Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

Parcourir les Titres Section I: les Connaissances (Maarif) Section II: les Interactions (Muamalat) Section IV: les Demeures (Manazil)
Présentations Section V: les Controverses (Munazalat) Section III: les États (Ahwal) Section VI : les Stations (Maqamat du Pôle)
Première Partie Deuxième Partie Troisième Partie Quatrième Partie

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منازلة من وعظ الناس لم يعرفنى ومن ذكّرهم عرفنى فكن أى الرجلين شئت

فكان غير معصوم اللسان ورأيت أقواما يشطحون على الله وعلى أهل الله من شهود في حضرة خيالية فهؤلاء ما لنا معهم كلام فإنهم مطرودون من باب الحق مبعدون عن مقعد الصدق فتراهم في أغلب أحوالهم لا يرفعون بالأحكام المشروعة رأسا ولا يقفون عند حدود الله مع وجود عقل التكليف عندهم وبالجملة فإن الإدلال على الله لا يصح من المقربين من أهل الله جملة واحدة ومن ادعى التقريب مع الإدلال فلا علم له بمقام التقريب ولا بالأهلية الصحيحة والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الثامن والتسعون وثلاثمائة في معرفة منازلة من وعظ الناس لم يعرفني ومن ذكرهم عرفني فكن أي الرجلين شئت»

الخلق ظل لذات الحق ليس له *** كون يحققه علم ولا بصر

إن قام قام به أو سار سار به *** فعينه ليس هو وكونه بشر

فأعجب له من وجود لا وجود له *** ولو يزول لزال النفع والضرر

هذا الذي قلته العقل يجهله *** وليس يدريه إلا الشمس والقمر

فالشمس أنثى وبدر التم إن نظرت *** عين التفكر فيه حاكم ذكر

فكان بينهما إلا بنا وليس هما *** سواهما فاعتبر إن كنت تعتبر

عجبت من واحد في ذاته عدد *** له الظهور وفيه الكون والغير

[التذكرة والوعظ لمن‏]

اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن الله يقول سبحانه وذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله وقال تعالى فيما أمر به نبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في كتابه العزيز قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ وقال عز وجل أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ فمدار هذه المنازلة على هذه الثلاثة الآيات فالتذكر للعلماء الغافلين والوعظ لا يكون للناس أجمعين ولهذا قال من وعظ الناس لم يعرفني فإنه إنما يعظهم بما يكون مني لا بي وكذلك من يخوفهم إنما يخوف بما يكون مني لا مني فالترغيب لا يجري مجرى الترهيب فإن الترغيب قد يكون في والترهيب لا يكون إلا مما يكون مني لا مني واليوم العقيم الذي لا ينتج زمانا مثله أي ليس بعده يوم يكون عنه لأن الأيام في الدنيا كل يوم هو ابن اليوم الذي قبله وهما توأمان ليلة ونهار فالليلة أنني والنهار ذكر فيتناكحان فيولد إن النهار والليل اللذين يأتيان بعدهما ويذهبان الأبوان فإنهما لا يجتمعان أبدا وفي غشيان الليل والنهار وإيلاج بعضهما في بعض يكون ولادة ما يتكون في كل واحد منهما من الأمور والكوائن التي هي من شئون الحق فيكون الليل ذكرا والنهار أنثى لما يتولد في النهار من الحوادث ويكون النهار ذكرا والليل أنثى لما يتولد في الليل من الحوادث وتكون الليلة أنثى والنهار ذكر الولادة التوأمين وهما اليوم الثاني وليلته والليل أصل والنهار منه كحواء من آدم ثم يقع النكاح والنتاج‏

«فصل» في الواحدة التي يعظ بها الواعظ

وهي أن يقوم من أجل الله إذا رأيت من فعل الله في كونه ما أمرك أن تقوم له فيه إما غيرة وإما تعظيما فقوله في القيام مثنى بالله وبرسوله فإنه من أطاع الرسول فَقَدْ أَطاعَ الله فقمت لله بكتاب أو سنة لا تقوم عن هوى نفس ولا عيرة طبيعية ولا تعظيم كوني وفرادي إما بالله خاصة أو لرسوله خاصة كما

قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا أرى أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الحديث عني فيقول اتل به علي قرآنا إنه والله لمثل القرآن أو أكثر

فقوله أكثر في رفع المنزلة فإن القرآن بينه وبين الله فيه الروح الأمين والحديث من الله إليه ومعلوم أن القرب في الإسناد أعظم رتبة من البعد فيه ولو بشخص واحد ينقص من الطريق وذلك لأنه ينقص حكمه فيه فإنه لا بد أن يكتسب الخبر صورة من المبلغ فلا يبقى على ما هو عليه في الأصل الذي ينقل عنه ولا يكون في الصدق في قول المخبر هذا كلام فلان مثل من ينقله عنه أو يسمعه منه وذلك لتبدل اللغة واللسان فيه فإن الترجمان لا ينقل عين ما تكلم به من ينقل عنه وإنما يتكلم في نقله بما فهمه منه وإذا كنت أنت الذي تنقل عنه كنت في طبقته وقد تفهم منه أمرا لم يفهمه منه المترجم لك عنه فبهذا كان الحديث أكثر من القرآن وغايته أن يكون إذا نزل عن هذه الطبقة مثله وما عدل‏

رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إلى الأكثرية إلا والأمر أكثر بلا شك وإنما قلنا في القرآن إنه بواسطة لقوله تعالى نَزَلَ به الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى‏ قَلْبِكَ وقوله قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ من رَبِّكَ وقوله ولا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ من قَبْلِ أَنْ يُقْضى‏ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً بما يكون من الله إليه برفع الواسطة وهو الحديث الذي لا يسمى قرآنا فلا ينبغي لواعظ أن يخرج في وعظه عن الكتاب أو السنة ولا يدخل في هذه الطوام فينقل عن اليهود والنصارى والمفسرين الذين ينقلون في كتب تفاسيرهم ما لا يليق بجناب الله ولا بمنزلة رسل الله عليه السلام كما روينا عن منصور بن عمار أنه رآه إنسان بعد موته وكان من الواعظين فقال له يا منصور ما لقيت فقال أوقفني الحق بين يديه وقال إلي يا منصور بم تقربت إلي فقلت له كنت أعظ الناس وأذكرهم فقال يا منصور بشعر زينب وسعاد تطلب القرب مني وتعظ عبادي وذكر لي أشعارا كنت أنشد بها على المنبر مما قاله أهل المحبة في محبوباتهم فشدد علي ثم قال إن بعض أوليائي حصر مجلسك فقلت في ذلك المجلس اللهم اغفر لأقسانا قلبا وأجمدنا عينا فقال ذلك الولي الذي حضر عندك اللهم اغفر لمن هذه صفته فاطلعت فلم أر أجمد عينا ولا أقسى قلبا منك فاستجبت فيك دعاء وليي فغفرت لك فلا ينبغي أن ينشد واعظ في مجلسه إلا الشعر الذي قصد فيه قائله ذكر الله بلسان التغزل أو بغيره فإنه من الكلام الذي يقوله أهل الله فهو حلال قولا وسماعا فإنه مما ذكر اسم الله عليه ولا ينبغي أن ينشد في حق الله شعرا قصد به قائله في أول وضعه غير الله نسيبا كان أو مديحا فإنه بمنزلة من يتوضأ بالنجاسة قربة إلى الله فإن القول في المحدث حدث بلا شك وقد نبه الله في كتابه على هذه المنزلة بقوله وما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ وقوله ولا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله عَلَيْهِ وإِنَّهُ لَفِسْقٌ وقال حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ والدَّمُ ولَحْمُ الْخِنْزِيرِ وما أُهِلَّ لِغَيْرِ الله به والشعر في غير الله مما أهل لغير الله به فإنه للنية أثر في الأشياء والله يقول وما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ والإخلاص النية وهذا الشارع ما نوى في شعره إلا التغزل في محبوبه والمديح فيمن ليس له بأهل لما شهد به فيه ولقد كتب إلي شخص من إخواني بكتاب يعظمني فيه بحيث أن لقبني فيه بثلاثة وستين لقبا فكتبت له سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ ويُسْئَلُونَ وذكرت له مع هذا في جواب كتابه‏

إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال لا أزكي على الله أحدا ولكن يقول أحسبه كذا وأظنه كذا

ويقول الله تعالى فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى‏ فلو نوى جانب الحق هذا القائل ابتداء في أي صورة شاء ربما كان ذلك القول قربة إلى الله فإن الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فإن الله مطلع على ما في نفس الإنسان ولله يوم تبلى فيه السرائر وكل ما كان قربة إلى الله شرعا فهو مما ذكر اسم الله عليه وأهل به لله وإن كان بلفظ التغزل وذكر الأماكن والبساتين والجوار وكان القصد بهذا كله ما يناسبها من الاعتبار في المعارف الإلهية والعلوم الربانية فلا بأس وإن أنكر ذلك المنكر فإن لنا أصلا نرجع إليه فيه وهو أن الله تعالى يتجلى يوم القيامة لعباده في صورة ينكر فيها حتى يتعوذوا منها فيقولون نعوذ بالله منك لست ربنا وهو يقول أنا ربكم وهو هو تعالى وهنا سر في تجليه فابحث عليه في معرفة العقائد واختلافها كذلك هذه الألفاظ وإن كان صورة المسمى فيها في الظاهر غير الله وهو خلاف ما نواه القائل فإن الله ما يعامله إلا بما نواه في ذلك وتدل عليه أحوال القائل كما قيل ينظر إلى القول وقائله يريدون وحال قاتله ما هو فإن كان وليا فهو الولاء وإن خشن وإن كان عدوا فهو البذاء وإن حسن كما نذكر نحن في أشعارنا فإنها كلها معارف إلهية في صور مختلفة من تشبيب ومديح وأسماء نساء وصفاتهن وأنهار وأماكن ونجوم وقد شرحنا من ذلك نظما لنا بمكة سميناه ترجمان الأشواق وشرحناه في كتاب سميناه الذخائر والأغلاق فإن بعض فقهاء حلب اعترض علينا في كوننا ذكرنا أن جميع ما نظمناه في هذا الترجمان إنما المراد به معارف إلهية وأمثالها فقال إنما فعل ذلك لكونه منسوبا إلى الدين فما أراد أن ينسب إليه مثل هذا الغزل والنسيب فجزاه الله خيرا لهذه المقالة فإنها حرمت دواعينا إلى هذا الشرح فانتفع به الناس فأبدينا له ولأمثاله صدق ما نويناه وما ادعيناه فلما وقف على شرحه تاب إلى الله من ذلك ورجع ولو رأينا رجلا ينظر إلى وجه امرأة وهو خاطب لها ونحن لا نعرف أنه خاطب وكنا منصفين في الأمر لم نقدم على الإنكار عليه إذا جهلنا حاله حتى نسأله ما دعاه إلى ذلك فإن قال أو قيل لنا إنه خاطب لها أو هو طبيب وبها مرض يستدعي ذلك المرض نظر الطبيب‏

إلى وجهها علمنا أنه ما نظر إلا إلى ما يجوز له النظر إليه فيه بل نظره عبادة لو ورد الأمر من الرسول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في ذلك ولا ينكر عليه ابتداء مع هذا الاحتمال فليس الإنكار عليه من المنكر بأولى من الإنكار على المنكر في ذلك مع إمكان وجود هذه الاحتمالات إذ لا تصح المنكرات إلا بما لا يتطرق إليها احتمال وهذا يغلط فيه كثير من المتدينين لا من أصحاب الدين فإن أصحاب الدين المتين أول ما يحتاط على نفسه ولا سيما في الإنكار خاصة فإن للمغير شروطا في التغيير فإن الله ندبنا إلى حسن الظن بالناس لا إلى سوء الظن بهم فلا ينكر صاحب الدين مع الظن وقد سمع إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ فلعل هذا من ذلك البعض وإثمه أن ينطق به وإن وافق العلم في نفس الأمر فإن الله يؤاخذه بكونه ظن وما علم فنطق فيه بأمر محتمل ولم يكن له ذلك وسوء الظن بنفس الإنسان أولى من سوء ظنه بالغير لأنه من نفسه على بصيرة وليس هو من غيره على بصيرة فلا يقال فيه في حق نفسه إنه سيئ الظن بنفسه لأنه عالم بنفسه وإنما قلنا فيه إنه يسي‏ء الظن بنفسه اتباعا لسوء ظنه بغيره فهو من تناسب الكلام وله وجه في الحقائق الشرعية فإنه بالنظر إلى نفسه ليس هو في فعله ما ينكره على نفسه على الحقيقة عالما بأنه في فعله ذلك على منكر يعلمه بل هو على ظن فسوء الظن بنفسه أولى وذلك‏

أن لله عبادا قد قال لهم الله افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏

فما فعلوا إلا ما أباح الشرع لهم فعله وإن لم يعلموا أنهم ممن خوطبوا بذلك وهو في الحديث الصحيح فما فعل إلا ما هو مباح عند الله وهو لا علم له بذلك فهو عند الله بهذه المثابة فلهذا قلنا سوء الظن بنفسه إذ لم يكن فيها على بصيرة على الحقيقة مع هذا الاحتمال من جانب الحق وقد جعل الله لمن هذه صفته علامة يعرف بها نفسه أنه من أولئك القوم ولا يشك بالعلم الشرعي الصحيح أن حرمة نفس الإنسان عليه عند الله أعظم من حرمة غيره بما لا يتقارب وإنه من قتل نفسه أعظم في الجرم ممن قتل غيره وأن صدقته على نفسه أعظم في الأجر من صدقته على غيره فالعالم الصالح من استبرأ لدينه في كل أحواله في حق نفسه وفي حق غيره وإلى الآن ما رأيت أحدا من أهل الانتماء إلى الدين وإلى العلم على هذا القدم فالحمد لله الذي وفقنا لاستعماله وحال بيننا وبين إهماله ولو لا ما في ذكر هذا من المنفعة لعباد الله والنصيحة لهم ما بسطنا القول فيه هذا البسط وإن كان الفصل يقتضيه فإنه فصل المواعظة والله يقول لنبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيما أنزله عليه ادْعُ إِلى‏ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ مثل هذه التي ذكرناها فإنها وصية منها إلى عباد الله جمعت بين الحكمة لأنا أنزلناها منزلتها وبين الحكم والحكيم من ينزل الأمر منزلته ولا يتعدى به مرتبته وأما الموعظة الحسنة فهي الموعظة التي تكون عند المذكر بها عن شهود فإن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فكيف بمن حقق أنه يراه فإن ذلك أعظم وأحسن وقد يكون قوله مَثْنى‏ يريد به التعاون في القيام لله تعالى في ذلك الأمر وصورة التعاون فيه إن الشرع في نفس الأمر قد أنكر هذا الفعل ممن صدر عنه عليه فينبغي للعالم المؤمن أن يقوم مع المشرع في ذلك فيعينه فيكون اثنان هو والشرع وفُرادى‏ أن يكون هذا المنكر لا يعلم أنه معين للشرع في إنكاره ووعظه فيقول قد انفردت بهذا الأمر وما هو إلا معين للشرع وللملك الذي يقول بلمته للفاعل لا تفعل إذ يقول له الشيطان بلمته افعل فيكون مع الملك مثنى فإن الملك مكلف بأن ينهى العبد الذي قد ألزمه الله به أن ينهاه فيما كلفه الله به أن ينهاه عنه فيساعده الإنسان على ذلك فيكون ممن قام لله في ذلك مثنى وقد يكون معينا للشارع وهو الرسول عليه السلام فهو الذي أنكر أولا هذا الفعل على فاعله وتقدم في الوعظ في ذلك فيكون هذا الإنسان الواعظ مع وعظ الرسول المتقدم مثنى كما

سأل بعض الناس رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن يجعله رفيقه في الجنة فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أعني على نفسك بكثرة السجود

فطلب منه العون فقد قاما في ذلك مثنى هو ورسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال تعالى وتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتَّقْوى‏ وقال اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ فشرك نفسه مع عبده في الفعل وما لا يفعله الله إلا بالأدلة فهو من هذا الباب ولا يعلم ذلك إلا العالم بأسرار الله وما هي الحقائق عليه فلا تغفل عن هذا النفس وكن المعين لمن ذكرت لك تحمد عاقبتك ويحصل لك سهم في الإعانة مع المعين يقول العبد وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فيقول الحق هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فتبين قوله تعالى هذه بيني وبين عبدي فهي لله وله في حكم الإعانة إذا أراد الله وجود الصلاة فلا بد من استعداد المحل الذي به ظهور الصلاة فافهم‏

«فصل» في قوله تعالى وذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله‏

وأما تذكيره بأيام الله فهي أيام الأنفاس على الحقيقة فإنها أقل ما ينطلق عليه اسم يوم فهو أن تذكره بقوله كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ فتلك أيام الله وأنت في غفلة عنها وتدخل في مضمون قوله تعالى إِنَّ في ذلِكَ إشارة إلى قوله كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ مع غير ذلك لعبرة لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أي لمن له فطنة بالتقلب في الأحوال أو تقلب الأحوال عليه فيعلم من ذلك شئون الحق وحقائق الأيام التي الحق فيها في شأن فالشأن واحد العين والقوابل مختلفة كثيرة يتنوع فيها هذا الشأن بتنوعها واختلافها فهو من الله واحدة وفي صور العالم كثيرة كالصورة الواحدة في المرايا الكثيرة والظلالات الكثيرة من الشخص الواحد للسرج المتعددة هكذا الأمر أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ لما يتلى عليه من قوله كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ وأمثاله وهُوَ شَهِيدٌ من نفسه تقلب أحواله فيكون على بصيرة في ذلك من الله فهذه أيام الله التي ينبغي أن يذكر العبد بها إلى أمثال ذلك من أيام الله وهي أيام النعم وأيام الانتقام التي أخذ الله فيها المقرون الماضية واعلم أن البلايا أكثر من النعم في الدنيا فإنه ما من نعمة ينعمها الله على عباده تكون خالصة من البلاء فإن الله يطالبه بالقيام بحقها من الشكر عليها وإضافتها إلى من يستحقها بالإيجاد وأن يصرفها في الموطن الذي أمره الحق أن يصرفها فيه فمن كان شهوده في النعم هذا الشهود متى يتفرغ للالتذاذ بها وكذلك في الرزايا هي في نفسها مصائب وبلايا ويتضمنها من التكليف ما يتضمنه النعم من طلب الصبر عليها ورجوعه إلى الحق في رفعها عنه وتلقيها بالرضى أو الصبر الذي هو حبس النفس عن الشكوى بالله إلى غير الله وهذا غاية الجهل بالله لأنك تشكو بالقوي إلى الضعيف لما تجد في حال الشكوى من الراحة مع كونك تشتكي إلى غير مشتكى لأنك تعلم أنه ما بيده شي‏ء ولا يقدر على رفع ما نزل بك إلا من أنزله وقد علمت أن الدار دار بلاء لا يخلص فيها النعيم عن البلاء وقتا واحدا وأقله طلب الشكر من المنعم بها عليها وأي تكليف أشق منه على النفس ولذلك قال تعالى وقَلِيلٌ من عِبادِيَ الشَّكُورُ لجهلهم بالنعم إنها نعم يجب الشكر عليها يؤيد ما قلناه قوله تعالى إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ في حق راكب البحر إذا اشتد الريح عليه وبرد فيما فيها من النعمة يطلب منه الشكر عليها وبما فيها من الشدة والخوف يطلب منه الصبر فافهم وتدبر كلام الله تغنم وما أنزله الله إلا تذكرة للبيب كما قال لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ولِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ ولا تكن ممن ليس له منه نصيب إلا البلاغ‏

«فصل» في اليوم العقيم‏

والعقيم ما يوجب أن لا يولد منه فلا تكون له ولادة على مثله وسمي عقيما لأنه لا يوم بعده أصلا وهو من يوم الأسبوع يوم السبت وهو يوم الأبد فنهاره نور لأهل الجنة دائم لا يزال أبدا وليلة ظلمة على أهل النار لا يزال أبدا ولهذا يموتون أهل الكبائر فيها الذين يخرجون منها بعد العقوبة إلى الجنة إذ لا خلود في النار إلا لأهلها الذين هم أهلها

يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم فأماتهم الله فيها إماتة

الحديث وهو صحيح فينامون فيها نومة حتى لا يحسوا بالنار إذا مستهم عند ما تتسلط على آلات المعاصي بالأكل وهي الجوارح والايمان يمنع من تخلصها إلى القلب فهذه عناية التوحيد الذي كان في قلوبهم فعلم التوحيد يميتهم في النار موتة النائم في حال نومه والايمان على باب النار ينتظرهم حتى إذا بعثهم الله من تلك النومة وهم قد صاروا فحما أخرجهم سبحانه فغمسهم في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة تكون في حميل السيل ثم يدخلون الجنة فلا يبقى في النار من علم إن الله إله واحد في الدنيا جملة واحدة ولأهل الجنة في الجنة مقادير يعرفون بها انتهاء مدة طلوع الشمس إلى غروبها في الدنيا وإن لم يكن في الجنة شمس فالحركة التي كانت تسير بالشمس فيظهر من أجلها طلوعها وغروبها موجودة في الفلك الأطلس الذي على الجنة وهو سقفها والحركة بعينها فيه موجودة ولأهل الجنة كشف ورؤية إلى المقادير التي فيه المعبر عنها بالبروج فإن ذلك الفلك هو السماء الذي أقسم الله به في قوله والسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ فيعلمون بها حد ما كان عليهم في الدنيا مما يسمى بكرة وعشيا وكان لهم في هذا الزمان في الدنيا حالة تسمى الغداء والعشاء فيتذكرونها هنالك فيأتيهم الله عند ذلك برزق يرزقهم فيها كما قال لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وعَشِيًّا وهو رزق خاص في وقت خاص معلوم عندهم وما عدا ذلك فأكلها دائم لا ينقطع والدوام في الأكل إنما هو عين النعيم بما يكون‏

به الغذاء للجسم ولكن لا يشعر به كثير من الناس إلا العلماء بعلم الطبيعة وذلك أعني صورة قوله أُكُلُها دائِمٌ إن الإنسان إذا أكل الطعام حتى يشبع فذلك ليس بغذاء ولا بأكل على الحقيقة وإنما هو كالجاني الجامع مع المال في خزانته والمعدة خزانة لما جمعه هذا الآكل من الأطعمة والأشربة فإذا جعل فيها أعني في خزانة معدته وما اختزنه فيها ورفع يده حينئذ تتولاها الطبيعة بالتدبير وينتقل ذلك الطعام من حال إلى حال ويغذيه بها في كل نفس يخرج عنه دائما فهو لا يزال في غذاء دائم ولو لا ذلك لبطلت الحكمة في ترتيب نشأة كل متغذ والله حكيم فإذا خلت الخزانة حرك الطبع الجابي إلى تحصيل ما يملؤها به فلا يزال الأمر هكذا دائما أبدا فهكذا صورة الغذاء في المتغذي فالتغذي في كل نفس دنيا وآخرة وكذلك أهل النار وقد وصفهم الله بالأكل والشرب فيها على هذا الحد إلا أنها دار بلاء فيأكلون عن جوع ويشربون عن عطش وأهل الجنة يأكلون ويشربون عن شهوة لالتذاذ لا عن جوع فإنهم ما يتناولون الشي‏ء المسمى غذاء إلا عن علم بأن الزمان الذي كان الاختزان فيه قد فرغ ما كان مختزنا فيه فيسارع إلى الطبيعة بما تدبره فلا يزال في لذة ونعيم لا يحوج الطبيعة إلى طلب وحاجة للكشف الذي هم عليه كما إن أهل النار في الحجاب فلا يعلمون هذا القدر فيجوعون ويظمئون لأن المقصود منهم أن يتألموا فتبين لك أنه لا لذة إلا العلم ولا ألم إلا الجهل والشمس مكورة قد نزع نورها في أعينهم طالعة على أهل النار وغاربة كما تطلع على أهل الدنيا في حال كسوفها وكذلك القمر يسبحان وجميع الدراري على صورة سباحتهم الآن في أفلاكهم لكنها مطموسة في أعينهم فعلى ما هو الأمر في نفسه هم الذين طمس الله أعينهم إذ شاء عن إدراك الأنوار التي في المنبرات فالحجاب على أعينهم كما نعلم أن الشمس هنا في حال كسوفها ما زال نورها منها وإنما القمر حجبها عنا ولو لم يكن كذلك ما عرف أهل التعاليم متى يكون الكسوف وكم يذهب منها في الكسوف عن أعيننا ويقع ذلك على ما ذكروه فلو كان من الأمور التي لا تجري على مقادير موضوعة وموازين محكمة قد أعلمها الله من وفقه لطلب مثل هذا العلم ما علمه وهذا لا يقدح في قولنا إن الشمس قد كسفت أو قد زال نورها عن إدراك أعيننا فإن هذا القدر وهذه الصورة ما ثم من يمنعنا أن نصطلح على أن نطلق عليها اسم كسوف وخسوف وتكوير وطمس فيشهد أهل النار أجرام السيارة طالعة عليهم وغاربة ولا يشهدون لها نورا لما في الدخان من التطفيف فكما كانوا في الدنيا عمياء عن إدراك أنوار ما جاءت به الشرائع من الحق كذلك هم في النار عمي عن إدراك أنوار هذه السيارة وغيرها من الكواكب ومن كانَ في هذِهِ أَعْمى‏ فَهُوَ في الْآخِرَةِ أَعْمى‏ وأَضَلُّ سَبِيلًا وإنما كان أضل سبيلا فإنه في الدنيا يجد من يرشده إلى الطريق ولكن لا يسمع وفي النار ما يجد من يرشده إلى الطريق فإنه ما ثم طريق لكن يجد من يندمه على ما فاته ليزيده حسرة إلى حسرته وعذابا إلى عذابه فليل أهل النار لا صباح له ونهار أهل الجنة لا مساء له أي لا ليل فيه فمن وعظ الناس في عقده طلبا منه بذلك أن ينفع الناس في عقده فما عرف الله بخلاف المذكر فإنه يذكر ويعظ بما عنده ويعلم أن من السامعين من يكون له ذلك الوعظ شفاء ودواء ومن الناس من يزيده مرضا إلى مرضه كما قال تعالى وإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ وهي واحدة فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ بورود العافية عليهم وأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ والسورة واحدة والمزاج مختلف فلا يعرف حقيقة هذه الآية إلا الأطباء الذين يعلمون أن العقار الفلاني فيه شفاء لمزاج خاص من مرض خاص وهو داء وعلة لمزاج خاص وزيادة مرض في مرض خاص فالطبيب أحق الناس علما بهذه الآية وكذلك طبيب القلوب فيما يؤمنها ويخيفها فالحكيم هو الذي يأتي إلى العليل من ما منه ويظهر له بصورة من يعتقد فيه ليستدرجه إلى صورة الحق بالحق الذي يليق به ولكن وقع‏

الأمر الإلهي في العالم بخلاف هذا لأن مشيئة الله تعلقت بأن الله لا يجمعهم على الهدى وأما الطريق في ذلك فمعلوم عند الله وعند أهله لا يشكون فيه فإن الذي يعتقد في مخلوق ما من حجر أو نبات أو حيوان أو كوكب إنه إلهه وهو يعبده ويخاطبه ذلك الإله المشهود له على الكشف بما هو الحق عليه يرجع إلى قوله لاعتقاده فيه كما يرجع إلى قوله في الآخرة ويتبرأ منه كما تبرأ إلهه منه والله قادر على أن ينطقه في الدنيا بذلك في حق من يعبده لكن العلم السابق والمشيئة الإلهية منعا من ذلك ليكون الخلاف في العالم فجرى الأمر على ذلك في الدنيا وبعض‏



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!