الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
الباب: | فى معرفة النوافل على الإطلاق |
بترك الوسائط كما قال كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ فهم كتاب الله وهوقول الشارع دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وقوله استفت قلبك وإن أفتاك المفتون والكتابة ضم المعاني الإلهية بما يليق بجلاله من نسبة أسماء الله الحسنى إلى المعاني التي لنا من التخلق بتلك الأسماء أي بمعانيها أو تكون أخلاقا لنا لا تخلقا وهي نسبتها إلينا على ما يليق بنا فهو الرءوف الرحيم وقد قال في رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وهذا مدح وسمى نفسه بالعزيز الكريم وقد قال في بعض عباده ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ وهو ذم وكلها أسماء الله وأسماء الخلق ومدلولاتها معقولة المعنى بآثارها فيمن تسمى بها وإن كانت نسبها مختلفة فنسبتها إلى الله لا تشبه نسبتها إلى العبد فإنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وإن كان آثار الكريم أن يعطي وقد وجد العطاء من الله ومن العبد على جهة الإنعام فإن انضم المعنى إلى المعنى من وجه فقد افترقا من وجه لأن الموصوف المسمى لا يشبه الموصوف المسمى الآخر فمن الوجه الذي يقع الاشتراك وهو الأثر من ذلك الوجه يكون كتابة لأن الكتابة الضم وبضم الحروف بعضها إلى بعض سميت كتابة والكتيبة ضم الخيل بفرسانها بعضها إلى بعض فلو جاءوا متفرقين وحدانا ما سموا كتيبة فهو المؤمن وقد كتب في قلب عبده الايمان فأوجب له ذلك الكتاب حكما سمي به مؤمنا وليس الاسم غير المسمى فهو الظاهر في عين الممكن والممكن له مظهر وكل ظاهر في مظهر فقد انضم الظاهر إلى المظهر وانضم المظهر إلى الظاهر ولذلك صح أن يكون مظهرا للظاهر فيه فهذا سر أصل الأخذ بالكتاب دليلا على ثبوت الحكم [سر السنة في إثبات الحكم]وأما سر السنة في إثبات الحكم فإنه لما كان الرسول عليه السلام لا ينطق عن الهوى وأن حكمه حكم الله وهو ناقل عن الله ومبلغ عنه بما أراه الله والله على صراط مستقيم والسنة الطريقة والطريق لا يراد لنفسه وإنما يراد لغايته فالسنة صِراطِ الله الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الْأَرْضِ أَلا إِلَى الله تَصِيرُ الْأُمُورُ لأنها على صراطه وهو غاية صراطه فلا بد للسالك عليه من الوصول إليه فالصراط الواسطة وبوساطة استعداد المظهر بما هو عليه في نفسه حكم على الظاهر بما سمي به فهو أعطاه ذلك الاسم وذلك الحكم صحيح فهذا صراط مستقيم فنحن إذا سألنا الحق في أمر يعن لنا كان أثر سؤالنا في الله الإجابة فسمي مجيبا فلو لا سؤالنا ما ثبت هذا الحكم ولا أطلق عليه هذا الاسم ونحن طريقة له في ذلك قال تعالى أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فما أجابه حتى دعاه فهذا سر استدلاله بالسنة [سر أخذ الإجماع سندا على إثبات الحكم]وأما الإجماع فهو ما أجمع عليه الرب والمربوب في إن الله خالق والعبد مخلوق وهكذا كل إضافة فلا خلاف بين الله وبين عباده في مسائل الإضافة أين ما وجدت وكذلك في المعلومات من حيث ما هي معلومات [حكم سر القياس في الاستدلال عند مثبتيه]وأما القياس عند مثبتيه فهو ظهور رب بصفة عبد وظهور عبد بصفة رب عن أمر رب فإن لم يكن عن أمر رب فلا يتخذ دليلا على حكم أو عن حميد خلق كريم فإنه أيضا يتخذ دليلا وأما ظهور رب بصفة مربوب فلا يشترط فيه الأمر الواجب ولكن قد يكون عن دعاء وطلب وصفته صفة الأمر والمعنى مختلف وإن كان هذا مسموعا ممتثلا والآخر كذلك ولكن بينهما فرقان فهذا حكم سر القياس في الاستدلال وهو قياس الغائب على الشاهد لحكم معقول جامع بين الشاهد والغائب وينسب لكل واحد من المنسوبين إليه بحسب ما يليق بجلاله وإنما قلنا بجلاله لأن الجليل من الأضداد يطلق على العظيم وعلى الحقير وقد انتهت أسرار أصول أحكام الشرع انتهى الجزء الرابع والتسعون ( (بسم الله الرحمن الرحيم)) (الباب التاسع والثمانون في معرفة النوافل على الإطلاق)إن النوافل ما يكون لعينها *** أصل يشاهد في الفرائض كلها فالفرض كالأجرام إن قابلتها *** بالنور والنفل المزاد كظلها بيد وبصورتها وليس فريضة *** فيعود فرضا في الحساب كمثلها جاء الحديث به فبين فضلها *** شرعا وميز أصلها من أصلها فإذا أتيت بهن فاعلم أنه *** ذخر الإله لكم نتيجة فعلها فيكون عين قواك ربك فاغترف *** من طلها حتى تفوز بوبلها [النوافل لها حكم في الحضرة الإلهية ينوب صاحبها فيه مناب الحق]اعلم أيدك الله بروح القدس أن للنوافل حكما في الحضرة الإلهية جامعا ينوب صاحبها فيه مناب الحق من ذاقه عرف قدره وعجز عما يستحقه واهبه من الشكر عليه ثم إن النوافل تتفاضل وتعلو بعلو فرائضها إذ كانت النوافل كل عمل له أصل في الفرائض عن ذلك الأصل يتولد وبصورته يظهر كما ظهرنا نحن بصورة الحق فنحن له نافلة وهو أصلنا ولهذا نقول فيه إنه واجب الوجود لنفسه ونحن واجبون به لا بأنفسنا فبهذه الدرجة يتميز عنا ونتميز عنه وما عدا النوافل فيسمى عبادة مستقلة وسننا مبتدءات نذكرها بعد هذا الباب إن شاء الله [الصيام أعلى نوافل التنزيه في الخيرات]وإذا كانت النوافل تعلو بعلو فرائضها التي هي أصولها فأعلى نوافل التنزيه في الخيرات الصيام لأن فرضه صوم رمضان ورمضان اسم الله والصوم عبادة لا مثل لها وهو لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ففضل نوافل سائر العبادات فإنه يمنع من النكاح فله أثر فيه أي في منعه وكل من له قوة المنع فإن الممنوع متصف بالضعف بالنسبة إلى تلك القوة فإن كان لهذا الممنوع من القوة بحيث يؤثر في محل هذه العبادة حتى يزيل حكمها كان أقوى بلا شك فنافلة النكاح أقوى لما له من التأثير في إبطال الصوم والصلاة وغيرها [النكاح أفضل نوافل الخيرات]والنكاح أفضل نوافل الخيرات وله أصل وهو النكاح المفروض فما زاد عليه كان نافلة وهو على نوعين أعني وقوعه فقد يقع على نسبة المحبة مطلقة وقد يقع على نسبة محبة التوالد والتناسل فإذا وقع عن محبة التوالد والتناسل التحق بالحب الإلهي ولا عالم فأحب أن يعرف فتوجه بالإرادة لهذه المحبة على الأشياء في حال عدمها القائمة في استعداد إمكانها مقام الأصل فقال لها كن فكانت ليعرف بجميع وجوه المعارف وهي المعرفة المحدثة التي لم يكن تعلق لها به إذ لم يكن العارف بها متصفا بالوجود وذلك محبة طلب كمال المعرفة وكمال الوجود فما كمل الوجود ولا المعرفة إلا بالعالم ولا ظهر العالم إلا عن هذا التوجه الإلهي على شيئية أعيان الممكنات بطريق المحبة للكمال الوجودي في الأعيان والمعارف وهي حال تشبه النكاح للتوالد فكان النكاح المفروض أفضل الفرائض ونافلته أفضل نوافل الخيرات ولاشتراك غيره من العبادات في اسم النوافل نال من استعملها على اختلاف أنواعها منا لها والأصل نوافل النكاح لأن العمل إذا أنتج ما لم يكن له عين قبل ذلك فذلك من حكم النكاح وما من عمل إلا وهو منتج بحسب حقيقته وطريقته فكان النكاح أصل في الأشياء كلها فله الإحاطة والفضل والتقدم وقال أبو حنيفة في النكاح إنه أفضل نوافل الخيرات ولقد قال حقا أو صادف حقا كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حبب إليه النساء وكان أكثر الأنبياء نكاحا لما فيه من التحقق بالصورة التي خلق عليها ولكن لا يعلم ذلك إلا قليل من الناس من طريق الكشف بل من العارفين من أهل الله وقدم علينا بإشبيلية سنة ست وثمانين وخمسمائة أبو الحجاج يوسف الغليري من أهل غليرة وكان من أهل الأحوال فبينما هو قاعد معي إذ كشف له عن هذا المقام ممثلا فذكره لي في غلبة حاله بصورة ما رآه مما لا يمكنني ذكره فكوشف على العالم وفي أي صورة هو أبوه تعريفا من الحق فما زلت أسكنه وهو هائج حتى سكن [وجود الحق هو الفرض ووجود العبد نافلة]فوجود الحق هو الفرض في نفس الأمر ووجود العبد نافلة عن ذلك الفرض ولذلك خرج على صورته [نافلة الصلاة تنتج وجود العبد في حظه منها]فنافلة النكاح قد ذكرنا ما نتج منها ونافلة الصلاة تنتج وجود العبد في حظه من القسمة منه قوله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فيعرف من نوافل هذه الصلاة حظه من القسمة لا حظ ربه كما يعرف من فرضها حق ربه وقسمه منها ولكل حال شرب معلوم فإن الذي يعطي الفرض في عامله من الحكم خلاف الذي يعطي النفل لأنه في الفرض عبد مضطر وفي النفل عبد مخير مختار موصوف بصفة إلهية وهي المشيئة فإن شاء فعل وإن شاء لم يفعل [نتائج نوافل الصيام والزكاة والحج والعمرة والذكر]ونافلة الصيام ما يحصل للعبد من التنزيه في نفي المماثلة من قوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ أي ليس مثل مثله شيء وما مثله إلا من خلق على صورته فنفى سبحانه أن يماثل هذا المثل فهو أحق أن لا يماثل وما له من الصورة إلا الاسم خاصة فإن العالم كما أعطاه الله اسم الوجود الذي هو له تعالى حقيقة أعطاه العالم باستعداده وكونه مظهرا لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ما علمنا منها وما لم نعلم فهذا كونه على صورته ونافلة الزكاة أعطت في الإنسان البركة وهي الزيادة التي حصلت له على ما أعطته الفريضة لا غير ونافلة الحج أعطت له القصد بظهور الكون في الأطوار المختلفة مع أحدية التوجه ونافلة العمرة أعطته الدخول عليه تعالى في كل عبادة بين طرفي تحليل وتحريم وفيها ذوق وشرب وهما تجليان معروفان عند أهل |