﴿غَفُوراً﴾ [النساء:23] و جاء بالاسم الذي يقتضي تأخير المؤاخذة إلى الآجل و عدم حكمها في العاجل و هو الحليم لما علم إن في عباده من حرم الكشف و الايمان و هم العقلاء عبيد الأفكار و الواقفون مع الاعتبار فجازوا من الظاهر إلى الباطن مفارقين الظاهر فعبروا عنه إذ لم يكونوا أهل كشف و لا إيمان لما حجب اللّٰه أعينهم عن مشاهدة ما هي عليه الموجودات في أنفسها و لا رزقوا إيمانا في قلوبهم يكون له نور ﴿يَسْعىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ [التحريم:8] و أما المؤمنون الصادقون أولوا العزم من الأولياء فعبروا بالظاهر معهم لا من الظاهر إلى الباطن و بالحرف عينه إلى المعنى ما عبروا عنه فرأوا الأمور بالعينين و شهدوا بنور إيمانهم النجدين فلم يتمكن لهم إنكار ما شهدوه و لا جحدوا ما تيقنوه فأسمعهم اللّٰه نطق الموجودات لا بل نطق الممكنات قبل وجودها فإنها حية ناطقة دراكة بحياة ثبوتية و نطق ثبوتي و إدراك ثبوتي إذ كانت في أنفسها أشياء ثبوتية فلما قبلت شيئية الوجود قبلتها بجميع نعوتها و صفاتها و ليس نعتها سوى عينها فهي في حال شيئية وجودها حية بحياة وجودية ناطقة بنطق وجودي دراكة بإدراك وجودي إلا إن اللّٰه سبحانه أخذ بأبصار بعض عباده عن إدراك هذه الحياة السارية و النطق و الإدراك الساري في جميع الموجودات كما أخذ اللّٰه ببصائر أهل العقول و الأفكار عن إدراك ما ذكرناه في جميع الموجودات و في جميع الممكنات و أهل الكشف و الايمان على علم مما هو الأمر عليه في هذه الأعيان في حال عدمها و وجودها فمن ظهرت حياته سمي حيا و من بطنت حياته فلم تظهر لكل عين سمي نباتا و جمادا فانقسم عند المحجوبين الأمر و عند أهل الكشف و الايمان لم ينقسم فأما صاحب الكشف و الشهود أهل الاختصاص فقد أعطاهم الشهود و ما أعطى المحجوبين شهودهم فيقول أهل الشهود سمعنا و رأينا و يقول المحجوبون ما سمعنا و لا رأينا و يقول أهل الايمان آمنا و صدقنا قال تعالى ﴿وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء:44] و شيء نكرة و قال ﴿أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبٰالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ﴾ [الحج:18]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية