و في هذه الآية نظر و هذه مسألة ما حققها الفقهاء على الطريقة التي سلكنا فيها و في تحقيقها فافهم و لم يقل في الماء تيمموا الماء فيفتقر إلى روح من النية و الماء في نفسه روح فإنه يعطي الحياة من ذاته قال تعالى ﴿وَ جَعَلْنٰا مِنَ الْمٰاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء:30] فإن كل شيء يسبح بحمد اللّٰه و لا يسبح إلا حي فالماء أصل الحياة في الأشياء و لهذا وقع الخلاف بين علماء الشريعة في النية في الوضوء هل هي شرط في صحته أو ليست بشرط في صحته و السر ما ذكرناه فإن قيل إن الإمام الذي لا يرى النية في الوضوء يراها في غسل الجنابة و كلا العبادتين بالماء و هو سر الحياة فيهما قلنا لما كانت الجنابة ماء و قد اعتبر الشرع الطهارة منها لدنس حكمي فيها لامتزاج ماء الجنابة بما في الأخلاط و كون الجنابة ماء مستحيلا من دم فشاركت الماء في سر الحياة فتمانعا فلم يقو الماء وحده على إزالة حكم الجنابة لما ذكرنا فافتقر إلى روح مؤيد له عند الاغتسال فاحتاج إلى مساعدة النية فاجتمع حكم النية و هي روح معنوي و حكم الماء فازالا بالغسل حكم الجنابة بلا شك كأبي حنيفة و من قال بقوله في هذه المسألة و من راعى كون ماء الجنابة لا يقوى قوة الماء المطلق لأنه ماء استحال من دم كماء الجنابة إلى ممازجته بالأخلاط و مفارقته إياه بالكثافة و اللونية قال قد ضعف ماء الجنابة عن مقاومة الماء المطلق فلم يفتقر عنده إلى نية كالحسن بن حي و المخالف لهما من العلماء ما تفطنوا لما رأياه هذان الإمامان و من ذهب مذهبهما فاجعل بالك لما بينته لك و رجح ما شئت
(وصل) [أقسام المياه و أقسام العلوم]
و بعد أن تحققت هذا فاعلم إن الماء ماءان ماء ملطف مقطر في غاية الصفاء و التخليص و هو ماء الغيث فإنه ماء مستحيل من أبخرة كثيفة قد أزال التقطير ما كان تعلق به من الكثافة و ذلك هو العلم الشرعي اللدني فإنه عن رياضة و مجاهدة و تخليص فطهر به ذاتك لمناجاة ربك و الماء الآخر ماء لم يبلغ في للطافة هذا المبلغ و هو ماء العيون و الأنهار فإنه ينبع من الأحجار ممتزجا بحسب البقعة التي ينبع بها و يجري عليها فيختلف طعمه فمنه
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية