Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

Parcourir les Titres Section I: les Connaissances (Maarif) Section II: les Interactions (Muamalat) Section IV: les Demeures (Manazil)
Présentations Section V: les Controverses (Munazalat) Section III: les États (Ahwal) Section VI : les Stations (Maqamat du Pôle)
Première Partie Deuxième Partie Troisième Partie Quatrième Partie

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل من قيل له كن وأبى ولم يكن من الحضرة المحمدية

إليه من ملك وجن وإنسان وحيوان ونبات وجماد فذكر من الحيوان النحل ومن الجماد السماء والأرض وإن كان الكل عندنا أحياء ولكن نجري على المعهود المتعارف في الحس الغالب وقال تعالى وإِنْ من شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وقال وإِنْ من أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ وقال ولَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وقال لَوْ كانَ في الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ من السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا وقال وما أَرْسَلْنا من رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ أي بلحنهم‏

[الوحى على أقسام مختلفة]

والوحي على ضروب شتى ويتضمنه هذا المنزل فمنه ما يكون متلقى بالخيال كالمبشرات في عالم الخيال وهو الوحي في النوم فالمتلقى خيال والنازل كذلك والوحي كذلك ومنه ما يكون خيالا في حس على ذي حس ومنه ما يكون معنى يجده الموحى إليه في نفسه من غير تعلق حس ولا خيال بمن نزل به وقد يكون كتابة ويقع كثيرا للأولياء وبه كان يوحى لأبي عبد الله قضيب البان ولأبي زكريا البجائي بالمعرة بدير النقرة ولتقى بن مخلد تلميذ أحمد بن حنبل صاحب المسند ولكن كان أضعف الجماعة في ذلك فكان لا يجده إلا بعد القيام من النوم مكتوبا في ورقة ومما يتضمن هذا المنزل خلق الأعراض صورا ذوات قائمة متحيزة في رأى العين‏

[إن الله إذا أقبل على انسان جمعه الله جمعية لا تفرق فيه‏]

فاعلم أن الإنسان إذا جاء الله به إليه جمعه عليه جمعية لا تفرقة فيها حتى يهبه الله تعالى في ذلك ما يريد أن يهبه مما سبق في علمه فإذا خرج عن ذلك المشهد وعن تلك الحالة حرج بما حصل له وكان قد حصل له أمرا كليا مجملا غير مفصل فيبدو له عند الخروج مفصل الأعيان لكل جزء منه صورة تخصه فيخرج عن حال جمعيته إلى حال تفرقته فتبادر صور الأعمال إليه دفعة واحدة وتتعلق كل صورة منها بمن كان أصلا في وجودها فأما له وإما عليه فتتعلق بعينه صور نظره وبإذنه صور تعلق سمعه وكذلك سائر حواسه في ظاهره ويتعلق بباطنه صور أعمال باطنه من أعمال فكره وخياله وسائر قواه الباطنة فيه فإن كانت الصور العملية توجب فرحا فرح بذلك وبضده وإن كانت صور الأعمال توجب حزنا وغما كان الإنسان بحسب ما توجبه الصورة فإن كان من صورة ما يوجب هذا ويوجب هذا كان فرح الجزء الذي له صورة العمل المفرح فرحا من حيثيته لا من حيث النفس المكلفة فيتنعم ذلك الجزء الإنساني بقدر ذلك ويحزن الجزء الآخر بصورة عمله أيضا والنفس في هذه الحالة تفرح بحكم التبعية لفرح هذا وتحزن بحكم التبعية لحزن هذا في حال واحدة بإقبالين مختلفين كما كانت تسمع في حال النظر في حال البطش في حال السعي في حال اللمس في حال الشم في حال الطعم ولا يشغلها واحد عن الباقي مع أحدية المدرك كذلك ينعم من طريق ويحزن من طريق فهو الفرح المحزون وهو الرابح المغبون إلى أن يدخل الجنة وهذا من أعجب المشاهد وقليل واجده في هذه الدار من أهل الطريق لعدم كشفهم وتحققهم وقلة علمهم بذلك والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

(الباب السادس والثمانون ومائتان في معرفة منزل من قيل له كن فأبى فلم يكن من الحضرة المحمدية)

شمس الفناء بدت في كاف تكويني *** لعلمها أنها بالنور تفنيني‏

وقد أشارت ولم أعلم إشارتها *** بأن في ذلك الإيماء تعنيني‏

فكنت واو العين العلم ظاهرة *** خفية العين بين الكاف والنون‏

فصلت في اللوح أسرارا متوجة *** قد كان أجملها الرحمن في النون‏

[الفناء في المشاهدة]

من هذا المنزل قيدت جزءا سميته الفناء في المشاهدة فلنذكر الآن ما يتضمنه هذا المنزل على ما يحوي عليه من الأصول فإن البسط فيه يطول فاعلم أن مظهر هذا المنزل اسمه النور ولكن الأنوار على قسمين نور ما له شعاع ونور شعشعاني فالنور الشعشعاني إن وقع فيه التجلي ذهب بالأبصار وهو الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قيل له يا رسول الله هل رأيت ربك فقال صلى الله عليه وسلم نوراني أراه‏

يقول نور كيف أراه يريد النور الشعشعاني فإن تلك الأشعة تذهب بالأبصار وتمنع من إدراك من تنشق منه تلك الأشعة وهو أيضا الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم‏

بقوله إن لله سبعين حجابا من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه‏

والسبحات هنا هي أنوار حقيقته فإن وجه الشي‏ء حقيقته وأما النور الذي لا شعاع له فهو النور الذي يكون فيه التجلي ولا شعاع له ولا يتعدى ضوؤه نفسه ويدركه المبصر في غاية الجلاء والوضوح بلا شك وتبقي الحضرة التي يكون فيها هذا الذي كشفت له في غاية

من الوضوح لا يغيب عنه منها شي‏ء في غاية الصفاء وفي هذا التجلي‏

يقول النبي صلى الله عليه وسلم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر

فمن بعض ما يريد بهذا التشبيه الذي وقع بالرؤية إدراك ذات القمر لضعف أشعة القمر أن يمنع البصر من إدراك ذاته والصحيح في ذلك أنه يريد به إذا كسف ليلة بدره فإنه عند ذلك يدرك البصر ذات القمر التي لا تقبل الزيادة ولا النقصان فهو إدراك محقق لذات القمر ثم قال في نفس الحديث أو كما ترون الشمس بالظهيرة ليس دونها سحاب وفي ذلك الوقت يكون نورها أقوى فتظهر الأشياء كلها بها فيدرك البصر كلما وقع عليه من الأشياء إدراكه حين كشفت له هذه الشمس وإذا أراد أن يحقق النظر إلى ذات الشمس في هذه الحالة لا يقدر فأوقع التشبيه أن هذا التجلي ليس يمنع أن يرى الناس بعضهم بعضا أي لا يفنى فلهذا أوقع التشبيه برؤية القمر ليلة البدر وبرؤية الشمس وما اقتصر على واحد منهما وأكد البقاء في هذا المشهد بقوله لا تضارون ولا تضامون من الضيم والضم الذي هو المزاحمة ومن الضير والإضرار ولما دخلت هذا المنزل وقع لي فيه التجلي في النور الذي لا شعاع له فرأيته علما ورأيت نفسي به ورأيت جميع الأشياء بنفسي وبما تحمله الأشياء في ذواتها من الأنوار التي تعطيها حقائقهم لا من نور زائد على ذلك فرأيت مشهدا عظيما حسيا لا عقليا وصورة حقية لا معنى ظهر في هذا التجلي اتساع الصغير لدخول الكبير فيه مع بقاء الصغير على صغره والكبير على كبره كالجمل يلج في سَمِّ الْخِياطِ يشاهد ذلك حسا لا خيالا وقد وسعه ولا تدري كيف ولا تنكر ما تراه فسبحان من تعالى عن إدراك ما تكيفه العقول وفضل إدراك البصر عليها لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فأظهر عجز العقول بهذا التجلي الذي أظهر به قوة الأبصار وفضلها على العقول وأظهر في تجليه في النور الشعشعاني عجز الأبصار وقوة العقول وفضلها على الأبصار ليتصف الكل

بالعجز وينفرد الحق بالكمال الذاتي فمن عاين هذا المنزل يرى من العجائب والآيات ما لا يمكن أن يحويه غيره وأول هذا المنزل عند دخولك فيه ترى نفسك مظهرا للحق فإذا رأيته تتحقق من نفسك أنه ليس هو وهو آخر هذا المنزل فيتضمن أوله هو مشاهدة ويخاطبك في هذا التجلي بأنه ليس هو فإنه من التجليات التي لا تفني عين المشاهدة فتجمع بين الرؤية والخطاب وآخر هذا المنزل يتضمن الهو وهو في الغيب من غير رؤية وهو متعلق نظر العقل فأول هذا المنزل بصري وآخره عقلي وما بينهما وهذا منزل يتضمن أيضا ما نذكره‏

[الأسرار التي منحه الله على العبد]

فاعلم إن الأسرار التي يمنحها الحق عبده من أهل هذه الطريقة على قسمين منها أسرار تعطيك بذاتها إن تظهرها في الأكوان من غير حرج في ذلك عليك ولا تحتاج في إظهارها للغير إلى إذن إلهي وأسرار لا تعطيك بذاتها هذا الحكم وهي على قسمين قسم منها تحتاج في إظهاره إلى إذن إلهي فإن أظهرته عن غير إذن قوبلت ووقع الحرج والجناح عليك في إظهاره وقد وقع لي مثل هذا ولكن بحمد الله قوبلت بالعتاب لا بالعقاب رحمة من الله بي وعناية وأسرار أخر لا يعطيها الحق لأحد بواسطة فلو طلبت الأذن فيها إذا أطلعك الحق عليها أن توصلها ما أذن لك فإنها أذواق لا تعرفها من غيرك بمجرد العبارة عنها فإنها مما ينفرد الحق بإيصالها من الحق إلى العبد كما يفعل بالأحوال فلو رام أحد أن يعبر عن الشوق الذي يجده إلى من اشتاق إليه ما أطاق ذلك ولا وصل إلى فهم الآخر منه شي‏ء إلا أن يقوم الشوق به مثل ما قام بصاحبه فيعرف عند ذلك حقيقة مسمى هذا اللفظ وكذلك ما في معناه وكلذة الجماع التي حرمها العنين لا يتمكن لمن قامت به أن يوصلها بالتعريف إلى العنين وكذلك كل علم يتعلق بالحواس لا يمكن للعقل أن يصل إلى معرفته بنفسه ولا بالعبارة عنه إلا أن يحس به الآخر فالذي يختص بهذا المنزل معرفة الأسرار التي يتوقف إظهارها ممن قامت به وأعطيته على الأذن الإلهي ومعرفة الأسرار الإلهية المستورة خلف حجاب الصور التي لا تظهر إلا لمن كان على بينة من ربه في ذلك فإذا شهدت البينة لها عند العبد قبلها فلا يحتاج إلى شاهد مثل ما يحتاج في غيرها فإذا حصل العبد في هذا المقام ووهبه الحق من هذه الأسرار وهب تجل واطلع على أمور غامضة من العلم بالله سترها في نفسه وكتمها عن غيره وفاء بحق الأمانة وحفظها ومعرفة بقدرها ومنزلتها ويطلع على هذه الأسرار معنا من ينسب بعض الأفعال إلى غير الله من المعتزلة والفلاسفة وأهل الشرك الذين عبدوا غير الله مع عبادة الله فقد ينفردون في أوقات مع الله دون الشريك وذلك في أوقات الضرورات المهلكة التي يقطعون فيها إن آلهتهم لا تغني‏

عنهم فيها شيئا فيلجئون إلى الله في رفعها فمن تلك الحقيقة المستورة فيهم في حال لا يكون فيه تحت اضطرار حسي من ذلك الوجه ينالون هذه الأسرار وإن كانوا أشقياء فإن نيلهم إياها مما يزيد في شقاوتهم حيث عرفوا من بيده الاقتدار وعدلوا عنه وعملوا لغيره مما نصبوه بأيديهم وأيدي من هو من جنسهم إلها وظهر لهم عجزه وتمادوا على غيهم كما قال تعالى في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ‏

[أن بينة الله في عباده على قسمين‏]

واعلم أن بينة الله في عباده على قسمين القسم الواحد هو البينة الحقيقية وهو قوله تعالى أَ فَمَنْ كانَ عَلى‏ بَيِّنَةٍ من رَبِّهِ يعني في نفسه وأما من تقام له البينة في غيره فقد يمكن أن يقبلها ويمكن أن لا يقبلها والذي يقبلها إن قبلها تقليد أ لم تكن في حقه آية بينة ولا تنفعه وإنما يكون التقليد فيما يجي‏ء به الرسول من الأحكام لا من البينات والشواهد على صدقه وإن لم يقبلها تقليدا فما قبلها إلا أن يكون هو عَلى‏ بَيِّنَةٍ من رَبِّهِ في إن تلك آية بينة على صدق دعوى من ظهرت على يديه فيما ادعاه فعلمت من هذا أن الشي‏ء لا ينفعك إلا إذا كان فيك ولا يضرك إلا إذا كان فيك ولهذا نقول في كثير من كلامنا إن حقيقة العذاب هو وجود الألم فيك لا أسبابه سواء وقعت الأسباب فيك أو في غيرك فلا نقول في الأشياء إلا أن تقوم لك منك وأقلها أن يقوم بك التصديق بما يتحقق به أهل طريق لله بأنه حق وإن لم تذقه ولا تخالفهم فتكون على بينة من ربك ولا بد في كونهم صادقين وبتلك البينة التي أنت عليها توافقهم في ذلك فأنت منهم في مشرب من مشاربهم فإنهم أيضا ممن يوافق بعضهم بعضا فيما يتحققون به في الوقت وإن كان لا يدرك هذا ذوقا ما أدركه صاحبه فيقر له به ويسلمه له ولا ينكره لارتفاع التهمة ومجالسة هؤلاء الأقوام لغير المؤمن بهم خطر عظيم وخسران مبين كما قال بعض السادة وأظنه رويما من قعد معهم وخالفهم في شي‏ء مما يتحققون به في سرائرهم نزع الله نور الايمان من قلبه فلا يزال الإنسان على الحالة التي هو عليها حتى يقوم له الشاهد بالخروج عنها فمن كان في حالة الكتم كتم ومن كان في حالة الإظهار أظهر وأفشى قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى‏ شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى‏ سَبِيلًا من هؤلاء الفرق فالله يجعلنا وإياكم ممن هو عَلى‏ بَيِّنَةٍ من رَبِّهِ فإن تلاه شاهد فحسن ومزيد طمأنينة وتقوية للنفس فيما هي بسبيله وإن لم يكن ذلك ففي كونه على بينة من ربه كفاية فإن الشاهد إن لم يكن فيه المشهود له على بينة أنه صادق فيما يشهد له به وإلا فلا يقبله في باطنه كالشاهد مع صاحب الدعوى إذا كان في دعواه محقا فهو على بينة في نفسه من ربه إنه صادق ولكن الحاكم يطالبه بالشاهد فإذا شهد الشاهد له علم المشهود له أنه صادق في شهادته ببينته التي هو عليها إنه على حق في دعواه وإن كان المدعي ليس بصادق في دعواه فهو على بينة من نفسه ومن ربه إنه غير صادق فبما ادعاه فإذا طلبه الحاكم بالشاهد فأتى بشاهد زور فشهد له أنه صادق في دعواه فالمدعي على بينة من نفسه ومن ربه إن ذلك الشاهد الذي شهد له زور وشهد بالباطل ولا يقبله في نفسه وإن قبله الحاكم فأول ما يتجرح شاهد الزور عند من شهد له بما يعلم المشهود له أن الأمر على خلاف ما شهد له به فلهذا قلنا إن الشاهد لا نلتزمه إذ كنا لا نقبله ولا نتحقق صدقه ولا كذبه إلا حتى يكون في ذلك على بينة من الله فاعلم ذلك‏

[البينة هو سفير من الله إلى قلبك‏]

واعلم بعد أن تقرر هذا أن الأمر الذي كنى عنه الحق بأنه بينة لك من عنده هو سفير من الله إلى قلبك من خفي غيوبه مختص بك من حضرة الخطاب الإلهي والتعريف من الله أنه من عنده فخذ به وانظر ما يقبله فاقبله وما يدل عليه فاعتمد عليه وما ينفيه فانفه كما يفعل صاحب الفكر في دليله غير إن صاحب الفكر قد يتخذ دليلا ما ليس بدليل في نفس الأمر وقد يتخذ دليلا ما هو دليل في نفس الأمر ولكن بالنظر إلى قوة العقل فقد أعطى ما في قوته فلا يكون أبدا من حيث هو عقل إلا إن ذلك دليل وهو دليل وصاحب البينة من ربه على نور من الله وصراط مستقيم لا يعلم الأشياء بها إلا على ما تكون عليه الأشياء لا يقبل الشبه إلا شبها ذوقا من صورته لا يتمكن له أن يلبس فيها عليه بخلاف أصحاب الأفكار والذي يعطيه هذا السفير منه ما يعطيه ما هو مختص به ومنه ما يعطيه ما هو مطلوب له ولغيره ومنه ما هو مطلوب لغيره ولا يعطيه ما ليس له ولا لغيره ومما يعطيه ما هو له مقيم وما ليس له بمقيم فالمقيم كالمقامات وغير المقيم كالأحوال ثم إن أصحاب هذا المقام يتفرقون فيه ويتنوعون على نوعين منهم من يعصم من تأثير هواه ومنهم من لا يعصم من تأثير هواه فيه مع أن كل واحد من الطائفتين على علم محقق فبينتهم التي هم عليها أنه معصوم وأن هواه ليس له عليه سبيل وأنه غير معصوم وأن هواه قد أثر فيه لما سبق في علم الله فيه وهل ينفعه هذا العلم عند الله في سعادته‏

أم لا فعندنا إنه نافع وعند غيرنا إنه غير نافع وإنما وقع الخلاف في مثل هذه المسألة بوجود الكشف عند الواجد وعدم الكشف عند المخالف مع الاستناد إلى أمر معارض إما عقلي وإما سمعي ثم إن الله تعالى أمر عباده بالإقامة على ما خلقهم له من الذلة والافتقار إليه ببواطنهم عامة وبظواهرهم على طريقة مخصوصة بينها لهم الشارع وهي جميع الأفعال المقربة إلى الله سواء اقترنت بها في الصورة الظاهرة عزة أو ذلة وربوبية أو عبودية بخلاف الباطن فإن الباطن يجري على الأمر المحقق الذي هو في نفسه عليه والظاهر يجري على ما تقتضيه المصلحة في الوقت بك أو بغيرك فإن ظهر ربوبية وعزة في ظاهر العبد العارف كما ذكرناه لمصلحته فإن الميل في الباطن إلى الذلة والعبودية موجود عنده وهو المعتمد عليه وذلك عارض ولا سيما في موطن التكليف ومن هذا المنزل ينشئ العبد الأعمال صورا قائمة يكون فيها خلاقا بالفعل ولكن مما يقع له به السعادة عند الله فلا يزال ينشئ تلك الصورة حتى يراها قائمة بين يديه حسا ينظر إليها ويفرح بها وجميع ما يظهر من تلك الصورة مما تقتضيه السعادة فإنما هو لمنشئ هذه الصورة وهو هذا العبد فهي له كرأس المال وما يكون عنها كالأرباح والأرباح إنما تعود منفعتها على رب المال لا على نفس المال ومن هذا المنزل أيضا يظهر الجود الذاتي الذي لا يمكن دفعه لا اختيار للعبد فيه فيعطي من نفسه لربه ما سأله فيه إن يعطيه مما لو لم يسأله فيه لأعطاه إياه وهذا من كرم الله حيث علم أنه لا بد أن يعطيه ذلك لأنه أمر تقتضيه ذاتك فسألك في ذلك أن يجازيك على امتثال أمره في ذلك كما سألك فيما يمكن أن تعطيه وفيما يمكن أن تأباه فأجرى هذا مجرى هذا جودا منه وليقوم جزاء ما أعطيته عن أمره مما هو عطاء ذاتي في مقابلة ما منعته وخالفت فيه أمره مما ليس هو عطاء ذاتيا بل إمكانيا وهي جميع الأعمال المشروعة فلهذا أمرك بما لا يمكنك الانفكاك عنه كما لا يمكن للسراج أن يمنع ضوءه ولكن يتصور أن يقال له أعط الأبصار ضوءك ليدركوا به الأشياء فتجازي من حيث ذلك وذلك أن تعلم أن حضرة كن تتضمن روحا وجسما وقد يرتبطان وقد لا يرتبطان فإذا ارتبطا كان هذا الجسم حيا على هذه الصورة من الكاف والواو والنون وإذا كان حيا انفعل عنه ما يتوجه عليه لارتباط الروح به وهو الأذن الإلهي كالنفخ من عيسى عليه السلام في الطائر مقارنا للاذن الإلهي الذي هو النفخ الإلهي فاندرج النفخ الإذني الإلهي الذي به حيي الطائر وارتبط روحه في النفخ الجسماني القائم بعيسى فإذا وجد جسم كن من غير ارتباط الروح به لم يكن عنه شي‏ء أصلا إذ الميت لا يضاف إليه فعل أصلا ولا يقوم لعقل فيه شبهة بخلاف الحي والصورة الجسمية فيهما واحدة وإذا انفرد روح كن دون جسميته انفعلت عنه الأشياء ومن جملة الأشياء جسمية كن الذي هو في عالم الحروف فإذا علمت ما أوضحناه لك في هذا الكلام وقفت على أمر عظيم من قوله تعالى إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ‏ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ذلك الأمر ولا بد ويقول الحق سبحانه لعباده في كلامه العزيز أَقِيمُوا الصَّلاةَ واصْبِرُوا وصابِرُوا ورابِطُوا وجاهِدُوا ولا يقع شي‏ء من ذلك

لأنه قال لهم اخلقوا وليس من شأنهم أن يخلقوا فتعلق بهم جسم كن لا روحها فكانت ميتة يحرم عليهم استعمالها فإذا تعلق الأذن الإلهي الذي هو كن الحية بإيجاد عين الجهاد أو الرباط أو الصلاة أو أي شي‏ء كان من أفعال العباد تكون في حين التوجه علينا وليس من شأن الأفعال أن تقوم بنفسها فكانت الصلاة تظهر في غير مصل والصيام في غير صائم والجهاد في غير مجاهد وهو لا يصح فلا بد من ظهورها في المجاهد والمصلي وغير ذلك فإذا ظهرت فيه نسب الله الفعل إليه وجازاه عليه منة منه وفضلا لأنه ما ظهر عين الصلاة إلا في المصلي فلو لم ينسب الفعل إليه لكان قد حافى الخطاب والتكليف ومباهتة للحس وكان لا يوثق بالحس في شي‏ء فحسم الله هذا الأمر بما نسب من هذه الأفعال لمن أظهرها فيه وأضافها إليه وأمرهم بها وليس خلقها لهم وإنما ذلك إلى الله تعالى فانظر ما أعجب هذا الأمر مع ما يتضمنه من التناقض المحقق والايمان بالطريقتين المتناقضتين فيه واجب والاطلاع عليه من باب الكشف مع وجود الايمان به تأييد عظيم وقوة لمن أعطى ذلك فإن في هذا الموطن زل كثير من أهل الكشف وهو قوله وأضله الله على علم والعلم كان لا ينبغي أن يصاحبه الضلال ولا يستلزمه وهنا قد وجد فيه ذلك فلا يخلو إما أن ضل بعلم أو لا بعلم والأمر فيه إشكال ثم إن هذا المنزل يتضمن الجزاء على الأعمال يعني جزاء من ذكرناه في هذا المنزل من الكاتمين لأسرار الحق الذين أمنهم الله عليها مما لا يظهرونها إلا عن إذن إلهي ومن ذكرناه‏



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!