﴿اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ﴾ [الفاتحة:2] يقول اللّٰه حمدني عبدي تفضلا منه فإنه من قوله بهذه اللفظة و ما قدره حتى بقول السيد قال عبدي و قلت له هذا حجاب مسدل فينبغي للعبد أن يعرف أن لله مكرا خفيا في عباده و كل أحد يمكر به على قدر علمه بربه فيأخذ هذا التكريم الإلهي ابتداء من اللّٰه مدرجا في نعمة فإذا صلى و تلا قال الحمد لله يقولها حكاية من حيث ما هو مأمور بها لتصح عبوديته في صلاته و لا ينتظر الجواب و لا يقول ليجاب بل يشتغل بما كلفه سيده به من العمل حتى يكون ذلك الجواب و الإنعام من السيد لا من كونه قال فإن القائل على الحقيقة خالق القول فيه فنسلم من هذا المكر و إن كان منزلة رفيعة و لكن بالنظر إلى من هو في غير هذه المنزلة ممن نزل عنها
[الإرث المحمدي الموصول]
فما ورثنا من رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم من هذا المقام الذي أغلق بابه دوننا إلا ما ذكرناه من عناية الحق بمن كشف له عن ذلك و رزقه علم نقل الوحي بالرواية من كتاب و سنة فما أشرف مقام أهل الرواية من المقرءين و المحدثين جعلنا اللّٰه ممن اختص بنقله من قرآن و سنة فإن أهل القرآن هم أهل اللّٰه و خاصته و الحديث مثل القرآن بالنص فإنه صلى اللّٰه عليه و سلم ﴿مٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ﴾ و ممن تحقق بهذا المقام معنا أبو يزيد البسطامي كشف له منه بعد السؤال و التضرع قدر خرق الإبرة فأراد أن بضع قدمه فيه فاحترق فعلم أنه لا ينال ذوقا و هو كمال العبودة و قد حصل لنا منه صلى اللّٰه عليه و سلم شعرة و هذا كثير لمن عرف فما عند الخلق منه إلا ظله و لما أطلعني اللّٰه عليه لم يكن عن سؤال و إنما كان عن عناية من اللّٰه ثم إنه أيدني فيه بالأدب رزقا من لدنه و عناية من اللّٰه بي فلم يصدر مني هناك ما صدر من أبي يزيد بل اطلعت عليه و جاء الأمر بالرقي في سلمة فعلمت إن ذلك خطاب ابتلاء و أمر ابتلاء لا خطاب تشريف على أنه قد يكون بعض الابتلاء تشريفا فتوقفت و سألت الحجاب فعلم ما أردت فوضع الحجاب بيني و بين المقام و شكر لي ذلك فمنحني منه الشعرة التي ذكرناها اختصاصا إلهيا فشكرت اللّٰه على الاختصاص بتلك الشعرة غير طالب بالشكر الزيادة و كيف أطلب الزيادة من ذلك و أنا أسأل الحجاب الذي هو من كمال العبودية فسرت في العبودة و ظهر سلطانها و حيل بيني و بين مرتبة السيادة لله الحمد على ذلك و كم طلبت إليها و ما أجبت و هكذا إن شاء اللّٰه أكون في الآخرة عبدا محضا خالصا و لو ملكني جميع العالم ما ملكت منه إلا عبوديته خاصة حتى يقوم بذاتي جميع عبودية العالم
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية