في قوله ﴿مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [الأنفال:60] و لما فهمت الصحابة من الاستطاعة ما ذكرناه لذلك كانت رخصة لعزمة قوله ﴿حَقَّ تُقٰاتِهِ﴾ [آل عمران:102] فرضي اللّٰه منك إذا أعطيته مما كلفك حد الاستطاعة التي لا حرج عليك فيها و رضيت منه أنت بالذي أعطاك من حال الدنيا و رضيت عنه في ذلك و قد عرفت أحوال الدنيا أنها الطاعة خاصة كما بيناها في باب المراقبة
[عطاء الحق في الدنيا و الآخرة قليل بالنسبة إلى ما عنده]
و كلما أعطاك الحق في الدنيا و الآخرة من الخير و النعم فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده فإن الذي عنده لا نهاية له و كل ما حصل لك من ذلك فهو متناه بحصوله في الوجود و نسبة ما يتناهى إلى ما لا يتناهى أقل القليل كما «قال الخضر لموسى لما نقر الطائر بمنقره في البحر ليشرب من مائه فشبهه بما هم عليه من العلم و بعلم اللّٰه» فلذلك قال رضي اللّٰه عنهم في يسير العمل و رضوا عنه في يسير الثواب لأنه لا يتمكن تحصيل ما لا يتناهى في الوجود لأنه لا يتناهى فلذلك قلنا متعلق الرضي اليسير و هو الرضي بالموجود فرضي به من اللّٰه و عن اللّٰه فيه و ما قدم اللّٰه رضاه عن عبيد بما قبله من اليسير من أعمالهم التي كلفهم إلا ليرضوا عنه في يسير الثواب لما علموا إن عنده ما هو أكثر من الذي وصل إليهم فهو يصل إليهم مع الآنات حالا بعد حال أبد الآباد من غير انقطاع مع انقطاع أعمالهم التي كانت عن تكليف مشروع فانقطعت الأعمال منهم و لم تتقطع العبادة
[بقاء جزاء العبادة في السعداء و جزاء العبودية في الأشقياء]
فإذا تناهي حد العمل الحسن و القبيح في أهل الجنة و أهل النار بقي جزاؤهم جزاء العبادة في السعداء و جزاء العبودية في أهل النار و هو جزاء لا ينقطع أبدا فهذا أعطاهم اتساع الرحمة و شمولها فإن المجرمين لم يزل عنهم شهود عبوديتهم و إن ادعوا ربانية فيعلمون من نفوسهم أنهم كاذبون بما يجدونه فتزول الدعوى بزوال أوانها و تبقي عليهم نسبة العبودية التي كانوا عليها في حال الدعوى و قبل الدعوى و يجنون ثمرة قولهم
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية