«قال ﷺ في الإنسان كمل من الرجال كثيرون و من النساء مريم و آسية» و فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام فما ظهر في العالم نقص إلا في هذا الإنسان و ذلك لأنه مجموع حقائق العالم و هو المختصر الوجيز و العالم هو المطول البسيط فأما كمال الألوهية فظاهر بالشرائع و أما بأدلة العقول فلا فعين ما يراه العقل كما لا هو النقص عند اللّٰه لو كان كما يقتضيه دليل العقل فجاء العقل بنصف معرفة اللّٰه و هو التنزيه و سلب أحكام كثيرة عنه تعالى و جاء الشارع يخبر عن اللّٰه بثبوت ما سلب عنه العقل بدلالته و تقرير ما سلبه عنه فجاء بالأمرين للكمال الذي يليق به تعالى فحير العقول فهذا هو الكمال الإلهي فلو لم يعط الحيرة لما ذكره لكان تحت حكم ما خلق فإن القوي الحسية و الخيالية تطلبه بذواتها لترى موجدها و العقول تطلبه بذواتها و أدلتها من نفي و إثبات و وجوب و جواز و إحالة لتعلم موجدها فخاطب الحواس و الخيال بتجريده الذي دلت عليه أدلة العقول و الحواس تسمع فحارت الحواس و الخيال و قالوا ما بأيدينا منه شيء و خاطب العقول بتشبيهه الذي دلت عليه الحواس و الخيال و العقول تسمع فحارت العقول و قالت ما بأيدينا منه شيء فعلا عن إدراك العقول و الحواس و الخيال و انفرد سبحانه بالحيرة في الكمال فلم يعلمه سواه و لا شاهده غيره فلم يحيطوا به علما و لا رأوا له عينا فآثار تشهد و جناب يقصد و رتبة تحمد و إله منزه و مشبه يعبد هذا هو الكمال الإلهي و بقي الإنسان متوسط الحال بين كمال الحيرة و الحد و هو كمال العالم فبالإنسان كمل العالم و ما كمل الإنسان بالعالم فلما انحصرت في الإنسان حقائق العالم بما هو إنسان لم يتميز عن العالم إلا بصغر الحجم خاصة و بقيت له رتبة كماله فجميع الموجودات قبلت كمالها و الحق كامل و الإنسان انقسم قسمين قسم لم يقبل الكمال فهو من جملة العالم غير أنه مجموع العالم جمعية المختصر من الكبير و قسم قبل الكمال فظهرت فيه لاستعداده الحضرة الإلهية بكمالها و جميع أسمائها فأقام هذا القسم خليفة و كساه حلة الحيرة فيه فنظرت الملائكة إلى نشأة جسده فقالت فيه ما قالت لتنافر حقائقه التي ركب اللّٰه فيها جسده فلما أعلمها الحق بما خلقه عليه و أعطاه إياه حارت فيه فقالت لا علم لنا و الحائر لا علم له فأعطاه علم الأسماء الإلهية التي لم تسبحه الملائكة بها و لا قدسته كما «قال عليه السّلام إنه يحمد اللّٰه غدا في القيامة عند سؤاله في الشفاعة بمحامد لا يعلمها الآن يقتضيها الموطن» فإن محامد اللّٰه تعالى بحسب ما تطلبها المواطن و النشآت فأعطت نشأة آدم و من أشبهه من أولاده الأهلية للخلافة في العالم و ما كان ذلك لغيرهم فكان كمال الإنسان بهذا الاستعداد لهذا التجلي الخاص فظهر بأسماء الحق على تقابلها و أعطاه الحق فيما بين له مصارفها فهو يظهر بما ظهر من استخلفه و هي المسمى في الخلافة بالحق و العدل قال اللّٰه لداود ﴿إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ وَ لاٰ تَتَّبِعِ الْهَوىٰ﴾ [ص:26]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية