Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

Parcourir les Titres Section I: les Connaissances (Maarif) Section II: les Interactions (Muamalat) Section IV: les Demeures (Manazil)
Présentations Section V: les Controverses (Munazalat) Section III: les États (Ahwal) Section VI : les Stations (Maqamat du Pôle)
Première Partie Deuxième Partie Troisième Partie Quatrième Partie

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل الأخوة وهو من الحضرة المحمدية والموسوية

قررناه فمن أخذ الأخلاق كما تقرر أخذها فهو المتمم لمكارم الأخلاق والمنعوت بها وذلك لا يكون إلا بالتكرم على الله فإنا قد علمنا أنه من المحال أن يعم الإنسان بخلقه ويبلغ به رضي جميع العالم لما هو العالم عليه في نفسه من المخالفة والمعاداة فإذا أرضى زيدا أسخط عدوه عمرا فلم يعم بخلقه جميع العالم فلما رأى استحالة ذلك التعميم عدل إلى تصريف خلقه مع الله فنظر إلى كل ما يرضى الله فقام فيه وإلى كل ما يسخطه فاجتنبه ولم يبال ما وافق ذلك من العالم مما يخالفه فإذا أقيم في هذا النظر في حال التلاوة علم إن القرآن الكريم نزل عليه فأعطاه صورته وصفته فإن الله ما نظر من هذا العلم إلا للإنسان لا إلى الحيوان الذي هو في صورة الإنسان فَأَكْرَمَهُ ونَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ فإذا تصرف هذا التالي في العالم تصرف الحق من رحمته وبسط رزقه وكنفه على العدو والولي والبغيض والحبيب بما يعم مما لا يقدح ويخص جناب الحق بطاعته وإن أسخط العدو كما خص الحق بتوفيقه بعض عباده ولم يعم كما عم في الرزق فمن هذه صفته في حال تلاوته فإنه يتلو القرآن الكريم الذي في الكتاب المكنون وهو قلب هذا التالي تَنْزِيلٌ من رَبِّ الْعالَمِينَ وما قال رب المؤمنين لعموم الكرم في الرزق والحياة الدنيا فاعلم يا ولي ما تتلو وبمن تتلو ومن يسمعك إذا تلوت وبمن تسمع إذا كان الحق يتلو عليك وهذا القدر كاف في التنبيه على شرف هذا المنزل فلنذكر ما يحوي عليه من العلوم فمن ذلك علم منازل القرآن وعلم الأوتاد الأربعة الذين قيل إن الشافعي واحد منهم وعلم تعجب الحق وكل ما يتعجب منه فهو خلقه وعلم ما يؤخذ منك وما يبقى عليك ومن يأخذه منك وهل يأخذه عن عطاء منك أو يأخذه الآخذ جبرا وعلم بعض مراتب الكتب الإلهية التي عنده ولم تنزل إلينا وعلم السبب الذي حال بيننا وبين أن يكون لنا من الله ما كان للرسل منه وهوقوله عليه السلام في الحديث الصحيح في الكشف فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لو لا تزييد في حديثكم وتمريج في قلوبكم لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع‏

فهذا قد أبان عن الطريق الموصلة إلى المقام الذي منه رأى ما رأى وسمع ما سمع فهل يوجد من يزول عنه هذا المانع فيصل إلى هذا المقام أم لا فنحن نقول بأنه يزول فإن الله قد أمر أن يبين للناس ما نزل إليهم وما أبان عن مانع عن رقى إلى مرتبة عليا إلا ليزال ولا ذكر منزلة زلفى إلا لتنال فمن جد وجد ومن قصر فلا يلومن إلا نفسه وعلم الاعتبار وعلم مقام الصلاح الذي يطلبه الأنبياء عليه السلام أن يكون لهم وعلم ما تنتجه الأعمال البدنية من المعارف الإلهية من طريق الكشف وعلم نزول العلم وحكمه في قلوب العلماء وما فيه من زيادة الفضل على من ليس له هذا المقام وعلم تجديد المعدوم وعلم إحصاء الأنفاس بالتمحيص لهذا الإنسان دون غيره وعلم تقاسيم السكر في المشروب وعلم ما هو الصور الذي ينفخ فيه فيكون عن النفخ ما يكون من صعق وبعث بسرعة وعلم التوكيل الإلهي على العبيد إلى أن يبلغ مداه ويزول وعلم العلم الذي ينزل منزلة العين في الطمأنينة الذي‏

قال فيه علي رضي الله عنه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا

وعلم التمييز بين الفرق وعلم محل الخصام من الدار الأخرى وعلم السوابق وحكمها وعلم النقص في العالم أنه من كمال العالم وعلم مال السعداء وطبقاتهم في السعادة وعلم استخراج الكنوز وعلم أحكام أصناف الموصوفين بالوجود وعلم الذكر المؤقت وغير المؤقت وما فائدة التوقيت في ذلك وعلم ما يهون وروده على من ورد عليه مما لا يهون وعلم مراتب العالم فانظر يا ولي أي علم تريده فتعمل في تحصيله من الطريق التي توصلك إليه أو التحلي بالصفة التي تنزله عليك فإنك بين أعمال بدنية وهي محجة السلوك بالأعمال وبين أخلاق روحانية وصفات معنوية إذا كنت عليها نزلت إليك المراتب وتجلت لك من ذاتها وطلبتك لنفسها وإذا كنت صاحب محجة وصلت إلى غايتها بالطلب وفرقان بين الطالب والمطلوب والمراد والمريد والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الخامس والثلاثون وثلاثمائة في معرفة منزل الأخوة وهو من الحضرة المحمدية والموسوية»

بين العماء والاستوا *** حارت عقول أولي النهى‏

وكذاك عند نزوله *** من مستواه إلى السما

ووجوده في أرضه *** وبقلبنا وبأينما

هذي المعالم كلها *** تعطي التحير والعما

هي ستة مثل الجهات *** لنا فصور تناسوا

فالله جل بذاته *** عن نعت عل وعن عسى‏

[المقام الجامع للأسماء الإلهية]

قال الله تعالى وتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتَّقْوى‏ وجاء في الخبر أن المؤمن مرآة أخيه والمؤمن اسم من أسماء الله وقد خلق آدم‏

على صورته وله التخلق بالمؤمن‏

وآخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بين أصحابه بدار الخيزران وأخذ بيد علي وقال هذا أخي‏

وقال الله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فجعل أباهم الايمان فهم إخوة لأب واحد وقال موسى لربه حين بعثه إلى فرعون رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ويَسِّرْ لِي أَمْرِي واحْلُلْ عُقْدَةً من لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي واجْعَلْ لِي وَزِيراً من أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ به أَزْرِي وأَشْرِكْهُ في أَمْرِي فأتاه الله سؤله فاعلم يا ولي أن المقام الجامع للأسماء الإلهية التي لها التأثير في الممكنات أخ صحيح الأخوة شقيق للمقام الجامع لاستعدادات القوابل الممكنات وهما إخوان لأب واحد يشد كل واحد منهما آزر صاحبه ولكن الأسماء هي الطالبة للاستعدادات أن يشد الله بها أزرها فافهم فإن هذا من علم الأسرار التي مقامها بين الستر والكشف وهو من أصعب العلوم في التصور حيث لا يصح نفوذ الاقتدار إلا باتفاق في الأخوين لا بأحدهما وبهما ظهرت أعيان الممكنات وحصلت في الوجود معرفة الكائنات بالله ووصل بوجود هذه المعرفة المحدثة الحق سبحانه إلى عين مطلوبه فإنه ما أوجد العالم إلا ليعرفه العالم والعالم محدث ولا يقوم به إلا محدث فقامت به المعرفة بالله إما بتعريف الله وإما بالقوة التي خلق فيه التي بها يصل إلى معرفة الله من وجه خاص لا غير فمن نزهة بهذه القوة فقد عرفه وكفر من شبهه ومن شبهه بهذه القوة فقد عرفه وجهل من نزهة بل كفره ومن عرفه بالتعريف الإلهي جمع بين التنزيه والتشبيه فنزهه في موطن التنزيه وشبهه في موطن التشبيه وكل صنف من هذه الأصناف صاحب معرفة بالله فما جهله أحد من خلق الله لأنه ما خلقهم إلا ليعرفوه فإذا لم يتعرف إليهم بهذه القوة الموصلة التي هي الفكر أو بالتعريف الإنبائي لم يعرفوه فلم يقع منه في العالم ما خلق العالم له ولنا في هذا المقام الذي عم المعتقدات نظم وهو هذا

عقد الخلائق في الإله عقائدا *** وأنا شهدت جميع ما اعتقدوه‏

لما بدا صور الهم متحولا *** قالوا بما شهدوا وما جحدوه‏

ذاك الذي أجنى عليهم خلفهم *** بجميع ما قالوه واعتقدوه‏

إن أفردوه عن الشريك فقد نحوا *** في ملكه ربا كما شهدوه‏

قد أعذر الشرع الموحد وحده *** والمشركون شقوا وإن عبدوه‏

وكذاك أهل الشك أخسر منهم *** والجاحدون وجود من وجدوه‏

والقائلون بنفيه أيضا شقوا *** مثل الثلاثة حين لم يجدوه‏

أجنى عليهم من تأله حين ما *** أهل السعادة بالهدى عبدوه‏

لو وافق الأقوام إذ أغواهم *** وتنزهوا عن غيه طردوه‏

فالعارف الكامل يعرفه في كل صورة يتجلى بها وفي كل صورة ينزل فيها وغير العارف لا يعرفه إلا في صورة معتقده وينكره إذا تجلى له في غيرها كما لم يزل يربط نفسه على اعتقاده فيه وينكر اعتقاد غيره وهذا من أشكل الأمور في العلم الإلهي اختلاف الصور لما ذا يرجع هل إليه في نفسه وهو الذي وقع به الإنباء الإلهي وأحاله الدليل العقلي الذي أعطته القوة المفكرة فإذا كان الأمر على ما أعطاه الإنباء الإلهي فما رأى أحد إلا الله فهو المرئي عينه في الصور المختلفة وهو عين كل صورة وإن رجع اختلاف الصور لاختلاف المعتقدات وكانت تلك الصور مثل المعتقدات لا عين المطلوب فما رأى أحد إلا اعتقاده سواء عرفه في كل صورة فإنه اعتقد فيه قبول التجلي والظهور للمتجلي له في كل صورة أو عرفه في صورة مقيدة ليس غيرها فمثل هذا العلم لا يعلم إلا بأخبار إلهي وقرينة حال فأما الإخبار الإلهي‏

فقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إنه الذي يتحول في الصور

في الحديث الصحيح وقرينة الحال كونه ما خلق الخلق إلا ليعرفوه فلا بد أن يعرفوه إما كشفا أو عقلا أو تقليدا لصاحب كشف أو عقل والرؤية تابعة للمعرفة فكما تعلقت به المعرفة فكان معروفا تعلقت به الرؤية فكان مرئيا فإن قال منكر الأمرين الذي لا يقول بالوصول إلى معرفته ولا إلى رؤيته وإنما العلم به معرفة الناظر في ذلك بأنه يعجز عن معرفته فيعلم عند ذلك أن من هو بهذه المثابة هو الله فقد حصل العلم به إجمالا في عين الجهل به والعجز وهو قول بعضهم العجز عن درك الإدراك إدراك فهذا القدر هو المسمى معرفة بالله وصاحب‏

هذا القول إن جوزي بقوله فإنه لا يرى الله أبدا كما لا يعلمه أبدا وإن لم يجازه الله بقوله وبدا له من الله ما لم يكن يحتسب وعلم منه في ثاني حال خلاف ما كان يعلمه فإنه يراه ويعلم أنه هو والصحيح أنه يعلم ويرى فإن الله تعالى خلق المعرفة المحدثة به لكمال مرتبة العرفان ومرتبة الوجود ولا يكمل ذلك إلا بتعلق العلم المحدث بالله على صورة ما تعلق به العلم القديم وما تعلق القديم بالعجز عن العلم به كذلك العلم المحدث به ما تعلق إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه والذي هو عليه في نفسه إنه عين كل صورة فهو كل صورة فما وقع العجز من هذا العبد إلا في كونه قصره على صورة واحدة وهي صورة معتقده وهو عين صورة معتقده فما عجز إلا عن الحكم عليه بما ينبغي له ولا يتصف بالعجز عن العلم به إلا من أخذ العلم من دليل عقله وأما من أخذ العلم به من الله لا من دليله ونظره فهذا لا يعجز عن حصول العلم بالله فإنه ما حاول أمرا يعجز عنه فيعترف بالعجز عنه وليس هذا الذي يطلبه بنظره في دليل عقله وعلمه من طريق التعريف والتجلي الذي هو علم موهوب من حكيم حميد فالقائل سبحان من لا يعرف إلا بالعجز عن المعرفة به صاحب علم نظر لا صاحب تعريف إلهي وأما العجز عن إحصاء الثناء عليه فهذا قول كامل محقق فإنه لا يكون العجز عن إحصاء الثناء عليه إلا بعد العلم بالمثنى عليه ما هو فيعلم أنه أعظم من أن يحيط به ثناء ويبلغ فيه وصف منتهاه كما قيل في بعض المخلوقات‏

إذا نحن أثنينا عليك بصالح *** فأنت الذي نثني وفوق الذي نثني‏

هذا قول في مخلوق وهو قول محقق فكيف الثناء على الله سبحانه وإنما حققنا قول هذا الشاعر في هذا المخلوق مع ما يتخيل العقل بنظره إن الإحاطة بالثناء على المخلوق ممكنة وليس الأمر في نفسه كذلك وإنما هذا الشاعر قال حقا إما مصادفة إما عن تحقق له وذلك

في قوله فأنت الذي نثني وهو ما هو عليه ذلك الممدوح في الوقت وفوق الذي نثني فإنه محل قابل لما يخلق الله فيه من النعوت التي يخلق فيه فيثني عليه بها وهذا النعوت فيه لا نهاية لها أي لما يكون عنها مما يوجب الثناء بها على الممدوح وإذا كان هذا الثناء على الحق تعالى فلها البقاء في الوجود لذاتها لا تقبل العدم والثناء منا عليه دائم بتجدد لأنه في كل نفس فينا يتجدد علينا علم بالله فنثني عليه به أو علم بأمر ما لم يكن عندنا فنثني عليه به ونحن ما ننشد هذا البيت كما قاله صاحبه وإنما ننشده على ما قلناه وأعطانا ذلك العلم به فنقول‏

إذا نحن أثنينا عليك بصالح *** فأنت الذي تثني ولسنا الذي نثني‏

وهذا فوق ما قاله الشاعر من وجه ومساو له من وجه سواء قال ذلك عن علم محقق أو مصادفة وهو لا يعلم فنطقه الله تعالى بالحق من حيث لا يشعر كما أنه يستدرج العبد من حيث لا يعلم ويمكر به من حيث لا يشعر والحق معلوم معروف في نفسه والعالم به عاجز عن إحصاء الثناء عليه كما ينبغي له فإنه ليس في الوسع حصول ذلك ولا يعطيه استعداد ممكن أصلا فهذا ما أعطاه مؤاخاة الاستعدادات والأسماء الإلهية وهذه أعلى أخوة يوصل إليها ثم ينزل إلى أخوة دونها وهي قوله إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ‏

[إن المؤمن من أسمائه الحسنى‏]

ومن أسمائه المؤمن وقد وقع النزاع بينهم بما أخبر به عن نفسه أنه كذا فنازعه المؤمن من المخلوقين الذي اجتمع معه في الايمان فكانت له إخوة معه بهذا الايمان بنظره في دليله العقلي أنه على خلاف ما أخبر به عن نفسه مع كونه مصدقا له لكنه تأول عليه فلما ظهرت هذه المنازعة بين المؤمن الحق والمؤمن الخلق قال الله لعلماء الكشف أصلحوا بين أخويكم فدخل المؤمنون العالمون المكاشفون بينهما بالصلح وذلك أن يكون المؤمن الحق مع هذا المؤمن أخيه حتى يبلغه قوته لأنه مخلوق على كل حال وما أعطيته الكشف الكامل ولا ظهرت إليه به فليكن معه بحيث يعطيه منزلته فيقول المؤمن الحق للمبلغ عنه قل لهذا المنازع إني أنا الله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ ولا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وإني منزه عن وصف الواصفين فجاء الرسول بالتوقيع الإلهي إلى هذا المؤمن المنازع بقوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وبقوله سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وأشباه هذا النوع من التنزيه الذي يعطيه دليل العقل النظري فإذا سمع هذا منه طاب قلبه وجنح إليه وزال نزاعه وجاء العلماء إلى المؤمن الخلق في المصالحة من هذا الجانب وقالوا له أنت تعلم أن المؤمن الحق اعلم بنفسه منك به لا بل اعلم بك من علمك بنفسك وإنك إنما تحكم عليه بما هو خلق له مثلك وهو عقلك وفكرك ودليلك فلا فرق بينك وبين كل مخلوق في العجز عما لا يعجز عنه المؤمن الحق فقف معه في موضع التسليم فإنه وإن كان مؤمنا وأنت مؤمن فأنت على مرتبتك التي تليق بك وهو على مرتبته التي تليق به وأنت تعلم أنك لست مثله وإن جمعكما الايمان فليس نسبته إليه مثل‏

نسبته إليك فإنك لست مثله فلا تغرنك هذه المماثلة واعرف قدرك فإذا سمع مثل هذا طلب الصلح والإقالة مما وقع منه من النزاع وامتن المؤمن الحق عليه بما وقع له في المنشور من التنزيه الذي وقع النزاع من أجله فأصلح المؤمنون العالمون بين المؤمن الحق وبين هذا المؤمن الخلق فهكذا فليكن الفهم عن الله فيما أوحى به إلى عباده على ألسنة رسله وأنزله في كتبه ثم في أخوة الايمان درجة أخرى من درجات الكشف وهي قوله بعد أن تسمى لنا بالمؤمن وإنما المؤمنون إخوة لأبوة الايمان‏

قال المؤمن مرآة أخيه‏

وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏ هذا القائل فأثبت الأخوة بين المؤمنين وجعل كل واحد من المؤمنين مرآة لأخيه فيراه ويرى فيه نفسه من كونه على أي صورة كان كل مؤمن منهما بهذه المثابة فيكون المؤمن الحق مرآة للمؤمن الخلق فيراه ويعلم أنه يراه كما يعلم صاحب المرآة أن له مرآة ثم ينظر فيها فلا يرى إلا صورته وصورة ما أثرت المرآة فيه ولهذا جعل له عينين ليرى بالعين الواحدة صورته وبالعين الأخرى ما حكمت به المرآة في صورته إذ لم يكن في نفسه على ما حكمت به المرآة عليه في الصورة المحسوسة من الكبر والصغر والطول والعرض والاستقامة والانتكاس على حسب شكل المرآة ولا يرى هذا الأثر كله هذا الناظر إلا في صورته فيعلم إن له فيه حكما ذاتيا لا يمكن أن يرى نفسه في هذه المرآة إلا بحسب ذلك فإذا كان المؤمن الخلق هو عين المرآة للمؤمن الحق فيراه الحق وهو في نفسه على استعداد خاص فلا يبدو من الحق له إلا على قدر استعداده فلا يرى الحق من نفسه في هذه المرآة الخاصة إلا قدر ذلك فآثرت هذه المرآة في إدراك الرائي القصور على ما رأى بحكم الاستعداد فأشبهه من هذا الوجه فعبر عن هذا المقام بالإخوة إذ لو لا المناسبة بين الأمرين لم يكن كل واحد من الأمرين مرآة لأخيه وما نصب الله هذا المثال وخلق لنا هذه المرائي إلا ليعطينا النظر فيها إصلاح ما وقع في صورتنا من خلل وما يتعلق بها من أذى لتزيله على بصيرة فهي تجل لإزالة العيوب فيدلك هذا أن الرائي في المرآة يحصل له علم لم يكن يراه قبل ذلك ففي المؤمن المخلوق يقرب ذلك ويصح وفي المؤمن الحق يعسر مثل هذا فهو قوله تعالى في المؤمن الحق ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ كذلك إذا رأى الحق نفسه في مرآة المؤمن المخلوق رأى أنه بحكم استعدادها لا يرى غير ذلك فيها فيزيل عنه هذا الحكم بنظره في مراء متعددة فيختلف الحكم في الصورة الواحدة باختلاف الاستعدادات وهو عينه لا غيره فيعلم عند ذلك أن حكم الاستعداد أعطى ما أعطى وأنه على ما هو عليه في نفسه فزال ما تعلق به من أذى التقيد كما أزال الابتلاء أذى التردد وطلب إقامة الحجة ليكون هو الغالب فقال حتى نعلم فجعل الابتلاء سبب حصول هذا العلم وما هو سبب حصول العلم وإنما هو سبب إقامة الحجة حتى لا يكون للمحجوج حجة يدفع بها وأما مماثلة الصورة في الخلق فهي للنيابة والخلافة ما هي للاخوة فإنه من حيث صورة العالم من العالم كما هو الروح من الجسد من صورة الإنسان وهو من حيث صورة الحق ما يظهر به في العالم من أحكام الأسماء الإلهية التي لها التعلق بالعالم فليست الصورة بإخوة كما يراه بعضهم ولهذا لم نذكر الأخوة إلا في أمر خاص وهو المؤمن إلا إن الصورة تشد آزر إخوة الايمان بالسببية فإن الأسباب لو لا ما لها أثر في المسبب ما أوجدها الله ولو لم يكن حكمها في المسببات ذاتيا لم تكن أسبابا ولم يصدق كونها أسبابا ويعلم ذلك فيمن لا يقبل الوجود إلا في محل وما ثم محل ويريد الموجد إيجاده فلا بد أن يوجد المحل لوجود هذا المراد وجوده فيكون وجود المحل سببا في وجود هذا المراد الذي تعلقت الإرادة به وبإيجاده فعلمت إن للأسباب أحكاما في المسببات فهي كالآلة للصانع فتضاف الصنعة والمصنوع للصانع لا للآلة وسببه أنه لا علم للآلة بما في نفس الصانع أن يصنع بها على التعيين بل لها العلم بأنها آلة لا صنع الذي تعطيه حقيقتها ولا عمل للصانع إلا بها فصنع الآلة ذاتي وما لجانب الصانع بها إرادي وهو قوله إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ وكن آلة للإيجاد فما أوجد إلا بها وكون تلك الكلمة ذاته أو أمرا زائدا علم آخر إنما المراد هو فهم هذا المعنى وإنه ما حصل الإيجاد بمجرد الإرادة دون القول ودون المريد والقائل فظهر حكم الأسباب في المسببات فلا يزيل حكمها إلا جاهل بوضعها وما تعطيه أعيانها أَلا لَهُ الْخَلْقُ والْأَمْرُ تَبارَكَ الله رَبُّ الْعالَمِينَ ولهذا قال موسى وأَشْرِكْهُ في أَمْرِي وقال اشْدُدْ به أَزْرِي وهُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فعلم ما قال وعلمنا نحن من هذا القول ما أشار إليه به ليفهم عنه صاحب عين الفهم فهذا معنى التعاون وهو في قوله اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ والله في عون العبد ما دام العبد في عون‏



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!