[ان الحضرة الحكم مماثلة لحضرة العلم]
اعلم أن حقيقة هذه الحضرة من أعجب ما يكون من المعلومات فإنها مماثلة لحضرة العلم و ذلك أنها عين المحكوم به الذي هو ما هو المحكوم عليه أو له فالحكم ما أعطى أمرا من عنده لمن حكم له أو عليه إذا كان عدلا مقسطا و أما إذا كان جائرا قاسطا و إن كان حكما فما هو من هذه الحضرة و هو منها بالاشتراك اللفظي و إمضاء ما حكم به و أما قول اللّٰه مخبرا و آمرا ﴿قٰالَ﴾ [البقرة:11] و "قل" كلاهما ﴿رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الأنبياء:112] هو الحكم الذي لا يكون حقا إلا بك و متى لم يكن الحكم بالمحكوم له أو عليه فليس حقا فالمخلوق أو المحكوم عليه جعل الحاكم حكما كما إن المعلوم جعل العالم عالما أو ذا علم لأنه تبع له و ليس القادر كذلك و لا المريد فإن الأثر للقادر في المقدور و لا أثر للعلم في المعلوم و لا للحكم في المحكوم عليه و الحكم أخو العليم فإنه حاكم على كل معلوم بما هو ذلك المعلوم عليه في ذاته و قوله في جزاء الصيد ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة:95] فيه رائحة إن الجائر في الحكم يسمى حكما شرعا إلا إن الحاكم لما شرع له أن يحكم بغلبة ظنه و ليس علما فقد يصادف الحق في الحكم و قد لا يصادف و ليس بمذموم شرعا و يسمى حكما و إن لم يصادف الحق و يمضي حكمه عند اللّٰه و في المحكوم عليه و له فهنا ينفصل من العليم و يتميز لأنه ليس هنا تابع للمحكوم عليه مع كونه حكما و لا هو جائر فإنه حكم بما شرع له من إقامة الشهود أو الإقرار الذي ليس بحق فكان اللفظ من الشاهد و اللفظ بالإقرار من المقر أوجب له الحكم و إن كان قول زور أو شهادة زور و إنما قلنا فيه إنه أخو العليم لكونه في نفس الأمر ما يكون حكما حقيقة إلا يجعل المحكوم له أو عليه هذا هو التحقيق و الأخوة هنا قد تكون أخوة الشقائق و قد تكون أخوة الصفة كأخوة الايمان و غير الايمان و قد تكون أخوة من الأب الواحد دون الآخر و قد تكون من الرضاعة فلذلك قلنا إنه أخو العليم و ما بينا مراتب الأخوة فأحقها أخوة الايمان فإن بها يقع التوارث و هي أخوة الصفة كذلك الحكم ما حكم الحاكم على المحكوم عليه إلا لصفة لا لعينه و من شرط الحكم أن يكون عالما بالحكم لا بالمحكوم عليه و له و إنما شرطه العلم بصفة ما يظهر من حال المحكوم عليه و له بما ذكرناه من شهود صدقوا أو كذبوا أو من إقرار صدق أو كذب فهو تابع أبدا فيكون عالما بالحكم لا بد من ذلك الذي يوجبه و يعينه ما قررناه و الحق فيه مصادفة و هو موضع الإجماع مع كونه بهذه المثابة و الخلاف في حكم الحاكم بعلمه دون إقرار و لا شهادة هل يجوز أو لا يجوز و قد بينا مذهبنا في هذه المسألة في هذا الكتاب في حكم الحاكم بعلمه أين ينبغي أن يحكم و أين ينبغي أن لا يحكم بعلمه فإنها من أشكل المسائل و على كل حال فهي حضرة مبهمة حكم حكمها الأشاعرة في الصفات الإلهية بقولهم لا هي هو و لا هي غيره مع قولهم بأنها زائدة بالعين على الذات وجودية لا نسبية و غير الأشعري لا يقول بهذا ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
«حضرة العدل»
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية