[أن من كانت حقيقته مقيدا لا يصح أن يكون مطلقا]
اعلم وفقك اللّٰه أيها الولي الحميم تولاك اللّٰه برحمته و فتح عين فهمك إنه من كانت حقيقته أن يكون مقيدا لا يصح أن يكون مطلقا بوجه من الوجوه ما دامت عينه فإن التقييد صفة نفسية له و من كانت حقيقته أن يكون مطلقا فلا يقبل التقييد جملة واحدة فإنه صفته النفسية أن يكون مطلقا لكن ليس في قوة المقيد أن يقبل الإطلاق لأن صفته العجز و أن يستصحبه الحفظ الإلهي لبقاء عينه فالافتقار يلزمه و للمطلق أن يقيد نفسه إن شاء و أن لا يقيدها إن شاء فإن ذلك من صفة كونه مطلقا إطلاق مشيئة و من هنا أوجب الحق على نفسه و دخل تحت العهد لعبده فقال في الوجوب ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام:54] أي أوجب فهو الموجب على نفسه ما أوجب غيره عليه ذلك فيكون مقيدا بغيره فقيد نفسه لعبيده رحمة بهم و لطفا خفيا و قال في العهد ﴿وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [البقرة:40] فكلفهم و كلف نفسه لما قام الدليل عندهم بصدقه في قيله ذكر لهم ذلك تأنيسا لهم سبحانه و تعالى و لكن هذا كله أعني دخوله في التقييد لعباده من كونه إلها لا من كونه ذاتا فإن الذات غنية عن العالمين و الملك ما هو غني عن الملك إذ لو لا الملك ما صح اسم الملك فالمرتبة أعطت التقييد لا ذات الحق جل و تعالى فالمخلوق كما يطلب الخالق من كونه مخلوقا كذلك الخالق يطلب المخلوق من كونه خالقا أ لا ترى العالم لما كان له العدم من نفسه لم يطلب الخالق و لا المعدم فإن العدم له من ذاته و إنما طلب الخالق من كونه مخلوقا فمن هنا قيد نفسه تعالى بما أوجب على نفسه من الوفاء بالعهد و لما كان المخلوق بهذه المثابة لذلك تعشق بالأسباب و لم يتمكن له إلا الميل إليها طبعا فإنه موجود عن سبب و هو اللّٰه تعالى و لهذا أيضا وضع الحق الأسباب في العالم لأنه سبحانه علم أنه لا يصح اسم الخالق وجودا و تقديرا إلا بالمخلوق وجود أو تقدير أو كذلك كل اسم إلهي يطلب الكون مثل الغفور و المالك و الشكور و الرحيم و غير ذلك من الأسماء فمن هنا وضع الأسباب و ظهر العالم مربوطا بعضه ببعضه فلم تنبت سنبلة إلا عن زارع و أرض و مطر و أمر بالاستسقاء إذا عدم المطر تثبيتا منه في قلوب عباده لوجود الأسباب و لهذا لم يكلف عباده قط الخروج عن السبب فإنه لا تقتضيه حقيقته و إنما عين له سببا دون سبب فقال له أنا سببك فعلي فاعتمد و توكل كما ورد ﴿وَ عَلَى اللّٰهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة:23]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية