قال بعض السادة في هذه الخزانة إنها تتضمن فناء من لم يكن و بقاء من لم يزل و هذه المسألة تخبط فيها من لم يستحكم كشفه و لا تحقق شهوده فإن من الناس من تلوح له بارقة من مطلوبه فيكتفي بها عن استيفاء الحال و استقصائه فيحكم على هذا المقام بما شاهد منه ظنا منه أو قطعا أنه قد استوفاه و قد رأيت ممن هذه صفته رجالا و قد طرأ مثل هذا السهل بن عبد اللّٰه التستري المبرز في هذا الشأن في علم البرزخ فمر عليه لمحة فأحاط علما بما هو الناس عليه في البرزخ و لم يتوقف حتى يرى هل يقع فيما رآه تبديل في أحوال مختلفة على أهله أو يستمرون على حالة واحدة فحكم ببقائهم على حالة واحدة كما رآهم فرؤيته صحيحة صادقة و حكمه بالدوام فيما رآهم عليه إلى يوم البعث ليس بصحيح و أما الذين رأيت أنا من أهل هذه الصفة لما رأيتهم سريعين الرجعة غير ثابتين عند ما يؤخذ عن نفسه سألت واحدا منهم ما الذي يردك بهذه السرعة فقال لي أخاف أن تنعدم عيني لما نراه فيخاف على نفسه و من تكون هذه حالته فلا تثبت له قدم في تحقيق أمر و لا يكون من الراسخين فيه فلو اقتصروا على ما عاينوه و لم يحكموا لكان أولى بهم فيتخيل الأجنبي إذا سمع مثل هذا من صادق و سمع عدم الثبوت في البرزخ على حالة واحدة إن بين القوم خلافا في مثل هذا و ليس بخلاف فإن الراسخ يقول بما شاهده و هو مبلغه من العلم و غير الراسخ يقول أيضا بما شاهده و يزيد في الحكم بالثبوت الذي ذهب إليه و لو أقام قليلا لرأى التغيير و التبديل في البرزخ كما هو في الدنيا فإن اللّٰه في كل يوم و هو الزمن الفرد في شأن يقول تعالى ﴿يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ و الخلق جديد حيث كان دنيا و آخرة و برزخا فمن المحال بقاء حال على عين نفسين أو زمانين للاتساع الإلهي لبقاء الافتقار على العالم إلى اللّٰه فالتغيير له واجب في كل نفس و اللّٰه خالق فيه في كل نفس فالأحوال متجددة مع الأنفاس على الأعيان و حكم الأعيان يعطي في العين الواحدة بحسب حقائقها أن لو صح وجودها لكانت بهذه الأحوال فمن أصحابنا من يرى أن عين الوجود هو الذي يحفظ عليه أحوال أعيان الممكنات الثابتة و إنها لا وجود لها البتة بل لها الثبوت و الحكم في العين الظاهرة التي هي الوجود الحقيقي و من أصحابنا من يرى أن الأعيان اتصفت بالوجود و استفادته من الحق تعالى و إنها واحدة بالجوهر و إن تكثرت و أن الأحوال يكسوها الحق بها مع الأنفاس إذ لا بقاء لها إلا بها فالحق يجددها على الأعيان في كل زمان فعلى الأول يكون قوله حتى يفنى من لم يكن فلا يبقى له أثر في عين الوجود فيكون مسلوب النعوت و ذلك حال التنزيه و يبقى من لم يزل على ما هي عليه عينه و هو الغني عن العالمين فإن العالم ليس سوى الممكنات و هو تعالى غني عنها إن تدل عليه فإنه ما ثم من يطلب على ما قلناه الدلالة عليه فإن الممكنات في أعيانها الثابتة مشهودة للحق و الحق مشهود للاعيان الممكنات بعينها و بصرها الثابت لا الموجود فهو يشهدها ثبوتا و هي تشهده وجودا و على القول الآخر الذي يرى وجود أعيان الممكنات و آثار الأسماء الإلهية فيها و إمداد الحق لها بتلك الآثار لبقائها فتفني تلك الآثار و الأعيان القابلة لها عن صاحب هذا الشهود حالا و الأمر في نفسه موجود على ما هو عليه لم يفن في نفسه كما فنى في حق هذا القائل به فلا يبقى له مشهود إلا اللّٰه تعالى و تندرج الموجودات في وجود الحق و تغيب عن نظر صاحب هذا المقام كما غابت أعيان الكواكب عن هذا الناظر بطلوع النير الأعظم الذي هو الشمس فيقول بفناء أعيانها من الوجود و ما فنيت في نفس الأمر بل هي على حالها في إمكانها من فلكها على حكمها و سيرها و كلا القولين قد علم من الطائفة و من أصحاب هذا المقام من يجعل أمر الخلق مع الحق كالقمر مع الشمس في النور الذي يظهر في القمر و ليس في القمر نور من حيث ذاته و لا الشمس فيه و لا نورها و لكن البصر كذلك يدركه فالنور الذي في القمر ليس غير الشمس كذلك الوجود الذي للممكنات ليس غير وجود الحق كالصورة في المرآة فما هو الشمس في القمر و ما ذلك النور المنبسط ليلا من القمر على الأرض بمغيب نور الشمس غير نور الشمس و هو يضاف إلى القمر كما قيل في كلام اللّٰه ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ [الحاقة:40]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية