Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

Parcourir les Titres Section I: les Connaissances (Maarif) Section II: les Interactions (Muamalat) Section IV: les Demeures (Manazil)
Présentations Section V: les Controverses (Munazalat) Section III: les États (Ahwal) Section VI : les Stations (Maqamat du Pôle)
Première Partie Deuxième Partie Troisième Partie Quatrième Partie

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل الخواتم وعدد الأعراس الإلهية والأسرار الأعجمية موسوى لزومية

إلا حمل هذا الاسم على هذا المشهود فقد كان موصوفا بعلم الاسم وموصوفا بعلم المشهود من حيث ما هو مشهود له وما استفاد إلا كون هذا المشهود مسمى ذلك الاسم المعلوم وفيه علم انقياد الخلق للحق وأنه نتيجة عن انقياد الحق للخلق لطلب الممكن الواجب فانقاد له الواجب فيما طلبه فأوجده ولم يكن شيئا وفيه علم سبب الاختلاف الواقع في العالم مع العلم بما يوجب رفع الاختلاف فما الذي حكم على العلم مع قوة سلطانه وفيه علم الاغترار وما سببه الذي أظهره وفيه علم ما هو العمل والكسب والفرق بين الكسب والاكتساب لأن الله ميز الكسب من الاكتساب باللام وبعلي فقال لَها ما كَسَبَتْ وعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ وفيه علم الاختيار الإلهي وفيه علم متى يستند إلى الضد فيكون الضد رحمة لضده مع أنه عدو له بالطبع وفيه علم التحجير عن الخوض في الله وفيه علم الإحاطة بالأعمال إحاطة مشاهدة لا إحاطة تلبس وفي أي خزانة ادخرت إلى وقت شهودها وما حكمها بعد شهودها في نفسها وفيما يعود منها على العامل لها وفيه علم ما الحضرة التي تقلب الحقائق ولا تقلب نفسها وهي من جملة الحقائق وفيه علم المناسبات وفيه علم ما يرجع إليه في الحكم مما لا يتصف بالقول ومع ذلك فله الفصل في بعض القضايا وهو الاقتراع وأمثاله وفيه علم الغاية التي تطلبها الرسل من الله في هذه الدار وفيه علم النيابة الإلهية في التكوين وفيه علم غريب متعلق بالمحبة وهو الزهد في المحبوب من أجل المحبوب مع اتصافه بالحب في المزهود فيه وبقاء ذلك الوصف عليه وفيه علم الاعتصام وفيه علم البياض والسواد ولبعض أهل الطريق تأليف فيه سماه البياض والسواد وفيه علم فضل الأمم بعضهم على بعض وفضل هذه الأمة المحمدية على سائر الأمم وهل من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من كان قبل بعثته فرآه في كشفه وآمن به واتبعه في قدر ما كشف له منه وهل يحشر من هذه صفته في أمته أو يحشر أمة وحده أو كان صاحب هذا الكشف متبعا لشرع نبي خاص كعيسى أو موسى أو من كان من الرسل عليه السلام فرأى مشاهدة أن الشرع الذي جاء به ذلك النبي الخاص الذي هذا متبعة إنه نائب فيه عن محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وأن ذلك شرعه فاتبعه على أنه شرع محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وأن ذلك الرسول مبلغ عنه ما ظهر به من الشرع فهل يحشر مثل هذا في أمة محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أو يكون من أمة ذلك النبي ثم إنه إذا اتفق أن يحشر في أمة ذلك الرسول ثم دخل الجنة ونال منزلته هل ينالها في منازل هذه الأمة المحمدية أو لا ينزل منها إلا في منازل أتباع ذلك الرسول وأمته أو له في منازل ذلك الرسول مع أمته منازل من حيث ما هو متبع وله منازل مع الأمة المحمدية من حيثما اتبعه بما أعطاه الكشف الذي ذكرناه آنفا وفيه علم الصحبة ومن يصحبك بالصفة ومن يصحبك بالوجه ومن يصحبك بالوجه ومن يصحبك لك ومن يصحبك لنفسه ومن يصحبك لله ومن أولى بالصحبة ومن يصحب الله ومن له مقام أن يصحب ولا يصحب أحدا والفرق بين الصحبة والمصاحبة وفيه علم المقامات والأحوال وفيه علم نعم وبئس وفيه علم الجزاء في الدنيا وفيه علم اتصاف العالم بالاستفادة فيما هو به عالم وفيه علم أصناف المقربين ودرجاتهم في القربة من كل أمة وفيه علم من يريد الله ومن يريد غير الله وما متعلق الإرادة وهل يصدق من يقول إنه يريد الله أو لا يصدق وفيه علم الالتباس في الموت ومن اتصف بالضدين وفيه علم الاستدراج وفيه علم ما يقبله الحق من النعوت ولا ينبغي أن تنسب إليه لكونها في العرف والشرع صفة نقص في الجناب الإلهي وهي شرف ورفعة في المحدث وفيه علم فنون من العلوم والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الثاني والثمانون وثلاثمائة» في معرفة منزل الخواتم وعدد الأعراس الإلهية والأسرار الأعجمية

موسوية لزومية

علم البرازخ علم ليس يدركه *** إلا الذي جمع الأطراف والوسطا

له النفوذ به في كل نازلة *** كونية فبه في العالمين سطا

فإن أراد بشخص نقمة قبضا *** وإن أراد بشخص نعمة بسطا

إن أقسط الخلق في ميزان رحمته *** في العالمين تراه فيه قد قسطا

[إن الوجود في الصور دائرة انعطف أبدها على أزلها]

اعلم أنه لما كانت الخواتم أعيان السوابق علمنا إن الوجود في الصور دائرة انعطف أبدها على أزلها فلم يعقل إله إلا وعقل المألوه ولا عقل رب إلا وعقل المربوب ولكل معقول رتبة ليست عين الأخرى كما نعلم أن بين الخاتمة والسابقة

تميزا معقولا به يقال عن الواحدة سابقة وعن الأخرى خاتمة وإنما قلنا إن الخاتمة عين السابقة إنما ذلك في الحكم على المحكوم عليه وبالمحكوم عليه تبينت الخاتمة من السابقة

[الأعراس على قسمين‏]

واعلم أن الأعراس على قسمين عرس لعقد وعرس لعقد ودخول وعرس بدخول ولا عقد والعقد عبارة عما يقع عليه رضي الزوجين والدخول وطء لوجود لذة أو لإيجاد عين ودخول بلا عقد عرس الإماء ولما لم يكن في الأنكحة أفضل من نكاح الهبة لأنه لا عن عوض كالاسم الواهب الذي يعطي لينعم اختص به لفظه أفضل الخلق وهو محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال تعالى وامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ من دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وكل نكاح خارج عما ذكرناه فهو سفاح لا نكاح أي هو بمنزلة الشي‏ء السائل الذي لا ثبات له لأنه لا عقد فيه ولا رباط ولا وثاق ثم نرجع ونقول فأما الخواتم فتعينها الآجال ولو لا ذلك ما كان لشي‏ء خاتمة لأن الخاتمة انتهاء في الموصوف بها ولكل خاتمة سابقة ولا ينعكس فمن نظر إلى دوام تنزيل الأمر الإلهي واسترساله قال ما ثم خاتمة ومن نظر إلى الفصل بين الأشياء في التنزل قال بالخواتم في الأشياء لكون الفصول تبينها مثال ذلك ولكن كل هذا في عالم الانقسام والتركيب فإذا نظرت في القرآن مثلا بين الكلمتين والآيتين والسورتين فتقول عند وجود الفصل المميز بين الأمرين فإن وقع بين كلمتين فخاتمة الأولى حرف معين وإن كان آيتان فخاتمة الأولى كلمة معينة وإن كان سورتان فخاتمة الأولى آية معينة وإن كان أمر حادث قيل أجله كذا في الدنيا لأن كل ما في الدنيا يَجْرِي إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى فتنتهي فيه المدة بالأجل فخاتمة ذلك الشي‏ء ما ينتهي إليه حكمه فانتهاء الأنفاس في الحيوان آخر نفس يكون منه عند انتقاله إلى البرزخ ثم تنتهي المدة في البرزخ إلى الفصل بينه وبين البعث ثم تنتهي المدة في القيامة إلى الفصل بينها وبين دخول الدارين ثم تنتهي المدة في النار في حق من هو فيها من أهل الجنة إلى الفصل الذي بين الإقامة فيها والخروج منها بالشفاعة والمنة ثم تنتهي المدة في عذاب أهل النار الذين لا يخرجون منها إلى الفصل بين حال العذاب وبين حصول حكم الرحمة التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فهم يتنعمون في النار باختلاف أمزجتهم كما قد ذكرناه ثم لا يبقى بعد ذلك أجل ظاهر بالمدة ولكن آجال خفية دقيقة وذلك أن المحدث الدائم العين من شأنه تقلب الأحوال عليه ليلزمه الافتقار إلى دوام الوجود له دائما فلا تفارق أحواله الآجال فلا يزال في أحواله بين سابقة وخاتمة وأما الايمان فسابقته لا إله إلا الله وخاتمته إماطة الأذى عن الطريق فعبر الشارع عن السابقة بالأعلى وعن الخاتمة بالأدون فلا أعلى في الايمان من التوحيد ولا أدنى فيه من إماطة الأذى عن الطريق ومن ذلك طريق التوحيد فإن الأذى الذي في طريقه الشرك الجلي والخفي فالخفي الأسباب وهي بين خفي وأخفى فالأخفى الأسباب الباطنة والخفي الأسباب الظاهرة والجلي نسبة الألوهة إلى المحدثات فيميط الموحد هذه كلها عن قلبه وقلب غيره فإنها أذى في طريق التوحيد وكل أذى في طريق من طرق الايمان بحسب الصفة التي تسمى إيمانا فما يضادها يسمى أذى في طريقها فالذي يزال به الأذى من تلك الصفة المعينة هو خاتمة تلك الصفة كان ما كان ولا خاتمة لحكم الله في عباده بالجملة والإطلاق ولا سابقة فإن العدم الذي للممكن المتقدم على وجوده لم يزل مرجحا له بفرض الوجود الإمكانى له فلا سابقة له وهو علم دقيق خفي تصوره سهل ممتنع لأنه سريع التفلت من الذهن عند التصور فليس الحدوث للممكن إلا من حيث وجوده خاصة عند جميع الأنظار وعندنا ليس كذلك وإنما الحدوث عندنا في حقه كون عدمه ووجوده لم يزل مرجحا على كل حال لأنه ممكن لذاته وإن كان بعض النظار قد قال حدوثه ليس سوى إمكانه ولكن ما بين هذا البيان الذي بينته في ذلك يتطرق الاحتمال إلى كلام هذا الحاكم فإنه يحتمل أن يكون عند من أسماء الترادف فيكون كونه يسمى حادثا كونه يسمى ممكنا ويحتمل أن يريد ما أردناه من كون العدم الذي يحكم عليه به أنه لذاته هو عندنا مرجح لم يزل فإن توسعنا في العبارة مع النظار لم نقل إن عدم الممكن لنفسه لأنه لو كان العدم له صفة نفس لاستحال وجوده كما يستحيل وجود المحال ولكن كما نقول تقدم العدم له على الوجود لذاته لا العلم وبينهما فرقان عظيم ولكن ليس مذهبنا فيه إلا إن عدمه لم يزل مرجحا فوجود الممكن له سابقة لكونه لم يكن ثم كان ولكن من حيث عينه إذا كان قائما بنفسه لا من حيث صورته فلا خاتمة له في عينه وله الخواتم في صورته بالأمثال والأضداد فكل حادث سوى الأعيان القائمة بأنفسها فله سابقة وخاتمة لكن‏

سابقته عين خاتمته لأنه ليس له في كونه غير زمان كونه خاصة ثم ينعدم لنفسه وإنما تتميز السابقة فيه من الخاتمة بالحكم فتحكم عليه بالوجود في السابقة وبالعدم في الخاتمة وفي عين سابقته عين خاتمته لأنه ليس له وجود في الزمان الثاني من زمان وجوده فافهم‏

[خاتمة السالكين‏]

واعلم أن السالك إذا وصل إلى الباب الذي يصل إليه كل سالك بالاكتساب فأخر قدم في

السلوك هو خاتمة السالكين ثم يفتح الباب وتخرج العطايا والمواهب الإلهية بحكم العناية والاختصاص لا بحكم الاكتساب وهذا الباب الإلهي قبول كله لا رد فيه البتة بخلاف أبواب المحدثات وفيه أقول‏

كل باب إذا وصلت إليه *** أمكن الرد والقبول جميعا

غير باب الإله فهو قبول *** للذي جاءه سميعا مطيعا

والذي رد إذ تخيل فيه *** أنه الباب خر ثم صريعا

فيناديه ربه ليس بابي *** إن بابي لمن يريد خشوعا

لو تفطنت حين جئت إليه *** كنت عاينت فيك أمرا بديعا

أنت ما أنت لست أنت سوانا *** فاسكب إن شئت للفراق دموعا

ولما وصلت في جماعة الواصلين من أهل زماني إلى هذا الباب الإلهي وجدته مفتوحا ما عليه حاجب ولا بواب فوقفت عنده إلى أن خلع على خلعة الوراثة النبوية ورأيت خوخة مغلقة فأردت قرعها فقيل لي لا تقرع فإنها لا تفتح فقلت فلأي شي‏ء وضعت قيل لي هذه الخوخة التي اختص بها الأنبياء والرسل عليه السلام ولما كمل الدين أغلقت ومن هذا الباب كانت تخلع على الأنبياء خلع الشرائع ثم إني التفت في الباب فرأيته جسما شفافا يكشف ما وراءه فرأيت ذلك الكشف عين الفهم الذي للورثة في الشرائع وما يؤدي إليه اجتهاد المجتهدين في الأحكام فلازمت تلك الخوخة والنظر فيما وراء ذلك الباب فجليت لي من خلفه صور المعلومات على ما هي عليه فذلك عين الفتح الذي يجده العلماء في بواطنهم ولا يعلمون من أين حصل لهم إلا إن كوشفوا على ما كشف لنا فالنبوة العامة لا تشريع معها النبوة الخاصة التي بابها تلك الخوخة هي نبوة الشرائع فبابها مغلق والعلم بما فيها محقق فلا رسول ولا نبي فشكرت الله على ما منح من المتن في السر والعلن فلما اطلعت من الباب الأول الذي يصل إليه السالكون الذي منه تخرج الخلع إليهم رأيت منه شكر الشاكرين كالصور التي تجلت لنا خلف الخوخة والظاهر من الشكر كالخوخة فلم أر شاكرا إلا لواحد من خلف الكلمات الظاهرة فلم أجد في تلك الحالة مساعد إلى على الشكر فقلت أخاطب ربي تعالى عز وجل‏

إذا رمت شكرا لم أجد لك شاكرا *** وإن أنا لم أشكر أكون كفورا

سترت عقول الخلق بالسبب الذي *** وضعت فلم آنس عليك غيورا

وقد بلغت عنك التراجم غيرة *** أمرت بها عبدا بتلك خبيرا

لذلك لم تشهد ولم تك ظاهرا *** ولو كنت مشهودا لكنت غفورا

وقد قلت بالتلبيس في الملك الذي *** بعثت شخيصا للأنام بصيرا

وكيف لنا بالعلم والأمر لم يزل *** على حالة الإمكان منك ظهيرا

فكان محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عين سابقة النبوة البشرية

بقوله معرفا إيانا كنت نبيا وآدم بين الماء والطين‏

وهو عين خاتم النبيين بقوله تعالى ولكِنْ رَسُولَ الله وخاتَمَ النَّبِيِّينَ لما ادعى فيه أنه أبو زيد نفى الله تعالى عنه أن يكون أبا لأحد من رجالنا لرفع المناسبة وتمييز المرتبة أ لا تراه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما عاش له ولد ذكر من ظهره تشرع تفأله لكونه سبق في علم الله أنه خاتم النبيين وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن الرسالة يعني البعثة إلى الناس بالتشريع لهم والنبوة قد انقطعت‏

أي ما بقي من يشرع له من عند الله حكم يكون عليه ليس هو شرعنا الذي جئنا به فلا رسول بعدي يأتي بشرع يخالف شرعي إلى الناس ولا نبي يكون على شرع ينفرد به من عند ربه يكون عليه فصرح أنه خاتم نبوة التشريع ولو أراد غير ما ذكرناه لكان معارضا

لقوله إن عيسى عليه السلام ينزل فينا حكما مقسطا يؤمنا بنا

أي بالشرع الذي نحن عليه‏

ولا نشك فيه أنه رسول ونبي فعلمنا أنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أراد أنه لا شرع بعده ينسخ شرعه ودخل بهذا القول كل إنسان في العالم من زمان بعثته إلى يوم القيامة في أمته فالخضر والياس وعيسى من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم الظاهرة ومن آدم إلى زمان بعثة رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من أمته الباطنة فهو النبي بالسابقة وهو النبي بالخاتمة فظهر في رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن السابقة عين الخاتمة في النبوة وأما خاتمية عيسى عليه السلام فله ختام دورة الملك فهو آخر رسول ظهر وظهر بصورة آدم في نشئه حيث لم يكن عن أب بشري ولم يشبه الأبناء أعني ذرية آدم في النش‏ء فإنه لم يلبث في البطن اللبث المعتاد فإنه لم ينتقل في أطوار النشأة الطبيعية بمرور الأزمان المعتادة بل كان انتقاله يشبه البعث أعني إحياء الموتى يوم القيامة في الزمان القليل على صورة من جاءوا عليها في الزمان الكثير فإنه داخل تحت عموم قوله كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ في التناسل والتنقل في الأطوار ثم إن عيسى إذا نزل إلى الأرض في آخر الزمان أعطاه ختم الولاية الكبرى من آدم إلى آخر نبي تشريفا لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حيث لم يختم الله الولاية العامة في كل أمة إلا برسول تابع إياه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وحينئذ فله ختم دورة الملك وختم الولاية أعني الولاية العامة فهو من الخواتم في العالم وأما خاتم الولاية المحمدية وهو الختم الخاص لولاية أمة محمد الظاهرة فيدخل في حكم ختميته عيسى عليه السلام وغيره كإلياس والخضر وكل ولي لله تعالى من ظاهر الأمة فعيسى عليه السلام وإن كان ختما فهو مختوم تحت ختم هذا الخاتم المحمدي وعلمت حديث هذا الخاتم المحمدي بفأس من بلاد المغرب سنة أربع وتسعين وخمسمائة عرفني به الحق وأعطاني علامته ولا أسميه ومنزلته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم شعرة واحدة من جسده صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولهذا يشعر به إجمالا ولا يعلم به تفصيلا إلا من أعلمه الله به أو من صدقه إن عرفه بنفسه في دعواه ذلك فلذلك عرف بأنه شعرة من الشعور ومثال الشعور أن ترى بابا مغلقا على ميت أو صندوقا مغلقا فتحس فيه بحركة توذن أن في ذلك البيت حيوانا ولكن لا يعلم أي نوع هو من أنواع الحيوان أو يشعر أنه إنسان ولا يعرف له عينا فيفصله من غيره كما نعلم بثقل الصندوق أنه يحتوي على شي‏ء أثقله لا يعلم ما هو عين ذلك الشي‏ء المختزن في ذلك الصندوق فمثل هذا يسمى شعورا لهذا الخفاء وأما ختم الأسماء الإلهية فهو عين سابقتها وهو الهو وهو مثل قوله هُوَ الله الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فبدأ بهو وأتى بالاسم الله المحيط بجميع الأسماء التي تأتي مفصلة ثم بالنفي فنفى إن يكون هذه المرتبة لغيره ثم أوجبها لنفسه بقوله إِلَّا هُوَ فبدأ بهو وختم بهو فكل ما جاء من تفصيل أعيان الأسماء الإلهية فقد دخل تحت الاسم الله أتى بعد قوله هو فإن كلمة هو أعم من كلمة الله فإنها تدل على الله وعلى كل غائب وكل من له هوية وما ثم إلا من له هوية سواء كان المعلوم أو المذكور موجود أو معدوما وأما الخواتم التي على القلوب فهي خواتم الغيرة الإلهية فما ختم بها إلا الاسم الغيور وهوقوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الله إنه أغير مني ومن غيرته حرم الفواحش وجعل الفواحش ظاهرة وباطنة

فقال تعالى لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وما بَطَنَ فختم على كل قلب إن تدخله ربوبية الحق فتكون نعتا له فما من أحد يجد في قلبه أنه رب إله بل يعلم كل أحد من نفسه أنه فقير محتاج ذليل قال تعالى كَذلِكَ يَطْبَعُ الله عَلى‏ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ فلا يدخله كبرياء إلهي أصلا فجعل البواطن كلها في كل فرد فرد مختوما عليه إن لا يدخلها تأله ولم يعصم الألسنة إن تتلفظ بالدعوى بالألوهة ولا عصم النفوس أن تعتقد الألوهة في غيرها بل هي معصومة أن تعتقدها في نفسها لا في أمثالها لأنه ما كل أحد عالم بالأمور على ما هي عليه ولا يعلم كل أحد أن الأمثال كلها حكمها في الماهية واحد فهذه الخواتم قد انحصرت في تفصيل ما ذكرناه من أنواعها وأما الأعراس الإلهية على تفصيل ما ذكرناه في أول الباب فهي مشتقة من التعريس وهو نزول المسافر في منزلة معلومة في سفره والأسفار معنوية وحسية فالسفر المحسوس معلوم والسفر المعنوي ما يظهر للقلب من المعاني دائما أبدا على التالي والتتابع فإذا مرت بهذا القلب عرست به فكان منزلا لتعريسها وإنما عرست به لتفيده حقيقة ما جاءت به وإنما نسبت إلى الله لأن الله هو الذي أسفرها وأظهرها لهذا القلب وجعله منزلا لها تعرس فيه وهي الشئون التي قال الحق عن نفسه إنه فيها جل جلاله في كل يوم فالعالم في سفر على الدوام دنيا وآخرة لأن الحق في شئون الخلق على الدوام دنيا وآخرة والقلوب محل‏

لتعريس هذه المعاني التي يسفرها الحق لقلوب عباده فتعرس فيها ليطلعه الله على ما أراد أن يعلمه ذلك القلب فما من نفس إلا وللقلب خاطر إلهي قد نزل به على أي طريق سلك لكن بعض القلوب تعرف من عرس بها من الخواطر وقد لا تعرف من أي طريق جاء لأنها ما شعرت به حتى نزل ذلك الخاطر بالقلب وبعض الناس لهم استشراف على أفواه السكك التي تأتي عليها هذه الخواطر التي تنزل بهذا القلب وتعرف كل طريق وتميزه عن صاحبه فإذا أقبل الخاطر عرف من أي طريق أقبل فإذا نزل به يقابله من الكرامة به على قدر ما يعرفه فإنه لكل طريق حكم ليس للطريق الآخر وهذا كله أعني الذي ذكرناه من المراعاة إنما ذلك في زمان التكليف فإنه الذي وضع الطريق وأوجب الأحكام فإذا ارتفع التكليف في النشأة الآخرة توحدت الطريق فلم يكون غير طريق واحدة فلا يحتاج في النازل عليه من الله المعرس بقلبه إلى تمييز أصلا فإنه ماثم عمن يتميز لأحدية الطريق فلا يكون العرس بالعقد وبما فصلناه في ذلك في أول الباب إلا في زمان التكليف وهو زمان الحياة الدنيا في أول وجوب التكليف فاعلم ذلك فإذا كان الحق منزل تعريسنا وهو ما ذكر عن نفسه إن العبد يتحرك بحركة يضحك بها ربه ويتعجب منها ربه ويتبشبش له من أجلها ربه ويفرح بها ربه ويرضي بها ربه ويسخط بها ربه ويغضب بها ربه فلما قال هذا عن نفسه وعين هذه الحركات وأمثالها حتى عرفناها من كتابه على لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وعرفنا إن العبد عنده بحسب ما أنزل به من هذه الحركات الموجبة لهذه الأحكام التي وصف الحق بها نفسه أنه يظهر بها إذا أتى بها العبد وهذا حكم أثبته الحق ونفاه دليل العقل فعرفنا إن العقل قاصر عما ينبغي لله عز وجل وأنه لو ألزم نفسه الإنصاف للزم حكم الايمان والتلقي وجعل النظر والاستدلال في الموضع الذي جعله الله ولا يعدل به عن طريقه الذي جعله الله له وهو الطريق الموصل إلى كونه إلها واحدا لا شريك له في ألوهيته ولا يتعرض لها لما هو عليه في نفسه وأما استدلاله القاصر الذي يريد أن يحكم به على ربه بقوله إنه ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث بتقسيمه في ذلك فإذا سلمناه لم يقدح فيما نريده فإنا نقول له من قال لك إن الحق بهذه المثابة وهو قولك كل ما لا يخلو عن الحوادث في نفسه فمن قال لك إن هذه في الموجودات منحصرة إنما ذلك حكم فيما لا يخلو عن الحوادث لا فيمن

يخلو عن الحوادث وأما تقسيمك الآخر على هذا الجواب وهو قولك إنه إذا خلا عنها ثم قبلها فلا يخلو إما أن يقبلها لنفسه أو لأمر آخر ما هو نفسه فإن قبلها لنفسه فلا يخلو عنها وإذا لم يخل عنها فهو حادث مثلها ونقول له أما الحوادث كلها فيستحيل دخولها في الوجود لأنها لا تتناهى وأنت تعلم أن الذي يقبل الحوادث قد كان خليا عنها أي عن حادث معين مع وجود نفسه ثم قبل ذلك الحادث لنفسه لأنه لو لا ما هو على صفة يقبله ما قبله فقد عرا وخلا عن ذلك الحادث بعينه مع وجود نفسه فما من حادث تفرضه إلا ويعقل وجود نفس القابل له وذلك الحادث غير موجود وإن لم يخل عن الحوادث فلا يلزم أن يكون حادثا مثلها مع قبوله لها لنفسه فالحق قد أخبر عن نفسه أنه يجيب عبده إذا سأله ويرضى عنه إذا أرضاه ويفرح بتوبة عبده إذا تاب فانظر يا عقل لمن تنازع ومن المحال أن نصدقك ونكذب ربك ونأخذ عنك الحكم عليه وأنت عبد مثلي ونترك الأخذ عن الله وهو أعلم بنفسه فهو الذي نعت نفسه بهذا كله ونعلم حقيقة هذا كله بحده وماهيته ولكن نجهل النسبة إلى الله في ذلك لجهلنا بذاته وقد منعنا وحذرنا وحجر علينا التفكر في ذاته وأنت يا عقل بنظرك تريد أن تعلم حقيقة ذات خالقك لا تسبح في غير ميدانك ولا تتعد في نظرك معرفة المرتبة لا تتعرض للذات جملة واحدة فإن الله قد أبان لنا أنه محل أو منزل لتعريس حركات عباده في أسفارهم بأحوالهم فتفطن إن كنت ذا عقل سليم ثم إنه ما يلزم إذا كان الأمر عندك قد حدث أن‏

يكون ذلك الأمر حادثا في نفسه لا عقلا ولا عرفا ولا شرعا فإنك تقول قد حدث عندنا اليوم ضعيف وهو صحيح حدوثه عندكم لا حدوثه في نفسه في ذلك الوقت بل قد كانت عينه موجودة منذ خمسين سنة ومع هذا فلا يحتاج إليه لبيانه وظهوره فمن أراد الدخول على الله فليترك عقله ويقدم بين يديه شرعه فإن الله لا يقبل التقييد والعقل تقييد بل له التجلي في كل صورة كما له أن يركبك في أي صورة شاء فالحمد لله الذي ركبنا في الصورة التي لم تقيده سبحانه بصورة معينة ولا حصرته فيها بل جعلت له ما هو له بتعريفه أنه له وهو تحوله في الصور فما قدر الله حق قدره إلا الله ومن وقف مع الله‏

فيما وصف به نفسه لم يدخله تحت حكم عقله من حيث نفسه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا واعلم أن مسمى النكاح قد يكون عقد الوطء وقد يكون عقدا ووطأ معا وقد يكون وطأ ويكون نفس الوطء عين العقد لأن الوطء لا يصح إلا بعقد الزوجين ومنه إلهي وروحاني وطبيعي وقد يكون مرادا للتناسل أعني للولادة وقد يكون لمجرد الالتذاذ فأما الإلهي فهو توجه الحق على الممكن في حضرة الإمكان بالإرادة الحبية ليكون معها الابتهاج فإذا توجه الحق عليه بما ذكرناه أظهر من هذا الممكن التكوين فكان الذي يولد عن هذا الاجتماع الوجود للممكن فعين الممكن هو المسمى أهلا والتوجه الإرادي الحي نكاحا والإنتاج إيجادا في عين ذلك الممكن ووجودا إن شئت والأعراس الفرح الذي يقوم بالأسماء الحسنى لما في هذا النكاح من الإيجاد الظاهر في أعيان الممكنات لظهور آثار الأسماء فيه إذ لا يصح لها أثر في نفسها ولا في مسماها وإنما أثرها وسلطانها في عين الممكن لما فيه من الافتقار والحاجة إلى ما بيد الأسماء فيظهر سلطانها فيه فلهذا نسبنا الفرح والسرور وإقامة الأعراس إليها وهذا النكاح مستمر دائم الوجود لا يصح فيه انقطاع والطلاق لهذا العقد النكاحي لا يقع في الأعيان القابلة للاعراض والصور وإنما يقع في الصور والأعراض وهو عدمها لنفسها في الزمان الثاني من زمان وجودها وهو خلع لأنه رد الوجود الذي أعطاها عليه لأنه بمنزلة الصداق لعين هذا الممكن الخاص فإن قلت فالحق لا يتصف بالوجود الحادث فمن قبل هذا المردود وأين خزانته ولا بد له من محل قلنا تجلى الحق في الصور وتحوله الذي جاء به الشرع إلينا ورأيناه كشفا عموما وخصوصا هو عين ما ردته الممكنات الصورية والعرضية من الوجود حين انعدمت فالحق له نسبتان في الوجود نسبة الوجود النفسي الواجب له ونسبة الوجود الصوري وهو الذي يتجلى فيه لخلقه إذ من المحال أن يتجلى في الوجود النفسي الواجب له لأنه لا عين لنا ندركه بها إذ نحن في حال عدمنا ووجودنا مرجحين لم يزل عنا حكم الإمكان فلا نراه إلا بنا أي من حيث تعطيه حقائقنا فلا بد أن يكون تجليه في الوجود الصوري وهو الذي يقبل التحول والتبدل فتارة يوصف به الممكن الذي يختلع به وتارة يظهر به الحق في تجليه فانظر يا ولي في هذا الموطن فإنه موطن خفي جدا ولو لا لسان الشرع الذي أومأ إليه ونبه عليه ما أفصحنا عنه لأهل طريقنا فإن الكثير من أهل طريق الله وإن شهدوا تجلى الحق لكن لا معرفة لهم بذلك ولا بما رأوه ولا صورة ما هو الأمر عليه ومن علم ما قررناه من بيان قصد الشرع فيه علم كيف صدور العالم وما هو العالم وما يبقى عينه من العالم وما يفنى منه وما يرثه الحق من العالم فإنه القائل إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ ومن عَلَيْها وإِلَيْنا يُرْجَعُونَ وما ورث على الحقيقة إلا الوجود الذي يتجلى فيه لمن ظهر من خلقه الذي اختلعت فيه صور الممكنات وأعراضها لأن الوارث لا يكون مع وجود الموروث عنه وبقائه وإنما يكون بعد انتقاله وعدمه من هذا الموطن وهو اتصافه بالعدم وليس ذلك إلا للصور والأعراض فهو وارث على الدوام والاختلاع واقع على الدوام والقبول حاصل على الدوام والنكاح لازم على الدوام وهذا معنى الديمومة المنسوبة إلى الحق فهو تعالى يعمل مع كونه لم يزل موجدا للعالم ولم يزل العالم محدثا فالعالم له حكم الحدوث في عين القدم فلا يعقل له طرف ينتهي إليه لأنه من ذاته لم يزل تحت حكم الترجيح الإلهي له إما بالعدم أو بالوجود وإذا تقرر هذا في النسبة الإلهية فلنذكر حكم النسبة الروحانية في هذه المسألة وذلك أن الوجود الذي ذكرناه في النسبة الإلهية هو الوجه الخاص الذي لكل ممكن من الله سواء كان هناك سبب وضعي أو لم يكن فالله الإيجاد على كل حال وبكل وجه علوا وسفلا وأما النكاح الروحاني فحضرته الطبيعة وهي الأهل الأصلي في النكاح الإلهي فإذا ولدت في النكاح الأول صورة من الصور كانت تلك الصورة أهلا لهذا الروح الكل فانكحه الحق إياها فبنى بها فلما واقعها ظهر عن ذلك الوقاع ولد وهو الروح الجزئي فحييت به تلك الصورة وصار هذا الولد

يقوم بها ويدبرها ويسعى عليها ويسافر ويقتحم الأخطار ليكتسب ما يجود به عليها حسا ومعنى أي من الأرزاق المحسوسة والمعنوية والعرس الذي يكون لهذا النكاح الروحاني إنما تقيمه القوي التي لا ظهور لها إلا في هذه الصورة الطبيعية بوجود هذا النكاح فيقع لها الالتذاذ والفرح بما يحصل لها من الأثر بوجود هذا البناء وأما النكاح الطبيعي فهو ما تطلبه هذه الأرواح الجزئية المدبرة لهذه الصور من اجتماع الصورتين الطبيعية بالالتحام‏

والابتناء المسمى في عالم الحس نكاحا فيتولد عن هذا النكاح أمثال الزوجين من كل حيوان ونبات فيظهر إنسان من إنسانين وفرس من فرسين وقد يقع الالتحام من غير المثلين فيتولد بينهما شكل غريب ما يشبه عين واحد من الزوجين كالبغل بين الحمار والفرس وكل مولد بين شكلين مختلفين لا يولد أبدا فإنه عقيم فهو الذي يولد ولا يلد فنكاح مثل هذا النوع ليس لولادة ولكن لمجرد الشهوة والالتذاذ فيشبه النكاح الأول هذا النكاح الذي حرج عنه غير جنس الزوجين من كونه نكاحا في غير الجنس فيتولد بينهما الشكل الغريب ما يشبه واحدا منهما أعني من الزوجين فافهم وتلقيح الشجر بالرياح اللواقح من النكاح الطبيعي وأما الريح العقيم فيشبه نكاحها نكاح الشكل الغريب الذي لا يتولد عنه شي‏ء وأعراس هذا النكاح الطبيعي ما هو المشهود في العرف المسمى عرسا في الشاهد من الولائم والضرب بالدفوف وأما ما يتولد من النكاح الطبيعي في الشجر فهو ما يعطيه من الثمر عند هذا الحمل وصورة وقع نكاح الأشجار زمان جرى الماء في العود وهو عند طلوع السعود فهو نكاح سعيد في طالع سعيد وما قبل ذلك فهو زمان خطبة ورسل تمشي بين الزوجين الرجل والمرأة ووقوع الولادة على قدر زمان حمل هذين النوعين من الشجر فمنه ما يولد في الربيع ومنه ما يولد في الصيف كما يكون حمل الحيوان يختلف زمانه باختلاف طبيعته فإنه لا يقبل من تأثير الزمان فيه إلا بقدر ما يعطيه مزاجه وطبعه فإذا نكح الجو الأرض وأنزل الماء ودبرته في رحمها آثار الأنوار الفلكية ضحكت الأرض بالأزهار وأَنْبَتَتْ من كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ وإنما كان زوجا من أجل ما يطلبه من النكاح إذ لا يكون إلا بين الزوجين فعين عرسه هو ما تبرزه من الأزهار والمخلقة في النبات هو ما سلم من الجوائح وغير المخلقة ما نزلت به الجائحة والله عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ فهذا قد ذكرنا طرفا من الخواتم والأعراس مجملا من غير تفصيل لكن حصرنا الأمهات في ذلك وأما الأسرار الأعجمية فإنما سمينها أعجمية لأن العربية من الأسرار هي التي يدركها عين الفهم صورا كالآيات المحكمات في الكتب المنزلة والأسرار الأعجمية ما تدرك بالتعريف لا بالتأويل وهي كالآيات المتشابهات في الكتب المنزلة فلا يعلم تأويلها إلا الله أو من أعلمه الله ليس للفكر في العلم بها دخول ولا له فيها قدم وما يتبع استخراج السر فيها إلا الذي ذكره الله تعالى وهو الذي في قلبه زيغ أي ميل عن الحق باتباعه ما قد ذكر الله فيه أنه لا يعلم تأويله إلا الله فمن أراد أن يعلم ذلك فلا يخض في تلك الأسرار وليتعمل في الطريق الموصلة إلى الله وهو العمل بما شرع الله له بالتقوى فإنه قال تعالى إنه ينتج لصاحبه علم الفرقان فإذا عمل به تولى الله تعليمه تلك الأسرار الأعجمية فإذا أنالها إياه صارت في حقه عربية فيعلم ما أراد الله بها ويزول عنه فيها حكم التشابه الذي كانت توصف به قبل العلم بها لأن الله جلاها متشابهة لها طرفان في الشبه فلا يدري صاحب النظر ما أراد منزلها بها في ذلك التشابه فإنه لا بد من تخليصه إلى أحد الطرفين من وجه خاص وإن جمعت بين الطرفين فلكل طرف منهما ما ليس للآخر من ذلك المخلوق أو من ذلك المنزل إن كان من صور كلام الله فالمنزل كقوله تعالى الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى‏ وكقوله وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وكقوله ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ من حَبْلِ الْوَرِيدِ وكقوله وهُوَ الله في السَّماواتِ وفي الْأَرْضِ وكقوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ الله في ظُلَلٍ من الْغَمامِ وكقوله وجاءَ رَبُّكَ والْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وأمثال هذا في الكتب المنزلة وأما أخبار الرسل المترجمين عن الحق ما أوحى به على ألسنتهم إلينا فلا تحصى كثرة من الأمور المتشابهة فلا يتبع ذلك بعد التعريف إلا من في قلبه زيغ وأما من يتبع الطرق الموصلة إلى الكشف عنها فما هو من أهل الزيغ بل هو من أهل الاستقامة فالمحمدي هو المحكم من الآيات لأنه عربي والمتشابه موسوي لأنه أعجمي فالعجمية عند أهل العجمية عربية والعربية عند الأعاجم عجمة وفي الألفاظ هي مستورة بالاصطلاح وما ثم عجمة إلا

في الاصطلاح والألفاظ والصور الظاهرة وأما في المعاني فكلها عربية لا عجمة فيها فمن ادعى‏

علم المعاني وقال بالشبه فلا علم له أصلا بما ادعاه أنه علمه من ذلك فإن المعاني كالنصوص عند أهل الألفاظ لأنها بسائط لا تركيب فيها ولو لا التركيب ما ظهر للعجمة صورة في الوجود وفي هذا المنزل من العلوم ما لا يحصى كثرة إن ذكرناها طال الأمر فيها ولهذا المنزل السيادة على كل منزل من منازل الجمع والوجود وقد ذكرنا حصر هذه المنازل في هذا الكتاب فيما تقدم‏

في هذا الباب فاعلم إن هذا المنزل هو منزل البرزخ الحقيقي فإن البرزخ يتوسع فيه الناس وما هو كما يظنون بما هو كما عرفنا الله به في كتابه في قوله في البحرين بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ فحقيقة البرزخ أن لا يكون فيه برزخ وهو الذي يلتقي ما بينهما بذاته فإن التقى الواحد منهما بوجه غير الوجه الذي يلقى به الآخر فلا بد أن يكون بين الوجهين في نفسه برزخ يفرق بين الوجهين حتى لا يلتقيان فإذا ليس ببرزخ فإذا كان عين الوجه الذي يلتقي به أحد الأمرين الذي هو بينهما عين الوجه الذي يلتقي به الآخر فذلك هو البرزخ الحقيقي فيكون بذاته عن كل ما يلتقي به فيظهر الفصل بين الأشياء والفاصل واحد العين وإذا علمت هذا علمت البرزخ ما هو ومثاله بياض كل أبيض هو في كل أبيض بذاته ما هو في أبيض ما بوجه منه ولا في أبيض آخر بوجه آخر بل هو بعينه في كل أبيض وقد تميز الأبيضان أحد هما عن الآخر وما قابلهما البياض إلا بذاته فعين البياض واحد في الأمرين والأمران ما هو كل واحد عين الآخر فهذا مثال البرزخ الحقيقي وكذلك الإنسانية في كل إنسان بذاتها الواحد هو البرزخ الحقيقي وما ينقسم لا يكون واحدا والواحد يقسم ولا يقسم أي ولا ينقسم في نفسه فإنه إن قبل القسمة في عينه فليس بواحد وإذا لم يكن واحدا لم يقابل كل شي‏ء من الأمرين الذي يكون بينهما بذاته والواحد معلوم أنه ثم واحد بلا شك والبرزخ يعلم ولا يدرك ويعقل ولا يشهد ثم إن الناس جعلوا كل شي‏ء بين شيئين برزخا توسعا وإن كان ذلك الشي‏ء المسمى عندهم برزخا جسما كبيرا أو صغيرا لكنه لما منع أن يلتقي الأمران اللذان هو بينهما سموه برزخا فالجوهران اللذان يتجاوران ولا ينقسم كل واحد منهما عقلا ولا حسا لا بد من برزخ يكون بينهما وتجاور الجوهرين تجاور أحيازهما وليس بين أحيازهما حيز ثالث ليس فيه جوهر وبين الحيزين والجوهرين برزخ معقول بلا شك هو المانع أن يكون عين كل جوهر عين الآخر وعين كل حيز عين الآخر فهو قد قابل كل جوهر وكل حيز بذاته من عرف هذا عرف حكم الشارع‏

إذ قال إن الله خلق الماء طهورا لا ينجسه شي‏ء

مع حصول النجاسة فيه بلا شك ولكن لما كانت النجاسة متميزة عن الماء بقي الماء طاهرا على أصله إلا أنه يعسر إزالة النجاسة منه فما أباح الشارع من استعمال الماء الذي فيه النجاسة استعملناه وما منع من ذلك امتنعنا منه لأمر الشرع مع عقلنا أن النجاسة في الماء وعقلنا أن الماء طهور في ذاته لا ينجسه شي‏ء فما منعنا الشارع من استعمال الماء الذي فيه النجاسة لكونه نجسا أو تنجس وإنما منعنا من استعمال الشي‏ء النجس لكوننا لا نقدر على فصل أجزائه من أجزاء الماء الطاهر فبين النجاسة والماء برزخ مانع لا يلتقيان لأجله ولو التقيا لتنجس الماء فاعلم ذلك أ لا ترى الصور التي في سوق الجنة كلها برازخ تأتي أهل الجنة إلى هذا السوق من أجل هذه الصور وهي التي تتقلب فيها أعيان أهل الجنة فإذا دخلوا هذا السوق فمن اشتهى صورة دخل فيها وانصرف بها إلى أهله كما ينصرف بالحاجة يشتريها من السوق فقد يرى جماعة صورة واحدة من صور ذلك السوق فيشتهيها كل واحد من تلك الجماعة فعين شهوته فيها التبس بها ودخل فيها وحازها فيحوزها كل واحد من تلك الجماعة ومن لا يشتهيها بعينه واقف ينظر إلى كل واحد من تلك الجماعة قد دخل في تلك الصورة وانصرف بها إلى أهله والصورة كما هي في السوق ما خرجت منه فلا يعلم حقيقة هذا الأمر الذي نص عليه الشرع ووجب به الايمان إلا من علم نشأة الآخرة وحقيقة البرزخ وتجلى الحق في صور متعددة يتحول فيهن من صورة إلى صورة والعين واحدة فيشهد بصرا تحوله في صور ويعلم عقلا أنها ما تحولت قط فكل قوة أدركت بحسب ما أعطتها ذاتها والحق في نفسه صدق العقل في حكمه وصدق البصر في حكمه ثم له علم بنفسه ما هو عين ما حكم به العقل عليه ولا هو عين ما حكم به شهود البصر عليه ولا هو غير هذين بل هو عين ما حكما به وهو ما علمه الحق من نفسه مما لم يعلمه هذان الحاكمان فسبحان العليم القدير قدر وقضى وحكم وأمضى وقَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ في كل معبود وأين أبين من تحوله في صور المعبودات ولكن أكثر الناس لا يعلمون ثم شرع لنا أن لا نعبده في شي‏ء منها وإن علمنا أنه عينها وعصى من عبده في تلك الصور وجعله مشركا وحرم على نفسه المغفرة فوجبت المؤاخذة في المشرك ولا بد ثم بعد ذلك ترتفع المؤاخذة وما ارتفعت إلا لجهله بصورة ما عنده في الشريك بنفي تلك الصفة في الآخرة عن الشريك فلذلك عوقب ولذلك شملته الرحمة بعد العقوبة وإن‏



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!