Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

Parcourir les Titres Section I: les Connaissances (Maarif) Section II: les Interactions (Muamalat) Section IV: les Demeures (Manazil)
Présentations Section V: les Controverses (Munazalat) Section III: les États (Ahwal) Section VI : les Stations (Maqamat du Pôle)
Première Partie Deuxième Partie Troisième Partie Quatrième Partie

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل من باع الحق بالخلق وهو من الحضرة المحمدية

ولا موجودا وإن كان معدوما فما حضرته إن كانت الإمكان فلا فرق بينه وبين هذه العين التي خلع عليها الوجود فإن الوجود من حيث ما هو معدوم في هذه الحضرة محتاج إلى وجود وهذا يتسلسل ويؤدي إلى محال وهو أن لا توجد هذه العين وقد وجدت وما خرجت هذه العين عن حضرة الإمكان فكيف الأمر

[إن الوجود كالصورة التي في المرآة]

فاعلم إن الوجود لهذه العين كالصورة التي في المرآة ما هي عين الرائي ولا غير عين الرائي ولكن المحل المرئي فيه به وبالناظر المنجلي فيه ظهرت هذه الصورة فهي مرآة من حيث ذاتها والناظر ناظر من حيث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها كالمرآة إذا كانت تؤخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه وعلى صورته من وجه فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها ورأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه علمنا إن الناظر في ذاته ما أثرت فيه ذات المرآة ولما لم يتأثر ولم تكن تلك الصورة هي عين المرآة ولا عين الناظر وإنما ظهرت من حكم التجلي للمرآة علمنا الفرق بين الناظر وبين المرآة وبين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها ولهذا إذا رؤي الناظر يبعد عن المرآة يرى تلك الصورة تبعد في باطن المرآة وإذا قرب قربت وإذا كانت في سطحها على الاعتدال ورفع الناظر يده اليمنى رفعت الصورة اليد اليسرى تعرفه أني وإن كنت من تجليك وعلى صورتك فما أنت أنا ولا أنا أنت فإن عقلت ما نبهناك عليه فقد علمت من أين اتصف العبد بالوجود ومن هو الموجود ومن أين اتصف بالعدم ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن كلف وعلمت من أنت ومن ربك وأين منزلتك وأنك المفتقر إليه سبحانه وهو الغني عنك بذاته قال بعض الرجال ما في الجبة إلا الله وأراد هذا المقام يريد أنه ما في الوجود إلا الله كما لو قلت ما في المرآة إلا من تجلى لها لصدقت مع علمك أنه ما في المرآة شي‏ء أصلا ولا في الناظر من المرآة شي‏ء مع إدراك التنوع والتأثر في عين الصورة من المرآة وكون الناظر على ما هو عليه لم يتأثر فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعيان دلالة عليه أنه لا يشبهه شي‏ء ولا يشبه شيئا وليس في الوجود إلا هو ولا يستفاد الوجود إلا منه ولا يظهر لموجود عين إلا بتجليه فالمرآة حضرة الإمكان والحق الناظر فيها والصورة أنت بحسب إمكانيتك فأما ملك وإما فلك وإما إنسان وإما فرس مثل الصورة في المرآة بحسب ذات المرآة من الهيئة في الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشكالها مع كونها مرآة في كل حال كذلك الممكنات مثل الأشكال في الإمكان والتجلي الإلهي يكسب الممكنات الوجود والمرآة تكسبها الأشكال فيظهر الملك والجوهر والجسم والعرض والإمكان هو هو لا يخرج عن حقيقته وأوضح من هذا البيان في هذه المسألة لا يمكن إلا بالتصريح فقل في العالم ما تشاء وانسبه إلى من تشاء بعد وقوفك على هذه الحقيقة كشفا وعلما فإن وقفت عن إطلاق أمر تعطيك الحقيقة إطلاقه فما تتوقف إلا شرعا أدبا مع الله الذي له التحجير عليك فاعتمد على الأدب الإلهي وتقرب إلى الله بما أمرك أن تتقرب إليه به حتى يكشف لك عنك فتعرف نفسك فتعرف ربك وتعرف من أنت ومن هو والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ وفي هذا المنزل علم الوجهين وعلم الحضرة التي يكون فيها عين الصدق من عين الكذب وعلم ما يستتر به العبد مما يكون فيه شقاؤه وعلم اختلاف الأحوال وعلم الختم وعلم العدد وخواصه وعلم التشبيه وعلم الإنسان من حيث طبيعته لا غير وعلم السوابق واللواحق وعلم الأرزاق والخزائن وعلم الحجب المانعة وعلم التمليك وعلم الجود المتوجه وعلم اتفاق الوكيل من مال موكله وتصرفه فيه تصرف المالك مع كون المال ليس له وعلم التمني وعلم القضاء والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وأقول سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك‏

«الباب الثاني والعشرون وثلاثمائة في معرفة منزل من باع الحق بالخلق وهو من الحضرة المحمدية»

جمع الأنام على إمام واحد *** عين الدليل على الإله الواحد

فإذا ادعى غير الإله مقامه *** ذاك الدليل على الخيال الفاسد

هيهات أين الواحد العلم الذي *** لا يقبل النسب التي في الشاهد

لا يقبل العقل الصحيح من الذي *** تعطي الشريعة من وجود الزائد

إلا الذي للفكر فيه مداخل *** والواقفي مماثل للجاحد

لا تعبد الأقوام غير عقولهم *** والناس بين مسلم ومعاند

قال الله عز وجل وإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ وقال تعالى لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا وقال سبحانه إِنِّي جاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما

وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم الخلفاء من قريش‏

والتقرش التقبض والاجتماع ولما كانت هذه القبيلة جمعت قبائل سميت قريشا أي مجموع قبائل ومنها حيوان بحري يقال له القرش رأيته وهو متقبض مجتمع وكذلك الإمام إن لم يكن متصفا بأخلاق من استخلفه جامعا لها مما يحتاج إليه من استخلف عليهم وإلا فلا تصح خلافته فهو الواحد المجموع فأحديته أحدية الجمع وله من الأيام يوم الجمعة وهو الاجتماع في المصر على إمام واحد وله من الأحوال الصلاة لأنه لا يقيمها إلا إمام واحد في الجماعة ويكون أقرأهم أي أكثرهم جمعا للقرآن وله من مراتب العلوم علوم الأنوار وإن لم يعط علوم الأسرار فلا يبالي صاحب هذا المقام فإن الصلاة نور والنور يهتدى به ولا بد للإمام من نور يكشف به ويمشي به في العالم الذي ولاة الله عليهم وقد توفرت همم العالم في كل قرية أو بلدة أو جماعة أن يكون لهم رأس يرجعون إليه ويكونون تحت أمره وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إذا بعث سرية ولو كانت السرية رجلين أمر أحدهما

وهو مقام شريف له علم خاص من كان فيه ذلك العلم ينبغي أن يكون إماما أ لا ترى‏

لما طعنت الصحابة في إمارة أسامة بن زيد لما قدمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم على الجيش فبرز خارج المدينة وأمره أن يطأ بجيشه ذلك أرض الروم وفي جملة الجيش أبو بكر وعمر فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم للطاعنين في إمارته طال والله ما طعنتم في إمارة أبيه قبل ذلك أما والله إنه لخليق بها أو جدير بها

وقد طعنت الملائكة في خلافة آدم عليه السلام فأجابهم الله على ذلك كما أجاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في حق أسامة تخلقا بأخلاق الله في ذلك واتخاذ الإمام واجب شرعا مع كونه موجودا في فطرة العالم أعني طلب نصب الإمام فإن قلت فما نص الشارع بالأمر على اتخاذ الإمام فمن أين يكون واجبا قلنا إن الله تعالى قد أمر بإقامة الدين بلا شك ولا سبيل إلى إقامته إلا بوجود الأمان في أنفس الناس على أنفسهم وأموالهم وأهليهم من تعدى بعضهم على بعض وذلك لا يكون أبدا ما لم يكن ثم من تخاف سطوته وترجى رحمته يرجع أمرهم إليه ويجتمعون عليه فإذا تفرغت قلوبهم من الخوف الذي كانوا يخافونه على أموالهم ونفوسهم وأهليهم تفرغوا إلى إقامة الدين الذي أوجب الله عليهم إقامته وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب فاتخاذ الإمام واجب ويجب أن يكون واحدا لئلا يختلفا فيؤدي إلى امتناع وقوع المصلحة وإلى الفساد فقد تبين لك ما المراد بتوحيد الله الذي أمرنا بالعلم به أنه توحيد الألوهية له سبحانه لا إله إلا هو قال تعالى فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الله ولم يقل‏

[إن الله لا تنقسم ذاته‏]

فاعلم أنه لا تنقسم ذاته ولا أنه ليس بمركب ولا أنه مركب من شي‏ء ولا أنه جسم ولا أنه ليس بجسم بل قال في صفته إنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ ولما لم يتعرض الحق سبحانه إلى تعريف عباده بما خاضوا فيه بعقولهم ولا أمرهم الله في كتابه بالنظر الفكري إلا ليستدلوا بذلك على أنه إله واحد أي أنها لا تدل إلا على الوحدانية في المرتبة ف لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فزادوا في النظر وخرجوا عن المقصود الذي كلفوه فأثبتوا له صفات لم يثبتها لنفسه ونفت عنه طائفة أخرى تلك الصفات ولم ينفها عن نفسه ولا نص عليها في كتابه ولا على السنة أنبيائه ثم اختلفوا في إطلاق الأسماء عليه فمنهم من أطلق عليه ما لم يطلق على نفسه وإن كان اسم تنزيه ولكنه فضول من القائل به والخائض فيه ثم أخذوا يتكلمون في ذاته وقد نهاهم الشرع عن التفكر في ذاته جل وتعالى وقد قال سبحانه ويُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ أي لا تتعرضوا للتفكر فيها فانضاف إلى فضولهم عصيان الشرع بالخوض فيما نهوا عنه فمن قائل هو جسم ومن قائل ليس بجسم ومن قائل هو جوهر ومن قائل ليس بجوهر ومن قائل هو في جهة ومن قائل ليس في جهة وما أمر الله أحدا من خلقه بالخوض في ذلك جملة واحدة لا النافي ولا المثبت ولو سألوا عن تحقيق معرفة ذات واحدة من العالم ما عرفوها ولو قيل لهذا الخائض كيف تدبير نفسك لبدنك وهل هي داخلة فيه أو خارجة عنه أو لا داخلة ولا خارجة وانظر بعقلك في ذلك وهل هذا الزائد الذي يتحرك به هذا الجسم الحيواني ويبصر ويسمع ويتخيل ويتفكر لما ذا يرجع هل‏

لواحد أو لكثيرين وهل يرجع إلى عرض أو إلى جوهر أو إلى جسم وتطلبه بالأدلة العقلية على ذلك دون الشرعية ما وجد لذلك دليلا عقليا أبدا ولا عرف بالعقل أن للأرواح بقاء ووجودا بعد الموت وكل ما اتخذوه دليلا في ذلك مدخول لا يقوم على ساق فما من مأخذ فيه إلا وهو ممكن والممكن لا يقوم دليل عقلي على وجوب وجوده ولا وجوب عدمه إذ لو كان كذلك لاستحالت حقيقة إمكانه فما لنا إلا ما نص عليه الشرع فالعاقل يشغل نفسه بالنظر في الأوجب عليه لا يتعداه فإن المدة يسيرة والأنفاس نفائس وما مضى منها لا يعود

[إن الله إله واحد لا إله إلا هو]

فاعلم إن الله إله واحد لا إله إلا هو مسمى بالأسماء التي يفهم منها ومن معانيها أنها لا تنبغي إلا له ولمن تكون له هذه المرتبة ولا تتعرض يا ولي للخوض في الماهية والكمية والكيفية فإن ذلك يخرجك عن الخوض فيما كلفته وألزم طريقة الايمان والعمل بما فرض الله عليك واذْكُرْ رَبَّكَ ... بِالْغُدُوِّ والْآصالِ بالذكر الذي شرعه لك من تهليل وتسبيح وتحميد واتق الله فإذا شاء الحق أن يعرفك بما شاءه من علمه فاحضر عقلك ولبك لقبول ما يعطيك ويهبك من العلم به فذلك هو النافع وهو النور الذي يحيي به قلبك وتمشي به في عالمك وتأمن فيه من ظلم الشبه والشكوك التي تطرأ في العلوم التي تنتجها الأفكار فإن النور هو النفور فالنور منفر الظلم في المحل الذي يظهر فيه فلو كان هذا العلم الذي أغطاه التفكر في الله نورا كما يزعم ما طرأ على المحل ظلمة شبهة ولا ظلمة تشكيك أصلا وقد طرأت والظلمة ليس من شأنها أن تنفر النور ولا لها سلطان عليه وإنما السلطان للنور المنفر الظلم فدل ذلك على إن علوم المتكلمين في ذات الله والخائضين فيه ليست أنوارا وهم يتخيلون قبل ورود الشبهة أنهم في نور وعلى بينة من ربهم في ذلك فلا يبدو لهم نقصهم حتى ترد عليهم الشبهة وما يدريك لعل تلك الشبهة التي يزعمون أنها شبهة هي الحق والعلم فإنك تعلم قطعا إن دليل الأشعري في إثبات المسألة التي ينفيها المعتزلي هو الحق وأنه شبهة عند المعتزلي ودليل المعتزلي الذي ينفي به ما يثبته الأشعري شبهة عند الأشعري ثم إنه ما من مذهب إلا وله أئمة يقومون به وهم فيه مختلفون وإن اتصفوا جميعهم مثلا بالأشاعرة فيذهب أبو المعالي خلاف ما ذهب إليه القاضي ويذهب القاضي إلى مذهب يخالف فيه الأستاذ ويذهب الأستاذ إلى مذهب في مسألة يخالف فيه الشيخ والكل يدعي أنه أشعري وكذلك المعتزلة وكذلك الفلاسفة في مقالاتهم في الله وفيما ينبغي أن يعتقد ولا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ مع كون كل طائفة يجمعها مقام واحد واسم واحد وهم مختلفون في أصول ذلك المذهب الذي جمعهم فإن الفروع لا تعتبر ورأينا المسلمين رسلا وأنبياء قديما وحديثا من آدم إلى محمد ومن بينهما عليهم الصلاة والسلام ما رأينا أحدا منهم قط اختلفوا في أصول معتقدهم في جناب الله بل كل واحد منهم يصدق بعضهم بعضا ولا سمعنا عن أحد منهم إنه طرأ عليه في معتقده وعلمه بربه شبهة قط فانفصل عنها بدليل ولو كان لنقل ودون ونطقت به الكتب كما نقل سائر ما تكلم فيه من ذلك ممن تكلم فيه ولا سيما والأنبياء تحكمت في العامة في أنفسها وأموالها وأهليها وحجرت وأباحت وأوجبت ولم يكن لغيرها هذه القوة من التحكم فكانت الدواعي تتوفر على نقل ما اختلفوا فيه في جانب الحق لأنهم ينتمون إليه ويقولون إنه أرسلهم وأتوا بالدلائل على ذلك من المعجزات ولا نقل عن أحد منهم إنه طرأت عليه شبهة في علمه بربه ولا اختلف واحد منهم على الآخر في ذلك وكذلك أهل الكشف المتقون من أتباع الرسل ما اختلفوا في الله أي في علمهم به ولا نقل عن أحد منهم ما يخالف به الآخر فيه من حيث كشفه وإخباره لا من حيث فكره فإن ذلك يدخل مع أهل الأفكار فهذا مما يدلك على إن علومهم كانت أنوارا لم تتمكن لشبهة إن تتعرض إليهم جملة واحدة فقد علمت إن النور إنما اختص بأهل النور وهم الأنبياء والرسل ومن سلك على ما شرعوه ولم يتعد حدود ما قرروه واتقوا الله ولزموا الأدب مع الله فهم على نور من ربهم نُورٌ عَلى‏ نُورٍ ولَوْ كانَ من عِنْدِ غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً يعني في نعت الحق وما يجب له فإن الناظر بفكره في معتقده لا يبقى على حالة واحدة دائما بل هو في كل وقت بحسب ما يعطيه دليله في زعمه في وقته فيخرج من أمر إلى نقيضه وقد دللتك يا أخي على طريق العلم النافع من أين يحصل لك فإن سلكت على صراطه المستقيم‏

[إن لله عبد قد اعتنى به واصطنعه لنفسه‏]

فاعلم إن الله قد أخذ بيدك واعتنى بك واصطنعك لنفسه فالله يحول بيننا وبين سلطان أفكارنا فيما لم نؤمر بالتفكر فيه وقد بان لك بما ذكرناه أنه ما دخل عليهم ما دخل إلا من الفضول ولهذا وقع الخلاف ولعبت بهم الأفكار والأهواء أ لا ترى الأمر الذي أباح لهم الشارع أن‏

يطلبوا علمه ما اختلف فيه اثنان منهم فلو طلب منهم غير ذلك مما اختلفوا فيه ما اختلفوا أيضا فيه فدل ذلك على أنه ما طلب الحق منهم ذلك فإن قلت فما هو الذي اتفقوا فيه قلنا اجتمعت الأدلة العقلية من كل طائفة بل من ضرورات العقول أن لهم موجدا أوجدهم يستندون إليه في وجودهم وهو غني عنهم ما اختلف في ذلك اثنان وهو الذي طلب الحق من عباده إثبات وجوده فلو وقفوا هنا حتى يكون الحق هو الذي يعرفهم على لسان رسوله بما ينبغي أن يضاف إليه ويسمى به أفلحوا وإنما الإنسان خلق عجولا ورأى في نفسه قوة فكرية فتصرف بها في غير محلها فتكلم في الله بحسب ما أعطاه نظره والأمزجة مختلفة والقوة المفكرة متولدة من المزاج فيختلف نظرها باختلاف مزاجها فيختلف إدراكها وحكمها فيما أدركته فالله يرشدنا ويجعلنا ممن جعل الحق إمامه والتزم ما شرع له ومشى عليه أنه الملي‏ء بذلك لا رب غيره‏

[أن الله ما بعث الرسل سدى‏]

فاعلم يا ولي أن الله ما بعث الرسل سدى ولو استقلت العقول بأمور سعادتها ما احتاجت إلى الرسل وكان وجود الرسل عبثا ولكن لما كان من استندنا إليه لا يشبهنا ولا نشبهه ولو أشبهنا عينا ما كان استنادنا إليه بأولى من استناده إلينا فعلمنا قطعا علما لا يدخله شبهة في هذا المقام أنه ليس مثلنا ولا تجمعنا حقيقة واحدة فبالضرورة يجهل الإنسان ما له وإلى أين ينتقل وما سبب سعادته إن سعد أو شقاوته إن شقي عند هذا الذي استند إليه لأنه يجهل علم الله فيه لا يعرف ما يريد به ولا لما ذا خلقه تعالى فافتقر بالضرورة إلى التعريف الإلهي بذلك فلو شاء تعالى عرف كل شخص بأسباب سعادته وأبان له عن الطريق التي ينبغي له أن يسلك عليها ولكن ما شاء إلا أن يبعث في كل أمة رسولا من جنسها لا من غيرها قدمه عليها وأمرها باتباعه والدخول في طاعته ابتلاء منه لها لإقامة الحجة عليها لما سبق في علمه فيها ثم أيده بالبينة والآية على صدقه في رسالته التي جاء بها ليقوم له الحجة عليها وإنما قلنا من جنسها لأنه كذا وقع الأمر قال تعالى ولَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا أي لو كان الرسول للبشر ملكا لنزل في صورة رجل حتى لا يعرفوا أنه ملك فإن الحسد على المرتبة إنما يقع بين الجنس وقال تعالى لَوْ كانَ في الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ من السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا ولنا في ذلك‏

خليفة القوم من أبناء جنسهم *** لأن ذلك أنكى في نفوسهم‏

لو لم يكن منهم لصدقوه ولم *** يقم بهم حسد لغير جنسهم‏

قد علم الإنسان أن البهائم وجميع الحيوانات دونه في المرتبة فلو تكلم حيوان ولو كان خنفساء ونطقت وقالت أنا رسول من الله إليكم احذروا من كذا وافعلوا كذا لتوفرت الدواعي من العامة على اتباعها والتبرك بها وتعظيمها وانقادت لها الملوك ولم يطلبوها بآية على صدقها وجعلوا نطقها نفس الآية على صدقها وإن كان الأمر ليس كذلك وإنما لما نال المرتبة غير الجنس لم يقم بهم حسد لغير الجنس فأول ابتلاء ابتلى الله به خلقه بعث الرسل إليهم منهم لا من غيرهم ومع الدلالات التي نصبها لهم على صدقهم واستيقنوها حملهم سلطان الحسد الغالب عليهم إن يجحدوا ما هم به عالمون موقنون ظلما وعلوا قال تعالى وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً أي ظلموا بذلك أنفسهم وعُلُوًّا على من أرسل إليهم فاندرج في ذلك علوهم على الله ولو قلت له يا فلان كيف تتكبر على من خلقك لاستعاذ من ذلك وقال إن هذا الذي يزعم أنه من عند الله يكذب على الله حاشا الله أن يبعث مثل هذا إلينا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى‏ رَجُلٍ من الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ فإن قيل له فقد جاء بالعلامة على أنه رسول من الله إليكم فيقول أ لست تعلم أن السحر حق هذه الآية من ذلك القبيل هذا مع العامة وأما مع العلماء والخواص مثل الحكماء وغيرهم فإذا قيل لهم أ لستم ترون هذه الآيات الدالة على صدق ما يدعيه فأما العالمون بالنفوس وقواها فيجيبون عن ذلك بأن يقولوا قد علمنا إن القوي النفسانية تبلغ أن يتأثر لها أجرام العالم فهذا من ذلك القبيل ويحتج بصاحب العين وبعلم الزجر وأمثال ذلك مما يشبه هذا الفن وأما إن كان عنده علم بمجاري الكواكب ويرى قواها وسيران ذلك في العالم العنصري على مقادير مخصوصة يقول إن الطالع أعطاه ذلك وإن روحانية الكواكب تمده وإنه بهذا الطالع في مسقط النطفة شرفت عنه وأعطته هذه القوي نفسا شريفة ونال بها المراتب العلية في الإلهيات والذي قال به صحيح فإن الله أودع هذا كله في العالم العلوي حين خلقه ابتلاء



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!