنه بصرك الذي تبصر به ورجلك التي تسعى بها وأعطى لكل حق حقيقة منه وهو لا يفضل نفسه فإنه هو الظاهر في كل ما ذكر أنه هو كما يليق بجلاله فليس البصر بأعلى ولا أفضل من الرجل ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ فهذا قد ذكرنا ما تعطيه نوافل الخيرات على الإطلاق وعلى التقييد نافلة نافلة

(الباب الموفي تسعين في معرفة الفرائض والسنن)

إن الفرائض كالركائب والسنن *** مثل الطريق لها إلى غاياتها

فإذا قطعت الضرب كنت فريضة *** فتكون سمع الحق في آياتها

عكس النوافل فاعتبرها والتزم *** طرق الفضائل واسع في إثباتها

[الفرض العين الفرض الكفاية الفرض المشروط]

الفرائض هي الأعمال أو التروك التي أوجبها الله تعالى على عباده وقطعها عليهم وأثم من لم يقم بها وهي على قسمين فرض عين وهو الذي لا يسقط عنه إذا عمله غيره وفرض كفاية وهو الذي يسقط عنه إذا قام به غيره وقد كان قبل قيام الغير به متعينا عليه وعلى ذلك الغير كالصلاة على الجنازة وغسل الميت والجهاد وثم فرض آخر يلوح بينهما له طرف إلى كل واحد منهما يخالف حكم الآخر مثل الحج المفروض إذا لم يستطع وهو إن كان غير مخاطب به إلا مع الاستطاعة فهو فرض متوقف على شرطه فإذا حج عنه وليه سقط عنه وكان له الأجر أجر الأداء وليس هذا في فرض الكفاية لوجود الأجر ولا في فرض الصلاة لعدم سقوطها عمن صليت عنه فلا يشبه فرض الصلاة ولا يشبه فرض الكفاية

[السنن قسمان: سنة أمر بها الرسول وسنة ابتدعها واحد من الأمة]

وأما السنن فكل ما عدا ما تعين عمله وهو على قسمين سنة أمر بها وحرض عليها أو فعلها بنفسه وخير أمته في فعلها وسنة ابتدعها واحد من الأمة فاتبع فيها فله أجرها وأجر من عمل بها

[ثمرة عمل الفريضة في حياة المكلف‏]

فالفرض إذا جاء به العبد موفى فقد وفى ما تستحقه الربوبية عليه من العبودة فينتج له عمل الفريضة أمرا هو أعلى من أن يكون الحق سمعه فإن كون الحق سمع العبد حال للعبد وحكم الفرض يحول بينه وبين هذه الحال وهو أن يكون سمعا للحق فيسمع الحق بالعبد وهو قوله جعت فلم تطعمني وأما هذه الحيلولة التي أعطاها الفرض من أن يكون الحق سمعه هي مقام محقق ثابت كما هو في نفس الأمر فيعرف عند ذلك العبد أن الحق هو لا هو وصاحب الحال يقول أنا

[السنة النبوية والسنن التي هي شرائع مستحسنة بعد رسول الله ص‏]

والسنن طرق الاقتداء وأعلاها الاقتداء بالحق حتى أكون في إطلاق أسمائه علي قريبا من التحقق بها لا من التخلق وأدناها في حق الولي الاقتداء بالذين قال الله فيهم أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ والعلماء ورثة الأنبياء وما ورثوا إلا العلم‏

فالسنة النبوية عالية المقام وهي الجمعية على الدين وإقامته وأن لا يتفرق فيه فهي تعلو بمن يأتيها ويسلك فيها في الحضرات المحمدية إلى غاياتها في المعارف والأحوال والتجلي وأما السنن التي هي الشرائع المستحسنة بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وهو الاستحسان عند الفقهاء الذي قال فيه الشافعي رحمه الله من استحسن فقد شرع فأخذها الفقهاء منه على جهة الذم وهو رضي الله عنه نطق بحقيقة مشروعة له لم تفهم عنه فإنه كان من الأربعة الأوتاد وكان قيامه بعلم الشرع حجبه عن أهل زمانه ومن بعده روينا عن بعض الصالحين أنه لقي الخضر فقال له ما تقول في الشافعي فقال هو من الأوتاد فقال فما تقول في أحمد بن حنبل قال رجل صديق قال فما تقول في بشر الحافي قال ما ترك بعده مثله فهذه شهادة الخضر في الشافعي رحمه الله‏

[الشرع أباح البدعة الحسنة]

ولما صح عند الشافعي‏

أن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ومن سن سنة سيئة

الحديث فلا شك أن الشرع قد أباح له أن يسن سنة حسنة وهي من جملة ما ورث من الأنبياء وهي حسنة أي يستحسنها الحق منه وهو سنها فمن استحسن أي من سن سنة حسنة فقد شرع ويا عجبا من عدم فهم الناس كلام الشافعي في هذا وهم يثبتون حكم المجتهد وإن أخطأ

في نفس الأمر وقد أقره الشارع وهو حكم شرعي مقبول لا يحل لأحد من الحكام رده وقواعد الشرع وأصوله تحفظه وكالمصالح المرسلة في مذهب مالك‏

[الاختيارات الإلهية في الموجودات واختيارات الأكياس في المشروعات‏]

ولما قرر الشارع حكمها مجملا وأبان أن واضعها ومتبعيه فيها مأجورون ونهاية التابعين فيها إلى واضعها على قدره وقدر ما سن نبهتك بهذا أن تكون أوقاتك معمورة بالشرائع النبوية والسنن الأصلية فإن الكيس ينبغي أن لا يكون غاية عمله إلا نبوة أصلية لا فرعية إذ كان له الاختيار في الاختيار لما كانت الأمور في أنفسها تقبل الاختيار كما فعل سبحانه في جميع الموجودات فاختار من كل أمر في كل جنس أمرا ما كما اختيار من الأسماء الحسنى كلمة الله واختار من الناس الرسل واختار من العباد الملائكة واختار من الأفلاك العرش واختار من الأركان الماء واختار من الشهور رمضان واختار من العبادات الصوم واختار من القرون قرن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم واختار من أيام الأسبوع يوم الجمعة واختار من الليالي ليلة القدر واختار من الأعمال الفرائض واختار من الأعداد التسعة والتسعين واختار من الديار الجنة واختار من أحوال السعادة في الجنة الرؤية واختار من الأحوال الرضي واختار من الأذكار لا إله إلا الله واختار من الكلام القرآن واختار من سور القرآن سورة يس واختار من آي القرآن آية الكرسي واختار من قصار المفصل قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ واختار من أدعية الأزمنة دعاء يوم عرفة واختار من المراكب البراق واختار من الملائكة الروح واختار من الألوان البياض واختار من الأكوان الاجتماع واختار من الإنسان القلب واختار من الأحجار الحجر الأسود واختار من البيوت البيت المعمور واختار من الأشجار السدرة واختار من النساء مريم وآسية واختار من الرجال محمدا صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم واختار من الكواكب الشمس واختار من الحركات الحركة المستقيمة واختار من النواميس الشريعة المنزلة واختار من البراهين البراهين الوجودية واختار من الصور الصور الآدمية لذلك أبرزها على الصورة الإلهية واختار من الأنوار ما يكون معه النظر واختار من النقيضين الإثبات ومن الضدين الوجود واختار الرحمة على الغضب واختار من أحوال أفعال الصلاة السجود ومن أقوالها ذكر الله ومن أصناف الإرادات النية فلها الحكم في قبول العمل ورده فإنه‏

لكل امرئ ما نوى‏

ويلحق غير العامل بالعامل في الأجر وزيادة

[اختيار ذكر الله من بين أقوال الصلاة]

وأما ذكر الله من أقوال الصلاة فإن ذكر الله منها أكبر ما فيها هكذا قال عز وجل إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ والْمُنْكَرِ ولَذِكْرُ الله أَكْبَرُ فإن الصلاة مناجاة والذاكر جليسه الحق فإن ذكره به فهو تعالى لسانه‏

[اختيار السجود من بين أفعال الصلاة]

وأما اختياره السجود في أفعال الصلاة فلما فيه من العصمة من الشيطان فإنه لا يفارقه في شي‏ء من أفعال الصلاة إلا في السجود خاصة لأنه خطيئته وعند السجود يبكي ويتأسف ويندم والندم توبة ولا بد من قبول ذلك القدر فهو يتوب عند كل سجدة وإن الله يحب كل مفتن تواب‏

ثم يعود إلى الإغواء عند الرفع من السجود هكذا

[اختيار الرحمة على الغضب‏]

وأما اختياره الرحمة على الغضب فلأنها تفعل بالمنة وتفعل بالوجوب ووَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ والغضب من الأشياء التي وسعته الرحمة فما ثم غضب خالص غير مشوب برحمة والرحمة لا يشوبها غضب ومن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى‏ فالغضب جعله يهوى فإذا هوى وهو السقوط وهو حكم الغضب لا غير فيسقط في الرحمة فتسعه وتتلقاه فلا يسقط إلا إليها وبالرحمة التي في الغضب سقط فهي التي جعلت الغضب يهوى به لتستلمه الرحمة الخالصة كالرحمة التي في الدواء الكرية فيشربه العليل على كراهة فيه رحمة خفية من أجلها استعمل الدواء الكرية في الوقت لتسلمه إلى العافية وهي الرحمة الخالصة ولهذا كان المال إلى الرحمة وحكمها وإن لم يخرجوا من النار فلهم فيها نعيم والله عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ أ لا ترى إلى ما جعل الله في النار في الدنيا من المنافع والراحات ولو لم يكن إلا الكي بها لبعض العلل فإنه أقطع الأدوية ولقوته في أثره قدح في التوكل لأنه يقوم في الفعل مقام الشافي والمعافي فحكمت الغيرة على المكتوي بأنه غير متوكل‏

[اختيار الوجود من الضدين‏]

وأما اختيار الوجود من الضدين فلأنه صفته فاختار للممكنات صفته ولا يصح إلا هذا فإن له الاقتدار والاقتدار لا يكون عنه إلا الوجود أ لا تراه لما قال إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ قال ويَأْتِ بِآخَرِينَ فأبى الاقتدار إلا الوجود وعلق الإرادة بالإعدام وله الاسم المانع والمنع عدم‏

[اختيار الإثبات على النفي‏]

وأما اختياره الإثبات فهو عين الشي‏ء الذي يقول له كن لأنه في حال عدمه رجح له الإثبات على النفي حتى لا يزال ممكنا في‏

حال عدمه وهي مسألة دقيقة في الترجيح في حال العدم وبذلك الافتقار الذاتي الذي في الممكن قبل الوجود إذا أراده الحق منه وأسرع إليه بحكم الإثبات الذي هو عليه‏

[النور المختار من بين الأنوار]

وأما النور المختار من الأنوار فإن الأنوار حجب ولذلك‏

قال في الأنوار الحجابية نور إني أراه‏

ثم وعد بالرؤية وهو نور فلا بد أن يكون النور الذي يظهر فيه لعباده مختارا من تلك الأنوار الحجابية كنور الأحدية والعزة والكبرياء والعظمة فهذه كلها ترفع عن البصر ويبقى حكمها في القلب فبرفعها تقع الرؤية للحق تعالى ويبقى حكمها في القلب ويفنى العبيد عن الرؤية ولو لا ذلك لشهدوا نفوسهم عند شهوده‏

[اختيار الصورة الآدمية]

وأما اختياره الصورة الآدمية فلأنه خلق آدم على صورته فأطلق عليه جميع أسمائه الحسنى وبقوتها حمل الأمانة المعروضة وما أعطته هذه الحقيقة أن يردها كما أبت السموات والأرض والجبال حملها وحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً لو لم يحملها جَهُولًا لأن العلم بالله عين الجهل به العجز عن درك الإدراك إدراك فإنه إذا علم إن ثم ما لم يعلم فما علم وهو العلم بأن ثم ما لا يعلم وليس لعلمه متعلق إلا الجهل به‏

[اختيار البراهين الوجودية من البراهين الجدلية وغيرها]

وأما اختياره البراهين الوجودية من البراهين الجدلية وغيرها فلما تعطيه من تمام العلم بثبوت الحق وإبطال حجة الخصم والبراهين الجدلية ليست لها هذه القوة فإنها تبطل حجة الخصم وقد لا تثبت حقا والبراهين السوفسطائية تنتج حيرة وهي أقرب إلى البراهين الوجودية في العلم الإلهي من وجه من البراهين الجدلية

[اختيار الشريعة المنزلة على النواميس الحكمية]

وأما اختياره الشريعة المنزلة فلما لها من عموم التعلق بالدار الآخرة ومصالح الدنيا وليست النواميس الحكمية الموضوعة لمصالح الدنيا وبقاء الخير في عالم الدنيا لها حكم لتحكم على الله بالقرب الإلهي وقبول الأعمال ورفع الدرجات وإثبات الجنات ودار الشقاء لا يستقل بذلك كله إلا الشرع المنزل من عند الله وأما الذين ابتدعوا عبادات ورعوها حق رعايتها ابتغاء رضوان الله مما لم يكتبها الله عليهم فهم أصحاب شرع منزل من عند الله فسنوا فيه سننا حسنة مناسبة لما سنها الشرع بالشرع المنزل فيهم وأباح لهم أن يسنوا وأما النواميس الحكمية فما هي التي سنها هؤلاء ولهذا جعل لهم الأجر

[اختيار الحركة المستقيمة]

وأما اختياره الحركة المستقيمة فإنه عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ كما قال عن نفسه واختص بها الإنسان الذي خلقه الله على صورة الحق وفيها يحشر السعيد يوم القيامة فهي له دنيا وآخرة فإن المجرمين يحشرون منكوسين وهي الحركة المنكوسة كما قال تعالى في حق المجرمين ولَوْ تَرى‏ إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ والحركة المعوجة الأفقية في البهائم فلم تصح الحركة المستقيمة إلا لمن خلقه الله على الصورة وذلك الإنسان الكامل الذي له هذه الصفة في الدنيا والآخرة ولهذا خص بها ذكر آدم لأنه من أهل السعادة التي تبقي عليه هذه الحركة المستقيمة ولهذا نعت بالخلافة

[اختيار الشمس‏]

وأما اختياره الشمس فلما لها من الإمداد في جميع الكواكب المستنيرة علوا وسفلا ولهذا قال إبراهيم عليه السلام هذا أَكْبَرُ واختصت على المذهبين بالقلب من الكرة وهي السماء الرابعة وفيها إدريس عليه السلام والله قد ذكر أنه رفعه مَكاناً عَلِيًّا فعلو هذا المكان من كونه قلب الأفلاك فهو مكان عال بالمكانة وما فوقه وإن كان دونه فهو أعلى بالمسافة وبنسبته إلى رءوسنا وهو الذي أحدث الليل والنهار بطلوعه وغروبه الذي جعل الله لهما الغشيان وهو النكاح والإيلاج لظهور أعيان المولدات وما يحدث الله في الليل والنهار من المخلوقات عن هذا الإيلاج والغشيان وجعل لكل واحد من هذين الموجودين عن الحركة الشمسية الطلب الحثيث لإبراز أعيان الحوادث عن هذا الطلب‏

[اختياره محمد ص‏]

وأما اختياره محمدا صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فلما اقتضاه مزاجه دون الأمزجة الإنسانية من الكمال والاعتدال إذ به شاهد نبوته وآدم بين الماء والطين وهو متفرق الأجزاء في المولدات العنصرية وهي مسألة دقيقة لا يعرفها إلا من عرف أخذ الذرية من ظهر آدم حين أَشْهَدَهُمْ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ ف قالُوا بَلى‏ وهي الفطرة التي ولد الناس عليها وإليها ينتهون وفي هذا الجمع‏

قال الأرواح أجناد مجندة

ولما جمعهم جمعهم في حضرة التمثيل فما كان وجها لوجه هناك تعارفوا هنا وما وقع ظهر الظهر هناك تناكر هنا وما بينهما من وجه إلى ظهر وجانب وغير ذلك وفي هذا أقول‏

إن القلوب لأجناد مجندة *** في حضرة الجمع تبدو ثم تنصرف‏

فما تعارف منها فهو مؤتلف *** وما تناكر منها فهو مختلف‏

وإن كل أحد يقر بهذه الشهادة في الآخرة ولا ينكر ولا يدعي لنفسه ربوبية يقول تعالى إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا من الَّذِينَ اتَّبَعُوا

فكان صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أعظم مجلى إلا هي علم به علم الأولين والآخرين ومن الأولين علم آدم بالأسماء وأوتي محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم جوامع الكلم وكلمات الله لا تنفد وله السيادة التي لا تبعد على الناس يوم القيامة فيشفع في الشافعين أن يشفعوا من ملك ورسول ونبي وولي ومؤمن وله المقام المحمود في اليوم المشهود

[اختيار مريم وآسية]

وأما اختياره مريم وآسية فهو إلحاقهما بالكمال الذي للرجال مع وجود الدرجة التي للرجال عليهن فإن تلك الدرجة وجودية فلا تزول‏

[اختيار السدرة]

وأما اختياره السدرة فلأنها موضع انتهاء أعمال العباد وموضع الفضل وبظلها تستظل صور الأعمال وغشاها الله من الأنوار ما غشى ألا إن تلك الأنوار أنوار الأعمال فلا يستطيع أحد أن ينعتها وتلك الأنوار كما قلنا أنوار الأعمال تنبعث من صورها فتغشاها فلا يستطيع أحد أن ينعتها فإن النعت للأشياء تقييد وتمييز والأعمال تختلف ولها مراتب وأنوارها على قدر مراتبها فعال وأعلى ومضي‏ء وأضوأ ونعت العالي يناقض الأعلى ونعت المضي‏ء يقابل الأضوأ من حيث ما هو أضوأ فلا يتقيد بنعت لأنك إن قيدتها بنعت أبطله لك نقيضه فما وفيتها حقها في النعتية إذ لم تكن أنوار الأعمال على درجة واحدة وقد غشيتها هذه الأنوار وغطتها فلا يقدر أحد يصل إلى نعتها فهم وإن استظلوا بها فقد كسوها من ملابس الأنوار ما فضلت به جميع الأشجار وهي طعام وغاسول ونبقها كالقلال منه ترزق أرواح الشهداء

[اختيار البيت المعمور]

وأما اختياره البيت المعمور فلأنه مخصوص بعمارة ملائكة يخلقون كل يوم من قطرات ماء نهر الحياة الواقعة من انتفاض الروح الأمين فإنه ينغمس في نهر الحياة كل يوم غمسة لأجل خلق هؤلاء الملائكة عمرة البيت المعمور وهم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لا يعودون إليه أبدا وبقي السر في المكان الذي يعمرونه هؤلاء الملائكة وما ثم خلاء والعالم كله قد ملأ الخلأ فابحث عليه فإنه علم جليل يوقفك على علم استحالات الأعيان في الأعيان وتقلب الخلق في الأطوار فتعلم أَنَّ الله عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ لا على ما ليس بشي‏ء فإن لا شي‏ء لا يقبل الشيئية إذ لو قبلها ما كانت حقيقته لا شي‏ء ولا يخرج معلوم عن حقيقته فلا شي‏ء محكوم عليه بأنه لا شي‏ء أبدا وما هو شي‏ء فمحكوم عليه بأنه شي‏ء أبدا

[اختيار الحجر الأسود]

وأما اختياره الحجر الأسود فلأنه أنزله ليقيمه مقام يمينه في البيعة الإلهية إذ لم يكن في المعارف والعبادات أعظم ملازمة لما عرف ولما تعبد به من العبادات فإنها فطرت على المعرفة والعبادة المحضة التي عجزت عنها حقيقة النبات والحيوان ولهذا ليس شي‏ء منه في الإنسان جملة واحدة فإن جميع ما في الإنسان يقبل النمو وهو للنبات كما إن الحيوان له التصرف في الجهات فكلما فارق موجود المعدن التبس بصورة الدعوى بحقيقته فهي منازعة خفية لا يشعر بها كل عالم وقد نبه على بعض ذلك سهل وما وفي الأمر فيها ما هو عليه فلا أدري هل علم واكتفى بما ذكر أو ما أطلعه الله في ذلك الوقت على أكثر مما ذكر والله أعلم فاختاره الله يمينا

[اختيار القلب من الإنسان‏]

وأما اختياره من الإنسان القلب وهو الذي وسعه لأنه كل يوم في شأن واليوم قدر نفس المتنفس في الزمان الفرد وبه سمي قلبا لتقلبه أ لا تراه بين أصبعي الرحمن فما يقلبه إلا الرحمن ليس لغيره من الأسماء معه فيه دخول ولا يعطي الاسم الرحمن إلا ما في حقيقته فرحمته وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فما من أمر تراه في تقلبه مما يؤدي إلى عناء وعذاب وشقاء إلا وفيه رحمة خفية لأنه بأصابع الرحمن يقلب فإن شاء أقامه وإن شاء أزاغه عن تلك الإقامة فهو ميل إضافي فمال القلب إلى الرحمة بحكم سلطان هذا الاسم الذي قلبه في الزيغ كما قلبه في الإقامة فهي بشرى من الله إلى عباده ف يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ وما ذكر سرفا من سرف فعم جميع حالات المسرفين في السرف لا تَقْنَطُوا من رَحْمَةِ الله فإن الذي أزاغكم أصبع الرحمن إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً وهو خبر لا يدخله النسخ فيجمع بين قوله هذا وبين قوله إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ به فيؤاخذ على الشرك ما شاء الله ثم يحكم عليه أصبع الرحمن فيئول إلى الرحمن وأمور أخر من الزيغ مما دون الشرك يغفر منها ما يغفر بعد العقوبة وهم أهل الكبائر الذين يخرجون من النار بالشفاعة بعد ما رجعوا حمما مع كونهم ليسوا بمشركين والايمان بذلك واجب ومنها ما يغفر ابتداء من غير عقوبة فلا بد من المال إلى الرحمة

[اختيار الاجتماع من الأكوان‏]

وأما اختياره من الأكوان الاجتماع فإنه يعطي الافتراق بالتمييز في عين الجمع فلا بد من رب ومربوب ومن قادر ومقدور فالجمع مختار لا بد منه لما تعطيه حقائق الأسماء الإلهية من التعلق‏

[اختيار الأبيض من الألوان‏]

وأما اختياره من الألوان البياض فلأن الملونات كلها تستحيل إليه ولا يستحيل إليها بل بياضيته كامنة فيه مستورة لحجاب اللون الذي يظهر في العين‏

من سواد وحمرة وصفرة وغير ذلك فمنه ما يكون لونا قائما بالمحل ومنه ما يكون لونا في ناظر العين وليس كذلك في نفس المتلون كسواد الجبال البيض على البعد فإذا جئتها رأيتها بيضا وقد كنت تحكم عليها بالسواد وأنت غالط في ذلك الحكم وصحيح في ظهور السواد به مصيب والكيفية في ذلك مجهولة وبهذه المثابة زرقة السماء إنما هي لنظر العين وإن كانت في نفسها على لون يخالف الزرقة

[اختيار الروح من الملائكة]

وأما اختياره من الملائكة الروح لأنه المنفوخ فيه في كل صورة ملكية وفلكية وعنصرية ومادية وطبيعية وبها حياة الأشياء وهو الروح المضاف إليه وهو نفس الرحمن الذي يكون عنه الحياة والحياة نعيم والنعيم ملتذ به والالتذاذ بحسب المزاج كما قلنا في مزاج المقرور يتنعم بما به يتعذب المحرور فافهم ويكفيك تنبيه الشارع لو كنت تفهم بأن للنار أهلا هم أهلها وللجنة أهلا هم أهلها وذكر في أهل النار أنهم لا يموتون فيها ولا يحيون فهم يطلبون النعيم بالنار لوجود البرد وهذا من حكم المزاج‏

[اختيار البراق من المراكب‏]

وأما اختياره البراق من المراكب لكونه مركب المعارج فجمع بين ذوات الأربع وذوات الجناح فهو علوي سفلي كبعض الحيوانات بري بحري‏

[اختيار دعاء يوم عرفة]

وأما اختياره دعاء يوم عرفة فإنه دعاء في حال تجريد وذلة وخضوع في موطن معرفة ليوم زماني لما فيه من الجمع بين الليل والنهار

[اختيار قل هو الله أحد]

وأما اختياره قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ فلأنها مخصوصة به ليس فيها ذكر كون من الأكوان إلا أحدية كل أحد إنها لا تشبه أحديته تعالى خاصة وفي إتيانها في هذه السورة علم غريب لمن فتح الله به عليه فإنه افتتح السورة بأحديته وختمها بأحدية المخلوقين فاعلم أن الكائنات مرتبطة به ارتباط الآخر بالأول لا ارتباط الأول بالآخر فإن الآخر يطلب الأول والأول لا يطلب الآخر فهو الغني عن العالمين من ذاته ويطلب الآخر من مسمى الله المنعوت بالأحدية فهذا قد نبهتك على مأخذ هذا العلم الذي تحويه هذه السورة بالأحدية المتأخرة التي هي مع ارتباطها بالأول لا تماثلها لكونها تطلبه ولا يطلبها أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى الله والله هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ

[اختيار آية الكرسي‏]

وأما اختياره من الآي آية الكرسي الآيات العلامات ولا شي‏ء أدل على الشي‏ء من نفسه وهذه آية الكرسي كلها أسماؤه أو صفته لا يوجد ذلك في غيرها من الآيات فدل على نفسه بنفسه الله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فنفى وأثبت بضمير غائب على اسم حاضر له مسمى غيب الْحَيُّ صفة شرطية في وجود ما له من الأسماء الْقَيُّومُ على كل ما سواه بما كسب فإنه أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ صفة تنزيه عما يناقض حفظ العالم الذي لو لا قيوميته ما بقي لحظة واحدة الله الضمير يعود عليه وهو ضمير غيب ما في السَّماواتِ وما في الْأَرْضِ ملكا له وعبدا معين الحفظ لبقاء الحكم بالألوهة من ذَا الَّذِي يَشْفَعُ شفعية الوتر بالحكم عِنْدَهُ ضمير غيب إِلَّا بِإِذْنِهِ عدم الاستقلال بالحكم دونه فلا بد من إذنه إذ كان ثم شفيع أو شفعاء يَعْلَمُ ما في السَّماواتِ وما في الْأَرْضِ من الشفعاء والمشفوع فيهم يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وهو ما هم فيه وما خَلْفَهُمْ وهو ما يؤولون إليه ولا يُحِيطُونَ بِشَيْ‏ءٍ من عِلْمِهِ بالأشياء إِلَّا بِما شاءَ منها لا بكلها وَسِعَ كُرْسِيُّهُ علمه السَّماواتِ والْأَرْضَ العلو والسفل ولا يَؤُدُهُ يثقله حِفْظُهُما لأنه حفظ ذاتي معنوي وإمداد غيبي وخلق دائم في سفل وعلو وهُوَ ضمير غيب الْعَلِيُّ بغناه عن خلقه من ذاته الْعَظِيمُ في قلوب العارفين بجلاله فله الهيبة فيها فهي آية ذكر الله فيها ما بين اسم ظاهر ومضمر في ستة عشر موضعا من هذه الآية لا تجد ذلك في غيرها من الآيات منها خمسة أسماء ظاهرة الله الحي القيوم العلي العظيم ومنها تسعة ضميرها ظاهر فهي مضمرة في الظاهر ومنها اثنان مضمران في الباطن لا عين لها في الظاهر وهما ضمير العلم والمشيئة وكذلك علمه ومشيئته لا يعلمها إلا هو فلا يعلم أحد ما في علمه ولا ما في مشيئته إلا بعد ظهور المعلوم بوقوع المراد لا غير فلذلك لم يظهر الضمير فيها

[اختيار يس من القرآن‏]

وأما اختياره يس من القرآن فلأنها قلب القرآن ومن قرأها كان كمن قرأ القرآن عشر مرات والقلب أشرف ما في الصورة الصادية كذلك السورة السينية وهي المنزلة ولها من الأبراج بيت شرف الشمس وهو برج الأولية زمان الربيع إقبال النش‏ء وظهور البدء وابتداء زينة عالم الطبيعة وتلطيف بخارات الأنفاس التي كثفها زمان الشتاء لبرودة الجو كان يعطي الجمد في البخارات الخارجة من المتنفسين عند ما تخرج يكثفها ثم يردها ما وهو ما تجد في يديك إذا تنفست فيه في زمان الشتاء من النداوة وله الشئون الإلهية التي لا يزال في كل نفس فيها جل جلاله‏

[اختيار القرآن من الكلام الإلهي‏]

وأما اختياره من الكلام القرآن وهو الذي له صفة الجمع وفي الجمع عين الفرقان إذ الجمع دليل الكثرة

والكثرة آحاد فهي عين الافتراق في عين الجمع فهو الفرقان القرآن‏

[اختيار لا إله إلا الله من بين الأذكار]

وأما اختياره لا إله إلا الله فإنه ذكر عم النفي والإثبات وليس ذلك لغيره من الأذكار

[اختيار الرضا من بين الأحوال‏]

وأما اختياره الرضي من الأحوال فإنه آخر ما يكون من الحق لأهل السعادة من البشرى فلا بشرى بعدها فإنها بشرى تصحب الأبد كما ورد في الخبر وهي بشرى بعد رجوع الناس من الرؤية لا بل هي من الله لهم في الكثيب عند الرؤية في الزور الأعظم‏

[اختيار الجنة]

وأما اختياره الجنة فإنها دار بقاء السعادة والنظر الساترة لأهلها عن كل مكروه يكون في الدار التي تقابلها وما يعطيه سلطان أسماء الانتقام‏

[اختيار الرؤية]

وأما اختياره الرؤية فإنها غاية البصر فاللذة البصرية لا تشبهها لذة فإنها عين اليقين في المعبود

[اختيار العدد التسعة والتسعين من بين الأعداد]

وأما اختياره من الأعداد التسعة والتسعين فلأنها وتر الأسماء الجامع بين الآحاد والعقد إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة بمجرد الإحصاء حفظا ولفظا وإحاطة فإن الله وتر يحب الوتر

[اختيار الفرائض‏]

وأما اختياره الفرائض فلأن نتيجتها أن يكون العبد نعت الحق سمعه وبصره فإن حب النوافل يعطى أن يكون الحق سمع العبد وبصره والنفل لا يكون إلا في الدرجة النازلة عن الفرض فالفرض له الأولية ولا ينزل الحق إلى أن يكون سمعا للعبد كما قال بما يقتضيه من الجلال فلا بد أن ينزل الله بصفته وهو كون العبد صفة الحق للصورة التي خلق عليها فهي مقتطعة من الصورة الإلهية كما هي الرحم شجنة من الرحمن والفرض القطع فإذا أداه ظهر له في ذلك أنه صفة للحق فإذا تنفل كان صفة الحق له فتميز الفرض من النفل وكانت الدرجة العليا للفرض ولو لا ما أعطى الفرض ذلك‏

ما ثبت أن يقول جعت فلم تطعمني‏

وأنا أشد شوقا إلى لقاء عبدي يريد إياي‏

فإنه أقرب إلينا من حَبْلِ الْوَرِيدِ وما ترددت في شي‏ء أنا فاعله‏

وأمثال هذا من الإخبارات الإلهية

[اختيار ليلة القدر من سائر الليالي‏]

وأما اختياره ليلة القدر فإن الأمور لا تتميز إلا بأقدارها عند الحق والحق غيب فاختص القدر بالليلة لأن الليل ستر كما يستر الغيب‏

[اختيار يوم الجمعة من بين الأيام‏]

وأما اختياره من الأيام يوم الجمعة لأن فيه ظهرت الصورتان وجعل الله ذلك اليوم للصور وهو الشهر الخامس لمسقط النطفة وهو يوم مؤنث له الزينة وتمام الخلق واختار الله فيه ساعة من ساعاته هي كالنكتة في المرآة وهو موضع صورة المتجلي من مرآة اليوم فيرى فيها نفسه وعلى الصورة الظاهرة بين المرآة والناظر فيها يقع الخطاب والتكليف وبها تحدث أسماء الإشارات من ذا وذان وتا وتان وأولاء وأسماء الضمائر مثل هو وهي وهما وهم وهن وك وك وكما وكم وكن وأنت وأنت وأنتما وأنتم وأنتن وياء ضمير المتكلم المؤثرة في آنيته إن لم تحفظها نون الوقاية ولا بد لها من تأثير إما في الآنية أو في نون الوقاية لا بد لها من ذلك ولهذا نون الوقاية له الفتوة والإيثار من عالم الحروف ولهذا سميت نون الوقاية فلها منزلة لكاف من قوله أعوذ بك ولنا فيها

نون الوقاية نون ليس يشبهها *** من الوجود سوى صوم وخلاق‏

له الفتوة والإيثار نشأته *** فما لنا غيره في اللفظ من واق‏

شطر الوجود له من نعت خالقه *** من المكانة فهو الدائم الباقي‏

[اختيار الثلاثة القرون على الترتيب‏]

وأما اختياره الثلاثة القرون على الترتيب فإن الأول من ذلك لظهور كمال محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم غيبا وشهادة فسن الشريعة بنفسه ونسخ ما كان سنة نوابه بوجوده وقرر منه ما قرر وأقر الايمان بجميعه ما نسخ منه وما لم ينسخ وهذا هو القرن الأول ثم اثنان بعده والكل أهل فتح وظهور بمنزلة الثلاث الغرر من كل شهر يقول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يغز وفئام من الناس فيقال هل فيكم من رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيقولون نعم فيفتح لهم وهذا هو القرن الأول ثم يغز وفئام من الناس فيقال هل فيكم من رأى من رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيقولون نعم فيفتح لهم وهذا هو القرن الثاني ثم يغز وفئام من الناس فيقال هل فيكم من رأى من رأى من رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيقولون نعم فيفتح لهم وهذا هو القرن الثالث وما زاد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم على هذا وذلك أنه ما ثم سوى الحضرة الإلهية وهي عبارة عن الذات والصفات والأفعال فهذا معنى خير القرون فبعناية القرن الأول فتح للجميع وهي ذات رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فأعطت قوة نوره وسلطان ظهوره الفتح الإلهي لمن رآه أو رأى من رآه أو رأى من رأى من رآه فهوقوله خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم‏

وإنما شبهناهم بالثلاث الغرر من الشهر وجعلنا زمان دعوته مشبهة بالشهر لأنهم اختلفوا في القرن ما قدره من الزمان فمن جملة أقوالهم أن القرن‏

ثلاثون سنة فلهذا أنزلنا الثلاثة القرون من زمان دعوته إلى يوم القيامة منزلة شهر وجعلنا الثلاثة القرون كالثلاث الغرر منه‏

[اختيار الصوم من بين العبادات‏]

وأما اختياره الصوم‏

فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال لشخص سأله عليك بالصوم فإنه لا مثل له‏

فنفى المثلية عن الصوم فأشبه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وقال الصوم لي‏

وجعل جميع العبادات كلها للإنسان إذ كان الصوم صفة تنزيه ولا ينبغي التنزيه إلا له تعالى‏

[اختيار رمضان من بين الشهور]

وأما اختياره من الشهور شهر رمضان فلمشاركته في الاسم فإن رمضان من الأسماء الإلهية فتعينت له حرمة ما هي لسائر شهور السنة وجعله من الشهور القمرية حتى تعم بركته جميع شهور السنة فيظهر في كل شهر من شهور السنة فيحصل لكل يوم من أيام السنة حظ منه فإن أفضل الشهور عندنا شهر رمضان ثم شهر ربيع الأول ثم شهر رجب ثم شعبان ثم ذو الحجة ثم شوال ثم ذو القعدة ثم المحرم وإلى هنا انتهى علمي في فضيلة الشهور القمرية وأبهم على ترتيب الفضل فيما بقي من شهور السنة القمرية وذلك شهر صفر وربيع الآخر وجمادى الأولى وجمادى الآخرة ما عندي علم بترتيب الفضلية في هؤلاء أو هي متساوية في الفضل وهو الغالب على ظني فإنه أظهر ذلك وما تحققته فلم يتمكن لي أن أقول ما ليس لي به علم‏

[اختيار الماء من بين الأركان‏]

وأما اختياره من الأركان ركن الماء لأنه من الماء جعل كل شي‏ء حي حتى العرش لما خلقه ما كان الأعلى الماء فسرت الحياة فيه منه فهو الركن الأعظم كما قال الحج عرفة وإن كان سبب الحياة أشياء معه ولكنه الركن الأعظم من تلك الأشياء

[اختيار العرش من بين الأفلاك‏]

وأما اختياره من الأفلاك العرش لأن له الإحاطة بجميع الأجسام والله بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مُحِيطٌ وله الأولية في الأفلاك فما تحتها فهو الأول المحيط فاختاره للاستواء لما بين الصفتين فإن كان العرش الملك فأحرى أن يكون هو من غير اختيار لأنه ما ثم إلا الله وملكه وكل شي‏ء ما سواه ملكه وقد ورد تمييزه عن غيره فتعين أن يكون مختارا للأولية والإحاطة لأن السموات والأرض في جوف الكرسي كحلقة في فلاة والكرسي في جوف العرش كحلقة في فلاة

[اختيار الملائكة من العباد]

واختار من العباد الملائكة فإنهم مخلوقون من النور فأجسامهم نورية بالأصالة فهم أقرب نسبة من سائر المخلوقات إلى النور الإلهي ولذلك‏

كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يدعو أن يجعله الله نورا

لما يعرف من ظلمة الطبيعة

[اختيار العماء من بين الأينيات‏]

واختار من الأينيات العماء فكان له قبل خلق الخلق ومنه خلق الملائكة المهيمة فهيمها في جلاله ثم خلق الخلق فشغلهم هيمانهم في جلال جماله أن يروا سواه فهم الذين لا يعرفون أن الله خلق أحدا ما أشرفها من حالة فجعل العماء أينية له والعرش مستوي له والسماء الدنيا لنزوله والأرض لمعيته فهو معنا أينما كنا

[اختيار الرسل من بين الناس‏]

واختار من الناس الرسل ليبلغوا عن الله ما هو الأمر عليه فإنه ما أخرجهم إلا للعلم به لأنه أحب أن يعرف فتعرف إليهم بالرسل بما بعثهم به من كتب وصحف فعرفوه معرفة ذاتية كما عرفوه بالعقول التي خلق لهم وأعطاها قوة النظر الفكري فعرفوه بالدلائل والبراهين معرفة وجودية سلبية لم يكن في قوة العقل في استقلاله أكثر من هذا ثم بعد ذلك جاءت الرسل من بعده بمعرفة ذاتية فعبد الخلق الإله الذي تعرف إليهم بشرعه إذ العقل لا يعطي عملا من الأعمال ولا قربة من القرب ولا صفة ذاتية ثبوتية للحق وما حظ العقل من الشرع مما يستقل به دليله إلا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ على زيادة الكاف لا على إثباتها صفة فاختار الرسل لتبليغ ما لا يستقل العقل بإدراكه من العلم بذاته وبما يقرب إليه من الأعمال والتروك والنسب‏

[اختيار الاسم الله من بين الأسماء الحسنى‏]

واختار من الأسماء الاسم الله فأقامه في الكلمات مقامه فهو الاسم الذي ينعت ولا ينعت به فجميع الأسماء نعته وهو لا يكون نعتا ولهذا يتكلف فيه الاشتقاق فهو اسم جامد علم موضوع للذات في عالم الكلمات والحروف لم يتسم به غيره جل وعلا فعصمه من الاشتراك كما دل أن لا يكون ثم إله غيره‏

[الاختيارات الإلهية دعوة للعقول إلى الاختيار الذي هو اعتبار واستبصار]

فهذا قد ذكرنا من الاختيارات الإلهية ما يخرج مخرج التنبيه للعقول الغافلة عما دعيت إليه من الاعتبار والإستبصار ولم نستوف الأمر حده لأنا ما نعرف بطريق الإحاطة تفصيل ما خلق الله من الموجودات وإن كنا نقدر بما أقدرنا الله على حصر الموجودات فيدخل في ذلك كل شي‏ء ونحن ما تصدينا في هذا إلا لمعرفة آحاد ما اختاره واصطفاه من كل نوع نوع من المخلوقات المحصورة في الوجود القائمة بنفسها والمتحيزة وغير المتحيزة من القائمة بنفسها وغير القائمة بنفسها والنوع الذي لا يقبل التحيز إلا بالتبعية وما تألف من ذلك وما لم يتألف وانحصرت أقسام العالم والموجودات فيما ذكرناه‏

[ما يستقل به العقل في الاختيار وما هو فوق مستواه‏]

وثم تفصيل نسبي يمكن أن يستقل به العقل وهي مفاضلة الأشياء بعضها على بعض بتميز مراتبها وانفعال بعضها على بعض وتأثير بعضها في بعض وتوقف بعضها على بعض ولكن مفاضلة القرب الإلهي بطريق العناية بهم لا بما تعطيه حقائقهم لا يكون‏



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!